تعتمد دول عربية نامية، مثل سورية ولبنان ومصر والاردن، وحتى تونس والمغرب، في جزء مهم من خطط التنمية لديها على المساعدات والقروض الميسرة من الخارج، خصوصاً من الدول النفطية في الدرجة الاولى، ومن الدول الصناعية مثل الولاياتالمتحدة واليابان والاتحاد الاوروبي. وبالفعل، ساهمت القروض والمساعدات التي وفرتها هذه الدول، خصوصاً دول الخليج العربي، في تمويل جزء أساسي من المشاريع التي بدأ تنفيذها، وأنجز قسم منها وهو ما تحقق في دولتين نالتا قسطاً وافراً من المساعدات، مثل مصر ثم سورية اللتين قدر حجم ما حصلتا عليه في السنوات الثلاث الماضية بما يصل الى حوالي 6 مليارات دولار، من بينها اعفاءات من الديون المتوجبة لمصلحة بعض الدول الخليجية. واذا ما احتسبت القروض والمساعدات التي حصلت عليها الدول الاخرى في العقدين الماضيين، فإن الرقم يرتفع الى مستويات لا تقل عن 25 مليار دولار، تركز معظمها لتمويل مشاريع ذات طابع تنموي، وفي مجال البنية الاساسية. ومع ذلك، فإن استمرار الاتكال على هذا النوع من المساعدات والقروض قد لا يكون خياراً مقنعاً وواقعياً في المرحلة المقبلة، لاعتبارات عدة، أبرزها ان الدول المانحة، وهي دول نفطية في الاساس، باتت أكثر حاجة لاعادة برمجة خططها الانفاقية نتيجة تراجع عائدات النفط من جهة، لكن ايضاً نتيجة الحاجة الى معالجة تفاقم الخلل المالي الذي تعاني منه. واتجاهها الى اعادة النظر ببرامج الانفاق المحلي، والتوسع في سياسة تحرير أسعار الخدمات والاسعار. كذلك فإن الدول المانحة الاخرى، خصوصاً الدول الصناعية مثل الولاياتالمتحدة واليابان والاتحاد الاوروبي، تتجه اكثر فأكثر الى إعادة النظر بسياسة المساعدات الخارجية التي تطبقها حالياً، مع ارتفاع عدد الدول التي تحتاج الى الدعم أوروبا الشرقية، الاتحاد السوفياتي السابق، ناهيك عن حاجتها هي الاخرى الى تحسين كفاءة أنظمتها المالية الداخلية، وقد تكون المفاوضات المصرية - الاميركية للابقاء على المساعدات التي تقدمها واشنطن للقاهرة خير مثال على الاتجاه الذي تنوي الدول الصناعية سلوكه. طبعاً، هذا الكلام ليس جديداً إذ بدأت دول عربية عدة زيادة الاعتماد على مصادرها الذاتية لتمويل خطط النهوض الاقتصادي، كما هي الحال في مصر. وبدرجة أقل في سورية والاردن ولبنان، وحتى في المغرب وتونس، إلاّ أن المهم هو الا تكون هذه الدول تأخرت بما يكفي لاعاقة خطط النمو عن طريق الاستمرار في تجاهل المعوقات التي تمنع تدفق الاستثمارات، بدلاً من المساعدات، وفي الابقاء على الهيكليات الادارية والمالية التي تحبط من عزيمة التوظيفات، وتجعل المناخ الاستثماري "مناخاً غير صديق" للرأسمال الخاص.