الجامعة العربية تحذر من إشعال الفتنة في سوريا    التميمي يدشّن حزمة من المشاريع التطويرية في مستشفى الإيمان العام    مدرب الأخضر "رينارد" يكشف عن آخر مستجدات مواجهة العراق في خليجي 26    في أدبي جازان.. الدوسري واليامي تختتمان الجولة الأولى من فعاليات الشتاء بذكرى وتحت جنح الظلام    نوتينغهام يواصل تألقه بفوز رابع على التوالي في الدوري الإنجليزي    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    السلطات الجديدة في سوريا تطلق عملية بطرطوس لملاحقة «فلول النظام المخلوع»    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    طارق السعيد يكتب..من المسؤول عن تخبطات هيرفي؟    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    وطن الأفراح    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    المملكة ترحب بالعالم    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    مسابقة المهارات    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاني الحسن يتذكر اجتياح بيروت ومحطات أخرى . السفير السوفياتي : اخرجوا على ظهر المدمرات الأميركية ! عرفات الغاضب : قائد في مسدسه طلقتان لا يؤخذ اسيراً 1
نشر في الحياة يوم 16 - 05 - 1994

لماذا الآن الحديث عن خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان في 1982؟ ربما لأن كل هذا الذي يجري ما كان ليجري لو كانت المقاومة الفلسطينية لا تزال في بيروت مع كل ما يمكن ان تعنيه الإقامة هناك. فعلى ارض بيروت دارت اول حرب فلسطينية - اسرائيلية واسعة وحصل اول "تفاوض" بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير وخسرت المنظمة حق الإقامة قرب خطوط النزاع. بين خروج المقاومة من بيروت تحت ضغط الإجتياح الإسرائيلي واستعداد قيادة المنظمة لدخول غزة واريحا محطات كثيرة بارزة لعل اهمها قيام الإنتفاضة بعد انتهاء حروب العواصم وانهيار الإتحاد السوفياتي وحرب الخليج الثانية وامساك واشنطن بمفاتيح النظام الدولي الجديد.
أجرت "الوسط"، بعد حلقات من الذكريات مع السفير جوني عبده المدير السابق لمخابرات الجيش اللبناني، حواراً مع السيد هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" تناول مرحلة الإجتياح الإسرائيلي للبنان وتشعب الحوار الى مسائل اخرى. وهنا الحلقة الأولى:
هل كانت لدى قيادة المقاومة الفلسطينية معلومات عن اجتياح اسرائيلي وشيك للبنان في 1982 وحدوده؟ وما هو القرار الذي اتخذ؟ وهل صحيح انكم سحبتم الوحدات العسكرية الفعلية من الجنوب؟
- كل من يريد ان يؤرخ للثورة الفلسطينية بين 1972 و1982 عليه دائماً ان يضع الموقف السوفياتي في الإعتبار لأن الثورة الفلسطينية - من وجهة نظري - عاشت منذ 1972 وحتى 1982 مرحلة اللاقرار الفلسطيني حيث كان يسود فقط في النهاية، على رغم كل الخلافات وتعدد وجهات النظر، القرار السوفياتي الذي كان استحكم بالمقاومة الفلسطينية وجعلها تنقسم دائماً الى موقفين:
تيار مع السوفيات يؤمن بأن قدرنا هو مع السوفيات ويبذل كل جهده لمناقشة السوفيات وتطوير موقفهم لكنه في النهاية يتبنى الموقف السوفياتي. وكانت قوة السوفيات في مواجهة التيار الآخر تنبع من سيطرتهم على اجهزة الأمن في المنظمات الفلسطينية وبخاصة جهاز الأمن الموحد التابع للأخ صلاح خلف ابو اياد ومعه اليساريون في "فتح" مثل المناضل الكبير ماجد ابو شرار ومحمود عباس ابو مازن الذي لعب، على رغم انه ليس يسارياً في بنيته الداخلية، دوراً مهماً في تبني وجهة نظر السوفيات، فقد دفعه ابو اياد الى أن يصبح رجل العلاقة مع السوفيات وملزماً قبول هذا الموقف. اضافة الى ابو صالح وقدري عضو اللجنة المركزية.
في المقابل كنا مجموعة اخرى على رأسها الأخ ياسر عرفات الذي كان يمثل الوسط. وانا لا اقصد انه لا يأتمر في النهاية بالأمر السوفياتي لأنه كان يساير ويمشي. وكان ايضاً امير الشهداء خليل الوزير ابو جهاد وفارس الفرسان سعد صايل وابو السعيد. وكنت انا ممثلاً للتيار الفلسطيني المستقل الذي يبحث عن مصالحه سواء كانت عند السوفيات ام عند غيرهم. ومن دون فهم هذه العلاقة مع السوفيات لا يمكن فهم ما دار وراء الكواليس. كان السوفياتي مثلاً يعتقد بأن فرص التغيير في ايران قد حانت.
في السفارة السوفياتية
واريد هنا تأكيد ما اقول بكشف مسألة سرية: استدعيت ذات يوم في 1980 على عجل من طهران حيث كنت سفيراً، وذهبت الى بيروت وقال لي ابو عمار: "سنذهب الى اجتماع في السفارة السوفياتية واريدك ان تعبر عن رأيك بشدة وبدقة". وفي ضوء تجربتي معه فهمت ان عليّ ان امثل وجهة نظره في الإجتماع الذي حضره الجنرال الكسندر المسؤول عن الشرق الأوسط في ال "كي.جي.بي.". وفوجئت بأن الجنرال يطلب ان نتعاون معاً داخل ايران لأن الظروف قد حانت - في نظره - بعد الدخول السوفياتي الى افغانستان من اجل تطوير الوضع في اتجاه السيطرة على ايران عن طريق ترتيب قوي لمصلحة حزب "توده" الإيراني الشيوعي.
حضر الإجتماع ابو عمار وابو اياد وابو جهاد. استأذنت من ابو عمار وقلت له اريد ان اغادر الإجتماع فقال "دعنا نتناقش"، فأجبت: انا لا اناقش موقفاً ضد الثورة الإيرانية التي قدمت إلينا خدمات كبيرة جداً. ثار الكسندر وقال: "انتم لن تخرجوا عن هذه الدائرة ولن تصنعوا شيئاً من دوننا". فقلت له: ان دخولك ايران يعني ان قيمة اسرائيل الإستراتيجية ستزداد بنسبة مليون في المئة لدى الغرب وبالتالي اياك ان تفكر في هذا. نحن سنبذل كل جهدنا من اجل علاقات ايرانية - سوفياتية جيدة وانتم عليكم ان تغادروا ايران فوراً. وكنا في السابق احضرنا عرضاً من الإيرانيين في شأن افغانستان وخروج السوفيات منها في مقابل التعاون.
توتر وتكتل
توترت الأجواء في الإجتماع وانقسمنا. وكان ابو اياد طبعاً مع الموقف السوفياتي، فيما التزم ابو عمار وابو جهاد الصمت وكنت انا عملياً اعبر عن رأيهما. هذا الكلام مهم لأنه يشير الى الطريقة التي كان السوفيات يتعاملون بها مع الوضع في لبنان وايران والعراق وافغانستان ومستقبل الصراعات في هذه الدول.
وانعكس هذا الموقف ايضاً على تكتل سوفياتي مهم تبلور بوضوح في 1981 وضم منظمات معروفة مثل "الجبهة الشعبية" بزعامة الدكتور جورج حبش و"الجبهة الديموقراطية" بزعامة نايف حواتمة. والأخطر من ذلك كان التيار المؤيد للسوفيات داخل حركة "فتح"، وكذلك تيار داخل الحركة الوطنية اللبنانية كان يمثله بتطرف وعناد من دون موضوعية الى حد كبير الأخ المناضل محسن ابراهيم اضافة الى الحزب الشيوعي اللبناني وقوى اخرى.
احببت ان اورد هذه المقدمة لأنه بدءاً من العام 1981 راحت تردنا معلومات - وكنت يومها مسؤولاً عن الأمن السياسي في حركة "فتح" - عن هجوم اسرائيلي كبير سيستهدف كل لبنان، وان قضية انهاء الوضع في لبنان قد نضجت خصوصاً بعد مجيء رونالد ريغان. وكانت لدينا معلومات ان ريغان سينتخب وسيقتل ثم يتسلم الرئاسة جورج بوش الذي سيقيم الوفاق الكبير مع السوفيات.
التجسس على زوجة ريغان؟
من اين هذه المعلومات؟
- هذه المعلومات كانت من اختراق لأجهزة دولية. وانا واثق بأنه اذا فتش اخي ابو عمار في اوراقه سيجد تقريراً بهذا المعنى وعليه نحو مئة اشارة استفهام. وقد اعيد هذا التقرير الى الدراسة والبحث بعد محاولة اغتيال ريغان. ولدى ابو عمار تقرير طويل يروي كيف زارت نانسي زوجة ريغان بلداً اوروبياً وجرى ترتيب المرأة التي جلست قربها، ويروي تفاصيل الحديث الذي دار. وكان دور المرأة ان تفهم هل لا يزال ريغان يشعر بخطر وهل هو باق؟ وكانت زوجة ريغان تقول: اتمنى في كل يوم ألا يعاود زوجي ترشيح نفسه لأنني ارى نعشه.
والمرأة صديقة وهي من المجتمع الرفيع المستوى، الأمر الذي يمكنها من الجلوس إلى طاولة بهذا المستوى. هكذا كنا نعرف ان مجيء بوش سيشكل فتحاً جديداً في العالم خصوصاً انه كان لدينا تقرير كيف ان الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران قال لمسؤول مهم في دولة عربية: اسمع، في روسيا الآن رجلان رومانوف وغورباتشوف. اذا جاء رومانوف الى السلطة سيستمر العالم على ما هو، اما اذا جاء رجل اسمه غورباتشوف - واحفظ اسمه جيداً - فسيصبح العالم عبارة عن شركة بمديرين الأميركي وغورباتشوف. انا كفرنسي ارتجف خوفاً فكيف انتم!
لو قبلنا مبادرة الملك فهد
بدءاًً من 1980 كنا نعيش في جو ان هناك معادلة دولية جديدة ستتشكل واذا لم نكن نحن الفلسطينيين طرفاً فيها فلن يكون لنا مكان تحت الشمس. جاءتنا معلومات منذ 1981 عن هجوم اسرائيلي واسع على لبنان. وكانت هذه المعلومات السبب في مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز. ذهبنا آنذاك وعرضنا الوضع على المملكة العربية السعودية وتجاوبوا وبدأ التحرك السياسي.
جرى ترتيب المبادرة من اجل امتصاص الحرب المقبلة في لبنان. والواقع ان المبادرة تعثرت لأن الإتحاد السوفياتي اصدر اوامره بعرقلتها. وهكذا هاجم ابو اياد المبادرة على رغم انه كان واحداً ممن صاغوها، وذهب الى وزارة الخارجية السوفياتية... وكلنا نعلم ماذا جرى في فاس. طبعاً كان السيد باسل عقل يدعي انه صاغ المبادرة مع اللورد كارادون، لكن تلك كانت مجرد استعانة فنية خصوصاً في البند السابع المتعلق بالتعايش.
بعد تعثر المبادرة اصبح خطر الإجتياح كبيراً لأن المبادرة كانت تعد بمستقبل خصوصاً ان الرئيس الأميركي جيمي كارتر اعد، بفضل جهود الملك فهد، عرضاً تاريخياً للفلسطينيين كان يقضي بالإعتراف بالقرار 242 لو انه احتوى على مطالبنا، وهذا كان سيتبعه اعلان رسمي اميركي فلسطيني من واشنطن وبيروت. كل هذا العمل اجهض بسبب التدخل السوفياتي.
مصدر اسرائيلي يعمل للمنظمة
بعد ذلك جاءتنا معلومات من مصادر لبنانية صديقة. وللحقيقة فإن الرئيس امين الجميل - وكان نائباً آنذاك - لعب دوراً مهماً في تنبيهنا الى انهم أي الاسرائيليين آتون الى بيروت. وكان كلامه شبه موثق وقد لعب بعض الأخوة دوراً مهماً في هذا الموضوع. اضافة الى ذلك كان لدينا مصدر اسرائيلي مهم يديره الأخ ابو جهاد، وكان في غاية الأهمية بالنسبة الينا وقد زودنا تفاصيل عن الهجوم المقبل الذي كان يفترض ان يحصل في نيسان ابريل. وهو مصدر امني في الدولة وشبه عسكري ومعلوماته من الدرجة الأولى. وعلى رغم شكوكنا التي استمرت فترة في معلومات المصدر، فإن مجريات الحصار اكدت انه كان صادقاً معنا الى اقصى الحدود. ناقشنا المعلومات مع القيادات اللبنانية والأخوة في دمشق ومع الدول العربية، ولكن بعد تعثر مبادرة فاس لأسباب فلسطينية، لم يعد هناك مجال لقطع الطريق على العدوان الإسرائيلي.
"لا نريد فتح الجروح"
لننتقل الى حزيران يونيو نفسه: ما هو القرار العسكري الذي اتخذته المنظمة؟
- لم تحدث الحرب في نيسان بسبب امطار غير عادية هطلت آنذاك فتأجل الإجتياح الى حزيران. وعندما وقعت الحرب كان هناك انقسام في الرأي: بعضهم اعتقد بأن الهجوم الإسرائيلي سيبقى في حدود 45 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية ثم تتراجع القوات. وهذا الرأي كان قوياً في اوساط الحركة الوطنية اللبنانية وموقفها كان مهماً جداً لأنه كان في "فتح" قرار دائم باستمرار التعامل والتفاهم اي ان نختلف ولا نفترق. ولم يعتقد الأخوة السوريون ايضاً بأن الهجوم سيصل الى بيروت والبقاع. واقوله هذا في ضوء لقاءات العميد سعد صايل وقياديين آخرين مع الأخوة السوريين.
وظهر الموقف الحقيقي بعدما تقدم الإسرائيليون بسرعة في الجنوب وصاروا على ابواب صيدا. وصعدوا الى الشوف ولم يصطدموا بأي مقاومة مع انه كان يمكن إلحاق خسائر كبيرة بهم هناك لكننا لا نريد الآن ان نفتح هذه الجروح. بعد بدء دخولهم منطقة الشوف حصل الإجتماع المهم الذي نوقش فيه ما العمل.
منذ 1972 وحتى 1982 كان لابو عمار اسلوب للعمل يقوم على ان له مجموعته التي تناقش معه القضايا وتنفذها. وبعد المناقشة نذهب الى اللجنة المركزية او المجلس الثوري ونعطي شرعية للتوجه، فنعد له أو نزيد عليه. وكانت مجموعة ابو عمار الأساسية في 1982 التي تطلع على آرائه ومواقفه وتوجهاته، تضم اليه ابو جهاد وسعد صايل وانا، وكان من خارج اللجنة المركزية المسؤول عن الإستخبارات العسكرية ابو الزعيم، وكان عضواً مهماً في عملية تقويم المواقف. واعتبر المجتمعون ان ليس امامنا غير المواجهة لأن عدم المواجهة سينهينا سياسياً، وان من الخطورة بمكان ألا تجري مقاومة لدى محاصرة المقر الأساسي. وكانت المشكلة: هل يقبل اللبنانيون هذا القرار أم لا. وتوزعنا وقتها المهمات لكي نعالج الوضع اللبناني. جرى هذا قبل الحصار.
الإجتماع مع بشير
في هذا الإطار حصل اللقاء الشهير بيني وبين بشير الجميل في منزل مدير المخابرات في الجيش اللبناني جوني عبده. وكان بشير يريد ان يبلغ ابو عمار رسالة مهمة وان يبدأ نقاشاً في الموضوع. كلفني ابو عمار الذهاب الى الإجتماع على ان يتم بسرية كاملة. كانت هناك طبعاً قنوات عدة مع بيروت الشرقية لأن الزعامة فيها كانت موزعة على اطراف كثيرة: لأمين الجميل اقنية وكذلك لبشير وللرئيس المرحوم سليمان فرنجية الذي اقدره كثيراً.
ومن الجهة الثانية كان ابو الزعيم قناة اتصال وكان ابو حسن سلامة قبل استشهاده من اهم القنوات. وكان في بيروت الغربية من يساعدنا على تسوية المشاكل كالرئيس صائب سلام وهو رجل مهم جداً. وكان هناك اخ عزيز يساعدني كثيراً في هذا المجال وكان مهتماً بإنقاذ بيروت مما كانت تعيشه هو الأستاذ نهاد المشنوق مستشار الرئيس رفيق الحريري حالياً، وكان صحافياً وساعدني كثيراً في التمهيد للقاءات مع جوني عبده في شكل اساسي وعبر جوني مع اطراف اخرى. وكان عمي رئيس الوزراء السابق عبدالله اليافي يساعدني في الإتصالات مع الرئيس الياس سركيس الذي كان منحازاً الى ابو اياد ضدنا.
كان سركيس يعتقد بأن ابو اياد اراده رئيساً وان الآخرين لم يوافقوا لذلك كان يفضله على ابو عمار. ولهذا الموضوع قصة طويلة تتعلق بدور المرحوم كمال جنبلاط في جرنا الى موقف بزعم انه لا يريد سركيس، في حين ظهر انه لا يريد غير سركيس.
"لقاء القبضايات"
كنا نعتبر ان القرار المتعلق بمن يتولى رئاسة الجمهورية هو قرار للبنانيين وللحركة الوطنية وان ليس من دورنا التدخل وان كان واضحاً اننا حين نفضل احداً نعمل من اجل ان يكون. وكانت جورجينا رزق اداة اتصال مهمة. وكان الوزير السابق نجيب ابو حيدر اداة اتصال. في البداية كان ابو حسن سلامة وقد استطاع ان يكسب ثقة بشير الجميل اكثر مني، فالإثنان يلتقيان على نقطة مهمة هي حب حركات الميليشيات، اي المواكب والرشاشات والجلسة الحلوة بين القبضايات. كنت قابلت بشير الجميل مرات عدة وكان يشكو من لقاءاته معي.
حصل اللقاء في منزل جوني عبده وذهبت مستمعاً لأن الإجتماع عقد بمبادرة من بشير الذي قال "ان الإسرائيليين في الشوف" ونظر الى ساعته متوقعاً ان يصلوا "غداً او بعد غد الى بيروت". واضاف: "اذا كنتم على استعداد لإلقاء سلاحكم والخروج من لبنان فأنا مستعد لأن اؤمن لكم الخروج السليم والكريم واريد جواباً سريعاً قبل ان يصلوا الى بيروت". هنا اقترحت عليه ان نجلس على الشرفة لتفادي احتمال وجود آلات تسجيل في منزل عبده، ولأني اردت ان اغويه كما يقولون.
ثمة شيء فاجأني. كان بشير الجميل مضطرباً. وكان احياناً يحدق في الغابة وبدا كأنه يغيب احياناً عن الكلام الدائر. كنت اظن انه سيتكلم معي من موقع القوي الذي جاء لإملاء شروطه وانه سيضرب على الطاولة مستقوياً بالإسرائيليين. قلت له: "يا بشير اسمح لي بأن اخاطبك بصراحة. انا ممن يتابعونك وعملي هو ان اتابعك. انت مهتم برئاسة الجمهورية وهي لن تأتيك من هذا الطريق. وسجل علي انكم كما اتيتم بالسوريين لتضربوا الفلسطينيين فأنتم الآن تأتون بالإسرائيليين لتضربوا الإثنين، وستكون نتيجة هذه اللعبة ان نُضرب نحن وتنتهي انت. لأن في لبنان الكثير من الخير ويغري من يدخله فلا الإسرائيلي سيخرج ولا السوري سيخرج، وانت لا قبل لك بهذا الطرف او ذاك. سبق أن عرضت عليك في الماضي ان نحل القضايا ونبدأ عملاً في الجنوب. ولذلك اقول لك اذا كنت ستعتقد بأن هذا طريقك الى رئاسة الجمهورية فأنت مخطىء. بخلاف ذلك، اذا فكرت معنا ومع الحركة الوطنية اللبنانية فإن الفرص ستكون اكبر".
اقترحت عليه عقد لقاء يضمن فك العزلة عن الكتائب، اي ان نعقد اجتماعاً لبنانياً - فلسطينياً موسعاً. ولم يكن مخولاً الي في الواقع طرح مثل هذا الكلام لكن المشكلة ان ابو عمار والمجموعة كانت تدرك خطورة المشكلة وان الإسرائيليين سيصلون الى بيروت خلال يوم او اثنين. وكنت اريد العودة ببعض الأفكار. ورفض بشير الفكرة فوراً. فاقترحت عليه ان نلتقي ثانية في بيت السفير الفرنسي للبحث في الموضوع وكان في بالي ان استغل الموقف الفرنسي للضغط عليه لكنه رفض رفضاً قاطعاً فكرة اللقاء في بيت السفير الفرنسي، ما اعطاني انطباعاً أنه قلب ظهر المجن للفرنسيين. ثم طرحت عليه ان نلتقي في منزل ممثل الفاتيكان فرفض. حاولت ان ادرس تضاريسه السياسية. وكنت اعتقد بأن اي قرار كبير يستلزم حضور الدولة اللبنانية والكتائب والحركة الوطنية وآخرين. وظل متمسكاً يريد جواباً عن سؤاله هل نوافق على الخروج. اما مسألة الإبقاء على ثكنتين فطرحها لاحقاً على ابو الزعيم. وبعدما رفضنا الرد على سؤاله.
قلت لبشير آنذاك من سيقبل بالفلسطينيين المسلحين؟ اي دولة ستستضيفهم؟ كل جهة عربية عندها ما يكفيها من مأساتها من الفلسطينيين؟ من سيقبل، الأردن ام سورية ام غيرهما؟ فرد متعهداً أن يضع حلولاً لهذه القضايا على ان يتبع عدد صغير للجيش اللبناني وهذه هي فكرة الثكنتين لاحقاً. بعد وصول الإسرائيليين الى بيروت لم تعد اللعبة في يد بشير ولم يعد قادراً على القبول او الرفض.
اقترحتم في تلك المرحلة على جوني عبده انزال الجيش اللبناني قوة تفصل بينكم وبين الإسرائيليين؟
- بدأت مفاوضات وحصلت المفاجأة الكبيرة للأميركيين والإسرائيليين. عندما عدت من الإجتماع مع بشير عقدنا اجتماعاً في مكان مهجور. وعندما عرف محسن ابراهيم انني اجتمعت مع بشير كان يتوسل الي كي يظل الأمر سراً لأن وليد جنبلاط سينزعج. وحصلت مشادة عنيفة بيني وبين محسن حول هذا الموضوع. كان ابو عمار يميل الى عدم القطع مع بشير. وكان محسن عنيفاً جداً ولعب دوراً رهيباً في تلك الفترة. والمشكلة هي ان الحركة الوطنية كانت ضعيفة وتريد ان تلعب ورقة الفلسطينيين في مقابل الغطاء الذي كانت تعطيه لهم ولكن بموقف متشدد ضد سورية. انا شخصياً كنت معارضاً دائماً لهذا الموقف.
ابو عمار: القتال لستة اشهر
حصل الحصار وابلغني ابو عمار ان علينا ان نقاتل ستة شهور. كان ذلك في اجتماع مجموعة العمل فقط، لأن ابو عمار وابو اياد كانا لا يلتقيان تقريباً طوال فترة الحرب. ولهذا الجو خلفية تاريخية: كان ابو اياد يريد ان يمحو ايلول سبتمبر 1970 بتشنج ظاهري في المواقف، وهنا نعود الى السوفيات. المهم اننا قررنا ان نقاتل ستة اشهر وطلب مني ابو عمار القيام بالعمل السياسي. اي انه طلب مني ان نحرك العمل السياسي ولكن من دون الرجوع باتفاق. بمعنى ان نفاوض لكي نفاوض ثم نرى موازين القتال والوضع الدولي وموازين التدخل السوري.
بدأت افكر وقد وصل غوتمان ممثل الرئيس ميتران الى بيروت. وكنت لاحظت خلال اجتماعي مع بشير الجميل انه طوى ورقة دور فرنسا. فقلت ان الدور الفرنسي معزول على الأرض ووضعت خطة للإتصال بالفرنسيين وكسبهم لنصبح نحن بمثابة مدخل لدورهم. وفوجئت بأنني عندما طلبت من غوتمان لقاءه جاء جوابه سلبياً على رغم علاقاتي مع الفرنسيين. قال ان لا لقاء مع عرفات ولا مع الفلسطينيين عموماً. اجريت اتصالاً مع السفير الفرنسي آنذاك، وكان سفيراً رائعاً، فقال ان غوتمان لن يذهب للقائكم واذا اردت لقاءه فتفضل الى بعبدا. كانت الدبابات الإسرائيلية آنذاك بدأت بالإنتشار في ضواحي بيروت لكنها لم تستكمل الحصار. فوجىء السفير بموافقتي على الذهاب. ركبت في سيارة تحمل العلم الفرنسي على اساس انها تقل شخصية فرنسية وذهبت الى البيت قرب القصر الجمهوري في بعبدا.
اقترح علي ابو عمار عقد لقاء جديد مع بشير فأجبت ان القضية باتت دولية وان دور بشير تراجع بالتأكيد بعد انتشار الإسرائيليين على الأرض، وتولى ابو الزعيم متابعة الإتصال مع بشير. جرت محاولات عدة لترتيب اجتماع بين ابو عمار وبشير لكنها لم تنجح ولكن حصل تبادل مهم للرسائل. في هذا الوقت بقيت الإتصالات بيني وبين جوني عبده والتقينا اكثر من مرة في قيادة موقع بيروت للجيش اللبناني. كما التقينا عبده في منزل شفيق الحوت ممثل المنظمة في لبنان، وحضر الإجتماع ابو عمار واعتقد بأن سعد صايل حضر أيضا وكان ضابط آخر برفقة جوني.
متى اتخذ قرار خروج المقاومة من بيروت وفي اي اجتماع؟
- الحقيقة هي ان هذا القرار اتخذ اكثر من مرة، لكن القرار الحقيقي لم يتخذ الا بعد انتهاء المفاوضات التي اجريناها، انا وسعد صايل والفريق الأميركي برئاسة فيليب حبيب. انا التقيت ممثلاً لفيليب حبيب في منزل رئيس الوزراء شفيق الوزان وكانت بفضل لعبة قام بها الرئيس صائب سلام، كان هناك ضابط في الجيش اللبناني اسمه نبيل قريطم - وهو ضابط كفوء - يأتي ونلتقيه انا وابو اياد وابو الوليد. وبدأنا نكتب عن الإنسحاب وشروط الإنسحاب. وكان الغرض في البداية كسب الوقت.
من عارض داخل القيادة الفلسطينية الخروج من بيروت؟
- الحقيقة انه قدر ياسر عرفات. بما انه متمسك بالسلطة بكل اطرافها وانواعها في وقت السلم ويمارس اقوى انواع السيطرة والإستحواذ على كل شيء تتم تصفية الحسابات معه اثناء الأزمات. كلما حدثت ازمة يكثر المعارضون الذين يريدون ان يفرضوا عليه الحد الأقصى من المكاسب كي يقولوا لاحقاً انه هو المسؤول عن الحد الأدنى من المكاسب.
الوضع على الطاولة كان كالآتي: نحن مجموعة العمل مع ياسر عرفات كان موقفنا ان نقاتل ستة اشهر ولكن لا يمكن ان نقول هذا في حضور واسع نحن واثقون مئة في المئة بأنه سيتسرب. لذلك هناك فرق بين ما نوقش في قيادة "فتح" وما نوقش في القيادة الفلسطينية او القيادة المشتركة. في القيادة المشتركة او الفلسطينية كل شيء سينقل. وكما قلت كان قرارنا ان نقاتل ستة اشهر ثم ندرس الوضع. في البداية لم يكن وارداً لدينا الخروج من بيروت. طبعاً انا قدمت الى غوتمان مشروعاً للإنسحاب من 26 بنداً على اساس ان نتنازل عن بعض الشروط، وخلال الشهور الستة نتنازل عن عشرين شرطاً فتبقى الشروط الأساسية. بدأ الكل يتساءلون عن هذا الموضوع.
"لم يعارض احد"
هل عارض الأمين العام ل "الجبهة الشعبية" الدكتور جورج حبش الخروج من بيروت؟
- في المرحلة الأخيرة لم يعارض احد. كان احمد جبريل يعارض في الإجتماع من باب تسجيل الموقف. ولكن لم يعد احد قادراً على رفض الخروج بسبب تطور المعركة. سجل غوشه موقفاً وكذلك "القيادة العامة" ولا اذكر ان حبش او نايف حواتمة سجلا موقفاً من هذا النوع. طبعاً كان حبش في البداية يريد الذهاب الى ابعد الحدود.
في 1/1/1982 كتبت مقالاً في مجلة "النهار العربي والدولي" تحت عنوان "كي لا نضيع بالديبلوماسية ما انجزناه بالبندقية". كانت المجلة اختارت شخصيات عدة لكتابة مقالات في مناسبة العام الجديد بينها غسان تويني وشخص سوفياتي وانا وآخرون. كتبت انا ان عام 1982 هو عام اخراجنا من لبنان وان السوفيات لن يتدخلوا واننا سنصرخ ولن يستمع الينا احد لذلك دعونا نعالج الوضع من الآن.
ماذا كان موقف وليد جنبلاط من موضوع خروج المقاومة؟
- كانت الحركة الوطنية عموماً تطالب الفلسطينيين بالخروج ولكن ثنائياً. وكان رأي محسن الخروج ايضاً. كانوا يعتقدون بأنهم سيتسلمون بعدنا. بشير كان يظن انه سيتسلم وكذلك الحركة الوطنية.
لا اعرف هل روى لك الأخ ابو عمار قصة مشهورة مع جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني؟
الواقع ان ابو عمار كان يتحدث عن الخروج في الإجتماعات فيقولون لنا "نعم لكننا لن نقبل لكم الا الخروج الشريف". بعدها كنا نبدأ بالبحث في "الخروج الشريف". ثم تحدث تطورات ويتخذ ابو عمار مواقف لا تدل على التزامه شروط "الخروج الشريف". يومها نقل محسن ابراهيم الى ابو عمار نكتة مفادها ان اللبنانيين جاؤوا لوداع ابو عمار وهم يهتفون "وداعاً وداعاً ابو عمار" فسألهم عرفات "الى اين انتم ذاهبون!" النكتة منقولة طبعاً عن فرانكو. ثم جاء جورج حاوي وقال لأبو عمار سأروي لك قصة هي ان صعيدياً اراد الذهاب الى دمياط فذهب الى المحطة وارشدوه الى آلة وقالوا له "انها تستطيع قراءة افكارك". وقف امام الآلة وقال لها "انا ابو الحنين رايح فين؟" فقالت له "انت ذاهب الى دمياط في قطار الساعة الثانية". ابتعد وتنكر في ثياب امرأة وعاد وسألها "انا مين ورايح فين؟" واستمر الحوار حتى قالت الآلة له "يلا... يا حسنين ستضيع قطار دمياط"! انزعج ابو عمار وسجل القصة في أوراقه.
كان تحليل الحركة الوطنية أن علينا أن نرحل واعتقدوا بأنهم سيتسلمون الأمور على رغم انهم ورطونا قبل ذلك في حرب في الجنوب مع حركة "أمل" وكانت مأساة. وهذه من اسباب تقدم الجيش الإسرائيلي بسرعة، ذلك ان قواتنا كانت مبعثرة. فقد انهزمت قوات الحركة الوطنية في كل مكان تقريباً. جورج حبش كان يعتقد في البداية بأن تدخلاً سوفياتياً سيحصل لكن السفير السوفياتي جاء وطالبنا بالخروج فتغيرت المواقف. الموقف السوفياتي ظهر بعد ثلاثة اسابيع من القتال.
احتجاج سوفياتي
لنعد الى المقال. جاء السوفيات واحتجوا عليه وكذلك فعلت الحركة الوطنية وانتقدت مساواة السوفيات بالأميركيين. جاءني غينادي تاراسوف من السفارة السوفياتية وقال لي "كيف تقول هذا الكلام؟" اجبته "هناك حرب آتية اذا تدخلتم انتم سألبس بزة حمراء وربطة عنق حمراء واصير شيوعياً. انتم لن تتدخلوا ويالطا تمنعكم من ذلك فدعونا وشأننا". وكان رأيه ان هذا كلام فارغ وان الإتحاد السوفياتي لن يسمح باجتياح من هذا النوع. وكل الفلسطينيين عاشوا في ظل هذا الجو، اي جو التدخل السوري والتدخل السوفياتي. وتوقعوا ان تكون للتدخل السوري قوة هائلة بسبب الدعم السوفياتي. ورداً على المقال قالت الحركة الوطنية في ما قاله مالك في الخمرة. وطلب اركانها من ابو عمار سحب المقال من الأسواق.
في الشهر السادس بدأت الحرب وفي الشهر السابع جاء السفير السوفياتي لزيارة ابو عمار الذي اصر على ان احضر اللقاء. كنت قبل ذلك التقيت الدكتور حبش في قبو في بيروت. وللانصاف فإن حبش رجل في اجواء القتال وثابت الأعصاب. قال لي انه سمع عن لقائي الفرنسيين. طبعاً لم يعرفوا انني عبرت للقاء الفرنسيين ولو علموا لحدثت ردود فعل كبيرة. اجبته "نعم التقيت الفرنسيين. واريد ان اسألك ما هي السياسة؟" فقال "الآن وفي القبو سنلقي محاضرة عما هي السياسة؟" فقلت "السياسة ثلاث قضايا: ما هي التناقضات على الأرض، وما هو اثر الزمن في نمو التناقضات، ثم القرار في ضوء ذلك. انت كيف ترى؟ هل سنكسب؟ الوقت قد لا يكون لمصلحتنا وعلينا ان نستعد". فأجاب "سأعطيك جواباً بعد اسبوعين".
وفهمت لاحقاً ان ياسر عبد ربه عضو قيادة الجبهة الديموقراطية آنذاك كان مع الرئيس حافظ الأسد خلال زيارته لموسكو وان السوفيات سيتدخلون. وطبعاً هذا كذب. في تلك المرحلة كان ياسر عبد ربه خارج بيروت وكذلك فاروق قدومي ابو اللطف وابو ماهر وقيادات كثيرة اخرى الذين كانوا في بيروت قلة.
هذه الرواية ان السوفيات قادمون اثرت في المواقف. طلب حبش اسبوعين فقلت له "اعطيك ثلاثة اشهر واذا ضربت غواصة سوفياتية سراً مدمرة اسرائيلية سأعتبر ان مجال العودة الى صور وشمال فلسطين قد اتى". سألني حبش "هل تعتقد بأن القتال سيستمر ثلاثة اشهر"؟ طبعاً لم اقل له ان قرارنا هو القتال ستة اشهر لئلا يلزمني لاحقاً بالمدة، قلت له "ان الخروج الشريف يحتاج الى معركة. هذه الأرض نحن لا نستطيع التمسك بها، عاجلاً ام آجلاً سنخرج. نحن نعمل لنطيل عمر القتال". قال "انا معك في ذلك ودعنا نظل على اتصال".
حين جاء السفير السوفياتي الكسندر سولداتوف قال لأبو عمار "اخرج من بيروت"، فسأله ابو عمار "كيف اخرج". أجابه "اخرج على ظهر المدمرات الأميركية!" فرد عرفات "انا ياسر عرفات اخرج على ظهر مدمرات اميركية؟" رد السفير "اخرج انت وكوادرك. المهم المحافظة على الكوادر". قال له عرفات "والله لو خرجت من هنا لن اطاع فأنا لست دولة". وللإنصاف: لياسر عرفات في الحرب مواقف تاريخية. قال السفير "اذا ستُأخذ اسيراً بالشبكة!" فرد عرفات "ان قائداً في مسدسه طلقان لا يؤخذ اسيراً". وافهم عرفات السفير ان الجلسة باتت شبه منتهية.
ذهب السفير السوفياتي لزيارة حبش الذي سأله "متى تتدخلون؟" فأجابه "أي جنون هذا؟ أمِن اجل بيروت ندمر العالم؟ اخرجوا". فقال حبش "كيف؟" فرد السفير "اخرجوا تحت راية الصليب الأحمر!"
ذهل حبش مما سمعه وطلب من بسام ابو شريف ان يناديني وحين جئت قال "هل التقيت السفير السوفياتي؟" فأجبت "وهل جاءك بورقة النعي. يا حكيم منذ عام ونحن نتحدث عن هذا الهجوم". بعدها اتخذ حبش قراره الشهير واعلن انه مع ياسر عرفات. فقلت له "التدخل السوفياتي غير وارد وعلينا ان ننتظر الدور العربي". والواقع هو ان كل الذين عارضوا تسابقوا لاحقاً لتسجيل اسمائهم في لوائح المغادرين لقواته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.