قبل الاجتماع الاخير لوزراء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وبالتحديد في تشرين أول أكتوبر الماضي، كان معدل اسعار سلة نفوط اوبك التي تضم سبع خامات 16.13 دولاراً للبرميل، وعلى رغم زيادته بنسبة 2.4 في المئة عن معدل ايلول سبتمبر البالغ 15.75 دولاراً، فإنه أقل بمقدار 4.87 دولار للبرميل عن سعر الاساس الذي حددته المنظمة ب 21 دولاراً. وبعد اتفاق "أوبك" في الاجتماع نفسه على تنفيذ الاقتراح السعودي التي تقدم به وزير النفط والثروة المعدنية هشام ناظر بتثبيت سقف الانتاج البالغ 24.52 مليون برميل يومياً طوال العام المقبل بهدف رفع الاسعار، استجابت الاسواق فوراً للاتفاق، وحقق سعر خام برنت ارتفاعاً في سوق لندن في 22 تشرين الثاني نوفمبر بلغ 22 سنتاً للبرميل عند الاقفال على 17.17 دولاراً، وارتفع سعر الخام الخفيف تسليم كانون الثاني يناير 1995، في نيويورك الى 17.84 دولاراً للبرميل بارتفاع 27 سنتاً عن اقفال اليوم السابق، وفي سنغافورة تراوح سعر خام برنت تسليم كانون الثاني بين 17.10 و17.12 دولاراً للبرميل. هل يعني ذلك ان عام 1995 سيشهد تحقيق السعر المستهدف لنفط اوبك والبالغ 21 دولاراً للبرميل؟ الخبراء يتوقعون ذلك، ولكن تحقيقه مشروط بعوامل عدة منها شتاء بارد، وبقاء المخزون العالمي منخفضاً حتى نهاية الربع الاول من العام، غير ان الاهم من هذين الشرطين انتعاش الاقتصاد العالمي، وثبات حصص اوبك. لقد صدرت اخيراً تقارير دولية تشير الى توقع انتعاش في سوق الطاقة، خصوصاً النفط، مع تأكيد النمو القوي للاقتصاديات الرئيسية في العالم. وفي هذا المجال اعلن التقرير السنوي الاخير World Economic Outook الذي صدر عن صندوق النقد الدولي نهاية الركود واتساع نطاق النمو في الدول الصناعية بعد فترة طويلة من الكساد الشديد بدأت في أواخر الثمانينات. وتوقع التقرير للمرة الأولى ان يصل نمو الانتاج العالمي هذا العام الى معدل 3.1 في المئة، ويرتفع الى 3.6 في المئة العام المقبل، وهو ضعف معدل النمو الذي عرف في الفترة ما بين 1990 و1993. ويبلغ معدل النمو في الدول الصناعية وحدها 2.7 في المئة هذه السنة والسنة المقبلة بزيادة 0.4 في المئة عما كان متوقعاً لهذا العام من قبل المؤسسة نفسها في أيار مايو الماضي، ما حدا بصندوق النقد الدولي ان يراجع توقعات النمو للعام المقبل في هذه الدول بزيادة 0.1 في المئة. أما دول العالم الثالث فتوقع الصندوق ان يرتفع النمو فيها الى مستوى قياسي يبلغ 5.6 في المئة للعامين الحالي والمقبل. ومما لا شك فيه ان النمو الاقتصادي الذي يفوق التوقعات يساعد سوق النفط الى حد كبير في هذه المرحلة. لكن توقعات صندوق النقد الدولي في شأن سعر النفط تتضارب مع توقعات الكثير من المراكز الاخرى المعنية، وأبرزها المركز العالمي لدراسات الطاقة. فالصندوق يتوقع في تقريره الاخير ان يكون سعر برميل النفط عام 1995 بمعدل 15.15 دولاراً في الولاياتالمتحدة. لكن في المقابل سجلت سوق النفط الآجلة في نيويورك سعر 18.23 دولاراً في تعاقدات نيسان ابريل 1995. وفي الوقت الذي استبعد فيه رئيس اوبك وزير النفط الاندونيسي ايدا باجوس سودجانا تحقيق السعر المستهدف البالغ 21 دولاراً للبرميل، توقع ان يرفع اتفاق اوبك الاخير اسعار النفط تدريجيا على أمل ان تصل الى ما بين 18 و19 دولاراً للبرميل. ثبات الحصص ومهما يكن من امر يبقى العامل المهم في تحديد الاسعار تقيد الدول المنتجة بحصص اوبك البالغ مجموعها 24.52 مليون برميل يومياً، فهل يمكن تحقيق ذلك؟ لقد بلغ المعدل الوسطي لانتاج دول اوبك خلال العشرة اشهر الاولى من العام الحالي 24.688 مليون برميل يومياً، اي بزيادة 168 الف برميل عن حصص اوبك، ولوحظ انه في شهر تشرين اول اكتوبر الماضي بلغ الانتاج اليومي لاوبك 24.75 مليون برميل، بزيادة 230 الف برميل عن الحصص الرسمية المتفق عليها. ما هي أسباب الزيادة؟ وما هي الدول المخالفة؟ فنزويلا كانت اكثر الدول الاعضاء مخالفة لجهة زيادة انتاجها بمعدل 141 الف برميل الى 2.5 مليون برميل، في حين ان حصتها محددة ب 2.359 مليون برميل يومياً، كذلك نيجيريا التي زادت انتاجها 55 ألف برميل الى 1.92 مليون برميل يومياً، والغابون التي انتجت 340 ألف برميل بزيادة 53 الف برميل عن حصتها، أما العراق ومع الاخذ في الاعتبار اوضاعه الخاصة فقد زاد بدوره انتاجه بمقدار مئة ألف برميل يومياً الى 500 ألف برميل في حين ان حصته المقررة فقط 400 ألف برميل. وفي المقابل لوحظ ان الدول العربية المنتجة حافظت على حصصها وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وحصتها 8 ملايين برميل يوميا، الامارات 2.161 مليون برميل، الكويت 2 مليون برميل، ليبيا التي انتجت 1.38 مليون برميل أي أقل بعشرة آلاف برميل عن حصتها البالغة 1.39 مليون برميل يوميا، الجزائر وانتاجها 750 الف برميل، واخيراً قطر التي انتجت 360 ألف برميل أي أقل بمعدل 18 ألف برميل عن حصتها المقررة والبالغة 378 الف برميل. انخفاض العائدات ومن الطبيعي ان يساهم ثبات الانتاج وزيادة الاسعار في ارتفاع عائدات الدول الاعضاء المنتجة، الامر الذي يمكنها من تمويل انفاقها وتنفيذ مشاريعها التنموية، وذلك خلافاً لما حصل في السنوات الاخيرة. فعلى رغم الزيادة في حجم الانتاج بنحو 1.54 في المئة عام 1993 انخفضت قيمة صادرات الدول الاعضاء بمقدار تسعة مليارات دولار وبنسبة 6.9 في المئة عن عام 1992. ووفقاً لما ورد في النشرة الاحصائية لمنظمة اوبك، ارتفع انتاج الدول الاعضاء في العام الماضي الى 24.642 مليون برميل يومياً مقارنة بمعدل 24.169 مليون برميل يومياً في 1992، غير ان قيمة صادرات دول المنظمة انخفضت الى 126.094 مليار دولار، من اصل 135.32 مليار دولار في 1992، وبلغ الانخفاض بذلك 9.278 مليار دولار، وهو يعود الى هبوط الاسعار بعد ان انخفض معدل سلة النفوط من 18.44 دولاراً للبرميل في 1992 الى 16.33 دولاراً العام الماضي. ويبدو انه بعد مرور عقدين من الزمن على تصحيح اسعار النفط عام 1973 لتصل الى 31 دولاراً للبرميل، جاء عام 1993 لتبلغ الاسعار الاسمية معبراً عنها بمتوسط سعر سلة خامات اوبك 16.4 دولاراً للبرميل. واذا قيست هذه الاسعار بقيمها الحقيقية بأسعار عام 1973 على سبيل المثال يلاحظ انها تعادل عام 1993 نحو 6 دولارات للبرميل. ويلاحظ ان اسعار النفط في الاسواق العالمية خلال تلك الفترة تذبذبت بشدة بالاحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها مناطق انتاج النفط، وبالتطورات التقنية والاقتصادية وسياسات الطاقة التي كانت تطبقها بصورة خاصة الدول الصناعية. وتبين من دراسة احصائية أعدتها منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول أوابك انه يمكن التمييز بين اربع مراحل زمنية شهدت تحولات مهمة في مسارات الاسعار الحقيقية للنفط، وهي: - الفترة الاولى 1970 - 1973 وكانت امتداداً لفترات استقرار مرت بها الاسعار وبلغت قرابة 3 دولارات للبرميل. - الفترة الثانية 1974 - 1978 وهي الفترة التي اعقبت أول تعديل في الاسعار تقوم به دول اوبك، حيث ارتفعت مستوياتها وتراوحت بين 7 الى 8 دولارات للبرميل. - الفترة الثالثة 1979 - 1985 وتبدأ بالسنوات التي شهدت الثورة الايرانية ثم اندلاع الحرب العراقية - الايرانية، حيث بلغت الاسعار اقصاها وتراوحت بين 14 و16 دولاراً للبرميل. - الفترة الرابعة 1986 - 1993 وتبدأ بعام انهيار الاسعار بصورة حادة. وقد شهدت هذه الفترة تراجع الاسعار الى المستويات التي كانت عليها في أواسط السبعينات وتراوحت ما بين 6 و8 دولارات للبرميل. وانعكست هذه التطورات بالتضافر مع التغيرات في مستويات التصدير، على العوائد النفطية للدول الاعضاء. فخلاف السبعينات تضاعفت العوائد النفطية الحقيقية مقومة بأسعار 1974 بنحو 8 مرات، مرتفعة من 12 مليار دولار عام 1970 الى 97 ملياراً عام 1980. وفي خلال الفترة 1981 - 1986 بدأت هذه العوائد بالتراجع بصورة مستمرة وبشكل ملحوظ لتصل عام 1986 الى 23 مليار دولار، وبذلك يكون الدخل الحقيقي من النفط لاقطار "اوابك" عاد الى القيمة نفسها التي كان عليها عامپ1973، او ما يعادل ربع قيمته عام 1980. ومنذ عام 1987 تذبذبت العوائد، تبعاً لتقلب الاسعار ومستويات التصدير، وظلت قيمتها في حدود 23 - 26 مليار دولار حتى نهاية الثمانينات، وبعد ذلك استقرت عند حدود 33 مليار دولار. ويستدل من ذلك مدى أهمية تقيد دول اوبك بحصصها من الانتاج مع زيادة الطلب العالمي، ومساهمة ذلك في رفع الاسعار والوصول الى السعر المستهدف البالغ 21 دولاراً للبرميل، وبالتالي زيادة العائدات لتمويل الانفاق وتنفيذ المشاريع التنموية، ولكن ما هو الحل في حال فشلت اوبك في ذلك؟ من الطبيعي ان يساهم مثل هذا الفشل، في تعزيز الطرح العربي لفكرة انشاء منظمة بديلة لمنظمة "اوبك" الحالية تحت اسم "اوبك الثانية" تقودها مجموعة من الدول التي تتمتع بتوافق سياسي مشترك.