كتبت "الوسط" يوم 14 شباط فبراير الماضي، في موضوع غلافها "عصر الفتن؟" وهي تجول في مشهد الايرانية وترصد الصراع بين الطوائف ومراكز القوى، عن غليان يرمي بعض الجماعات الى تحقيقه خصوصاً في مشهد عاصمة اقليم خراسان الذي يحاذي افغانستان ويعد معبراً سهلا للقادمين من زاهدان وهم ينقلون بضائعهم لترويج المخدرات داخل المدن الايرانية الأخرى. ونقلت "الوسط" عن مصادر في طهران ان ما جرى في مدينة مشهد في شأن مسجد فيض السني كان يرمي الى اشعال فتنة طائفية في اقليم خراسان كله وليس في مشهد وحدها لتحريك المدن السنية التابعة للاقليم، وان يتم ذلك في وقت تزايد النشاط في مجمل اقليم سيستان وبلوشستان وليس في عاصمة زاهدان وحدها. وان المخطط كان ينص على ان تبدأ زاهدان بالتحرك وعندما ترد السلطة تتحرك مشهد احتجاجاً. ولمحت المصادر الى دور لزعيم "الحزب الاسلامي" الافغاني قلب الدين حكمتيار في دعم التحرك الانفصالي في اقليم سيستان وبلوشستان وانه ارسل اسلحة ومعدات الى مجموعات تعمل في تهريب المخدرات داخل الاقليم وشجعها على التخطيط للانفصال وان الاتصالات مستمرة بينه وبين زعيم قبيلة "ناروئي" الايرانية في الاقليم لتنظيم تحرك داخل اقليم كرمان المحاذي لاقليم بلوشستان وتحديداً في مدينة رفسنجان، مسقط رأس الرئيس الايراني، لكي تأخذ الخطة ابعاداً ظاهرية غير اهدافها الحقيقية. ذلك ما كتبته "الوسط" وزادت عليه برصد آراء سكان مشهد الذين اجمعوا على "ان المعارضة ترتكب خطأ فادحاً بالتركيز على المدينة المقدسة". اذن لماذا هذا التركيز وما هي خلفيات الانفجار الذي وقع في ضريح الامام الرضا يوم عاشوراء عندما كان المزار، يضج بآلاف الزائرين الذين قدموا من مختلف المدن الايرانية والبلدان المجاورة؟ ومن الذي يقف وراء هذه الجريمة التي اودت بحياة العشرات وخلفت اكثر من 300 ضحية بين قتيل وجريح وهدمت اجزاء من الضريح؟ ولماذا ركزت ايران الرسمية على توجيه اصابع الاتهام الى منظمة "مجاهدين خلق"؟ وماذا يقول الايرانيون خصوصاً القيادات الدينية غير الرسمية، ومن يتهم الشارع الايراني في هذه العلمية التي تعد اسوأ ما تعرضت له ايران منذ حادث 28 حزيران يونيو 1981 ومقتل 72 من كبار زعمائها الدينيين السياسيين وعلى رأسهم آية الله محمد حسين بهشتي؟ صعود مشهد منذ ثلاثة اعوام اخذت مشهد تبرز على السطح في واجهة الاحداث الداخلية الخطيرة في ايران، خصوصاً انها اصبحت احد اهم مراكز الحوزات العلمية. وكانت بدأت بعد سقوط نظام الشاه تحظى بأهمية خصوصية في ظل العلاقات السيئة التي انتهت الى الحرب بين العراقوايران ولم يعد بامكان الشيعة الايرانيين زيارة العتبات في النجف وكربلاء، ومن هنا صارت المدينة في الصدارة ولم تنافسها غير مدينة قم التي فيها مدفن شقيقة الرضا، فاطمة المعصومة. وقبل ثلاثة اعوام، ومع ان مشهد مرت بظروف وتقلبات بعضها كان على صعيد الجدل في شأن المرجعية العليا عندما كانت تضم مراجع كباراً، منهم آية الله عبدالله الشيرازي، وبعضها الآخر على صعيد الصراع مع نظام الشاه، شهدت المدينة صدامات دموية هددت وحدة النسيج الوطني واظهرت معها القيادة الايرانية تشددا فأعدمت خمسة من الذين تسببوا في اشعال النيران في سيارات ومؤسسات حكومية وقادوا اعمال الشغب التي وصلت الى شيراز واراك وكان حصيلتها اعدام اربعة آخرين في شيراز. وحرص مرشد الثورة آية الله خامنئي ومعه الرئيس هاشمي رفسنجاني على ابداء اكبر قدر من الحزم في تلك الحوادث، ووصف الثاني الرجال الذين تسببوا فيها بپ"الاراذل والاوباش"، فيما اصدر الاول تعليمات مشددة تقضي باستخدام القوة في حالات مشابهة. جروح قديمة ولم تهدأ مشهد حتى انفجرت أزمة المسجد الذي اريد هدمه لتوسعة الحرم الرضوي، ما فتح جروحاً قديمة كانت قاربت ان تندمل، في وقت قدمت طهران على لسان خامنئي وعداً بمعالجة الامر، وهو ما لم يذكره بعض القيادات المحلية في المدينة التي ارتكبت اخطاء ذكرها تقرير رسمي اصدرته لجنة برلمانية خاصة وجعلت النار تحت الرماد. ومع استمرار موضوع مسجد فيض من دون حل عمد تجار المخدرات الدوليون الى استغلاله وعلى رأسهم ابناء قبيلة "ناروئي" التي دخلت مع السلطة في صراع مكشوف. وجاء حادث مشهد الأخير بعد ايام من صدام مسلح عنيف جرى في منطقة مضرت آباد في اقليم زاهدان الذي كان مسرحاً لاعمال عنف في شباط فبراير الماضي، وانتهى بمقتل محمد ناروئي وعدد من انصاره اثناء محاولة قوات الحرس الثوري ورجال الدرك وقوات الأمن الداخلي الافراج عن مجموعة من الرهائن بينهم العقيد ذو الفقاري احد القيادات الأمنية في المنطقة. لكن ايران الرسمية وجهت الاتهام مباشرة الى حركة "مجاهدين خلق". ولمح الرئيس رفسنجاني والاعلام الرسمي الى دور العراق في دعم الجماعة وقال رفسنجاني ان "الدول التي تؤوي جماعة "مجاهدين خلق" وتقدم الدعم اليها وتضع تحت تصرفها امكاناتها المادية والاعلامية، هي المسؤولة عن هذا العمل الاجرامي"، لكنه لم يشر بالاسم الى العراق مع ان تلك الاشارة تفسر بأنها موجهة الى العراق حيث تتمركز "مجاهدين خلق" وتنطلق من هناك في عملياتها العسكرية. وما لم يذكره رفسنجاني صراحة قاله التلفزيون الذي تحدث في تعليق شبه رسمي عن دور العراق في دعم "مجاهدين خلق" وقال ان "العراق يقف وراء جميع العمليات الارهابية" التي تتعرض لها ايران وآخرها تفجير مرقد الامام الرضا. ونقل التلفزيون في صياغة مقصودة ان طهران بعثت بعد ساعات من الحادث برسالة الى الأممالمتحدة تتضمن قائمة بخروقات العراق المستمرة لقرار وقف اطلاق النار بين البلدين. تصعيد مع العراق وقبل ذلك كان وزير الاستخبارات الايراني حجة الاسلام علي فلاحيان اعلن اعتقال اثنين من كبار ضباط المخابرات العراقيين تسللا الى داخل ايران لتنظيم شبكات تفجير وتخريب. وبرز هذا الاتهام في وقت تتعثر زيارة كان مقررا ان يقوم بها لبغداد وزير الخارجية الايراني الدكتور علي اكبر ولايتي لحل المسائل العالقة بين البلدين، وفي مقدمها موضوع الاسرى اذ يحتجز العراق، كما تقول ايران، زهاء ثمانية آلاف اسير، وفي ايران حوالي عشرين ألف اسير عراقي. ولفت المراقبين انه بينما كان رفسنجاني يشير ضمناً الى مسؤولية العراق في دعم "مجاهدين خلق" التي اصبحت المتهم الرئيسي بنظر ايران في حادث مشهد الأخير، صرح المسؤول عن لجنة الاسرى العقيد محمد علي نظران بأن هناك 32 ألف اسير ايراني ربما كانوا في العراق. وعلى رغم ان هذا المسؤول زاد كثيراً في الرقم الرسمي عن الاسرى الايرانيين ما يشير الى تصعيد سياسي ايراني ضد العراق عشية المفاوضات المقبلة في بغداد، الا انه بدا متفائلاً بامكان حصول لقاء على مستوى الخبراء والفنيين تستضيفه بغداد لحل هذه المسألة. في هذه الاثناء كان سادن الروضة الرضوية وهو ايضاً مندوب مرشد الثورة في خراسان حجة الاسلام عباس واعظ طبسي يتهم في رسالة الى خامنئي اسرائيل بارتكاب حادث مشهد كما فعلت في الحرم الابراهيمي في الخليل. وتلفقت الاتهام صحيفة "كيهان" المسائية التي يشرف عليها المرشد عبر ممثله حسين شريعتمداري، واعلنت ان اسرائيل هي المسؤولة المباشرة عن انفجار الحرم الرضوي، مشيرة الى اتصالات بين كبار قيادات "مجاهدين خلق" والموساد، ثم عرجت "كيهان" على العراق فقالت انه يؤوي معسكرات الجماعة. ولم تكتف بذلك بل اتهمت سفارات عدد من الدول الاجنبية، وتحديداً السفارة البريطانية، ودعت الى "ملاحقة عملائها" لكشف صلتهم بالحادث، وقالت ان السفارة البريطانية في طهران تنسق مصالح الولاياتالمتحدة واسرائيل، لافتة الى اعتراف مجلس العموم البريطاني قبل اشهر بتقديم المساعدات والدعم الى "مجاهدين خلق" لالحاق اضرار بايران. في هذا الواقع فإن حركة "مجاهدين خلق" هي المسؤولية لدى الايرانيين الرسميين عن حادث التفجير، خصوصاً ان مكتب وكالة الانباء الايرانية في مشهد تلقى اتصالاً من مجهول زعم فيه ان الحركة تتبنى الحادث وتهدد بشن المزيد في المستقبل المنظور. تبقى الاشارة الى ان يوم عاشوراء صادف الثلاثين من خرداد - الشهر الايراني وفق التقويم الهجري الشمسي - ففي مثل هذا اليوم، اي في العشرين من حزيران يونيو 1981 قادت "مجاهدين خلق" أولى تظاهراتها المسلحة ومعارضتها العلنية للنظام وخرجت التظاهرات في طهران بعدما أقال البرلمان بموافقة الامام الخميني أول رئيس لجمهورية ايران الاسلامية ابو الحسن بني صدر الذي غادر ايران مع زعيم "مجاهدين خلق" مسعود رجوي في طائرة كان يقودها الطيار الخاص للشاه السابق. وتعتقد المصادر الايرانية الرسمية او هكذا تروج، أن "مجاهدين خلق" احتفلوا بالذكرى "على طريقتهم الدموية". رأي آخر لكن في الشارع الايراني ولدى القيادات الدينية غير الرسمية رأي آخر ربما كانت طهران الرسمية تعتقد به، لكنها تخفيه على قاعدة "ما كل ما يعرف يقال"، والضرورات تبيح المحظورات، ذلك ان قائداً كبيراً في "الحرس الثوري" قال ل "الوسط" وهو يقدم تحليلا ينسجم تماماً مع ما يراه الشارع الايراني عن الحادث، ان وراء انفجار مشهد أزمة طائفية وتفجيرات مذهبية سعت الحكومة الى اسدال الستار عليها خوفاً من تطورها الى حرب طائفية. وأضاف ان "مجاهدين خلق" وان كانت غير بعيدة عن اعمال التفجير والاغتيال في ايران، خصوصاً انها لا تخفي مسؤوليتها عن تلك الحوادث، ربما كانت وقعت ضحية مخطط أريد اشعاله في ايران، في مشهد او خارجها لتكرار ما يحصل في مناسبات عاشوراء السنوية كل عام في باكستان من معارك مذهبية طائفية. وعن "مجاهدين خلق"، قال القائد العسكري في قوات "حرس الثورة" ان قيادات الحرس اجتمعت قبل يوم واحد من عاشوراء في منطقة ورامين جنوبطهران ودرست برنامجاً خاصاً لمواجهة الحركة. وتحدث في الاجتماع أحد المسؤولين عن خطة للحرس الثوري احبطتها "مجاهدين خلق" خارج ايران وقال من دون ان يدري بما سيحصل في مشهد ان الحركة تخطط لعمل ذي اصداء واسعة "ولا نعرف ما هو". وحتى قبل ان تشن اجهزة الامن حملة اعتقالات في مشهد بعد الحادث، ابلغ القائد الايراني "الوسط" ان معلومات سابقة حصلت عليها اجهزة الامن اكدت ان مقاتلي "مجاهدين خلق" كانوا يخططون لتفجير الحرم الرضوي وسعوا الى ذلك قبل سنوات، لكن الاجهزة الامنية كشفت ذلك وأحبطته. تفجيرات مذهبية ويعكس التركيز على دور "مجاهدين خلق" من دون الاشارة - رسمياً - ولو تلميحاً الى المعركة الطائفية المحتملة، حسب بعض الاوساط القريبة من مصدر القرار، قلق القيادة الايرانية من تفجيرات مذهبية تطاول الاقاليم التي تسكنها غالبية من السنة في سيستان وبلوشستان وكردستان وهرمزجان ومسارعتها الى نشر برقيات ادانة واستنكار ارسلتها قيادات سنية معروفة. وبرز أيضاً حجم التظاهرات في زاهدان وتربة جام وبندر عباس وغيرها حيث اشترك فيها السنة والشيعة. وهي دلالة الى ان للموضوع اصلاً طائفياً لا تريد ايران ان يبرز على السطح. ويكفي الاستدلال بتحذيرات أصدرها بعض الاوساط المحسوبة على المتشددين ودعا فيها القيادات الرسمية الى عدم اغفال هذا الاصل والتنبيه اليه، فيما ارتفع تساؤل عن عجز وزارة الداخلية على تقديم الأمن المطلوب، وهو ما ظهر واضحاً لدى جماعة صحيفة "ابرار" التي اعادت التذكير تلميحاً بحادث مشهد قبل ثلاثة أعوام وسريانه الى شيراز واراك والانتقادات الحادة التي شنت في ذلك الوقت على وزير الداخلية السابق عبدالله نوري وغيابه من الحكومة بسبب تلك الانتقادات. فهل سيتفجر حادث الحرم الرضوي حرباً طائفية في ايران؟ هذا ما ستجيب عنه طريقة حل المشاكل والسماح للاقليات بممارسة السلطة والمشاركة فيها مشاركة اكبر والاهتمام بتشجيع ظاهرة الاميرال العربي علي شمخاني قائد البحرية الايرانية الذي تبنى قبل أربعة أعوام مسألة الاهتمام بالمسجد وتنقيح الشعائر المذهبية من الخرافات التي لحقت بها. في هذا الاطار ظهرت توقعات - قبل حادث مشهد - عن احداث شغب تشهدها طهران وقم واذربيجانالايرانية بعد قرار خامنئي بتحريم ضرب الرؤوس وجرحها بالسيوف لمناسبة عاشوراء. وذكرت تقارير غير رسمية ان اذربيجان كانت تعارض قرار خامنئي ما دفع به الى ان يرسل رسالة خاصة الى امام جمعة اردبيل حجة الاسلام عروجي يكرر فيها موقفه من "القامه" ضرب الرؤوس لكن خامنئي سمح ضمناً ب "التطبير" في غير العلن باعتباره شأنا شخصياً خاصاً ليست له آثار سلبية على المجتمع. ومع ان قم واذربيجان التزمتا قرار المرشد بعد التعبئة الدينية والحكومية المشددة، وحاول بعضهم الظهور الى العلن في تظاهرة جرح الرؤوس، فان ما جرى في مشهد سيعزز من شعبية المرشد ذي الأصول الخراسانية - منزله على مقربة من الحرم - لأن الرأي الذي تروج له ايران الرسمية بعد الحادث يتلخص بتأكيد "مظلومية الحكومة والقيادة" وعداء الآخرين لها.