يجول رئيس المفوضية الأوروبية جاك سانتير على عواصم الشرق الأوسط بين 6 و12 شباط فبراير الجاري للبحث في صعوبات عملية السلام والنتائج الاقتصادية التي آلت اليها في الساحة الفلسطينية جهود المجموعة الدولية على رغم سخائها. وتأتي زيارة جاك سانتير الى المنطقة بعد فشل الوساطة الأميركية بين السلطة الوطنية واسرائيل. ويتزود رئيس المفوضية بوثيقة تحليلية عرضتها المفوضية على المجلس الوزاري الأوروبي تناولت أداء الاتحاد في الشرق الأوسط وحاجته الى تحسين مساهمته في مسيرة السلام حتى لا يستمر في دور المكمل للسياسة الأميركية أو المصرف الذي يجبر الاضرار الاقتصادية الناجمة عن السياسة الاسرائيلية. وتستنتج الوثيقة بأن "مسيرة السلام في جمود ولا يمكن احراز تقدم حقيقي ذي مصداقية من دون التنفيذ الكامل للاتفاقات التي التزمتها بحرية الأطراف المعنية". وتوصل الى هذه القناعة الرسمية خبراء المفوضية بعد مراجعة تطورات عملية السلام والبحث في مدى جدوى المعونات التي قدمتها المجموعة منذ 1993، لاعادة إعمار الاقتصاد الفلسطيني ودعم المسيرة السلمية. إلا أن النتائج بدت عكسية. فالمسيرة التفاوضية معطلة بل تقارب الانهيار كل اسبوع ويتراجع دخل الفرد الفلسطيني بشكل خطير الى دون مستوياته في أعوام الانتفاضة. ويثير تدهور الوضع مخاوف المسؤولين الأوروبيين من خطر انفجار الوضع الاجتماعي من ناحية ونسف خطة الشراكة الأوروبية - المتوسطية من ناحية أخرى، بسبب تداخل مسيرة السلام وخطة الشراكة التي تهدف خلق اطار التعاون الاقليمي لدعم الحل السلمي. ولاحظ المفوض الأوروبي للشؤون المتوسطية مانويل مارين في تقديمه للوثيقة التحليلية، التي نالت اجماع أعضاء المفوضية قبل أن ترفع الى المجلس الوزاري، ان "تعطيل عملية السلام أدى الى تنامي مشاعر الحرمان ومخاطر عدم الاستقرار الاقليمي". خطر انهيار العملية السلمية وتدهور المناخ السياسي في منطقة الشرق الأوسط بشكل منتظم من جراء سياسات اسرائيل، خصوصاً في ظل حكومة تجمع الليكود، بتشجيعها أعمال تهويد المعالم الاسلامية في القدسالشرقية والسماح لجماعات المستوطنين باحتلال أملاك الفلسطينيين في الجزء الشرقي من المدينة، وبناء المستوطنات الجديدة وتوسيع الأخرى القائمة الموروثة عن حكومة حزب العمل. ودفعت اسرائيل، من خلال محاولات تملصها من الاتفاقات التي وقعتها مع السلطة الوطنية الفلسطينية، الى حدوث ردود فعل انتقامية نسبت لأنصار حركة المقاومة الاسلامية "حماس" ومنظمة "الجهاد الاسلامي". وتوحي خطة ارييل شارون - نتانياهو الهادفة الى ابقاء الاحتلال الاسرائيلي، في نطاق مفاوضات الوضع النهائي، على ستين في المئة من الضفة الغربية بأن تدهور العملية السلمية سيتجاوز الخط الأحمر ونقطة اللاعودة، اذا لم تتدارك الإدارة الأميركية الوضع وتقلل من انحيازها لحكومة اسرائيلية متعنته قد تجرها الى فقدان مصالحها في المنطقة. ويخفي الأوروبيون قلقهم الكبير على مستقبل العملية السلمية ويتحفظون عن التصريح بذلك، كرفض المفوض مانويل مارين التعليق على الخطة الاسرائيلية خلال تقديمه الوثيقة التحليلية أمام الصحافة الدولية. لكنه أقر بتهميش دور الاتحاد الأوروبي في العملية السلمية على رغم مساهمته بأكبر قسط 64 في المئة من المعونات التي تقدمها المجموعة الدولية، منذ 1993، لتشجيع عملية السلام. وشبه مارين محدودية المساهمة السياسية للاتحاد "برجل الأعمال الذي يملك غالبية الأسهم في إحدى المؤسسات الاقتصادية لكنه لا يتمتع بحق العضوية في مجلس الادارة". واستنتجت الوثيقة بأن التفاهم على أن يقوم الاتحاد بدور "مكمل" للدور الريادي الأميركي "تم تنفيذه بشكل جزئي" واقترحت على الدول الأعضاء مراجعة توزع المهمات بما يضمن "إعادة المسيرة السلمية الى طريقها". وترتب عن جمود العملية السلمية تقلص حماس المستثمرين والأطراف المعنية في المنطقة بمسائل التعاون الاقليمي على رغم حيوية المشاريع الانمائية وجهود الاتحاد لتمويل دراسات الفعالية لعدد منها مثل بناء السدود والقنوات المشتركة بين اسرائيل والأردن وخطة الربط الكهربائي الاقليمي والتعاون البيطري. وأدت سياسة توسيع الاستيطان وتهويد القدس وتراجع اسرائيل عن اتفاقات السلام والمضاعفات الأمنية الخطيرة التي نجمت وردود فعل الحصار والعقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين الى تجميد مفاوضات التعاون الاقتصادي الاقليمي التي تفرعت عن مسيرة السلام، خصوصاً بعد أن اتفقت الدول العربية في آذار مارس 1997 على تعليق مسار التطبيع مع الدولة العبرية. وتستنتج المفوضية بأنه لم يبق اليوم "سوى مشاريع فنية صغيرة مثل مركز دراسات تحلية المياه في سلطنة عمان" بعد تقدم مهم كانت أحرزته المفاوضات المتعددة الأطراف المطولة. كما تبدد المناخ الايجابي الذي أحدثته "القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال افريقيا" في اجتماعها الأول في الدار البيضاء في تشرين الثاني نوفمبر 1994، خلال تولي حزب العمل الحكم في اسرائيل، وفي مؤتمر عمان في السنة التالية. إلا أن الوضع تغير بعد قدوم تجمع الليكود حين تقلصت حظوظ المؤتمر الاقتصادي في اجتماع القاهرة 1996 وتبددت في الاجتماع الأخير في الدوحة 1997 وقاطعته الدول العربية الكبرى وانتهى من دون أن يجد مرشح عربي لاستضافة دورته السنة الجارية. واستنتجت المفوضية الأوروبية بأنه على رغم "أهمية الموارد المادية والاقتصادية التي وفرها الاتحاد والمجموعة الدولية ككل، يبدو اليوم أن التعاون والاندماج الاقليمي لا يتحققان من دون احراز تقدم حقيقي على طريق حل النزاع العربي - الاسرائيلي. وكان مؤتمر الدوحة أبرز مثال على شلل الجهود المتعددة الأطراف وعن هدر الجهود المالية والسياسية التي بذلت" طوال أعوام. هدر المعونات الدولية وأعرب المفوض مانويل مارين عن اعتقاده بأن المساعدات الدولية لم تحقق أهداف إعادة إعمار الاقتصادي الفلسطيني لكنها حالت دون انهيار مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. وقدمت المجموعة الدولية منذ توقيع اتفاقات أوسلو في خريف 1993 ما قيمته 2.8 بليون دولار لتمويل مشاريع التنمية في أراضي الحكم الذاتي وتمويل قيام المؤسسات الفلسطينية. ومثلت المساهمة الأوروبية نسبة 54 في المئة في مقابل 10 في المئة نسبة المنح التي قدمتها الولاياتالمتحدة و8 في المئة اليابان و6 في المئة المملكة العربية السعودية و15 في المئة الأطراف الدولية الأخرى من أوروبا الشمالية وآسيا واستراليا. وأبرز مانويل مارين الحاجة الى إعادة تقويم عملية السلام وأداء كل من الأطراف الدولية في دعمها حتى يتيسر ضمان استمرار سخاء المجموعة الدولية والاتحاد الأوروبي بشكل خاص لأن برنامج المساعدات الأوروبية يصل السنة الجارية الى نهايته. وقد يجد المفوض الأوروبي صعوبات في اقناع الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي بضرورة مواصلة الدعم المالي للفلسطينيين في السنوات الخمس المقبلة وبقدر كاف. ويتمتع الفلسطيني بأكبر قسط من المساعدات الانمائية الأوروبية مقارنة مع ما يقدمه الاتحاد الى دول حوض البحر الأبيض المتوسط. وبينما يصل معدل المعونة الى 258.7 وحدة نقد أوروبية ايكو للفرد الفلسطيني لا يتجاوز 24 ايكو للفرد في دول اتفاقية لومي وغالبيتها من الدول الفقيرة و11.2 ايكو بالنسبة للفرد في دول جنوب شرقي الحوض المتوسطي. وعلى رغم ارتفاع المعونات الدولية للفلسطينيين من الناحية الحسابية بدت نتائجها مخيبة وعكسية لما كانت تتوقعه الدول المانحة. وأدت العقوبات الجماعية التي تفرضها اسرائيل في كل مرة استهدفتها فيها عمليات انتحارية أدت الى تعطيل عمليات الانتاج والتصدير وشلل العمالة الفلسطينية. وأغلقت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة طوال 233 يوماً من اجمالي 1108 أيام عمل بين 1993 و1996. وكانت النتيجة أن تقلص الدخل الوطني الخام بنسبة 36 في المئة منذ توقيع اتفاق أوسلو وبمعدلات تفاوتت حسب الأعوام بنسب 26.5 في المئة في 1993 و4.12 في المئة في 1994 و0.8 في المئة في 1995 و8.62 في 1996 و0.77 في المئة في 1997. ودفعت سياسة العقوبات الاجتماعية أفواج العمال الى البطالة التي ارتفعت من 20.3 في المئة في 1993 إلى 42.75 في 1996. وفي السياق نفسه ولأسباب الظروف السياسية والأمنية تقلصت الاستثمارات المباشرة المحلية والأجنبية، بشكل منتظم، حتى أنها بلغت 250 مليون دولار فقط عام 1996 أي أقل من ثلث المعدل في أعوام الانتفاضة. ولم يساعد اتفاق الشراكة الذي أبرمه الاتحاد مع السلطة الوطنية الفلسطينية، في شباط فبراير 1997، في تحسين حركة المبادلات بين الجانبين لجهة افتقاد السلطة الفلسطينية منافذ نحو الأسواق الخارجية واستمرار ارتباط صادراتها والواردات من أوروبا بنقاط العبور وموانئ اسرائيل. ونتيجة لسياسة الحصار الاسرائيلي انخفضت الصادرات الفلسطينية الى السوق الأوروبية بنسبة 50 في المئة في حين تضاعفت الواردات، الأمر الذي يزيد في عجز الميزان التجاري الفلسطيني. وتبحث المفوضية الأوروبية منذ أشهر مع الاسرائيليين عن تفاهم لحل مشكلة انتهاكات الدولة العبرية قوانين شهادات المنشأ وتصديرها منتجات المستوطنات في الأراضي الفلسطينية وهضاب الجولان المحتلة تحت علامة "صنع في اسرائيل"، ما يعتبر تزويراً واضحاً لقواعد المنشأ لأن الاتحاد الأوروبي لا يعترف باحتلال اسرائيل وضمها الأراضي المحتلة. الى ذلك تبدو المعونات الدولية وكأنها تحولت من وسيلة الانماء الاقتصادي والاجتماعي الى صندوق لسد عجز الموازنة الفلسطينية وتغطية فواتير سير الإدارة ورواتب رجال الأمن وحبيبات تخفف من خسائر المنتجين ووجع فقر مخيمات اللاجئين والامكانية الوحيدة لتهدئة خطر الانفجار الذي تسببه سياسات الحصار الاسرائيلي. وكأن المساعدات تحولت الى صندوق يحمي اسرائيل من مخاطر تفجر تسبب سياساتها العقابية في إشعال فتيلها. مسؤوليات السلطة الفلسطينية وبدافع الموضوعية لا تغطي الورقة الأوروبية على مسؤوليات السلطة الفلسطينية في تسيير الأزمة الاقتصادية وعجزها عن انشاء مؤسسات الاستيعاب المستقلة وتشير بشكل خاص الى ضلوع بعض أعضاء السلطة من دون ذكرهم، حسب ما كشفته التحقيقات الفلسطينية في هدر المال العام. وكان المجلس التشريعي الفلسطيني قدر تحويل أعضاء في السلطة الفلسطينية ما لا يقل عن 320 مليون دولار الى الخارج وطالب بمقاضاة المسؤولين عن هدر المال العام في وقت تعاني فيه الخزانة العامة من عجز خطير بفعل الحصار الاسرائيلي وسوء التسيير الفلسطيني. وذكرت الوثيقة الأوروبية ان تراجع الاقتصاد الفلسطيني يعود أيضاً الى "مناخ الشك الذي يحيط بتسيير السلطة الوطنية الفلسطينية الموارد العامة". ويثير سوء التسيير احباط المستثمرين القلائل، الذين قبلوا المغامرة وتحديات الحصار الاسرائيلي، لكنهم أضحوا يتراجعون بسبب ما يشاع عن انتشار المحسوبية وسوء الإدارة من جانب السلطة الفلسطينية. وقالت الوثيقة الأوروبية ان "اتهامات انعدام الجدوى والفساد وسوء الإدارة والارتشاء تستهدف السلطة الوطنية الفلسطينية. وعلى رغم ذلك لم ترد بالحزم على دعوات الشفافية التي أطلقها الناخبون والمجلس التشريعي الفلسطيني بشكل خاص. كما انها لم تحترم تعهدات قطعتها حيال المجموعة الدولية التي تقدم مساعدات مالية مهمة تمثل السبب الرئيسي لاستمرارها" السلطة. وأمام انعدام الثقة التي ولدتها نتائج التحقيقات الفلسطينية الداخلية عن الفساد وسوء التسيير، استنتجت المفوضية الحاجة "الى ربط مواصلة الدعم المالي بشرط احترام السلطة الوطنية الفلسطينية التزامات الشفافية وتحمل المسؤولية". وتؤدي الانتقادات الأوروبية والأخرى في شأن الفساد وفوضى الادارة الفلسطينية الى تقليص صدقية السلطة الوطنية على الصعيدين الداخلي والخارجي لكنها لا تحجب نظر الأطراف الدولية عن مسؤوليات الدولة العبرية. وأشارت المفوضية الى ان جهود الدول المانحة ساهمت في "ابقاء مسيرة السلام على قيد الحياة" إلا أن نتائجها الاقتصادية تم هدرها بفعل العراقيل التي تضعها اسرائيل منذ انطلاقها عام 1993. وقد وجب الاقرار بعد ستة أعوام على ابرام اتفاقات أوسلو واعلان المبادئ في واشنطن ان "جهود المجموعة الدولية خابت على الصعيد الاقتصادي وأن الفشل يثير الشعور بالملل لدى بعضها". خطر نسف الشراكة الأوروبية - المتوسطية وأمام تدهور الوضع السياسي في منطقة الشرق الأوسط والنتائج المخيبة التي آلت اليها جهود الدول المانحة، على رغم سخائها، وفشل المفاوضات المتعددة الأطراف حول التعاون الاقتصادي الاقليمي، أصبح التفريق بين المسيرة السلمية التي ترعاها الولاياتالمتحدة وخطة الشراكة الأوروبية - المتوسطية التي يقودها الاتحاد الأوروبي أمراً طوباوياً مستحيلاً. وبرز ذلك جلياً في اجتماعات الدورة الثانية لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وشركائه من جنوب شرقي الحوض المتوسطي منتصف نيسان ابريل الماضي في مالطا. وكان الاتحاد ركز جهوده الديبلوماسية خلال يومي الاجتماعات في فاليتا من أجل تأمين لقاء بين السيد ياسر عرفات ووزير الخارجية الاسرائيلي في حينه دايفيد ليفي. وكان اللقاء معدوم النتيجة سوى ما التقطته شاشات التلفزيون وما فهم عن حرص الدول الأوروبية على انقاذ عملية السلام والدليل الأقوى باستحالة اقامة الشراكة السياسية والاقتصادية والخوض في قيام حيز للاستقرار والازدهار الاقتصادي في ظرف تواجه فيه عملية السلام آفاقاً كارثية. وذكرت الورقة الأوروبية ان الاتحاد "دافع دائماً عن فكرة الفصل بين مسيرة الشراكة ومسيرة السلام" لأن الشراكة تبقى وسيلة التعاون الاقليمي في المنطقة المتوسطية "وآلية تعزيز التواجد الأوروبي على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية في منطقة بالغة الحيوية بالنسبة للاتحاد". إلا أن تشدد الدول العربية ورفضها احتضان اجتماعات وزارية تشارك فيها اسرائيل، بفعل تنصل الأخيرة من التزامات السلام، حال دون استمرار أعمال اللجان المتخصصة والمتعددة الأطراف. وألغى المغرب اجتماعاً كان مقرراً ان يستضيفه بين وزراء الصناعة في تشرين الثاني نوفمبر الماضي وتم نقل اجتماع كان مقرراً بين خبراء القطاع المدني من تونس الى روما. كما رفض الاسرائيليون المشاركة في ورشات المؤسسات الاقتصادية في تونس، في أيلول سبتمبر الماضي، "لأنهم كانوا حسب رأيهم غير راضين بالحيز المتواضع الذي خصص الى مؤسساتهم". ولاحظ مراقب عربي أن نقاشات خبراء الشراكة في المجالات السياسية والأمنية لم تحرز تقدماً طوال عامين نتيجة تنكر الجانب الاسرائيلي للاتفاقات الانتقالية، وبشكل خاص منذ وصول تجمع الليكود الى الحكم في ايار مايو 1996. ورفض الجانب العربي الخوض في مقترحات الاتحاد وضع اجراءات الثقة الأمنية وتبادل المعلومات العسكرية تمهيداً لميثاق مشترك حول الأمن والاستقرار المتوسطي. ولا تعترض الدول العربية على أفكار الثقة المتبادلة وحسن الجوار لكنها تعتبر الخوض فيها سابقاً لأوانه، بفعل مخاطر انهيار عملية السلام وعناد الدولة العبرية وتقويضها الأسس التي وضعها مؤتمر مدريد واتفاقات أوسلو خصوصاً تلك المتصلة بوقف الاستيطان وعدم اتخاذ مبادرات احادية الجانب في شأن القدسالمحتلة. وفي اتجاه الدول الأوروبية، يشكك بعض الدول العربية في الطروحات السياسية للاتحاد في شأن الأمن الاقليمي في حوض البحر الأبيض المتوسط. ويقترح الاتحاد وضع اجراءات الثقة الأمنية والتعاون لمكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات لكنه رفض مقترحات قدمها بعض الدول العربية مثل الجزائر وتونس ومصر للبحث في سبل مكافحة شبكات الارهاب. ويتهم بعض الجهات العربية دول الاتحاد الأوروبي بإيواء زعامات المنظمات المتطرفة. وعلى الصعيد الاقتصادي لم يلمس الجانب العربي، وبالذات الدول التي وقعت اتفاقات الشراكة مثل تونس والمغرب، تغيراً كمياً في حجم المعونات المالية التي وعد الاتحاد تقديمها في نطاق خطة الشراكة مقارنة مع قيمة الهبات والقروض التي كان قدمها الى كل من دول الجوار الجنوبي في نطاق اتفاقات التعاون التقليدي. ويواجه المسؤولون في دول الجنوب احراجاً في الرد على مؤسساتهم الاقتصادية التي تنتظر دائماً معونات إعادة التأهيل والاستعداد لاستحقاقات التبادل التجاري الحر، وذلك في الوقت الذي بلغت فيه مراحل الاصلاحات الهيكلية نهايتها في كل من تونس والمغرب وقطعت خطة تخصيص المؤسسات العامة خطوات مهمة وتم البدء في تفكيك ترسانات الرسوم الجمركية أمام الواردات من السوق الأوروبية. الى ذلك تبدو خطة الشراكة بعد عامين من اطلاقها في برشلونة في وضع المعاناة من العواقب السلبية الناجمة عن جمود عملية السلام والتنفس الصعب جراء محدودية المردود الاقتصادي، ما يثير مزيداً من التساؤلات في شأن مستقبلها.