أكثر الأسرار شيوعاً في الشرق الأوسط، وربما في العالم، هو ذلك المتعلق بالاجتماعات التي يعقدها الملك حسين، دورياً، مع المسؤولين الاسرائيليين. منذ سنوات طويلة تتكرر "المسرحية": إياها اجتماع "سري" في لندن أو غيرها، في العقبة أو إيلات، تسريبات صحافية، نفي من تل أبيب وعمان مصاغ بلهجة ديبلوماسية مهذبة تكذّب الواقعة ولا تدين المبدأ. لم يعرف شيء عن الاتصالات المصرية - الاسرائيلية التي مهدت لكامب ديفيد الا بعد سنوات من حصولها في المغرب وغيره. وفاجأ الفلسطينيون والاسرائيليون الكثيرين في العام الماضي عندما نقلوا الى العلن نتائج مفاوضاتهم في أوسلو. ولكن على خلاف ذلك، يصعب حصر الكتب والمقالات التي تمتلئ بتفاصيل الاجتماعات بين عاهل الأردن وزعماء اسرائيل الذي توالوا على الحكم منذ عقود. وعلى هذا الأساس فان مصافحة واشنطن بين الملك الأردني ورئيس الوزراء الاسرائيلي لن تكون الأولى فالرجلان يعرفان بعضهما جيداً. يحصل لقاء واشنطن تتجويجاً لاسبوع من المحادثات في الشرق الأوسط، وبعد زيارة علنية لوزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز الى الأردن وبعد لقاء شهير مع الأمير حسن في واشنطن ومع ذلك فان "العلانية" تضيف، بعداً سياسياً جديداً اليه كونها تؤشر الى منعطف في العلاقات الثنائية. أصبحت مصافحة المسؤولين الاسرائيليين عادة عربية دشّنها الرئيس المصري أنور السادات وعرفت طوراً جديداً في واشنطن مع الرئيس ياسر عرفات ثم في المغرب مع الملك الحسن الثاني، ورافق ذلك عدد بات لا يحصى من اللقاءات الثنائية بدءاً من مدريد وصولاً الى واشنطن ومن الاجتماعات المتعددة في عواصم العالم وعواصم المنطقة… ومع ذلك يبقى للقاء قمة بين بلد عربي واسرائيل طعم خاص. ثمة شعور، بات يهدد بالتحول الى دائم، بأن صفحة جديدة تكتب في تاريخ المنطقة وبأن الحدث طازج وجديد وغريب وغير مسبوق! الاصرار على العلانية مطلب اسرائيلي تبنته الولايات المتحدة وأقنعت الأردن به. ولم تنجح عملية الاقناع من غير ضغوط مورست على عمان وتولى الملك حسين أمر الاعلان عنها بلغة مأسوية. وعلى هذا الأساس فان السؤال المطروح، بمناسبة اللقاء بين اسحق رابين والملك حسين، هو: لماذا غيّر الثاني رأيه ووافق على ما كان يسعى الى تأجيله أو ابقائه في اطار السرية؟ الأردن - فلسطين منذ ان أعلن عن الاتفاق الأردني - الاسرائيلي على "جدول الأعمال المفصل" والمملكة الأردنية تبث اشارات الى الفلسطينيين والسوريين والعرب بأنها تملك خياراً آخر وانها لا تستطيع الانتظار طويلاً من دون الأخذ به وانها قد تضطر الى ذلك، في حال لم يتبلور مشروع آخر. عبثاً، لم يلتقط أحد هذه الرسائل ويفكّ رموزها. على الصعيد الفلسطيني استمر النهج اياه الذي بدأ في مدريد تحت شعار الانفكاك عن الوفد الاردني. وبدأ ياسر عرفات كمن يحاول الاستقلال عن الأردن أولاً. والمعروف انه تأخر في الظهور في ساحة البيت الأبيض يوم 13 ايلول سبتمبر لأنه كان يفاوض بيريز حتى اللحظة الأخيرة، حول صيغة التوقيع على "اعلان المبادئ" مطالباً بشطب الاشارة الى ان الجهة الفلسطينية الموقعة هي جزء من الوفد المشترك مع الأردن. وفي اثر ذلك تقدم المسار الفلسطيني - الاسرائيلي باستقلال كامل عن عمان حتى في قضايا تخصها مباشرة وتعنيها. لقد نوقشت، مثلاً، مسألة الأمن على "معبر أريحا" من غير اشراف عمان أو اطلاعها على التفاصيل. ونوقشت قضية العملة المستخدمة في أرض الحكم الذاتي واحتمال تأسيس مصرف مركزي فلسطيني من غير التنسيق مع الأردن. وفي كل مرة كانت المملكة الأردنية تجد نفسها مضطرة الى التدخل مع اسرائيل سواء من اجل ان تعرف أو من أجل ان تمارس حق النقض على توجهات تمس أمنها بالمعنى الواسع للكلمة. وضع ياسر عرفات البيض كله في سلة مصر، عربياً، وأميركا، دولياً، وبشكل يستبعد الآخرين ويقفز فوقهم. وتعمّد، حيال الأردن، انتهاج سياسة هي أقرب ما تكون الى "تطبيب الخاطر" منها الى الاهتمام الجدي: لجان تشكل ولا تجتمع، لقاءات عابرة، اتفاقات فارغة لانقاذ المظاهر، وعود تناقض التزامات حيال اسرائيل في المجال الاقتصادي خاصة. تهرب من اجتماعات ذات جدول أعمال محدد، انتداب عناصر قيادية لمهام فرعية. لقد أصم عرفات أذنيه عن نداءات متكررة وجهها الملك حسين وتحولت، مع الوقت، الى انذارات. ولوحظ انه لما زار غزة وأريحا مرة، ثم انتقل الى الاقامة في أرض الحكم الذاتي، تعمد تجاهل الأردن في المرتين. قطع عرفات الشك باليقين. لم يعد ممكناً، من وجهة نظر أردنية، تفسير سلوكه على انه نوع من التناسي أو الخطأ. انه تجاهل مقصود واستفزازي. ومن المؤكد ان المسؤولين الاردنيين كانوا في اجواء ما يشيعه المقربون من عرفات والذين ينسبون اليه انه قال حرفياً "اخذت أريحا عشان اشتغل بالملك قبل ما يشتغل فيّ"! وهو احتمى بتقدم المفاوضات مع اسرائيل مراهناً ان عمان ستبلع الموسى وتعجز عن العرقلة. ومن أكثر ما يزعج المسؤولين الاردنيين استمرار تأكيده على الكونفيديرالية برغم ان الملك حسين طالبه غير مرة، وعلناً، بالكف عن ذلك لعدم مطابقة هذا التوصيف مع العلاقة الفعلية الموجودة بين المنظمة والأردن. تصاعد المخاوف مقرب من الحكم الأردني يقول ان قراءة متأنية لسياسة الرئيس ياسر عرفات تقود الى استنتاج مؤداه انه يتبع حيال الأردن مزيجاً خاصاً من السياستين العمالية والليكودية. يأخذ من الأولى فكرة التسوية الاقليمية والانسحاب ويأخذ من الثانية ان الأردن هو، أيضاً، وطن الفلسطينيين. ينتج عن ذلك انه يريد "المملكة العربية المتحدة" معكوسة! يستطرد هذا المقرب مضيفاً ان الرئيس الفلسطيني يتصرف كمن يريد التوسع شرقاً طالما ان الامتداد غرباً مستحيل وانه، بعد ان انتزع الضفة الغربية من السيادة الأردنية، لا من اسرائيل، يعتبر هدفه المقبل انتزاع الضفة الشرقية. وعلى هذا الأساس يمكن فهم تصريحات الملك حول التهديد الذي تتعرض له دولته وهي تصريحات تشير، تلميحاً، الى قابلية تحول الكيان الفلسطيني، في ظل سياسة ما، الى خطر استراتيجي على الأردن، نظاماً وكياناً. لقد ساهم عرفات في دفع الأردن نحو الدخول في مناقصة مع اسرائيل. وهو ارتكب بذلك، حسب رأي الاردنيين، غلطة سياسية كبيرة، فبدل ان يحوّل مرحلةپالحكم الذاتي الانتقالية الى امتحان ينجح فيه ويستقوي لطرح قضايا الحل النهائي حوّلها الى معركة مع الأردن. وهو، بذلك، حرر المملكة الأردنية من ان تكون دعماً له، لاحقاً، لأنه لم يعد في وسعها ان تقول كلمتها في المفاوضات النهائية عبر "العلاقات الخاصة والاستراتيجية بين الشعبين" حسب قرارات المجلس الوطني ما اضطرها الى اختيار البوابة الاسرائيلية كي تدافع عن نفسها أولاً وتكون حاضرة ثانياً. الأردن - سورية بعد اتفاق واشنطنالفلسطيني - الاسرائيلي حصل تقارب أردني - سوري، وحصل ذلك على خلفية معقدة ناجمة عن المواقف المتباعدة في حرب الخليج حيث حصل "تبادل أدوار" غريب من نوعه: العلاقة الأردنية - الأميركية سلبية، العلاقة السورية - الأميركية ايجابية. عمان تريد تبييض صفحتها ودمشق تريد تثمير موقعها. بدا، لوهلة، ان "حلف المتضررين من أوسلو" قابل للنشوء غير ان الأردن كان خاضعاً لضغط يملي عليه التقارب مع الأميركيين لذلك وافق على الاشتراك في المتعددة خلافاً للموقف السوري. واتخذ، علناً على الأقل، موقفاً مؤيداً لاعلان المبادئ، ولم يقبل الاعتراضات السورية على ذهابه بعيداً في العلاقة مع واشنطن. وافق على تنسيق تكتيكي مع دمشق، لجهة قطع مفاوضات واشنطن او استئنافها، غير انه سرعان ما أدرك ان الجانب السوري يفهم التنسيق على انه "طاعة" ويتجنب اعطاء أي مضمون آخر له. غير انه لا يمكن، من وجهة نظر عمان، ان تكون العلاقات الأردنية - السورية نسخة عن العلاقات اللبنانية - السورية وذلك لأسباب كثيرة، منها، مثلاً، ان الحدث الفلسطيني عنصر ضاغط بقوة على المملكة الأردنية لا تستطيع تركه يفرض أمراً واقعاً عليها. ومنها، أيضاً، ان دمشق لا تستطيع مطالبة عمان بالكثير. فلا جيشها موجود هناك، ولا هي تقول انها انقذت هذا الشقيق من حرب وهي ترعى خروجه نحو السلام. ولا العالم سلم لها بحق النظر في الأوضاع الأردنية. وهكذا فان عرض التنسيق السوري على الأردن بدا غير مقنع: تشاركون معنا، وتقاطعون معنا من غير ان تعرفوا ما نفعله بالضبط والى اين وصلت المفاوضات وما هو المستقبل الذي نتصوره للعلاقات الثنائية معكم وللثلاثية مع لبنان. بين الوضوح الفلسطيني المتسرع والغموض السوري المتباطئ لم يكن في وسع الأردن اتباع سياسة رمادية ترتبط تماماً بواحد من المحورين. بدت المملكة الأردنية مهددة، لبرهة، بأن تكون مثل جسم مربوط الى فرسين يسيران في اتجاهين معاكسين: التفسخ هو المآل الوحيد. لذلك كان لا بد من تغيير قواعد اللعبة والقفز الى الأمام حتى لو كان مجهولاً: تطوير العلاقة مع الولايات المتحدة واسرائيل لمواكبة الاندفاعة الفلسطينية والحد من تأثيرها، وتأخير توقيع معاهدة سلام لعدم استفزاز سورية واشعارها أنها معزولة. هذه هي، حالياً، "فذلكة" السياسة الأردنية. ثمة عوامل أخرى، غير الطلب الاسرائيلي والضغط الأميركي والسياستين الفلسطينية والسورية، لعبت دوراً في دفع الأردن نحو الحسم، منها، مثلاً، التركيبة الديموغرافية للبلد حيث يعيش الاردنيونوالفلسطينيون تجربة هي فوق التعايش وتحت الاندماج. ثمة تقاسم لمواقع النفوذ الاقتصادية والسياسية والثقافية والامنية. واذا كان القرار النهائي في يد الملك حسين فهذا لا يلغي وجود معارضة اسلامية نشيطة وذات لون معين لا تتردد في رفع صوتها ضد الاختيارات الكبرى. ولذلك لم يكن ممكناً للحكم انتظار تبلور الكيان الفلسطيني قبل ترتيب البيت الداخلي والاستناد الى علاقات واضحة مع الجار الأقوى. لقد مرت العلاقات الاردنية - الفلسطينية بأطوار كثيرة غير ان قرار فك الارتباط وضعها في مرحلة جديدة وهو اذا كان يعني ايصال احترام القرار الوطني الفلسطيني المستقل الى غايته فانه يعني، ايضاً، تحرير القرار الاردني من الارتهان الى علاقة لا يبدو الطرف الآخر متحمساً لتوضيحها وتطويرها. الى ذلك لم يخف الملك حسين ان بلده لا يعيش ضائقة اقتصادية فحسب بل ازمة كبيرة تتفاقم منذ حرب الخليج: تدفق فلسطيني من الكويت، آثار حصار العراق، تراجع اسعار المواد الاولية، انخفاض عائدات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، الخ… وتترجم هذه الازمة نفسها بديون عالية وعجز تجاري وتضخم ونسبة مرتفعة من البطالة. وبما ان الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي أوجد نقطة جاذبة للمساعدات والاموال وفي ظل غموض العلاقة به فان الوعود الاميركية بإلغاء قسم من الديون وجدولة الباقي تصبح وعوداً مغرية جداً وربما حافزاً سياسياً على مواقف عربية مختلفة من الاردن تتخلى عن فكرة العقوبة. لعبت العزلة العربية للاردن دوراً في القرار الاخير وكذلك الهموم الامنية. يطيب للمسؤولين في عمان تكرار انهم يملكون اطول حدود مع اسرائيل 650 كلم وحتى في حال نشأ كيان فلسطيني فان حدودهم تبقى الاطول وتضاف اليها حدود جديدة مع "الوافد" الجديد الذي لم تتضح معالم العلاقة معه. لذلك لم يكن غريباً ان يذهب الملك حسين الى الاشارة الى ان تسليح الاردن من جانب واشنطن هو جزء من الصفقة التي عقدها معه. يمكن استطراداً الاشارة الى الحال الصحية للعاهل الاردني وادراكه ان التطورات الاقليمية تحمل تهديدات "تاريخية" لبلده وذلك من اجل فهم الشرح الدراماتيكي الذي قدّمه لتبرير خطوته والذي يتضمن ان القضية ليست اقل من "قضية حياة او موت"! لقد اضطر الفريق الاردني الى ان يلعب ضد الفريق الفلسطيني وضد الفريق السوري. هذا ما قاله معلّق مستفيداً من اجواء "المونديال". واضاف "ان الفريق اللبناني يصفّق للسوري والفريق الاسرائيلي يكاد يتحول الى… حكم"! الاردن واسرائيل اسرائيل مرتاحة الى هذا التطور في علاقتها مع الاردن ورئيس وزرائها اسحق رابين هو اكثر الاسرائيليين سعادة. لماذا؟ اولاً: هذا بلد عربي آخر يتقدم نحو الغاء حال العداء منفردا ومن غير ان تكون تل ابيب التزمت بما هو متوجب عليها عند الحلّ الشامل والنهائي. ثانياً: اذا كان الاتفاق مع المنظمة يثير شقاقاً فان اي اتفاق مع الاردن يستدعي اجماعاً اسرائيلياً يعزز موقع رابين. وقد وصل زعيم "ليكود"بنيامين نتانياهو الى التصريح "ما فعلته هذه الحكومة هي انها أبرمت اتفاقاً مع منظمة التحرير الفلسطينية على حساب الاردن وأرجو ان تبرم اتفاقاً مع الاردن على حساب منظمة التحرير الفلسطينية". لم يكن مرة صادقاً وصائباً مثل هذه المرة. فما يريده رابين هو استخدم العلاقة مع الاردن لغرضين: مداواة الجراح التي خلّفها في الجسد الاسرائيلي الاتفاق مع المنظمة، ورفع "العصا" الاردنية في وجه ياسر عرفات وسورية. وقد باشر شمعون بيريز ذلك ملوّحاً بسهولة التفاوض مع الملك حسين حول القدس ما سيرغم عرفات على اعادة تحديد خطابه حيال المدينة المقدسة. ومضى نائب بيريز في الخارجية يوسي بيلين الى القول "هذا الاجتماع سيسهل مفاوضاتنا مع الفلسطينيين الذين لا يريدون ان يكونوا في المؤخرة كما سيسهلها مع سورية التي تلاحظ ان شركاءها العرب غير مستعدين للتقيد بوتيرتها في التفاوض". ثالثاً: لقد حققت تل ابيب انتصاراً اقليمياً في المشرق على دمشق ولهذا حسابه الكبير في المرحلة القادمة. لقد كان يقال ان الرئيس حافظ الاسد يريد، في المفاوضات، "حق النطق باسم ثلاث دول واربعة شعوب" فخرج الشعب الفلسطيني وتبعته الدولة الاردنية فبات الحكم السوري ينطق باسم "شعب واحد في دولتين" طالما ان هذا هو تعريضه للعلاقات اللبنانية - السورية. وقد لوحظ ان اعتراض دمشق على تفرد عمان كان هادئاً بما يحتمل احد تفسيرين: اما انها غير قادرة على استقبال وارن كريستوفر بحملة قاسية واما انها تنوي استخدام الحوار الاردني - الاسرائيلي كقناة خلفية مع تل ابيب تخدم حيث لا تخدم القناة الاميركية المعلنة. وقد سبق ذلك ان حصل في 1976 عندما لعب الملك حسين دوراً مؤكداً في اقناع الاسرائيليين ب "جدوى" الدخول السوري الى لبنان. رابعاً: اذا حصل اختراق في المسار الاردني يصبح التلويح ب "الورقة العراقية" اشد فعالية. لقد ازدهر الكلام عن محادثات سرية عبر وسطاء بين بغداد وتل ابيب. وبالرغم من صعوبة تأكيد ذلك او نفيه يمكن القول انه موجّه، بمعنى ما، ضد سورية التي قد تصبح محشورة - في حال صدقت الانباء - بين خطر جنوبي يمتد من تل ابيب الى عمان ويلتف شرقاً بين الجار التركي الشمالي المتأهب للانضمام الى السوق الشرق الاوسطية. خامساً: ان ما يقوله نتانياهو وبيلين صحيح. الاتفاق مع عمان، في ظل الظروف الراهنة لعلاقتها مع منظمة التحرير، يضعف الجانب الفلسطيني حيال تل ابيب. يجب على المرء ان يتذكر، هنا، انه اذا سارت الامور على خير ما يرام فان الحل النهائي على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي لن يدخل حيز التنفيذ قبل أيار مايو 1999 ! بما يعني ان المنظمة قد تجد نفسها مضطرة الى التفاوض في ظل شروط صعبة جداً. لقاء البيت الابيض بين الملك حسين واسحق رابين انتصار جديد، وسهل، للديبلوماسية الاميركية. وليس سراً كم تحتاج الادارة اليه بسبب ضعف صدقيتها في السياسة الخارجية والشائعات المستمرة حول ضرورة توضيح معالمها واختيار شخصيات اخرى لتنفيذها. ولعل هذا الانتصار يكون مفيداً عشية الانتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل وهي انتخابات اعتادت ان تعاقب "حزب الرئيس". ويتأكد، بعد حرب اليمن، ان الاطراف في الشرق الاوسط مهما بلغت خلافاتها في ما بينها، تبقى على علاقة جيدة مع واشنطن. وهكذا تتحول العاصمة الاميركية الى المدبّر العقلي ل "العلاقات العربية المأزومة" وتنجح في تحويل قسم من رصيدها في هذا المجال الى الحساب الاسرائيلي. وقد دلّت احداث الاسبوع الماضي على شيء من هذا القبيل اذ لو لم يكن وارن كريستوفر في المنطقة لما كان لقاء واشنطن يمرّ في ظل مواقف عربية تتراوح بين الترحيب الصاخب والعتاب الرقيق!