شخصيات فرنسية عدة وجمهور كبير كانوا في افتتاح معرض الفنان العالمي في تصميم الحذاء أندريا بفيستر، في مدينة رومان التاريخية في الوسط الجنوبي الفرنسي، من جاك توبون وزير الثقافة الفرنسي الى جاك سالوا مدير متاحف فرنسا، وهنري بيرتولة عمدة مدينة رومان، وجان سوفاجون مساعد الأعمال الثقافية والثروات الفنية، وبيار بينيك معاون الشؤون الثقافية وماري جوزيف بوسان محافظ المتحف العالمي للأحذية. بعد حفلة الافتتاح ألقى أندريا بفيستر كلمة عن فن الحذاء أوصى في ختامها بأن يذهب ريع بيع الكاتالوغ الملوّن الجميل عن أعماله لمرضى الايدز. المعرض كان فريداً حيث يشعر المرء كأن الحذاء فيه قطعة فنية قائمة بذاتها، يقام في متحف للحذاء هو الوحيد من نوعه في العالم وتشرف عليه سيدة مثقفة تحفظ تاريخ بلدة رومان عن ظهر قلب، فهي أيضاً المدينة الفرنسية والعالمية الوحيدة التي تختص بصناعة الحذاء ويتوارث سكانها المهنة من مئات السنين حتى الآن. المتحف بحد ذاته صرح قديم يعود الى قرون عدة والى القرن السادس عشر بالأخص، ويضم آلاف الأحذية بدءاً من ما قبل التاريخ ومروراً بالامبراطوريتين البيزنطية والتركية وحتى افريقيا الشمالية وما وراء القارات. شغله منذ البداية كان الحذاء شغل أندريا بفيستر الشاغل منذ ان تخرّج من جامعة فلورنسا حاملاً شهادة تاريخ الفنون. لقد درس في هذه الجامعة تاريخ الحذاء في متحف رومان غير البعيد كثيراً عن مسقط رأسه ببلدة بيزارو في إيطاليا. قرر ان يجعل الحذاء في قدم المرأة كما الحلية الرائعة حول عنقها. وصمم أيضاً على ان يعرض احذيته في متحف رومان في يوم ما. ولم يكن الطريق سهلاً أمامه. كان ولد سنة 1942، في شهر آب/ أغسطس، في المنطقة الايطالية المعروفة باسم "منطقة الخطوات". وبعد تخرجه من جامعة فلورنسا، التحق بمعهد الفنون في ميلان. طالب موهوب في رسم الحذاء، ذهب الى امستردام في هولندا سنة 1963 ليشترك في مسابقة عالمية حول أفضل تصميم حذاء، وأفضل مصمم له أيضاً. وفاز أندريا بالمسابقة. الذهاب الى النبع فكّر أندريا الطويل النحيل القامة في أنّ باريس هي المدينة التي تستطيع ان تطلقه على الصعيد العالمي، على اعتبار انها عاصمة الموضة العالمية. وهكذا جاء اليها سنة 1964 حاملاً على كتفيه اثنتين وعشرين سنة من العمر. وفوراً تمكن من تصميم أحذية أكبر دارين للأزياء في ذلك الحين، دار جان باتو ودار لانفان. بعدها بسنة، اي في 1965، قام أندريا بتصميم المجموعة الأولى من الأحذية التي تحمل اسمه. لكن كان على أندريا ان يفتح مخزناً خاصاً بأحذيته، والكلفة في باريس لا يستطيع تحملها وحده. وإنتظر سنتين حتى التقى بمن يشاركه في فتح مخزنه الحلم في شارع كومبون. الذي يلتقي بالفوبور سانت هونوريه الشهير ويقابل في الوقت ذاته دار شانيل الخاصة ملتقى علية القوم وشهيرات نجوم العالم. حمل المخزن اسم اندريا بفيستر. ولم يكن المخزن هذا هو ما يرضي طموحه. فهو بحاجة لمن ينفذ تصاميمه الكثيرة والمفذلكة المستوحاة من التاريخ ومن عالم الطبيعة حوله. وفي الاثنين غرائب وعجائب. ويساعد الحظ بفيستر، وها هو معمل صغير ينبت باسمه في بلدة فيجيفانو في منطقة اللومباردي في ايطاليا. وفيه راح فنانون عديدون يحولون رسوم احذية الى قطع فنية رائعة تخشى الأقدام ان تلامسها، حسب تصريح أورسولا اندروس في ما بعد. لقد استأجر أندريا ذلك المعمل، وعليه ان يصبح مالكاً لمعمل خاص به في يوم. وتمكن من ذلك بعد ستة أعوام، وصار معمله الفعلي ينتج مئتي حذاء فني يومياً. في سنة 1987، فكر أندريا في فتح فرع لأحذيته في مدينة ميلانو الحديثة التي تعلّم فيها. صار رمزاً عالمياً في تصميم الحذاء الجميل، ودعي الى نيويورك للدخول في مباراة فنية أيضاً، بصدد الحذاء طبعاً، ففاز بالجائزة للمرة الثانية وصار الأول في العالم بلا منازع في فنه. كل هذا دفع بأندريا بفيستر على ان يتحكم بذاته في نوعية الجلود المستخدمة في صنع الحذاء. فقام بالاتصال بمؤسسة أناكوندا لدباغة وتصنيع جلود الزواحف وبمؤسسة ستيفانيا الاختصاصية بجلود الجدي والجلود المخملية للتعاون في مجال الألوان. في ما يتعلق بالمزاوجة بين أنواع الجلود المذكورة وألوان فاقعة جديدة تحمل اسم بفيستر. يقيم أندريا بفيستر حالياً في فيجيفانو بإيطاليا. ومنها ينتقل بين أنحاء العالم لعرض احذيته. وهو يعتبر ان زيارته للولايات المتحدة الأميركية بين الحين والآخر هي بمثابة "فيتامين" من نوع خاص توحي له بالكثير من التصاميم نظراً لإقبال نجوم هوليوود عليها. ولهذا، فهو ينزوي مرتين في السنة، في بلدة بوزيتانو حتى يحضر رسوم تصاميمه. ويبدأ كالعادة، بالألوان، ثم يعمل على الأشكال وينحت الكعوب. بعدها يأتي دور التنفيذ على قوالب محضرة واضعاً نصب عينيه الجمالية والغرابة، لكن ليست على حساب راحة القدم. ويقول أندريا بفيستر : "إن الحذاء يعني بالنسبة اليّ نوعاً من الفن التشكيلي القائم بذاته". من شهيرات العالم اللواتي يصمم أندريا أحذيتهن: أورسولا أندروسن، جوان بيز، كلودين بيرغن، جاكلين بيسيت، كلوديا كاردينالي، فالنتينا كورتيز، كاترين دينوف، ليندا إيفانز، مادونا، ليزا مينيلي، دايانا روس، إليزابيت تايلور، سيلفي فارتان ومونيكا فيتي. ومن أشهر ما قيل عن أندريا بفيتسر هو كلام جان كلود كاريير الكاتب المعروف والسيناريست الشهير، اذ قال: "ان بفيستر يتأمل العالم من الأسفل الى الأعلى، ولهذا يمكن القول عنه انه يمشي على رأسه. فأن نمشي في حذائه يعني ان نملك الابتسامة على مقدمة جزمة، يعني ان نمشي في الشمس مع أن الأيام قاتمة، يعني خطوات أربع في السعادة". من عناوين ابتكارات بفيستر في معرض رومان: مسرحية، غولف، حذاء الشراب الكعب قدح وقطعة ليمون حامض، طوارق نسبة الى قبيلة الطوارق، شجرة الحياة، السيرك، كارمن، ميلو اسم كلب مرسوم على حذاء، سامبا، هاملت، حذاء ريش الديك، موزاييك، النمر، كابري صندال بنطلة ملونة، الفقمة، الرسم أحذية تحمل أدوات رسم، البحر، بيكاسو، الإمبراطورة، السرايا، جاز، ساندريلا، فرساي، كافيار، ضفادع أحذية تحمل ضفادع، الصيد، سلة أزهار حذاء من القش يحمل باقة من شقائق النعمان، ألف ليلة وليلة صندال مرصع بأحجار براقة ملونة، سان بطرسبيرغ إستيحاء من عراقة تاريخ هذه المدينة، مهرجان، قفص، الأندلس، الحياة بلون زهري، كينيا، الصين وأزهارها من الحرير الصيني، فن الكعب المنحوت، تكساس، توبكابي من تركيا، صندال بخيوط الذهب وحجارة الألماس، تطريز، سالزبورغ مدينة في النمسا، مديتشي، صحراء وما شابه مما يدور في العالم من أسماء ومواضيع. في الربط بين حذاء ساندريلا الأسطوري وبين حذاء أندريا بفيستر، كتبت إحدى المساهمات في معرضه على سجل متحف رومان: "هل تعرفين أن ساندريلا أصيبت بانهيار عصبي خطير؟ لا؟ لكن الحقيقة، نعم! لقد عرفت ساندريلا بواسطة جنّيتها المرافقة لها ان هناك شخصاً اسمه اندريا بفيستر يضع احذية هي الأجمل في العالم، وحتى انه صنع حذاء يتفوق جمالاً على حذائها. هذا من حظنا نحن سيدات العصر، فقد استطاع فنان كبير اخيراً أن يدير الأنظار عن رأس امرأة جميلة ويجعلها تحط على حذائها". تمكّن أندريا بفيستر من ابتكار ألفي حذاء فني وحتى التوصل الى ابتكار "الحذاء، ربطة العنق". وهذا ما جعل ماري جوزيف بوسان محافظة متحف أحذية رومان تقول وهي تلقي كلمتها بمناسبة افتتاح معرض بفيستر: "لا يمكن اللحاق بغرابة فنان الحذاء هذا وهو يحوّل الأزهار والحيوانات والنجوم والبحر والموسيقى والسيرك والتطريز واللآلئ وما شابه، الى احذية. إنها بعض من لوحات بيكاسو. وهو بهذا يكمل حضارة الحذاء عبر التاريخ بحضارة الحذاء المعاصر". حضارة حذاء هي فعلاً لمن يشاهد هذا المعرض الفريد لأندريا بفيستر بكل غرابته وألوانه والاعجاب به من خلال ثلاثين سنة من العمل في فن ابتكاره دون ملل بل باصرار، وحتى يجعل الأنظار تحط عليه كما على لوحة جميلة، ولمَ لا!