كأنما قدر الرئيس الروسي بوريس يلتسن الا يرتاح وحيدا في السلطة. فلم يكد يتخلص من قادة البرلمان القديم، حتى أفرز الجديد حكومة برئاسة فيكتور تشيرنوميردين الذي أظهر في التشكيلة الوزارية ان له كلمة توازي كلمة الرئيس. وعلى رغم انه كرر ان بلاده لن تتراجع عن الاصلاحات الاقتصادية، فان الخبراء والمراقبين يرون ان خطته الاقتصادية تبشر ب"حياة جديدة علي النمط القديم". أمضى الرئيس الاميركي بيل كلينتون ثلاثة أيام "سعيدة" في موسكو. كان قادماً من اجتماعات حلف شمال الأطلسي حيث أكد، في آن الزعامة الاميركية والخصوصية الأمنية الأوروبية الغربية، وصيغة العلاقة الجديدة مع دول وسط القارة وشرقها: "الشراكة من أجل السلام". الى ذلك وقع مع القادة الروس والاوكرانيين على اتفاق لنزع السلاح النووي الاوكراني وتأكد من "متانة" وضع بوريس يلتسن وعلاقته الراسخة مع رموز التيار "الاصلاحي" ولم يعد مهتماً سوى بانجاح لقائه مع الرئيس السوري حافظ الأسد في جنيف. الأمر الوحيد الذي كان يقلقه، ربما، هو انه كان يحتفظ في حقيبته بكتاب استقالة وزير الدفاع المعين راي اينمان ويفكر في بديل منه ينقذه من ورطات الفشل السابقة في اختيار كبار معاونيه ويجعله قوياً الى حد يستطيع معه الاندفاع نحو تنفيذ المهمات التي طرحها على نفسه في خطاب "حال الاتحاد" والدفاع عن جوانب في السياسة الخارجية الاميركية تتعرض لانتقادات متزايدة، ومنها طبعاً ما يبدو أنه رهان أحادي الجانب على الرئيس الروسي واختصار سياسة واشنطن الى دعم غير متحفظ له. وما ان غادر كلينتون أوروبا حتى بدأت الاحداث تتسارع. صحيح ان البرلمان الروسي استقبله بانتخاب شيوعي سابق ولاحق رئيساً ل "الدوما" غير ان ذلك كان المؤشر الأول الى تطورات كانت تنتظر مغادرة "الضيف الاستثنائي" حتى تتفاعل. كانت موسكو تعيش حمّى تشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض فيها ان تتعامل مع نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في 12 كانون الأول ديسمبر. وبدا واضحاً ان يلتسن لم يعد وحده فوق المسرح. اقتحم الخشبة رئيس الوزراء فيكتور تشيرنوميردين، خرج من الظل ليفرض نفسه شريكاً في اختيار التركيبة الجديدة. وليس أدل على هذه الشراكة من ان الاجتماعات الثنائية التي عقدها مع الرئيس كانت تدوم أحياناً ست ساعات متواصلة من غير نتيجة. الخلافات كبيرة إذاً، ولكن ما ان اعلن ايغور غايدار، رجل "الاصلاحات" المنفلتة من عقالها، استقالته ورفضه الاشتراك في الوزارة الجديدة حتى تبين ان هذه الخلافات تحسم لمصلحة تشيرنوميردين. لذلك، لحق بوريس تيودوروف، وزير المال السابق، بغايدار وانسحب معهما خبراء أجانب كانوا يشاركون في "علاج الصدمة" الذي يتعرض له الاقتصاد الروسي. نسران متعارضان يقول أحد المراقبين ان روسيا، في هذه الأيام، تبدو مثل العلم القيصري: نسران متعارضان ينظر كل واحد منهما في اتجاه. لم تعد قمة السلطة حكراً على "المزاج اليلتسيني". فالرجل لا يعجز فحسب عن الدفاع عن اصلاحييه ذوي الشعبية الواسعة في الغرب، بل أيضا عن منع "النجم الصاعد" تشيرنوميردين من زرع رجاله في الوزارات والادارات. لقد انقلب السحر على الساحر. حفر بوريس يلتسن حفرة لپ"المحافظين" الروس... فوقع فيها. حل البرلمان السابق بعد الاصطدام بحلفائه القدامى حسبولاتوف وروتسكوي الخ... وقصفه بالمدفعية ودعا الى انتخابات وتغاضى عن كل التصرفات المشبوهة التي رافقت تنظيمها واجراءها. كان يقصد الانتهاء من ازدواجية السلطة بينه وبين النواب. لذلك أرفق الدعوة الى الانتخابات باستفتاء على دستور جديد يعزز صلاحيات الرئيس وتراجع عن وعده باجراء انتخابات رئاسية مبكرة. كانت النتيجة ان الناخبين ردوا إليه برلمانا أكثر سلبية حياله من السابق، ولم يحز الاستفتاء الدستوري الزخم الشعبي المطلوب لمواجهة برلمان تجددت شرعيته. أكثر من ذلك، خاض المعسكر اليلتسيني المعركة الانتخابية مشتتا ومنقسماً فحصد خيبة تجعل منه ومن غايدار تحديداً، أبرز المهزومين. لم يكن ممكناً للرئيس الروسي إلا ان يأخذ هذه النتائج في الاعتبار ما دام انها كشفت وجود مزاج شعبي واسع رافض، في أحسن الأحوال، لدفع ثمن الكلفة الاجتماعية للتحول الاقتصادي، ومستعد في اسوأ الاحوال للأتيان بمغامرين متطرفين أمثال فلاديمير جيرينوفسكي الى السلطة. لقد كشف المعسكر الليبيرالي نفسه في هذه الانتخابات: كونفيديرالية من الطموحات الشخصية تتألف من خبراء يحسنون اللعب على الأرقام والاحصاءات محاطين بتكنوقراطيين مقطوعي الصلة بالشعب ولغته، غلاظ القلوب يصفقون لنزول نسبة التضخم درجة مئوية حتى ولو كان ثمن ذلك مآسي دامية. وذلك كله في بلد تربى منذ عقود على ان المساواة، حتى في الفقر قيمة مطلقة. غاب ايغور غايدار وبوريس فيودوروف لتتعزز مواقع تشيرنوميردين ونائبه الأول اوليغ روسكوفيتش والمسؤول عن الشؤون الصحية والاجتماعية يوري ياروف والمشرف على الزراعة الكسندر زافيريوفا عضو قيادي في الحزب الزراعي الحليف للشيوعيين وحاكم المصرف المركزي فيكتور غيراشنكو العدو الألد لغيدوروف والذي كان رأسه الثمن المطلوب لبقاء وزير المال السابق في الحكومة. لا تعني هذه التغييرات ان اشخاصاً حلوا محل أشخاص. الذاهبون ينتمون الى تيار بريد تحويل روسيا بسرعة الى اقتصاد السوق عن طريق تصفية القطاع العام غير المربح وبيع ما هو مربح فيه وتخصيص الزراعة ووقف الدعم للسلع الاساسية وإطلاق الأسعار وضبط الأجور والسيطرة على الكتلة النقدية واستحداث كل الضمانات المطلوبة للاستثمار الاجنبي... الخ. والهدف المركزي هو مكافحة التضخم والعجز في الموازنة اصلا من أجل تحويل الروبل الى عملة قابلة للتداول. وحقق هذا الفريق بعض أهدافه النقدية ولكن بكلفة اقتصادية - اجتماعية باهظة: تراجع الانتاج الصناعي الى حوالي خمسين في المئة عما كان قبل سنوات، وتطور في البطالة، وارتفاع مخيف في الأسعار. تلعب الأرقام الجافة ربما لمصلحة هذا التيار، غير ان الصعوبات الملازمة لها تلعب ضده. والمشكلة الوحيدة هي ان "الصعوبات" هي التي تملك حق الاقتراع، وهو اقتراع لا يهتم كثيراً بالمدائح التي تكال في الصحافة الغربية لهؤلاء "الشبان الشجعان" الذين تقل أعمارهم في الغالب عن الأربعين. انقلاب بطيء وصامت إن ما جرى في موسكو هو انقلاب بطيء وصامت لأن الفريق الذي انتصر على "غلاة الاصلاحيين" ينتمي الى كتلة اقتصادية، وفئة اجتماعية محددة، وبرنامج معروف. غلب "الصناعيون" "النقديين". رجحت كفة "المركب الصناعي - العسكري على كفة أقطاب "الانفتاح". وبات أنصار "الاقتصاد المشترك" أقوى من الليبيراليين على الطريقة الريغانية والثاتشرية الذين يعتبرون كل تدخل للدولة شراً مستطيراً يجب الخلاص منه. لقد كان الفريق الجديد يتمتع بدعم قوي في البرلمان السابق فرض تشيرنوميردين رئيساً للوزراء ضد رغبة يلتسن وبديلاً من ايغور غايدار. غير انه لم يكن يتمتع بالتغطية الشرعية التي تؤمنها الانتخابات. لذلك فإن ما لم يستطع القيام به سابقاً سيكون برنامجه في المرحلة الجديدة. ما هي المعالم الرئيسية لهذا البرنامج؟ أولاً- دعم الصناعة والزراعة ووقف انهيار الانتاج والتقدم نحو شكل من أشكال الاكتفاء الغذائي، والانفاق من أجل تأمين حد أدنى من الضمانات الاجتماعية لا يعني ذلك التراجع عما جرى تخصيصه وإنما تهدئة حركة التخصيص والاحتفاظ بقطاع عام "قوي" ومدعوم. ثانياً- رفض كسر الانتاج العسكري، وذلك لاهميته الاقتصادية والاجتماعية أولا، ثم الأمنية والسياسية العامة بما في ذلك القدرة على نسج علاقات خارجية مجزية إنطلاقاً منه. ثالثاً- التقدم مجدداً نحو ضبط أسعار قسم من المواد الأساسية حتى ولو أدى ذلك الى تناقص وجودها في السوق. رابعاً- مطالبة الدول الغربية بسياسة اخرى حيال روسيا: فتح الأسواق أمام السلع بدل الدعم المالي المشروط والموجه الى تصفية الصناعات الروسية أو تخصيصها كمدخل للسيطرة عليها. ومع المطالبة بفتح الاسواق الغربية ستجري محاولة لتجديد المنافسة على أسواق في العالم الثالث وتأكيد الأولوية الروسية في الأسواق القريبة. خامساً- الإفادة من الترابط الكبير الموجود اصلاً مع اقتصاديات اوكرانيا ودول البلطيق وآسيا الوسطى والقوقاز... لقد كانت هذه المنطقة، الى ما قبل سنتين، اقتصاداً واحداً وكان الطلاق الفجائي مضراً بالجميع. الى ذلك نشأ مطلب لتجديد الشركة الاقتصادية في اوكرانيا وليتوانيا واذربيجان وروسيا البيضاء. وكان قرار ضم مينسك الى منطقة الروبل من القضايا التي أثارها ايغور غايدار مبرراً استقالته وذلك قبل ان يطيح برلمان روسيا البيضاء الرئيس لانه يملك تحفظات خجولة عن ضرورة تطوير العلاقة مع موسكو. سادساً- المثال الذي سيحاول الفريق الجديد النسج على منواله هو المثال الصيني مضيفاً إليه الحريات السياسية. ويمكن اعتبار ذلك عودة الى التأسيس على ما كان يحاوله ميخائيل غورباتشوف من تحول تدريجي وبطيء ولكن على مقاس روسيا لا الاتحاد السوفياتي. بين الرومنطيقية والواقعية ويلخص تشيرنوميردين برنامجه الجديد بالاشارة الى "نهاية رومانطيقية اقتصاد السوق" وضرورة العودة الى واقعية "الاقتصاد المشترك" التي تضبط التحولات الاقتصادية بجدواها الفعلية وبآثارها الاجتماعية. ويكفي للتأكد من ان "إنقلاباً" حصل متابعة ردود الفعل على السياسة الجديدة والتقديرات التي تقدمها أوساط غربية نافذة لمصير الاقتصاد الروسي في القريب العاجل. فهناك من يتحدث عن "انهيار مؤكد مع حلول الصيف". وهناك من يعتبر ان النتائج الوحيدة لهذا التحول هي "التضخم الهائل وهرب الرساميل واشتداد المضاربة وزيادة الجريمة ثم... الانفجار الاجتماعي". ويتوقع جيفري ساتش الخبير الاميركي الذي استقال من الاشراف على الاقتصاد الروسي، "الكارثة" و"التضخم الحاد الذي يقود الى أزمة حادة". وهو اذ ينتقد تباطؤ الغرب في تقديم المساعدات ويحمل البنك الدولي مسؤولية جسيمة عن ادارة عملية الاصلاح، يؤكد ان مصدر المشكلة هو عودة "الحرس الشيوعي القديم الى الإمساك بكل المواقع الرئيسية"، مما يعني ان روسيا الموجودة اليوم في منتصف الطريق بين الاقتصاد الموجه واقتصاد السوق ستتجه بحكم ذلك نحو... الفوضى. ولا يجرؤ المسؤولون الروس على رد هذه التهم كلها. فهم يعرفون ان التضخم سيزداد وان الدعم الغربي سيتراجع وان "الماكينة" الصناعية لن تستأنف عملها بسهولة، وان حاكم المصرف المركزي قد يذهب بعيداً في الهواية المحببة اليه، طبع العملة. وان المواد المستوردة سيرتفع سعرها، الخ... يعرفون أكثر من ذلك ان فكرة بناء برلمان جديد كلفته نصف بليون دولار، وتصويت النواب على امتيازات لانفسهم، هي من القضايا التي تحسب عليهم، غير انهم سيمضون في هذه الوجهة الجديدة ما دام يلتسن لا يتدخل لارغامهم على التغيير معتبرين ان كلفتها الاقتصادية - الاجتماعية أقل من تلك التي يريدها غايدار - فيودوروف، وان مقابلها السياسي كبير في بلد بات التيار اليميني المتطرف يهدد باستقطاب التذمرات الشعبية وتوظيفها في وجهة يصعب تقدير خطرها. يصعب التقدير هل يواكب يلتسن السياسة الجديدة مؤيداً أم انه سيعمد الى عرقلتها مكرراً التجربة مع البرلمان السابق. على الأرجح انه لا يملك رأياً خاصاً في هذا المجال، وسيكون عرضة لتجاذب بين ضغوط الوضع الداخلي بتناقضاته والرقابة الخارجية المفروضة عليه والاميركية منها خصوصاً. انتقادات لكلينتون وليس سراً ان السياسة الروسية لبيل كلينتون تتعرض لنقد قاس في واشنطن يتركز على تصريحات نائب الرئيس آل غور الذي انتقد تصرفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي داعياً الى معاملة خاصة لروسيا لا تستعيد "الوصفة الجاهزة" التي تريد المؤسسات الدولية تطبيقها على البلدان الاخرى. ويحظى ستروب تالبوت، المندوب الرئاسي الى دول الاتحاد السوفياتي السابق ووكيل وزارة الخارجية بالنصيب الأوفر من هذا النقد. ويقال عنه ان "الصحافي" فيه تغلب على "السياسي" و"الاستراتيجي"، وان تصريحه عن روسيا "المطلوب علاج اكثر وصدمة أقل" كان كارثياً بالنسبة الى "التيار الاصلاحي" لانه تحول الى سلاح في أيدي المحافظين". ويتوقف المنتقدون كثيراً عند الرهان على شخص يلتسن، معتبرين انه يكرر خطأ الرهان السابق على غورباتشوف. ويقولون في هذا المجال ان مزاجية الرئيس الروسي قد تقود الى موافقته على سياسة داخلية خاطئة تنتهي بانفجارات يصعب ضبطها وتهدد الاستقرار في روسيا وجوارها والعالم. غير ان النقد الجوهري يطاول رفض الادارة الاميركية الالتفات الى المستجدات الطارئة على السياسة الخارجية الروسية والتي تتزامن مع التحولات الداخلية. ويجري التوقف في هذا المجال عند القضايا الآتية: أولاً - موافقة واشنطن على فكرة "الشراكة من أجل السلام" تمت خضوعاً لطلب روسي. وهي تعني الاعتراف لموسكو بحقوق أمنية خارج حدودها وتكاد تكون تكريساً لنظرية بريجنيف المعدلة عن "السيادة المحدودة". ويذهب هنري كيسينجر أبعد من ذلك فيقول ان الموافقة على هذه "المنطقة الخالية" بين روسيا والمانيا مصدر توتر دائم لأنها كانت على الدوام سبب حروب في أوروبا. ويتبلور في واشنطن شيئاً فشيئاً رأي يقول ان المطلوب بسرعة هو حلف شمال الاطلسي يشمل برعايته النووية الدول المجاورة لروسيا وإسقاط الحجة القائلة بأن هذه الخطوة تعزز مواقع اليمين المتطرف. ثانياً- لا مبرر للاستسلام للحديث الروسي عن الجار الغريب بصفته التغطية الناعمة لبروز النزعات الامبراطورية المعروفة. ان الجيش الروسي موجود في مولدافيا وجورجيا واذربيجان واستونيا وليتوانيا وطاجيكستان وهو يؤدي مهمات أمنية ولا يتردد في استثارة مشاكل على أمل التدخل من أجل حلها جورجيا، طاجيكستان.... صحيح ان الغرب لن يجرؤ على ارسال قوات لاطفاء بؤر النزاع، بدليل تردده في البوسنة، غير ان ذلك يجب ألا يتحول الى مدخل يحرر روسيا من ضرورة الانضباط بمعايير معينة لأي تحرك. ومن هذه المعايير موافقة مجلس الامن والاصرار على تدخل متعدد الجنسية وتحديد مواعيد الانسحاب وطبيعة المهمات... ثالثاً- من غير المستحب التجاوب مع الحديث الروسي عن حماية المواطنين الروس 25 مليوناً في عدد من الجمهوريات المجاورة عن طريق إبقاء الجيش ورفض سحبه. ذلك ان الحل الأفضل لذلك هو استمرار الحوار السياسي واستخدام قدر من الضغط الاقتصادي. وفي هذا المجال يجري التذكير بتصريحات لوزير الخارجية اندريه كوزيريف، المعروف باعتداله والمتهم بممالأة الغرب، يشير فيه الى "منطقة النفوذ الروسية". كما يجري التحذير من تسلم فلاديمير لوكين السفير السابق في واشنطن منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان وهو المعروف بانتقاداته الشديدة ل "التبعية الروسية حيال الولاياتالمتحدة الاميركية". رابعاً- يدعو أصحاب هذا الرأي الى مراقبة السلوك الروسي الذي يجدونه راغباً في إلحاق روسيا البيضاء وفي استتباع اوكرانيا او حتى تنظيم انفصال فيها حسب تقدير للمخابرات الاميركية. ويحذر هؤلاء من لعبة قد يلجأ اليها يلتسن وغيره ومؤداها التلويح بالخطر القومي الذي يمثله جيرينوفسكي من أجل تنفيذ سياسة معينة. خامساً- يربط المنتقدون بين التغيير الداخلي على الصعيد الاقتصادي واحتمال نشوء سياسة خارجية جديدة. فالتغيير الأول الذي يراهن على دعم الصناعة بما فيها العسكرية وفتح الاسواق سيقود الى تركيز على ضبط المنطقة المحيطة بروسيا والاصرار على امتلاك حق النظر في سياساتها الاقتصادية. وتلقى هذه الانتقادات الاميركية لسياسة كلينتون صداً أوروبياً باعتبار ان كل سجال استراتيجي اميركي هو في الضرورة سجال استراتيجي أوروبي فكيف به اذا تناول روسيا الخاضعة هذه الايام لرقابة شديدة. بالطبع ليست هذه المخاوف كلها في محلها كما ان بعضاً منها غير مشروع، وهي اذ تدل على شيء فعلى ان روسيا، حتى في حالها الحاضرة، لا تزال الهم الأول لغرب يتخوف مرة من "سوفياتيتها" ومرة ثانية من "سلافيتها".