ما أن تبدأ السنة الخامسة من ولاية رئيس الجمهورية اللبناني التي تستمر ست سنوات، حتى تبدأ المعركة على خلافته. هكذا كانت الحال منذ الاستقلال حتى اليوم. لم تتغير اللعبة، وإن تغير الناخبون وبعض الاصول. "الوسط" ترصد طلائع المرشحين والمعركة في أولها. الطامحون الى رئاسة الجمهورية في لبنان بدأوا تحركهم في اتجاه القوى التي يمكن ان تساعدهم على بلوغ غايتهم، على رغم ان المدة التي تفصل عن موعد انتخابات الرئاسة تناهز سنة ونصف سنة. فهم حيناً يستميلون النواب الذين يفترض انهم الناخبون. وحيناً آخر يستميلون الفاعليات السياسية التي اثبتت وجود قواعد مهمة لها في المجلس النيابي. وهم حيناً ثالثاً يتوجهون الى الفاعليات الدينية على تنوع طوائفها ومذاهبها والتي لبعضها تأثير سياسي واسع يمكن ان يكون مفيداً في الانتخابات الرئاسية. وهم حيناً رابعاً يتوجهون الى سفراء الدول الكبرى وفي مقدمهم سفير الولاياتالمتحدة اقتناعاً منهم بقدرتها على توجيه الامور في لبنان وتالياً الاستحقاقات الاساسية فيه بالطريقة التي تخدم مصالحها. وهم حيناً خامساً وأخيراً يصادقون سورية الموجودة في لبنان سياسياً وعسكرياً والتي لها بحكم هذا الوجود كلمة مهمة لا بل اساسية في انتخابات رئاسة الجمهورية. وساهم هذا التحرك المتنوع الاتجاهات في اشغال الوسطاء - ومعظمهم محلي - المرتبطين بالجهات المشار اليها بعلاقات وثيقة وقوية والمستعدين لتجيير هذه العلاقات للطامحين الذين يجدون فيهم اما كفاءة وإما انسجاماً في الخط السياسي وإما طواعية في التعامل مع الخارج، واما منافع خاصة قد يكون بعضها مباشراً وبعضها الآخر طويل الامد او على الأقل متوسطة. وقد أثار تعدد الجهات التي سيتحرك في اتجاهها الطامحون الى الموقع الرسمي الأول في البلد اسئلة وتساؤلات يختصرها اللبنانيون بالآتي: من يختار رئيس جمهورية لبنان؟ والجواب عن هذا السؤال ليس سهلاً على رغم وضوحه لبعض اللبنانيين ولا سيما الذين منهم يتتبعون بدقة الوضع اللبناني، وتحديداً انتخاباته الرئاسية منذ الاستقلال في العام 1943 وربما منذ ما قبل الاستقلال. ولذلك لا بد من تعميم هذا الوضوح ليشمل الرأي العام اللبناني كله نظراً الى اهمية انتخابات الرئاسة الأولى المرتقبة بعد اقل من سنتين. الخارج هو الناخب وانطلاقاً من ذلك يمكن القول ان مجلس النواب اللبناني هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية وفقاً لنصوص الدستور. ويمكن التأكيد ان اختيار الرئيس كان دائماً يتم بإيحاء من الخارج او بتفاهم مع الخارج او بتواطؤ معه. الا ان الأمر كان يتم بطريقة فيها الكثير من البراعة فيبدو نتيجة تنافس محلي وصراع سياسي داخلي. وربما كانت الظروف في ذلك الوقت تسهل ذلك وتساعد على الحفاظ على المظهر الديموقراطي الاستقلالي. وهذه الظروف لم تعد متوافرة اليوم. وهذا الخارج لم يكن واحداً، بل اثنين اقليمي ودولي، اي عربي ودولي. وهو لم يبقَ نفسه، اذ تغير بفعل تغير الزمن وتبدل الظروف. فالخارج العربي كان سورية في مطلع الاستقلال ثم اصبح مصر خصوصاً ايام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ثم تحول المملكة العربية السعودية. ثم عاد سورية. والخارج الدولي كان بريطانيا وفرنسا ثم اصبح الولاياتالمتحدة بعدما تقلدت زعامة الغرب والعالم الحر. اما الداخل الذي كان التفاهم يتم معه او الذي كان دوره مجرد تلقي الايحاء فكان الطبقة السياسية الحاكمة قبل الحرب على اختلاف انتماءاتها السياسية والدينية. وكان الطبقة ذاتها خلال الحرب، وإن مطعّمة بإفرازات الحرب من ميليشيات وحركات وأحزاب. وهو اليوم الطبقة السياسية الجديدة التي قامت على أنقاض القديمة وقد لا تحمل من الجدة غير الاسم. الخارج كان يسمى الناخب الكبير، والداخل كان يسمى الناخب الصغير. ولئلا لا يبقى الكلام مجرد تنظير يمكن ابراز امثلة تدعمه: الرئيس الراحل فؤاد شهاب مثلاً اختير رئيساً بالتفاهم بين القاهرةوواشنطن في العام 1958، والرئيس الراحل الياس سركيس اختير رئيساً في العام 1976 بالتوافق بين دمشقوواشنطن. والرئيس الراحل رينيه معوض اختير بالتوافق بين الرياضودمشقوواشنطن. والرئيس الحالي الياس الهراوي اختارته سورية ولم تعارضه واشنطن لأن همها كان ملء الفراغ وعدم افساح المجال امام عودة الحرب الى لبنان. والرئيس المنتخب الراحل بشير الجميل اختارته اسرائيل ولم تمانع واشنطن. وشقيقه الرئيس أمين الجميل حصل على بركة اسرائيل وواشنطن ولم تمانع سورية لاعتقادها بأنه يبقى أفضل من أخيه الراحل، علماً بأن دور دمشق في ذلك الوقت لم يكن اساسياً لاعتبارات معروفة. أفول الناخبين الصغار من سيختار رئيس الجمهورية المقبل؟ قبل الجواب عن ذلك لا بد من الاشارة الى ان التطورات التي حصلت في لبنان في السنوات الماضية أضعفت كثيراً إن لم تكن قضت، على دور الناخبين الصغار الذين كانوا دائماً لبنانيين. ففي الماضي كانت لرئيس الجمهورية كلمة يُصغى اليها باهتمام وان غير مرجحة. وكانت لبعض رؤساء الحكومة كلمة من هذا النوع. كما كانت للرساميل الكبيرة سواء كانت محلية او واجهة لرساميل خارجية كلمة مشابهة. اما الآن فان لا كلمة فعلية لأحد على هذا الصعيد، على رغم اقتناع هؤلاء الناخبين بدورهم وبأهميتهم، وعلى رغم اقتناع الطامحين الى الرئاسة الأولى بقدرة هؤلاء، وعلى رغم ارتماء بعضهم عليهم، وبعد زهاء سنة ونصف سنة سيزداد ضعف هؤلاء الناخبين. الا انهم طبعاً لن يعترفوا بذلك. كما ان الناخبين الكبار، على رغم عدم مبالاتهم بانكشاف دورهم خلافاً للسابق، سيحرصون على الحفاظ على هيبة زملائهم الصغار. وقد يوكلون اليهم دوراً وحيداً هو تسويق من تقع عليه "القرعة" في الاوساط السياسية والدينية والشعبية وتوفير المستلزمات المادية لكي يتمكن من "خوض" المعركة بعد اعطائها الطابع الديموقراطي. اما الجهة او الجهات التي ستختار الرئيس المقبل للجمهورية فان مصادر سياسية وأخرى ديبلوماسية بعضها عربي وبعضها الآخر غربي تربط هذا الامر بالوضع الذي سيكون عليه لبنان والمنطقة عندما يحين أوان الاستحقاق الرئاسي، اي في اواخر العام المقبل. فاذا كان هذا الوضع سلمياً، اي اذا نجحت اطراف الصراع العربي - الاسرائيلي في التوصل الى تسوية لأزمة الشرق الأوسط، بالتفاهم على اعلانات مبادئ للتسوية المرتقبة، فان سورية هي التي ستختار الرئيس المقبل للجمهورية ولكن من بين مرشحين طامحين ليس للولايات المتحدة اي فيتو عليهم، اذا لم تكن تعتبر انهم موضع ثقة مشتركة بينها وبين دمشق. وسترضى واشنطن بذلك انطلاقاً من دوافع عدة: أولها حرصها على تسوية ازمة الشرق الأوسط ومعرفتها ان بلوغ هذا الهدف يحتاج الى موافقة سورية، وإدراكها ان احد ابرز مطالب دمشق هو ابقاء لبنان في دائرة نفوذها مع "احتفاظه" بسيادته واستقلاله وحريته. وثانيها معرفتها بأن سورية هي الوحيدة القادرة في هذه المرحلة من تاريخ لبنان على حماية التسوية الاقليمية التي ستوقع مع اسرائيل وكذلك على تحصين التركيبة السياسية الداخلية لتساعد في حماية التسوية، ذلك ان لبنان ما زال هش التماسك على رغم التقدم الذي حقق على صعيد الامن والسياسة منذ انتهاء الحرب قبل سنوات بقرار اقليمي - دولي. وهو يحتاج الى سورية لابقاء التماسك ولتحويله اندماجاً. كما ان أدواته الامنية والعسكرية لا تزال قاصرة على رغم ما حققته اعادة بنائها من تقدم، عن القيام بكل ما تطلبه التسوية من مهمات. اما ثالث الدوافع فهو حماية سورية لأن لبنان يشكل منطقة ضعف لها يمكن اعداءها النفاذ منها لضربها. اما اذا كان الوضع مضطرباً، اي اذا وصل اللبنانيون الى استحقاق الانتخابات الرئاسية قبل ان يصل اطراف الصراع العربي - الاسرائيلي الى تسوية او الى اعلان مبادئ على رغم استمرار العملية السلمية وان بطيئة ومتعثرة، فان حق اختيار رئيس الجمهورية سيبقى لسورية لكنه سينحصر في هذا الحال بالمرشحين او بالطامحين الذين تعتبرهم من اخلص حلفائها. وبذلك قد تخف حظوظ المرشحين المقتنعين بعلاقة مميزة معها والقابلين بحضور سياسي لها في لبنان لكنهم يعملون على ابعادها عن الاوضاع الداخلية اللبنانية حرصاً على مصلحتها وعلى مصلحة لبنان. ولن تحاول الولاياتالمتحدة في هذه الحال الاعتراض لأنها تعرف ان الكلمة الأولى في البلد هي لسورية أياً يكن الرئيس، ولأنها ستبقى في حاجة الى دمشق لاتمام العملية السلمية في المنطقة، ولأنها يئست من لبنان واللبنانيين الذين يطلبون منها فعل كل شيء من دون ان يساهموا وان بنصيبهم في هذا المضمار والذين يعطلون سياستها وسيرفضون نصائحها سواء عن اقتناع او بفعل الامر الواقع السوري. وهي في هذا المجال لم تنسَ ان لبنان الرسمي هو الذي لم يطلب اكمال تنفيذ اتفاق الطائف، خصوصاً لجهة اعادة انتشار الجيش السوري العامل في لبنان، فامتنعت هي عن اثارة الموضوع بالقول انها تتدخل في ما لا يعنيها ولئلا تستعدي سورية التي تحتاج اليها للتسوية، ولئلا ينفجر البلد اذا استمر الضغط من اجل اعادة الانتشار. كما انها لم تنسَ عدم استجابة لبنان نصائحها بتفعيل مفاوضاته مع اسرائيل. حرب كبيرة؟ ماذا اذا كان الوضع في المنطقة متفجراً؟ من يختار عندها رئيس جمهورية لبنان؟ ينفجر الوضع الاقليمي اذا انهار مؤتمر السلام. وينفجر أيضاً اذا عادت العلاقات بين الولاياتالمتحدة وسورية الى التردي الذي كانت عليه. وينفجر ثالثاً اذا أدى انهيار العملية السلمية الى انهيار الحكومة العمالية في اسرائيل والى تسلم المتطرفين السلطة. وكلمة انفجار هنا تعني انفتاح الوضع على حرب كبيرة جديدة بين العرب واسرائيل وتحديداً بين سورية واسرائيل. وتعني ايضاً انفتاحه على اضطرابات وقلاقل داخل الانظمة العربية بسبب الدفع الذي لا بد من ان يعطيه اجهاض العملية السلمية لكل رافضيها من قوميين واسلاميين اصوليين، وما الى ذلك. وفي وضع من هذا النوع يعود لبنان الى دائرة الخطر. وتصبح انتخابات الرئاسة الأولى عاملاً من عوامل التفجير والقلاقل والاضطرابات، ذلك ان سورية ستجد نفسها مضطرة في هذه الحال الى تشديد قبضتها على لبنان الذي كان دائماً في رأيها مصدر خطر عليها وإرباك وتعقيدات والى "تنصيب" رئيس لا يخالف تعليماتها. كما ستجد القوى المعادية لسورية من اقليمية ودولية نفسها مدفوعة الى مواجهتها في لبنان ومن خلاله يشجعها على ذلك وجود قوى لبنانية لم تبد يوماً ارتياحاً الى الوجود والدور السوريين في البلد. وآثار مواجهة من هذا النوع معروفة على لبنان. مسألة صعبة هل اجهاض العملية السلمية احتمال وارد؟ مصادر سياسية وديبلوماسية عربية وغربية تقول ان اجهاضها ليس سهلاً بسبب انخراط واشنطن وموسكو فيها وكذلك الدول الكبرى كلها، وبسبب معرفة حزب العمل الحاكم في اسرائيل ان اجهاضها يعني سقوطه، وبسبب معرفة منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات ان مصيرهما في حال الاجهاض لن يكون مختلفاً، وأخيراً بسبب معرفة سورية ودول اخرى انها قد لا تبقى بمنأى عن التغييرات في حال ضرب العملية السلمية. لكنها تقول ايضاً ان شكوكاً بدأت تراودها في هذا الامر منذ التعثر الاخير للمفاوضات الناجم عن مجزرة الحرم الابراهيمي في الخليل قبل اسابيع، وعن تردد السلطة الاسرائيلية في اتخاذ قرار نهائي بالتوجه الى سلام عادل ونهائي ودائم يحقق مصالح اطراف الصراع كلهم. وفي هذا المجال قد يقول بعضهم ان فشل العملية السلمية لن يعني ابداً وضع المنطقة على حافة التفجير وإنما يعيد فقط حالة اللاحرب واللاسلم التي كانت سائدة والتي تفيد اسرائيل والعرب في آن كون الطرفين غير قادرين على تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق السلام. وقد يكون هذا القول صحيحاً من الناحية النظرية. لكنه لن يصمد كثيراً من الناحية العملية في ظل نمو الرافضين في المنطقة والاصوليين عند كل الافرقاء وفي كل المجتمعات والديانات. تسعة مرشحين هل هناك مرشحون بارزون لرئاسة الجمهورية؟ لا يمكن الكلام على مرشحين رسميين لسببين: الأول طول المدة التي تفصل عن هذا الاستحقاق المهم. والثاني عدم وجوب تقديم ترشيح رسمي الى هذا المنصب الخطير بحسب الدستور. ولكن يمكن الكلام على طامحين جديين وبارزين يبذلون ما في وسعهم من اجل ان يحظوا في الوقت المناسب بنعمة اختيار الناخبين الكبار. 1 - قائد الجيش العماد إميل لحود، وهو يرفض ان يكون مرشحاً. ويقول رداً على اي استفسار انه ليس مرشحاً ولا يسعى الى هذا الموقع. لكن خصومه من الطامحين يجزمون بخلاف ذلك ويقولون انه يستفيد من موقعه الرسمي الحالي لتحقيق طموحه. ويحظى لحود باحترام سورية لنظافة كفه ولأخلاقه الحسنة ولوفائه، ولاقتناعها بأنه اذا صافحها لا يسحب يده ولا يطعنها في الظهر. ويحظى ايضاً باحترامها لأنه على رأس مؤسسة يمكن بواسطتها ضبط البلد في حال نجاح العملية السلمية. وهو يحظى باحترام الولاياتالمتحدة وبدعمها ولكن كقائد للجيش فقط على الأقل الى الآن. ذلك انها تريد دوراً مهماً للجيش مستقبلاً في البلد سواء لحمايته ودعم التوازن السياسي فيه او لحماية التسوية الاقليمية. لكنها تريد ايضاً لبنان ديموقراطياً ومؤسساتياً. ويعتبر العماد لحود الآن أقوى "الطامحين" على رغم نفيه وعزوفه. وبقاء هذه القوة او تضاؤلها او ازديادها رهن بالظروف المستقبلية وتحديداً ببقائه على رأس المؤسسة العسكرية. فاذا لم يجدد له في كانون الثاني يناير من العام المقبل قائداً للجيش فان حظوظه قد تتناقص. 2 - النائب والوزير جان عبيد، وهو لا يخفي طموحه الى الرئاسة الأولى. انه حليف قديم ومستمر لسورية على رغم انه يحاول التمييز في حلفه معها عن حلفائها الآخرين من خلال ممارسته حرية تحرك واسعة على الصعيد الداخلي وحرية اجتهاد، مع التزامه الكامل الخط الاستراتيجي الاقليمي للسياسة السورية والدعوة الى خط لبناني متكامل معها على هذا الصعيد. طرح اسمه مرات عدة لرئاسة الجمهورية في استحقاقات سابقة. لكنه لم يصل اولاً لأن سورية لم تدفع به لمعرفتها بأنه سيأخذ منها للبنان والمسيحيين، وهي لم تكن مستعدة لذلك، وثانياً لأنه رفض الرئاسة - على ما يقول - بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض في 1989 لأنه شعر بأن الظروف السائدة في حينه لم تكن ملائمة له لتحقيق مشاريعه. لكنه الآن مرشح جدي جداً. وقد اعتبر كثيرون القاءه خطاباً في ذكرى اربعين الرائد الراحل باسل الأسد في القرداحة قبل اسابيع اشارة الى موقف سورية من هذا الموضوع، في حين اعتبر آخرون هذا الامر فخاً سورياً لمعركة انتخابات الرئاسة، وتالياً دعوة للطامحين الى مباشرة التحرك في اتجاهها لكي تختار منهم الافضل لها وللبنان. 3 - النائب نسيب لحود، وفي سجله تأييد لاتفاق الطائف وتمثيله دولة هذا الاتفاق في واشنطن في أولى مراحل تطبيقه. وفي سجله ايضاً خوضه الانتخابات النيابية، على رغم ان اكثرية المسيحيين قاطعتها، سواء الذين منهم رفضوا الطائف كله او الذين اعترضوا على طريقة تطبيقه. وفي سجله ثالثاً أداء نيابي قوي ومدروس ومنهجي، ومعارضة من الداخل لطريقة تطبيق الطائف ولعدد من الممارسات. ويحظى كما يقول بعض العارفين بدعم بعض دول الخليج لوصوله الى الرئاسة الأولى وبنوع من التأييد النظري الاميركي. لكن وضعه "السوري" ليس على ما يرام على رغم تاريخه "الطائفي" من اتفاق الطائف اذا جاز التعبير "لأننا لا نراه في سورية" كما يردد بعضهم في دمشق. كما ان وضعه مع الناخبين الصغار ليس جيداً جداً لاستقلاليته ربما. 4 - النائب والوزير السابق بطرس حرب، وهو من واضعي اتفاق الطائف ومن مطبقيه في احدى حكومات الجمهورية الثانية. قاطع الانتخابات النيابية احتجاجاً على امور عدة منها سوء تطبيق الطائف. في حين يقول خصومه ان لمعارضته اسباباً اخرى اقل مبدئية وهو يحاول ان يستقطب في "معركته" الرئاسية قوى المعارضة المسيحية ولا سيما منها التي قاطعت الانتخابات على رغم قبولها اتفاق الطائف. ويقال انه يحظى برعاية مرجعية دينية مسيحية اساسية. 5 - الوزير ميشال إده، وهو مرشح دائم، لكنه يسعى هذه المرة الى تحقيق طموحه ربما اعتقاداً منه بأنه أمام الفرصة الاخيرة للوصول الى الرئاسة الأولى. اشترك في "الامتحان" اذا جاز التعبير على هذا النحو الذي اجرته دمشق للمرشحين اواخر عهد الرئيس السابق أمين الجميل. لكنه لم ينجح، ووصفه في حينه احد المسؤولين السوريين المكلفين ملف لبنان بأنه "كنيسة متنقلة" وقف ضد الاتفاق الثلاثي الذي رعت سورية التوصل اليه في العام 1985، ولم يكن من محبذي اتفاق الطائف. لكنه على رغم ذلك يشارك في حكومة من الحكومات المنبثقة منه. ويحاول الافادة من صداقات له في اوساط حلفاء سورية من اللبنانيين وغير اللبنانيين للوصول الى هدفه. 6 - الشيخ ميشال الخوري الحاكم السابق لمصرف لبنان، يبقى مرشحاً محتملاً على رغم عدم تصرفه كمرشح على الاقل الى الآن لأسباب عدة منها عدم توافق بعض طروحاته مع طروحات دمشق في العام 1988، ومنها كونه جزءاً من الطبقة السياسية التقليدية في رأيها وذلك على رغم تميزه عن هذه الطبقة بانفتاحه ووعيه ووسع افقه، وعلى رغم تأييده اتفاق الطائف بكل مضمونه. 7 - النائب والوزير فارس بويز، وضعه "الرئاسي" صعب لاعتبارات عدة منها حذر سورية منه بعد بدء العملية السلمية في الشرق الأوسط. ومنها ايضاً محاولته استقطاب الشارع المسيحي المعارض والرافض من خلال مواقف معينة. ومنها ثالثاً علاقته غير الجيدة ببعض الذين يعتبرون انفسهم ناخبين صغاراً في لبنان. وذلك كله على رغم قربه من حليف سورية الأول في لبنان الرئيس الياس الهراوي وعلى رغم دوره البارز خلال السنوات الأولى للجمهورية الثانية في تنفيذ اتفاق الطائف. 8 - النائب والوزير ايلي حبيقة، وضعه "المسيحي" صعب، بسبب "الاتفاق الثلاثي" الذي وقّعه يوم كان رئيساً للهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية"، ووضعه "الاسلامي" صعب بسبب "تاريخه" يوم كان مسؤولاً في "القوات". ووضعه العربي صعب للسبب نفسه ووضعه الدولي غير متين. يعمل بصمت وبكفاءة لتحقيق طموحه لكن نجاحه يبقى صعباً، على رغم حلفه الوثيق مع سورية، الا اذا تغير الوضع في المنطقة ووجدت دمشق انها في حاجة الى "حليف كامل" لها في السلطة، وساعتها قد تدق ساعته. 9 - النائب بيار حلو، في رصيده المشاركة في وضع اتفاق الطائف وفي الانتخابات النيابية التي جرت على الساحة وحسن سيرته ونظافة كفه، لكن حظوظه صعبة لافتقاده الى "عصب" في معركته اذا كان اساساً جاداً في خوضها. طبعاً لا تعني هذه الاسماء كلها ان الرئيس المقبل سيكون حتماً واحداً منها، اذ لا شيء يحول دون وصول "فلتة شوط" الى هذا الموقع. وهنا تبرز حظوظ شخص مثل السيد ادوار صوما رئيس منظمة الاغذية والزراعة الدولية الفاو سابقاً والذي يقال ان الرئيس الياس الهراوي قد يدعمه او يزكيه اذا عجز عن تحسين وضع وزير خارجيته وصهره في آن فارس بويز. كما ان احتمال عدم اجراء انتخابات رئاسية يبقى قائماً وان كان احتمالاً ضعيفاً الى الآن. ولا يعني ذلك حصول فراغ، وإنما يعني التمديد للرئيس الحالي الهراوي سنتين اذا كانت هذه المدة ضرورية لترتيب الاوضاع في اعقاب نجاح العملية السلمية او المحافظة على الحد الادنى من استقرارها في حال دخول هذه العملية مناطق الخطر. اما التجديد للهراوي فلا يبدو انه موضع بحث. علماً ان مسؤولاً سورياً رفيعاً لمّح الى هذا الامر وإن في معرض المزح قبل زهاء سنتين في اثناء حديث له مع رئيس الجمهورية.