حين وقعت هيلينا في حب باريس، فتركت أهلها وتبعته الى طروادة، ربما لم تكن الاغريقية الجميلة تعلم أنها تؤسس لعداء سينتقل مع الاجيال، وعبر العصور والحروب التي شهدت اضمحلال حضارات، وانهيار أمم وقيام أمم وحضارات جديدة. لكن اللعبة لم تتغير عبر العصور. فهذا الآخر الذي تربطنا فيه علاقة تنافر وتجاذب، علاقة اعجاب وخوف، علاقة سادو - مازوشية في أحيان كثيرة... اتخذ وجوهاً وأسماء عديدة، لكنه بقي عنواناً لسوء تفاهم من صلب التاريخ. طروادة المحاصرة، ضد الاغريق الطغاة. بعد الشاعر الدرامي الاغريقي يوريبيدس في القرن الخامس قبل الميلاد، أعاد الكاتب والفيلسوف الوجودي الفرنسي جان - بول سارتر استيحاء مأساة "الطرواديات" في غمرة حرب تحرير الجزائر، فقرأ كثيرون في نصّه موقفاً واضحاً الى جانب المجاهدين في سبيل حريتهم واستقلالهم. وها هو الكاتب المسرحي التونسي بدوره، يأخذ نص سارتر، ويقوم بتكييفه مع واقع جديد، ومآسٍ معاصرة. ما قام به صاحب "الحلاج" و"ثورة الزنج"، ليس تعريباً بالمعنى الحرفي. اذ أن النص يعتمد لغتين محوريتين: العربية "لغة الجنوب، لغة من يطلب السلام" يتكلمها شعب طرواده المحاصرة، والفرنسية "لغة الشمال" الطاغي والباطش، يتكلمها الاغريق! وكانت النتيجة مشروع انتاج مسرحي ضخم بين فرنساوتونس، شارك فيه: "مركز الفنون الدرامية" في سانت اتيان، وزارة الثقافة التونسية، الوكالة التونسية للاتصال الخارجي، البعثة الثقافية الفرنسية في تونس، وأخيراً مسرح "رون بوان" الباريسي ادارة شريف خزندار الذي يستضيف المسرحية حتّى 18 آذار مارس 1994، بعد أن تم افتتاحها على خشبة "المسرح البلدي" في تونس العاصمة. تشارك في تمثيل "نساء طروادة" مجموعة من الممثلات والممثلين من تونسوفرنسا: منى نور الدين هيكوب، آمال سفطة أندروماك، بسمة فرشيشي كاساندر، منية الورتاني... من الجانب العربي، ريجيس برون، فرانسواز ليرفي، هنري غروفمان وغيرهم من الجانب الفرنسي. أما مخرج العمل فهو دانيال بونوان. وعن تلك العلاقة الصدامية التي حاول التعبير عنها، يكتب عز الدين المدني: يأتي النص ليبيّن "عدوان الدول العظمى على الشعب الاعزل الذي لا يطلب الا السلام .... فطروادة هي البوسنة، بل هي كل شعب مغلوب على أمره، يترقب مهزوماً الابادة النهائية، ومحو ثقافته وحضارته الى الأبد، خصوصاً وأن شعب طروادة ممثل في هذه المسرحية بالنساء اللواتي فقدن أزواجهن: الملكة هيكوب، الاميرتين أندروماك وكاساندر، الامير الصغير الذي سيلقى به من أعلى أسوار المدينة لقتله، حتّى لا تنبعث طروادة من جديد". بعد "نساء طروادة"، سيستقبل المسرح الباريسي نفسه عرضاً لبنانياً هو "مذكرات أيوب"، من تأليف الياس خوري وإخراج روجيه عساف.