الدستور الللبناني الحالي هو حصيلة لما رسا عليه الوضع عندما تم التوصل الى اتفاق الطائف العام 9891، وهو الاتفاق الذي الذي أريد له ان ينهي الحرب الداخلية، وايضا حماية السلم برعاية سورية. ولم يعد دستور الطائف يفصل الشأن الداخلي عن"العلاقة المميزة"مع سورية. وباتت قضايا داخلية، سياسية واقتصادية وتنموية وتربوية، تُقاس بمدى تطابقها مع حماية هذه العلاقة. إذا لم تكن هذه الحماية المعيار الذي تُقاس عليه هذه القضايا. ولا تشذ عن هذه القاعدة اي من جوانب الحياة العامة في لبنان. وعندما يُطرح الاعتراض على نوعية التدخل السوري في لبنان، وخصوصا حاليا مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس الحالي، يتم تجاهل بديهية ارتباط"نظام الطائف"كتسوية داخلية بالعلاقة المعروفة مع دمشق. وقد يكون هذا التجاهل مقصوداً، إذ أن أي اشارة اليه تعني إعادة النظر بالتسوية، اي بالدستور. وفي ظل موازين القوى الحالية، الاقليمية والداخلية، لن تكون إعادة النظر اقل من هزيمة كبيرة لمناهضي العلاقة مع سورية، وهي الهزيمة التي حاول، اصلاً، اتفاق الطائف ان يخفف منها. في مقابل ان تتحول العلاقة مع سورية الى جزء مكمل للدستور. لقد صيغ، مثلاً، توزيع الصلاحيات بين المؤسسات الرئاسية الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء بحسب الاشخاص الذين يشغلونها. وعندما يحصل الخلاف في شأن تفسير هذه الصلاحيات او كيفية ممارستها، تُتجاهل الآليات الدستورية الداخلية التي ينبغي ان تضبطته. ويجري الاحتكام الى دمشق. وهذا ما حصل مراراً، وسيحصل في المستقبل. والسبب ليس الضعف الشخصي للسياسيين اللبنانيين ازاء الهيمنة السورية الطاغية احياناً، وانما لأن هذا الاحتكام هو المخرج"الدستوري"الاكثر سهولة دائماً. لأن المعايير فيه بسيطة وغير معقدة: مَن ليس مع سورية في الصراع مع اسرائيل والمواقف الدولية عموما فهو ضدها، ولا يمكن ان تكون معها في مكان وضدها في مكان آخر. فالخيار السوري هو وطني وقومي، ويتدحرج بسهولة فائقة من مكان الى آخر: من رئاسة بلدية بلدة نائية الى الموقف من المقاومة ضد اسرائيل، مع كل ما بين الحدّين من تفاصيل وقضايا. ولذلك فشلت كل المساعي، في بيروتودمشق ايضاً، لضبط الدور السوري في الاطار العام الذي حدده اتفاق الطائف. ولذلك فشلت الدعوات الى ان يقتصر التدخل السوري على القضايا الاستراتيجية بين دولتين جارتين في حال حرب مع اسرائيل، وما يقتضيه ذلك من مراعاة للمصالح الوطنية. لقد سارت التسوية في ظل الرئاسة السابقة المنبثقة مباشرة من اتفاق الطائف بهدوء ومن دون تعثر. لأنه امكن انتقاء الاشخاص الذين تتطابق مواصفاتهم على الصيغة المطلوبة. سارت بهدوء في ظل اتفاق الرؤساء الثلاثة الترويكا وفي ظل خلافاتهم، وبغض النظر عن كثرة المطالبات بوقف التدخل السوري في الشأن اللبناني، واتهامات دمشق بالهيمنة. واليوم، ومع نهاية ولاية الرئيس الحالي، لا يمكن الحديث عن انتخابات رئاسية في لبنان، رغم ان الاسم الفائز سيعلن من تحت قبة البرلمان. ولا يمكن الحديث عن معركة انتخابية، رغم كثرة المرشحين التي لا تعني شيئا كثيرا ما دام النواب يمكنهم اختيار اي ماروني، حتى وإن لم يعلن ترشيحه رسميا ولم يخض معركة انتخابية. كل ما يفعله الطامحون، وهو التعبير الادق والافضل من كلمة مرشحين هو اظهار مدى تطابقهم مع الصيغة المطلوبة في الوجه الثاني من اتفاق الطائف، اي العلاقة مع سورية. والتطابق ينبغي ان يتجاوز المواصفات والمواقف الشخصية الى امتحان القدرة على ادارة العلاقات مع الشخصيات الرئاسية الاخرى، لمنع تكرار قصة الرئيس الحالي مع رئيس الوزراء. ليس لانهما مختلفان سياسيا، وانما لان الطابع الشخصي لعلاقتهما طغى على الخلاف السياسي، على نحو هدد اسس الصيغة. تعديل الدستور مرفوض مبدئياً وعملياً خصوصاً اذا كان يطاول إعادة النظر ب"العلاقة المميزة"مع دمشق. لكن التعديل من اجل التجديد للرئيس الحالي يصبح ضروريا اذا أُعتبر انه من اجل الحفاظ على هذه العلاقة، وما دام الرئيس هو الاكثر تطابقا مع مواصفات استمرارها. ومعارضو التعديل من الطامحين، او من غيرهم، لا يفعلون سوى تأكيد انهم يمتلكون هم ايضا هذه المواصفات.