مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    الأردن تدين حرق قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    رينارد: مباراة العراق حاسمة ومهمة للتقدم في البطولة    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    "جلوب سوكر" .. رونالدو يحصد جائزة "الهداف التاريخي"    السعودية تقدم دعمًا اقتصاديًا جديدًا بقيمة 500 مليون دولار للجمهورية اليمنية    البيت الأبيض: المؤشرات تؤكد أن الطائرة الأذربيجانية سقطت بصاروخ روسي    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    القبض على أطراف مشاجرة جماعية في تبوك    «سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    رفاهية الاختيار    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مصورة صحافية الى زوجة رئيس الى زوجة مليونير الى رئيسة تحرير . جاكلين كينيدي رحلت قبل أن تقول كلمتها
نشر في الحياة يوم 30 - 05 - 1994

ليست هناك امرأة، في العقود الثلاثة الفائتة، ملأت الدنيا وشغلت الناس مثل جاكلين التي ولدت بوفييه، وتزوجت كينيدي ثم أوناسيس. فحياتها مليئة بكل ما يمكن أن تتعرض له امرأة عرفت ما عرفته هذه السيدة التي كانت زوجة رئيس، ثم زوجة مليونير وترملت في الحالين، لتصبح بعدها رئيسة تحرير، بعدما بدأت حياتها مصورة صحافية. في هذا التحقيق كل شيء عن امرأة توفيت عن 65 عاماً ولا يزال اسمها جاكلين كينيدي بعد 31 عاماً على وفاة زوجها الرئيس.
لم تستطع جاكلين بوفييه كينيدي اوناسيس ايقاف تساقط دموعها خلال حفلة زفاف ابنتها كارولين. لقد كانت من المصادفات النادرة التي تظهر فيها امارات العاطفة والأسى على وجهها البرونزي الطفولي الذي تصدر أغلفة أكثر من عشرة آلاف مجلة عالمية. إلا أن ابتسامتها المشهورة ما لبست ان عادت الى ثغرها الجميل، حين وقفت الى جانب السيناتور ادوارد كينيدي والعروسين لالتقاط الصورة التذكارية، وبدت كأن شيئاً لم يتغير فيها على الرغم من مرور السنين: وقفتها الواثقة، ابتسامتها اللامعة، وهالتها الساحرة والسرية في آن معاً.
لأكثر من ثلاثين عاماً، كانت جاكلين أشهر امرأة في العالم، فهي تحولت من أرملة حزينة الى نجمة عالمية عندما تزوجت من الملياردير اليوناني أرسطو أوناسيس حيث صارت حديث الناس لأكثر من جيل كامل، كما أن حكاياتها وحفلاتها الصاخبة المليئة بالبذخ والاسراف كانت ذخراً لأهم المجلات والصحف العالمية. لقد عرفت كيف تحيا حياتها بكل تحولاتها الحزينة والمفرحة وعاشتها، حتى بعد اصابتها بالسرطان، بواقعية.
عندما بلغت جاكلين الستين، في العام 1989، تابع معها أكثر أهل الصحافة البحث عن أسرار حياتها التي تميزت بالكتمان والسرية التامة. وحتى بعد ذلك، لم يستطع أحد أن يجد الحقيقة كاملة لأنها لم تكتب مذكراتها بنفسها، ولم تتحدث عنها لأحد.
حياة صاخبة
سلسلة من الأحداث المؤلمة المميتة حدثت لها فجأة: اغتيال الرئيس جون كينيدي ثم شقيقه السيناتور روبرت كينيدي، خسارتها لثلاثة أطفال، أحدهم خلال الحمل، والثاني في أثناء الوضع، والأخير عاش لبضع ساعات، ثم والدها جاك بوفييه الذي كانت تحبه كثيراً، وأرسطو أوناسيس. لكنها استطاعت الوقوف أمام كل هذه المآسي بشجاعة فائقة.
وعندما أصابها السرطان منذ عامين، استعانت جاكلين بإحدى المتخصصات في علم النفس والاجتماع لتحليل توجهات حياتها من البداية الى النهاية. كانت تجتمع بها مرة في الاسبوع تعود معها الى أيام الماضي وبخاصة الى عهد الطفولة، لترى ماذا كانت تحب؟ وبماذا كانت تتأثر؟ للوصول الى نتيجة حول معنى حياتها. وعندما كانت تستعيد ذكرياتها لا بد من أنها كانت ترى أشياء كثيرة جميلة تعوض لها عن آلامها وأحزانها المتعددة.
ابنتها كارولين 37 عاماً، التي تزوجت الى إد شلوسبرغ 48 عاماً المليونير المعروف في حقل اللوحات الفنية، صارت محامية. أما ابنها جون 35 عاماً فصار مدعي عام نيويورك وهو يهتم بعالم السياسة، ويتوقع له معظم المراقبين مكاناً مهماً في مستقبل السياسة الأميركية.
وجاكلين بدورها وجدت عملاً يملأ عليها أوقات فراغها رئيسة تحرير في دار نشر "دابلداي"، حيث استطاعت اقناع المغني مايكل جاكسون لنشر قصة حياته ووقّعت معه عقداً بذلك. كما انها كانت صديقة مقربة للمليونير البلجيكي موريس تامبلسمان الذي يهتم أيضاً بعالم الالماس، حتى آخر أيامها.
وبعد وراثتها 26 مليون دولار من أرسطو أوناسيس، تحسن وضعها المالي جداً وصار مستقبلها مؤمناً، لذلك يقول أصدقاؤها: كانت المرة الأولى التي شعرنا فيها بأن جاكي صارت واثقة ومطمئنة في قرارة نفسها.
من هي؟
ولدت جاكلين بوفييه في 28 تموز يوليو 1929، في عام النكسة المالية المعروفة في "وول ستريت"، ونشأت في رعاية والديها في شقة فخمة في "بارك أفنيو" في نيويورك وفي منزل ريفي في "لونغ أيلند" حيث تعلمت ركوب الخيل واشتركت في سباقات متعددة. وكان والدها جاك بوفييه، الذي يشبه الممثل كلارك غيبل، من أصل فرنسي ويعمل في البورصة، وخسر القسم الأكبر من أمواله في نكسة "وول ستريت". أما والدتها جانيت لي فكانت من أصل ايرلندي، وامتازت بسلوكها الحسن وكرهها للبذخ والاسراف. وفي العام 1937، عندما بلغت جاكلين 8 سنوات وشقيقتها لي 4 سنوات، افترق والداهما وأعلنا في ما بعد الطلاق.
وحتى بعد ذلك، بقيت الفتاتان على حبهما لوالدهما جاك. وعندما كانتا تقومان بزيارته، كان يغدق عليهما الهدايا الكثيرة اضافة الى توجيههما عن كيفية الظهور في المجتمع المخملي وبالتالي كيفية التعامل مع الشبان والرجال. في حين كانت الوالدة جانيت لا تستطيع اعطاءهما سوى الحياة العادية في الريف وبعض النصائح المفيدة.
عام 1942، تزوجت الأم من رجل ثري يدعى هوغ اوتشينكلوس، وكان يملك منزلاً جميلاً يدعى "ميري وود" على ضفاف نهر "بوتوماك" في واشنطن، ومزرعة في "رود آيلند" تدعى "هلمر سميث فارم". وهناك، مع أولاد آل اوتشينكلوس، كبرت جاكي ولي في عالم مليء بالثراء والخيرات. لكنهما، مع ذلك، كانتا تميلان الى حياة والدهما في نيويورك التي كانت تزعج والدتهما كثيراً.
بدأت الأموال، التي ورثها جاك بوفييه من والده ميشال الذي جاء الى أميركا عام 1818 قادماً من فرنسا، تخف تدريجاً. لكنه استطاع، على رغم ذلك، ان يعيش بأسلوب مميز وخاص، حيث كان يرتدي بذلاته من عند أشهر الخياطين، ويخرج مع أهم النساء في نيويورك. إلا أن ابنتيه كانتا أهم شيء بالنسبة اليه، وقد آلمه الطلاق كثيراً بخاصة ان زوج والدتهما كان يستطيع ان يقدم لهما أكثر منه.
بارزة منذ البداية
أرسلت جاكي الى مدرسة خاصة في "كونكتيكات"، فبرزت منذ دخولها، واعتبرت احدى أفضل الطالبات. وفي حين كانت أكثر الفتيات يرتدين معاطف الفرو في الشتاء للمجيء الى المدرسة، كانت جاكي ترتدي معطفاً من الصوف، لكنها كانت تبدو أكثر أناقة من كل رفيقاتها. وقد جعلتها علاماتها الأكاديمية الرفيعة، وولوعها في التاريخ والفن فتاة من نوع آخر، الأمر الذي جعل مدير المدرسة يناديها "المعجزة".
وانتشر صيتها الى الجوار، فهرع الشبان يتسابقون لدعوتها الى حفلاتهم، لكن خوفها من غضب والدها جعلها لا تقبل إلا دعوات قليلة.
في العام 1947، سميت فتاة العام، وفي 1948 سافرت للمرة الأولى الى أوروبا. ثم عادت في العام التالي الى فرنسا لتبقى فيها لمدة عام كي تدرس في جامعتي "سوربون" و"غرونوبل" اللغة الفرنسية. ومن يومها وهي تعشق باريس وكل ما هو فرنسي.
بعدها، أعلنت خطوبتها الى طالب من جامعة يال يدعى جون هاستد وهو ابن مصرفي معروف في نيويورك، إلا أن الأمر لم يؤد الى الزواج، فقد افترقا بعد أشهر عدة. وفي العام 1951، فازت جاكي بجائزة مجلة "فوغ" للسفر الى باريس، وذلك عن تصميمها لعدد خاص من المجلة ولكتابتها تحقيقاً حول "أشخاص أودّ لو عرفتهم" عن أوسكار وايلد، وبودلير وديا جيليف. ورفضت عرضاً من المجلة نفسها للعمل في مكتبها في العاصمة الفرنسية بعدما أقنعتها والدتها بضرورة العيش في أميركا حيث نجح زوج أمها في ايجاد عمل لها في صحيفة "واشنطن تايمز هيرالد" كمحققة ومصورة مقابل 42.50 دولار في الاسبوع.
والواقع ان جاكي، في الثانية والعشرين من عمرها، كان بإمكانها قبول عرض "فوغ" لتعمل في مكتبها الباريسي حيث كانت ستتمتع باستقلالية أكثر بعيداً عن سلطة والدتها، لكنها فضلت العمل في "واشنطن تايمز هيرالد" لتنعم بما يقدمه "ميري وود" القريب من مركز عملها. وبدعم من الأهل انطلقت جاكي لتظهر نفسها في عالم الصحافة الصعب في واشنطن.
الدخول الى عالم الأقوياء
كان العمل الجديد بالنسبة الى جاكي بمثابة الدخول الى عالم الرجال الأقوياء مثل النائب الشاب في الكونغرس الأميركي جون ف. كينيدي 35 عاماً، الذي التقته في احدى الحفلات في واشنطن، ووثّقت عرى العلاقة معه، حيث لم تعر اهتماماً كبيراً لما كان يقال عنه على أنه "زير" نساء. وترجمت له كتاباً من الفرنسية الى الانكليزية عن الهند الصينية، حتى انها كتبت سؤالاً في تعليقها اليومي في صحيفتها: "لماذا يجب على العازب السعيد أن يتزوج؟" وكانت دائماً الى جانب الهاتف تنتظر مخابرته للقائه في أي مكان. وقد عاملها كينيدي معاملة خاصة. وعندما فاز بمقعده في مجلس الشيوخ، بدأ اصدقاؤه ينصحونه بالزواج للاستعداد لخوض غمار رئاسة الجمهورية. وفي العام 1953، وبينما كانت جاكي في لندن تغطي حفلة تتويج الملكة اليزابيث الثانية، اتصل بها هاتفياً وطلب منها الزواج.
في 12 أيلول سبتمبر 1953، وبحضور 1200 ضيف في حفلة استقبال أقيمت في "همرسميث فارم" زفت جاكلين بوفييه 24 عاماً الى جون فيتزجيرالد كينيدي في "عرس العام".
كانت جاكي بالنسبة الى جون امرأة من غير عالمه،فنساؤه كن من أصناف نجوم السينما والنوادي الليلية. ووالده لم يكن يخفي عشيقاته، ووالدته روز كانت تدير ظهرها لكل ما يقال عن زوجها، وتهرب الى الكنيسة والأعمال الخيرية، لتربي أولادها، بادية بمظهر الزوجة الوفية المثالية.
ووجد جون في زوجته المرأة المثالية التي يستطيع الاعتماد عليها، وبثها لواعج صدره وأسراره. أما هي فلم تكن تعتبره كذلك، لأنها كانت تعتقد بأن الرجال كلهم سواسية، ووجدت نفسها أنها لا تستطيع الاعتماد على جون كما كان يعتمد عليها لأنها لم تتعلم منذ صغرها معنى العطاء. لكنها كانت تجد لذة في الجلوس الى والد زوجها جون كينيدي حيث كانت تشعر بارتياح، كما كانت تهرب الى الجلوس مع الرجال المتقدمين في السن لتعوض عما فاتها من حنان الوالد يوم كانت طفلة.
كانت هناك مشكلة أخرى بالنسبة الى جاكي، فهي رغم ذكائها لا تحب السياسة ولا تفهم أصولها، لكنها كانت معجبة بأفكار جون وشقيقه روبرت. ولكي تعوض عن هذا النقص لديها، فقد جعلت منزلها الزوجي مكاناً أنيقاً ومفعماً بالحنان، حيث انجبت طفلتها الأولى. وخسر كينيدي تسميته كمرشح ديموقراطي لنائب رئيس الجمهورية عام 1956، وسافر في رحلة بحرية الى البحر المتوسط وانتخب بعدها ايزنهاور مجدداً لرئاسة الجمهورية تاركاً الباب مفتوحاً لجون كينيدي لعام 1960.
وخلال السنوات المتعاقبة التي تلت هذه الفترة، وصلت الخلافات بين جون وجاكي الى أوجها، وبعض التقارير الصحافية أشار يومها الى أن جون كينيدي دفع مليون دولار لجاكي كي لا تطلب الطلاق. ولم تشر الصحف الى أي علاقة نسائية لجون لأن الشؤون الخاصة في حينه لم تكن تهم أهل الصحافة بقدر ما كان يهمهم قدرته في عالم السياسة والشأن العام. وقد لاحظ يومها أكثر المقربين من آل كينيدي مسحة الحزن والأسى التي كانت تلف وجه جاكي، إلا أنها لم تفتح قلبها حتى وفاتها لأحد منهم.
في البيت الأبيض
عام 1957، انجبت جاكي طفلتها الأولى كارولين. ومع بداية حملة الرئاسة في أوائل العام 1960، حملت مرة أخرى، الأمر الذي جعلها سعيدة لأنها تستطيع عدم حضور الحفلات السياسية التي لم تكن تحبها...
وفاز جون كينيدي على ريتشارد نيكسون، وبعد شهر على نتائج الفوز ولد جون الصغير.
وكانت أولى مهمات سيدة البيت الأبيض، اعادة تنظيمه وترتيبه، فارسلت بطلب بعض مصممي الديكور المشهورين في نيويورك وباريس، وحولت المكان الى متحف بتشجيعها لاصدقائها باعطاء بعض لوحاتهم الفنية لها. وكلفها الأمر عشرة ملايين دولار. ثم بدأت تظهر على شاشات التلفزيون تطلب مساعدة المحتاجين والمعوقين، كما شاركت في اجتماعات الجمعيات النسائية، فصار اسمها بعد ذلك على كل شفة ولسان، وكل عمل كانت تقوم به، كان خبراً أول على صدر صفحات الصحف والمجلات.
وحاولت جاكي ابعاد ولديها عن وسائل الاعلام، لكن جون كان له رأي آخر في الأمر، فهو يعلم مدى تأثير صورة ولده جون الصغير وهو يجلس على مكتبه، بخاصة أن اشاعات عدة انتشرت تروي ان حياة الرئيس العائلية ليست على ما يرام. فجاكي كانت تقضي ثلاثة أيام في الاسبوع في منزلها الريفي بفرجينيا، حيث وضعت أحصنتها. وفي كل الأحوال، لم تكن تقضي أيامها وحيدة فوالدة الرئيس وبناتها كن رفيقاتها الدائمات.
ومن جهته، لم يعارض جون الأمر، فذهاب زوجته يترك له الحرية لعلاقته بنساء أخريات، واقامة حفلات عارية في بركة البيت الأبيض، وأوضاع شاذة مختلفة في غرفة نوم الرئيس. وقال بيار سلنجر، الملحق الصحافي لكينيدي، عام 1977: "لو كان كينيدي حياً الآن في البيت الأبيض لطردوه من هناك بعد ستة أشهر لفضائحه الجنسية".
جاكي من جهتها، وجدت ما يسعدها في عالمي اللوحات الفنية والأناقة، حيث بلغت مصاريفها في العام الأول من رئاسة كينيدي 105446 دولاراً. واستطاعت في السنة التالية رفعها الى 15 ألف اضافية. وكان رد فعل الرئيس على ذلك بأن دعاها الى التوقف عن هذا البذخ والاسراف.
في العام 1961، قام جون وجاكي بزيارة الى أوروبا، حيث زارا لندن وباريس وفيينا. وفي فرنسا بالذات وجد كينيدي أهمية زوجته التي استقبلها الجنرال ديغول أفضل استقبال. وفي مؤتمره الصحافي يومها قال: "أنا هو الرجل الذي رافق جاكلين كينيدي الى باريس، وقد سررت بذلك". ويقول اندريه مالرو بأن ديغول علق على جاكي عند زيارتها لفرنسا بقوله: "اني استطيع رؤيتها بعد حوالى عشر سنين على يخت مليونير يوناني".
التعرف الى أوناسيس
وحملت جاكي للمرة الثالثة، إلا أنها فقدته بعد انجابه بساعات قليلة. وأثرت الحادثة عليها كثيراً، وجعلتها في حزن دائم. وعلمت بالأمر شقيقتها لي التي كانت تربطها علاقة صداقة بأرسطو أوناسيس الذي وضع يخته "كريستينا" بتصرف جاكي ساعة تريد.
أبدى جون في البداية قلقه من دعوة أوناسيس، بخاصة انه كان حكم من قبل الدولة الأميركية لتهربه من دفع الضرائب بمبلغ 7 ملايين دولار، إلا أن حالة جاكي وإلحاح لي جعله يرضى لزوجته بتلبية الدعوة.
افتقدت جاكي زوجها خلال الرحلة حيث كانت تتصل دورياً بالبيت الأبيض لتشرح للرئيس عن فخامة اليخت وكيفية تمضيتها أوقاتها. وعادت بعدها مسرورة وبصحة جيدة، لكنها انزعجت كثيراً من الصحف التي كتبت كل شيء عن تلك الرحلة. وجون الذي شعر نفسه قريباً جداً من جاكي بعد عودتها قال لها: "أرجو الآن أن ترافقيني الى تكساس". وأجابته: "طبعاً، اني مستعدة لذلك".
وفي دالاس في 22 تشرين الثاني نوفمبر 1963، اغتيل جون كينيدي. وعاشت جاكي بعده تعض على جراحها، وتشرب الكحول حتى صارت الذكريات أكثر من قدرتها على التحمل، فتركت واشنطن الى مانهاتن حيث مرابع الطفولة والصبا، واشترت شقة مؤلفة من خمس غرف نوم.
لقد كان دخلها أقل مما اعتقد البعض: 10 آلاف دولار في السنة من الكونغرس كأرملة رئيس متقاعدة، 50 ألف دولار في السنة من استثمارات كينيدي و10 ملايين دولار تركها جون باسم العائلة وكانت تدر عليها سنوياً 200 ألف دولار. وعرض عليها ليندون جونسون مركز سفيرة في باريس لكنها رفضت العرض، وفضلت أن تعيش حياة حرة مع ولديها بعيدة عن كل الأضواء على الرغم من وضع مجلة "ويمنز نيوز ديلي" مصوراً خاصاً يلاحقها ويصورها كيفما ذهبت.
شعرت جاكي بأن حياة البذخ يجب أن تتوقف الى حين، فعمدت الى السفر فزارت الأميرة مارغريت. ثم جالست وليم مانشستر لتساعده في كتابة "موت رئيس". وصارت حياتها الخاصة هاجسها الوحيد، حيث صار على كل شخص يخدمها أن يوقّع عقداً يمنع بموجبه افشاء أي شيء الى الصحافة عن كيفية عيشها أو ماذا يجري في منزلها...
في هذه الأثناء كان أرسطو أوناسيس يتقرب منها، محاولاً في البداية استمالة الولدين، ليحصل في ما بعد على أشهر امرأة في العالم. إلا أن شقيق جون السيناتور روبرت كينيدي كان يكره هذا المليونير اليوناني، ولكن بعد اغتياله في 5 حزيران يونيو 1968، زالت كل العوائق التي كانت تمنع زواج جاكي من أوناسيس. ومع وفاة روبرت شعرت الأرملة الشابة بأنها غير محمية، وكما تقول كيتي كيلي، كاتبة قصة حياة جاكلين: لقد صارت خائفة وقلقة على مستقبل ولديها اذ قالت: "اني أكره هذه البلاد... اني احتقر أميركا، ولا أريد أن يعيش أولادي فيها. فاذا كانوا يريدون قتل آل كينيدي فولديّ هما على رأس القائمة".
وفي 20 تشرين الأول اكتوبر 1968، وعلى أرض جزيرة أوناسيس الخاصة "سكوربيوس"، تحولت جاكلين بوفييه كينيدي الى جاكلين بوفييه أوناسيس وسط دهشة العالم والأصدقاء، حيث قالت احداهن: "لقد كانت متزوجة الى رئيس فكيف تستطيع أن ترضى بهذه الضفدعة؟". وكتبت صحيفة "فرانس سوار": "انه زواج مخجل وحقير".
ثمن الزواج الجديد
لكن هل كان هذا الزواج من دون ثمن؟
يقول العارفون بان عقداً مؤلفاً من 170 مادة، بينها واحدة تنص على اقامة غرفتي نوم مستقلتين، و20 مليون دولار تدفع للزوجة في حال الطلاق ومصاريف 600 ألف دولار في السنة. إلا أن جاكي قالت ان لا وجود لمثل هذا العقد لأنها بهذه الطريقة تكون باعت نفسها. وعلى الرغم من كلامها، يقول بعض المطلعين بان أوناسيس استطاع تغيير أحد القوانين اليونانية ليمنع جاكي من الحصول على ربع ثروته بعد وفاته. ونقل الصحافي جاك اندرسون عن لسان لين ألفا سكرتيرة أوناسيس عام 1985 على أن جاكي قبضت 18 مليون دولار قبل حفلة زواجها بساعات.
كل شيء بدأ حسناً. أوناسيس 62 عاماً كانت فرحته عارمة لحصوله على عروسته جاكي 39 عاماً. وشقيقات كينيدي كن حاضرات على اليخت "كريستينا" في حفلة العشاء التي أقيمت بعد حفلة الزفاف، وقد ادهشتهن قطعة الألماس التي أهداها العريس العجوز الى عروسه الشابة والتي قدرها البعض بمليون و200 ألف دولار. ونسيت جاكي كل أحزانها عندما وضع زوجها الجديد في تصرفها منزلاً في جزيرة سكوربيوس، وآخر في أثينا، وشقة في باريس، وفيللا في مونتيفيديو وشركة طيران بكاملها "أولمبيك" بكل طائراتها.
عرفت جاكي كيف تتحول من امرأة رئيس الى زوجة مليونير حيث دام هذا التحول سبع سنوات شاهدت خلالها أحداثاً مميتة عدة: جو كينيدي، الاسقف كاشن، ستاس رادزيويل زوج شقيقتها وابن أوناسيس الوحيد الكسندر.
خلال السنوات الثلاث الأولى، اهدى أوناسيس جاكي مجوهرات بقيمة ثلاثة ملايين دولار. وفي المقابل طلب منها أشياء قليلة. وكان باستطاعتها قضاء وقت طويل مع ولديها في نيويورك.
وبعد خسارة جاكي مليوني دولار هدية أرسطو اليها في سوق البورصة، وابرازها له لائحة ب 300 ألف دولار لبدلة اشترتها للمصور غليلا، بدأ أوناسيس يبتعد عنها. وأعاد علاقته بماريا كالاس. ومن جهتها بدأت هي الأخرى تستعيد بعض علاقاتها الماضية. لكن الأمر بات لا يحتمل عندما قتل الكسندر، ابنه الوحيد، في حادث طائرة فأصيب أرسطو بمرض عصبي.
في آخر عطلة لهما معاً في أكابولكو، طلبت جاكي من زوجها شراء منزل لها في مكسيكو. ولم يجبها أوناسيس على طلبها بل مشى الى الطائرة ليدون وصيته الأخيرة. وفي نيويورك أعطى مقابلة صحافية لجاك أندرسون تحدث فيها عن بذخ واسراف جاكلين. وبعدها قال روي كوهن، محامي أوناسيس، بان آخر دفعة كانت ثمناً لمئتي زوج من الأحذية.
في 15 أيار مايو 1975، وفي المستشفى الأميركي في باريس، توفي أرسطو أوناسيس، وجاكي بعيدة عنه بالقرب من ولديها في نيويورك. وخلال الجنازة قالت: "أرسطو خلصني في لحظة كانت حياتي فيها مليئة بالأسى والأحزان. كان بالنسبة إلي انساناً عالياً. لقد حملني الى عالم استطيع فيه ايجاد السعادة والحب لقد عشنا تجارب جميلة معاً لا استطيع نسيانها أبداً".
بعد ستة أشهر على وفاته، قبلت جاكي العمل رئيسة تحرير في "فايكنغ برس" مقابل 20 ألف دولار في الاسبوع. وفي تشرين الأول اكتوبر 1977، بعد اللغط الذي أثير حول كتاب جيفري آرشر الذي نشرته "فايكنغ برس" والذي يتخيل مصرع الرئيس ادوارد كينيدي، انتقلت الى دار نشر أخرى هي "دابلداي" لتعمل فيها رئيسة للتحرير أيضاً حيث بقيت فيها حتى وفاتها.
ويبقى أن صورة جاكلين كينيدي ما زالت معلقة في البيت الأبيض، مغلفة بكل الأسرار والسحر حيث توحي لناظرها بألف فكرة وفكرة. أما هي... فقد رحلت باقية حتى آخر يوم في حياتها لنفسها الفتاة الصغيرة الأبدية الصامتة التي واجهت كل الكلام والاشاعات من دون أن تقول كلمتها حيث اجتازت تقريباً الطريق الذي تريد مع حادثة أو حادثتين مؤلمتين بالصمت والإرادة والعزيمة القوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.