زيارة مدينة فيجيفانو الإيطالية القريبة من ميلانو بقصد التعرّف والاستطلاع، تخرج لمن يرغب عن الزيارات السياحية المألوفة. فالمدينة الواقعة على بُعد 35 كيلومتراً غرب ميلانو وجوارها المتنوع، تأسرك بطابعها الريفي الخاص، وتنقلك لفترة الى القرون الوسطى وعصر النهضة وحياة نبلائها. ويحمل فصل الربيع الى هذه المنطقة في مقاطعة بافيا ضمن إقليم لومبارديا، توهجاً خلال رحلتك يزيد من متعة المشهد في المدى الرحب وسهول الرز وهضاب مترامية مغطاة ب"شال"أصفر. فتحسب أنك تقلّب روزنامة تجمع في صفحاتها أجمل صور المناظر الطبيعية، أو أنك تمعن النظر في بساط شمسي من دون أن تتأذى عيناك، لا بل انهما لا تشبعان من التأمّل. وقاصد فيجيفانو لا بدّ من أن يعرّج على ساحة دوكالي، قلب المدينة النابض، من دون أن يهمل زيارة متحف الأحذية أو مرافق مجاورة للعلاج الطبيعي، أو منتجعات تكثر فيها الاحتفالات وجلسات الاسترخاء وتحلو على طرقها النزهات ومزاولة رياضات الهواء الطلق، أو اختيار التوجه الى محمية تتشينو. يربض قصر"دي سفورزا"شامخاً في فيجيفانو جاعلاً من ساحة دوكالي ميداناً له. والموقعان"توأمان متلازمان"يشكلان وجه المدينة وإرثها. والساحة المصممة على شكل ميدان روماني هي من أوائل الساحات الفسيحة في عصر النهضة، مثال لهندسة القرن الخامس عشر في إقليم لومبارديا. أنشئت بين عامي 1492 و1494 وصممها المعماري لودوفيكو ايل مورو. انها"حي المدينة القديم"وسوقها وملتقى أهلها، حيث تنتشر المحال والمطاعم والمقاهي مطلة على"باحة"طولها 134 متراً وعرضها 48 متراً، تحتضن من جهتها الشمالية كاتدرائية القديس أمبروجيو وواجهتها الباروكية الطراز، المشيّدة عام 1680. قصر"دي سفورزا"يأخذك في رحلة مدينة ضمن المدينة، الى الحقبة ما بين القرنين السابع والعاشر، فيه أقام أمراء ونبلاء وفنانون أمثال برامانتي وليوناردو دي فنتشي. أما جار"دي سفورزا"فهو قصر دوكالي، منزل أميرات دوق ميلانو في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ويضم معرضاً لرسوم رحلات الصيد بين عامي 1446 و1476، وإسطبلاً للخيول يتميز برواقه الطويل بناه لوتشينو فيسكونتي بدءاً من عام 1347، ليكون ممر دخول لأفراد عائلة سفورزا وخروجهم بعيداً من عيون العامة والفضوليين. وأضحت الطرق السفلية تحت الأرض ردهات لمعارض أو فسحات للتنقّل والمرور بين أقسام المكان الفسيح. كما يربط بين القصرين ممر علوي، تحتوي طبقته الثانية على قناطر ترتكز بوداعة على 48 عموداً، كانت بمثابة شرفة طويلة وموقعاً لإطلاق الصقور في مواسم صيد الطيور. والملفت في فيجيفانو استثمار الدور والقصور العريقة لغايات ثقافية وسياحية، ومنها قصر موريلا الذي يعود تاريخ بنائه الى القرن السابع عشر. وكان ديراً لراهبات سيدة الصعود الدومينيكانيات، قبل أن يتحول قصراً، وبعدها الى ميتم للأولاد على يدي القس جيوفاني موريلا، فحمل الموقع اسمه. وأُخضع أخيراً الى ورشة ترميم للمحافظة خصوصاً على"أعمدة الباروك"التي تزيّن طبقتيه. وأصبح اليوم أحد المعالم التاريخية للمدينة، الى جانب معرض يحتوي رسوماً ويمثّل ذاكرة المدينة من خلال أعمال لفنانيها في القرنين الماضيين. وغير بعيد من هذه"القلعة وأحيائها"محمية تتشينو بتنوعها الطبيعي، وهي محيط حيوي يمتد الى مقاطعات أخرى صنفته منظمة"أونيسكو"من بين 425 محمية نادرة في 95 بلداً. هناك، تكثر الغابات والمجاري العذبة وقنواتها ومنها سكافيزولو حيث يمكنك عبور مياهها المتدفقة في الربيع على متن قوارب الكانوي، وعلى ضفتيها مناظر خلابة هي مقصد هواة تصوير المناظر الطبيعية. كما تُنظّم سباقات سنوية للكانوي في الأحد الثاني من أيلول سبتمبر. أما مزرعة"سفورسسكا"فهي بوابة المحمية و"بابها"الطبيعي، تستقبلك في أول الطريق اليها. إنها نقطة الانطلاق لرحلات المشي أو النزهات الطويلة على متن درجات هوائية تقودك الى مواقع متنوعة، منها سلسلة مطاحن أبرزها موراباسا، حيث أقام دي فنتشي فترة واطلع على آلية عملها ودرس كيفية تفعيلها وتطوير إنتاجها، وحيث تُعرض ماكينات وآلات زراعية قديمة تحمل لمسات هذا الفنان العبقري. متحف بيترو بيرتوليني للأحذية بما أن ايطاليا هي رائدة ماركات الأحذية، فمدينة فيجيفانو هي عاصمتها، اذ تمثّل هذه الصناعة جزءاً حيوياً من اقتصادها. وتتباهى بوجود متحف للأحذية يشرح صناعتها على مدى قرون، حيث بدأت في متاجر صغيرة في القرن السادس عشر، ووصلت الى نطاق صناعي في القرن التاسع عشر. إنه"متحف بيترو بيرتوليني"الذي دشّن في صورته الحديثة عام 2003. وأساسه مجموعة خاصة لبيرتوليني وهبها عام 1950 الى بلدية فيجيفانو. ويتضّمن المتحف أقساماً"تسرد"حقبات تاريخية تشمل ما كانت تنتعله قوميات وأعراق الى موديلات معاصرة وابتكارات فنية غريبة، منها حذاء نسائي علو كعبه90 سنتيمتراً، وتصاميم مشاهير هذه الصناعة وموضتها. وأنشئ أول مصنع للأحذية في فيجيفانو عام 1866، وأول مصنع لماكيناتها عام 1901، كما أنتج أول حذاء رياضي وكان للعبة للتنس عام 1920. وفاق الإنتاج ال21 مليون حذاء سنوياً ما بين عامي1950 و1960، غالبيتها للتصدير. وتشهد ردهات المتحف معروضات دائمة منها أحذية لبابوات روما و"الدوتشي"بينيتو موسوليني، الى معارض لمجموعات خاصة منها مجموعة ابتكارات وتصاميم أرماندو بوليني 1800 حذاء ، وعروض إطلاق موديلات، وأجنحة لأسماء كبيرة في هذه الصناعة أمثال فيفيين ويستوود وألدو ساكييتي وسلفاتوري فيراغامو وغابرييل دانونزيو ورينيه كافيولا وأندريا بفيستر. كما تعرض أحذية فنانين ونجوم سينمائين أمثال مارلين مونرو. وفي نيسان أبريل الماضي، حصل البابا بنديكتوس السادس عشر على 15000 زوج من الأحذية خلال زيارته لفيجيفانو ومعها زوج آخر... إذ قدّم"كونسرتيوم"محلي حذاء للبابا و15 ألف حذاء للمحتاجين في العالم، أرسلت الى جمعيات خيرية اختارها الفاتيكان. أما حذاء البابا فأحمر اللون من تصميم شركة"موريشي"ومصنوع من جلد الكنغورو. وتسمّى الأحذية الحمر التي ينتعلها البابوات عادة، ب"أحذية صياد السمك"، لأنهم خلفاء القديس بطرس الرسول، أحد تلامذة السيد المسيح، الذي كان صياد سمك.