أصبح مصير يغور غايدار النائب الأول لرئيس وزراء روسيا في حكومة فيكتور تشيرنوميردين في حكم المنتهي. اما التكهنات فلا تتناول الا الآثار التي ستتركها هذه الخطوة لزعيم كتلة "خيار روسيا". لكن المسألة ليست فقط في غايدار واستقالته المفاجئة للكثيرين، حتى لأنصاره. فبعد تلخيص نتائج انتخابات كانون الأول ديسمبر الماضي في روسيا تكشّفت عملياً أزمة حكومية شاملة باصدار مرسوم رئاسي باستقالة كامل الحكومة استقالة تامة وتعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة. ومع ذلك استطاع فيكتور تشيرنوميردين تحويل المسألة بشكل يبدو معه ان هذا المرسوم وقّع ونُشر وانه كلف بالصلاحيات المناسبة. فهو الذي شكَّل الحكومة حسب هواه، وقدم للرئيس يلتسن التركيبة الجديدة لمجلس الوزراء. وبعد اجتماع استمر ست ساعات ونصف الساعة لم يتوصل رئيس الدولة ورئيس الحكومة الى اتفاق نهائي. وبدأت تتوضح حقيقة خفايا التعديلات المنتظرة في الحكومة الروسية واستقالة غايدار. فمنذ بداية تشرين الثاني نوفمبر الماضي كان غايدار، بتوجيهات من رئيس الحكومة، معزولاً عملياً عن صنع القرارات الخاصة بالموازنة، اذ كلف تشيرنوميردين شخصياً نائبه اوليغ سوسكوفيتس توزيع حصص التصدير، وحصر بنفسه توزيع القروض المركزية ما يعتبر عودة الى اسلوب العمل السوفياتي. ويأخذ بهذا الرأي الاقتصادي المعروف غريغوري يافلينسكي زعيم احدى الكتل النيابية اذ قال: "ان استقالة غايدار لم تكن مفاجئة لي، فقد تعب من البقاء في الحكومة كواجهة للزينة. وستكون الحكومة بعد ذهابه حكومة سوفياتية تقليدية". ويرى اقتصادي آخر هو بافيل بونيتش: "ان الحكومة ستكون هادئة معتدلة بلا تكتلات داخلية. وستهدئ الوضع بعض الوقت ولكن ستأتي بعد ذلك ضربة تضخم قوية. ولتهدئتها سيحتاج الأمر على الأقل الى غايدارين اثنين او فيودوروف ونصف". منذ نهاية السنة الماضية اتخذت قرارات عدة تعجز عنها بوضوح امكانات الموازنة كتقديم الدعم المالي لعدد من فروع الاقتصاد وزيادة الحد الأدنى للاجور ومعاشات التقاعد بنسبة 90 في المئة، اضافة الى ان دمج طاجيكستان وبيلوروسيا بمنطقة الروبل يهدد بهزات اقتصادية عنيفة. وعندما استقال غايدار من حكومة تشيرنوميردين توقع للاقتصاد الروسي نمواً حاداً في تداول الكتلة النقدية وتسارعاً في معدلات التضخم ونسفاً لكل آليات السوق في ضبط الاقتصاد. وقال: "اني اخاف أكثر ما أخاف من انجرار روسيا الى مغامرة عسكرية ومن تقسيم جديد للملكية". لكن وجهة نظر اخرى معارضة لهذه تقول ان استقالة غايدار ليست على الاطلاق مأساة قومية. ويقول خصومه ان من الضروري تذكّر ان فترة حكم غايدار لا تتصف فقط بانشاء اسس اقتصاد السوق الطبيعي حرية الاسعار وجعل العلاقات الاقتصادية تجارية ومؤسسات التملك غير الحكومية بل ايضاً بخسائر استراتيجية للبلاد وخصوصاً في الاسواق العالمية. وهذه الناحية الاخيرة ليست خطأ عارضاً للاصلاحيين الذين لا يعترفون من حيث المبدأ بضرورة أي تدخل من الدولة في الاقتصاد، حتى في مجال المصالح ذات الاهمية الحيوية للبلاد. ففيما كان الحديث يدور على ضرورة تخفيض العجز في الموازنة الروسية اغلقت الولاياتالمتحدة اسواق الاورانيوم في وجه روسيا وازاحت الأسلحة الروسية من الأسواق العالمية. وسار على هذه السياسة ايضاً قادة بلدان اوروبا الغربية المهتمون بحماية اسواقهم من الألومنيوم والمنسوجات الروسية. وبالفعل، فقياساً الى غايدار وجماعته، لعب الدور الرئيسي في الدفاع عن مصالح روسيا الاقتصادية الخارجية الوزراء الذين كانوا لا يسمونهم الا اعداء السوق. وبهذا المعنى قد يكون جيداً ان يشغل "البراغماتيون" مكان "النقديين" في مجلس الوزراء. ولكن المؤسف ان التجربة الجديدة يراد تطبيقها في بلاد لا يملك سكانها أية آلية للحماية الاجتماعية. وتؤكد استقالة غايدار الاستنتاج الذي يخلص اليه المراقبون عندما يحللون احداث الاسابيع الاخيرة، وهو انتهاء مرحلة انفراد الرئيس باتخاذ كل القرارات السياسية بلا استثناء"، خصوصاً في مسائل التعيينات في الاجهزة العليا. ان ازمة خريف 1993 وانتخابات كانون الاول ديسمبر 1993 ادت الى تثبيت تشيرنوميردين في مقدمة المسرح السياسي كشخص مستقل كل الاستقلال، فهو اليوم يستطيع، كما دلت مشاوراته مع رئيس الدولة على تركيبة الحكومة الجديدة، ان يدافع عن مصالحه السياسية الخاصة.