المملكة تفوز بعضوية الهيئة الاستشارية الدولية المعنية بمرونة الكابلات البحرية    وفاة ثلاث فلسطينيات بسبب التدافع للحصول على خبز بوسط غزة    الحمزي مديرًا للإعلام بإمارة جازان وسها دغريري مديرًا للاتصال المؤسسي    القادسية يتفوق على الخليج    نعيم قاسم: حققنا «نصراً إلهياً» أكبر من انتصارنا في 2006    النصر يكسب ضمك بثنائية رونالدو ويخسر سيماكان    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    ابن مشيعل يحصل على درجة الدكتوراة    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    «هيئة النقل» تؤكد منع عمل الشاحنات الأجنبية المخالفة للنقل بين مدن المملكة    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    تعزيز حماية المستهلك    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    العروبة يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    بالله نحسدك على ايش؟!    كابوس نيشيمورا !    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيوط التمويل والتطرف في ملفهم المفتوح . مصر : "الاخوان" تحت الأرض؟
نشر في الحياة يوم 30 - 05 - 1994

الهدنة الطويلة التي عاش "الاخوان المسلمون" في ظلها عقوداً في مصر مرشحة للانهيار، بعد ان تصاعدت المواجهة بينهم وبين السلطة. لكن اللافت في هذه المواجهة التناقض بين الخطاب الاعلامي للجماعة وبين تحركها على المستوى الشعبي. فالبيان الذي أصدرته يؤكد ان اعضاءها "لم ولن يكونوا دعاة فتنة واثارة ولن يتسببوا في ثورة او صدامات... وهم يحترمون الدستور والقوانين"، فيما المنشورات التي ضبطتها الاجهزة الامنية مع اعضائها تحضّ المواطنين على الثورة، ما أدى الى اعتقال المرشد العام للاخوان الشيخ محمد حامد أبو النصر وعشرات من اعضاء الجماعة. وتطرح هذه المواجهة تساؤلات عن آفاق العمل السياسي العلني "للاخوان"، خصوصاً انهم يسيطرون على عدد من النقابات المهنية المهمة، وعن موقف الجماعات المتطرفة واحتمال ان يرفدها "الاخوان" بطاقات بشرية وامكانات مادية.
حسم الرئيس حسني مبارك موضوع مشاركة "الاخوان المسلمين" في الحوار الوطني الذي دعا اليه حينما قال: "ان الحوار الوطني مقصور على كل القوى الديموقراطية ومؤسسات العمل السياسي التي تحترم الشرعية والقانون". مشيراً الى انه "لم يكن المقصود من الحوار فتح الأبواب الملغية كي تسلك منها قوى غير شرعية تخلط بين العمل السياسي والدين حتى تكون فوق الحساب والمساءلة وتخاصم التعدد الحزبي وتحاربه حتى تنفرد بالساحة الوطنية في صورة جديدة وتسعى الى الانقضاض على الحكم كي تضرب الديموقراطية في مقتل ويسود الرأي الواحد والفكر الواحد".
وعلى رغم ان "الاخوان" رأوا ان الحوار "لن يؤدي الى نتيجة" وفقاً لما اعلنه الناطق بلسان "الجماعة" المستشار مأمون الهضيبي الذي قال ل "الوسط": "موضوع الحديث عن الحوار بدأ قبل نحو سبعة أشهر، وحتى الآن لم تنفذ خطوات جادة للسير فيه، واستبعاد الاخوان منه لن يغير من الأمر شيئاً".
الا ان الأزمة بين الحكومة المصرية و"الاخوان" تصاعدت، وجاءت قضية وفاة المحامي عبدالحارث مدني بعد اعتقاله يوم 25 نيسان ابريل الماضي لتفجر المواجهة بين الطرفين اذ اتخذت نقابة المحامين التي يسيطر "الاخوان" عليها من المواقف ما ساعد على تعميق الخلاف الى حد الصدام.
وفي حين نفى الهضيبي ان يكون ل "الاخوان" علاقة بأحداث نقابة المحامين، مشيراً الى ان المشاركين في الأحداث بينهم يساريون وناصريون الى جانب "الاخوان"، فشنت اجهز الأمن والصحف القومية حملة واسعة النطاق على "الاخوان" واتهمتهم باستغلال قضية عبدالحارث لمحاولة "كسب شعبية والظهور امام الجماهير في مواقف بطولية". وفي تطور لافت اتهم الرئيس مبارك، في حديث نشرته مجلة ديرشبيغل الالمانية، "الاخوان" للمرة الأولى بمساندة الارهاب، ما دفع "الجماعة" الى اصدار بيان يؤكد ان اعضاءها لم يتهموا يوماً في قضية تتعلق بالارهاب، وانه طوال 25 عاماً نظرت فيها المحاكم قضايا العنف والارهاب لم يصدر فيها أي حكم ضد أحد اعضائها. وأكد البيان ان "الاخوان" لم ولن يتسببوا يوماً في ثورة او مصادمات مع السلطات الشرعية وانهم يمارسون نشاطهم وفقاً للقوانين الرسمية والدستور.
الا انه وفقاً للقوانين المدنية فان جماعة "الاخوان المسلمين" غير شرعية ولا يحق لها ممارسة اي نشاط سياسي او اجتماعي، لكن واقع الأمر يشير الى ان "الاخوان" يمارسون انشطة سياسية تشمل الترشيح لانتخابات البرلمان وتنظيم الندوات والمؤتمرات. وهم يصدرون البيانات التي تحمل توقيع "الجماعة" وتعبر عن وجهة نظرها في قضايا معينة، وليس سراً انهم يسيطرون على مجالس نقابات مهنية عدة. ويقع مقرهم الرئيسي في شارع التوفيقية وسط القاهرة، ولا توجد لافتة تحمل اسم "الجماعة" خارج الشقة، لكن لافتة اخرى كتب عليها "مجلة الدعوة" ما زالت تتصدر مدخل الشقة على رغم الغاء ترخيص اصدار المجلة التي كانت تصدر عن "الجماعة" وتعبر عن مواقفها. وتنتشر على حيطان الشقة شعارات "الجماعة" ومن بينها "الوصايا العشر للامام حسن البنا" و"الاسلام هو الحل"، ذلك الشعار الذي رفعه مرشحو "الاخوان" في انتخابات مجلس الشعب والنقابات المهنية المختلفة.
ويعقد قادة "الاخوان" اجتماعاتهم في هذه الشقة، ومنهم المرشد العام حامد أبو النصر ونائبه مصطفى مشهور والناطق بلسان "الجماعة" المستشار مأمون الهضيبي، اضافة الى أعضاء مجلس الشعب السابقين وأعضاء مجالس النقابات المهنية، الى جانب الوجود المستمر لمحرري المجلات التي كانت تصدر عن "الجماعة" والغيت تراخيصها، مثل "الدعوة" و"الاعتصام" و"لواء الاسلام".
وتعمل عناصر "الاخوان المسلمين" في الاتحادات الطلابية لجذب اعداد جديدة من الشباب لفكر الجماعة من خلال تقديم الخدمات لهم وامدادهم بالكتب والمنشورات والبيانات الى جانب المقالات التي تكتبها قيادات "الاخوان" في جريدة "الشعب" الناطقة بلسان حزب "العمل" والتي توضح موقف "الاخوان" من القضايا الراهنة.
أتباع رشيد رضا
"نحن سلفيون من اتباع رشيد رضا" لم تكن هذه العبارة التي رددها حسن البنا اكثر من مرة امام اتباعه تعبر بدقة عن فكرة "الاخوان" بقدر ما عبرت عن ولاء البنا وتقديره لمعلمه واستاذه "رشيد رضا" الطالب السوري الذي عاش في مصر وتخرج على يدي الامام محمد عبده في بداية القرن الحالي، واصبح داعية اسلامياً بعد تخرجه وتبنى فكرة الربط بين الدين والدولة ودعا الى تكوين الجمعيات الدينية الى جانب الاحزاب السياسية. ونشر في مجلة "المنار" المقالات التي تعبر عن افكاره، الا ان ظروف المجتمع المصري وكون رضا غير مصري حصر دعوته في اطار ضيق، إلا انه اختار تلميذه النجيب حسن البنا ليرعاه ويتبناه فكرياً.
وُلد حسن البنا في 14 تشرين الأول اكتوبر عام 1906 ودرس في دار العلوم وتخرج منها وعمل في التدريس في محافظة الاسماعيلية التي كانت تعد خلال تلك الفترة من المناطق "الساخنة" التي ينشط فيها العمل المسلح ضد قواعد الاحتلال الانكليزي.
وتبنى البنا فكرة "اقامة الدولة الاسلامية" وبعد تخرجه تردد على المساجد حيث راح يخطب في الناس داعياً اياهم الى الانضمام الى دعوته ومناصرتها، وكان يوم 28 آذار مارس 1928 موعداً لمولد جماعة "الاخوان المسلمين"، حيث اجتمع البنا في منزله في الاسماعيلية مع ستة من اتباعه، هم حافظ عبدالحميد واحمد المصري وفؤاد ابراهيم وعبدالرحمن حسب الله واسماعيل عزت وزكي المغربي، واتفقوا على تكوين جماعة تهدف الى "انقاذ الوطن والدين والامة". وفيما احتاروا في اختيار اسم تنظيمهم قال البنا: "ولماذا لا نسميه "الاخوان المسلمين"، فاتفقوا على ذلك.
وعلى رغم ان البنا انتقل من الاسماعيلية الى القاهرة ليقود الجماعة الا ان "الاخوان" لم يقوموا بعمل سياسي جاد خلال الأعوام الأولى من عمرهم حتى اصدر البنا بمباركة قادة "الاخوان" قرارين مهمين ساهما في دعم قوة "الجماعة" ونفوذها على الساحة السياسية، الأول: خاص باضافة النشاط السياسي الى عمل "الجماعة"، وقال في المؤتمر الخامس للاخوان: "ان الاسلام نظام شامل متكامل بذاته وهو السبيل النهائي للحياة بكل جوانبها" مؤكداً ان الاسلام "قابل للتطبيق في كل مكان وزمان".
والقرار الثاني اكثر خطورة حيث تمثل في تشكيل "التنظيم السري للأخوان المسلمين" الذي كان بمثابة ميليشيات سرية مسلحة حدد البنا مهماتها في قسمين، الأول: "قتال الصهاينة واتباعهم" والثاني: "توجيه عمليات ضد اعداء الله مباغتة لهم من دون اعلان أو انذار".
ويرى بعض المصادر التاريخية ان البنا أقدم على اتخاذ القرارين للحفاظ على "الجماعة" واستجابة لآراء الأعضاء المتشددين فيها، خصوصاً بعد ان تعرضت لأول انشقاق عنها حينما أعلن عدد من الأعضاء رفضهم "عزم الأخوان دخول الانتخابات وسعي الجماعة الى الرياسة والسلطان"، واعترضوا على قبول "الجماعة معونات مالية حكومية على رغم ان تلك الأموال جمعت من ضرائب الملاهي والحانات والمراقص، ورأوا ان "الجماعة" "جمعت كل المتناقضات حيث انضم اليها من دعا الى الأديان كلها ومن تعصب للقومية المحلية ومن دعا الى الوحدة العربية"، وأعلن الرافضون والمعترضون انشقاقهم عن "الجماعة" وانشأوا لأنفسهم جماعة اخرى اطلقوا عليها اسم "جماعة شباب محمد". غير ان الانشقاق لم يؤثر كثيراً في قوة "الاخوان" وبنيانهم حيث نفذ اعضاء التنظيم السري للاخوان عن عمليات تمثلت في حوادث مقتل الخازندار واحمد ماهر والنقراشي وتفجير بعض اقسام الشرطة ومحاولة اغتيال ابراهيم عبدالهادي.
ورشح حسن البنا نفسه للانتخابات النيابية عن دائرة الاسماعيلية الا انه انسحب قبل موعد الانتخابات، الا ان الجماعة واجهت تحدياً كبيراً حينما صدر قرار عام 1948 بحلها فلجأ قادتها الى القضاء لاستصدار حكم بالغاء القرار، وجاء مقتل حسن البنا في 12 شباط فبراير 1949 ليمثل ضربة قوية كادت تعصف بالجماعة. لكن صدور حكم مجلس الدولة بابطال قرار حل "الجماعة" اعاد الاتزان اليها وبدأ الجميع العمل تحت القيادة الجديدة التي تمثلت في الشيخ حسن الهضيبي.
الاخوان والثورة
على رغم ان ثورة تموز يوليو 1952 لم تصطدم "بالاخوان" عند قيامها الا ان عام 1954 والاعوام التي تلته شهدت صداماً حاداً بين الثورة و"الاخوان" اثر معارضتهم اتفاق الجلاء الذي اعتبرته "الجماعة" "خيانة"، وكذلك محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في 26 تشرين الأول اكتوبر من العام نفسه واتهام عضو "الجماعة" محمود عبداللطيف بتنفيذها، وتطور الصدام عندما اعتقلت السلطات آلافاً عدة من اعضاء "الجماعة" وحكم على ستة منهم بالاعدام من بينهم المرشد العام حسن الهضيبي. لكن الحكم خُفف عن الهضيبي فقط لتعيش "الجماعة" فترة من أصعب فتراتها ويهدأ نشاطها على السطح فقط لتصبح السجون مجالاً خصباً لمناقشة فكرها والحالة التي وصلت اليها وكذلك مستقبلها.
ولم تهدأ نار الخلافات بين اقطاب "الاخوان" داخل سجون عبدالناصر على رغم ان جميع اعضاء "الجماعة" كانوا يتفقون في الهدف النهائي، وهو اقامة الدولة الاسلامية، وهو الهدف نفسه الذي تسعى الجماعات الدينية المتطرفة لتحقيقه" الا ان الخلاف كان على اساليب تحقيق الهدف. وانقسم "الاخوان" داخل السجون الى ثلاثة فرق: الأول تزعمه المرشد العام حسن الهضيبي وضم شيوخ "الاخوان" الذين تربوا على يدي حسن البنا ورأوا ان على "الجماعة" ان تبتعد عن العنف لأن الصدام مع السلطة لن يفيدها، وان الدعوة الى مقاومة الفساد والانحراف يمكن ان تتم باللسان وتعليم الناس أصول الدين بالحكمة والموعظة الحسنة.
والفريق الثاني واطلق على اعضائه اسم "السلفية" كان اكثر مرونة، ورأى ان "الجماعة" لن تتمكن يوماً من مقاومة السلطة أو التصدي لها ومواجهتها، وان القوة التي تتمتع بها الحكومة ستمكنها من قهر أي جماعة والفتك باعضائها، ورأى اعضاء الفريق ان انكار ما تقوم به السلطة والمجتمع يجب ان يظل أمراً داخل قلوب اعضاء "الجماعة" ولا يظهر علانية بالسلوك أو حتى بالقول.
اما الفريق الثالث فالتف حول "الشيخ سيد قطب" ابن قرية موشي في محافظة أسيوط وخريج دار العلوم عام 1933، وكان قطب عمل بعد تخرجه في النقد الفني كما ترأس تحرير مجلة "الفكر الجديد" وانضم الى "الاخوان المسلمين" واعتقل بعد الثورة، وداخل السجن كان قطب اكثر اعضاء "الجماعة" تشدداً، وعبر عن افكاره في كتابه الشهير "معالم على الطريق" الذي يعد مرجعاً لكل الجماعات الدينية المتطرفة في مصر.
تأثر قطب بأفكار أبو الأعلى المودودي مؤسس "الجماعة الاسلامية" في باكستان وصاحب كتاب "المصطلحات الأربعة". وفي كتابه "معالم على الطريق" نادى قطب "بالعودة الى العقيدة الصحيحة للاسلام والتخلص من الظلم والبغض بالقوة".
وعلى رغم الخلافات الموجودة حالياً بين "الاخوان" والجماعات الاسلامية التي يقودها الدكتور عمر عبدالرحمن وجماعة "الجهاد" التي يقودها الدكتور ايمن الظواهري الا ان المصادر المصرية تؤكد ان انقسام "الاخوان" داخل السجون والخلافات بين بعضهم البعض هي السبب الأول لبروز الجماعات المتطرفة على السطح. وتشير الى ان افكار سيد قطب تسببت في ظهور تنظيمات دينية عدة رأى المنضمون الى كل تنظيم منها انهم الاقدر على تنفيذها، وهذا الأمر يفسر تعدد الجماعات الدينية المتطرفة الموجودة حالياً على الساحة في مصر.
وتشير المصادر التاريخية الى ان سيد قطب التقى بعد الافراج عنه في بداية العام 1965 كلاً من اسماعيل طنطاوي ونبيل البرعي ومحمد الشرقاوي وعلوي مصطفى وايمن الظواهري وعبدالفتاح اسماعيل، وهؤلاء مثلوا النواة الأولى لتنظيم "الجهاد" في مصر واتفقوا جميعاً على "الجهاد"، الا ان السلطات تنبهت للمخطط وأعادت القبض على سيد قطب واعدمته مع عدد آخر من اعضاء التنظيم.
الاخوان والجهاد
على رغم الانتقادات التي توجه الى "الجماعة" حالياً، الا ان الهجوم الذي تعرضت له من الجماعات المتطرفة كان الاعنف والاقوى. وتحت عنوان "حيدة الاخوان عن الجهاد الواجب واختيارهم للاسلوب الديموقراطي"، كتب ايمن الظواهري زعيم جماعة "الجهاد" في نشرة تحمل عنوان "نصح الامة باجتناب دخول مجلس الامة": "الاخوان لا يكفرون الحكام". وقال مرشدهم حامد أبو النصر في جريدة "النور" "لا نضع ايدينا أبداً في أيدي الجماعات التي تقول بتكفير الحاكم، وبالتالي فان الاخوان ينكرون وجوب "الجهاد" ويسمون الجهاد بالعنف". وقال أبو النصر: "لم يحدث ان اقر الاخوان استخدام العنف ضد الحكومة "وزاد عليه عمر التلمساني: "العنف وسيلة العاجزين عن الاقناع".
وأضاف الظواهري: "من هنا لجأ الاخوان الى الاسلوب الديموقراطي لأجل تطبيق الشريعة الاسلامية، فهل هم صادقون في المطالبة بالشريعة". ويجيب الظواهري على تساؤله: "لا يبدو ذلك لأن التلمساني قال لا ينبغي ان تكون الشريعة المصدر الوحيد للقانون مجلة المصور 22/1/1982، فالتلمساني اذن يدرك الفرق بين كلمة المصدر الرئيسي والمصدر الوحيد للتشريع".
وأشار الظواهري الى ان مأمون الهضيبي امتدح الدستور المصري وقال: "ان الحفاظ على الدستور نصاً وروحاً امر مهم، فهو العمود الفقري لهذا البلد والالتزام به هو الذي يكفل تحقيق الاستقرار قبل اي جانب آخر" الاهرام 16/1/1990.
واعتبر الظواهري ان الديموقراطية التي يؤمن بها الاخوان "دين جديد" وقال: "اذا كان التشريع في الاسلام حق لله تعالى فالتشريع في الديموقراطية حق للشعب، فهذا اذن دين جديد يقوم على تأليه الشعب، فالديموقراطية شرك بالله وكفر اكيد صريح".
ويصل الظواهري الى حد وصف "الاخوان" بأنهم خرجوا عن الدين حينما يقول: "الديموقراطية دين جديد يتولى فيه الشعب التشريع من دون الله ويتخذ فيه الناس بعضهم بعضاً ارباباً من دون الله ومن أقر بهذا الدين الجديد فقد فارق دين الاسلام وإن صلى وصام وزعم انه مسلم".
وفي النشرة نفسها يقول الظواهري: "الاخوان يعتبرون الديموقراطية بكفرها ومجالسها النيابية هي الطريقة الشرعية للتغيير، فرداً على سؤال: لماذا دخل الاخوان مجلس الشعب، قال عمر التلمساني: ليعلم الناس جميعاً اننا أحرص على نشر الدعوة عن طريق القنوات الشرعية". وكرر التلمساني هذا القول في كتابه "ذكريات لا مذكرات"، كما كرر القول بشرعية الديموقراطية ومجالسها التشريعية.
وقال حامد ابو النصر مرشد الاخوان: "للاخوان مفاهيمهم الواضحة لا لبس فيها ولا غموض اعلنوها طوال ستين عاماً ويزيد وهم يمضون في جد ساعين من اجل تحكيم شرع الله في أرض الله بين الناس داعين الناس الى العودة الى نهج الاسلام، ومن الطرق والوسائل المشروعة خوض انتخابات المجالس النيابية لا لمجرد الوصول الى المقاعد ولكن سعياً مع كل مخلص اينما وجد لاداء الامانة وتحقيق الرسالة والارتفاع بالتمثيل النيابي الى مستواه المطلوب والمأمول كي يؤدي دوره في التغيير المطلوب والمأمول مجلة لواء الاسلام 11/0914ه.
ويحدد الظواهري: "اما نحن فلا نعترف لا بشرعية الحكومة ولا بقوانينها ولا بدستورها ولا بديموقراطيتها"، ثم يواصل انتقاده للاخوان: يقول حامد ابو النصر: "نريدها ديموقراطية شاملة للجميع مجلة العالم 31/6/1986، ويقول أيضاً: "وهذا القدر من الديموقراطية، الكل مطالبون بالحفاظ عليه سعياً لتوسيع اطاره وسعياً لاكماله مجلة لواء الاسلام 8/1409ه وحيث ان الديموقراطية تعني حق الجميع في ابداء رأيهم فان حامد أبو النصر يقول "لا مانع من وجود حزب شيوعي او علماني في ظل الحكم الاسلامي" جريدة النور 24/3/1407ه.
ويتابع الظواهري: "عندما دخل الاخوان الانتخابات عام 1984م وتكلم البعض في شرعية هذا العمل، قال التلمساني: "لا استسيغ اقحام الدين في مثل هذه المسائل حتى لا يدعي كل من حفظ آية أو روى حديثاً ان هذا حلال وهذا حرام وحتى لا نحجر على المسلمين واسعاً، وما دام حق المواطن في انتخاب من يشاء واجباً وطنياً او اجتماعياً اوخلقياً فقد تختلف منه الآراء بين ملزم ومبيح "صحيفة الوفد 19/4/1984".
ويختم الظواهري هجومه الحاد على الاخوان ويقول: "أرأيت قول التلمساني لا استسيغ اقحام الدين في مثل هذه المسائل ان هذا القول يساوي تماماً قول انور السادات: "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، معتبراً "ان الاخوان عقدوا مع الحكومة صفقة لضرب الجهاد وسوف تضربهم الحكومة بعد ان تقضي حاجتها منهم كما ضربهم عبدالناصر عام 1954".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.