على رغم احتمال زيادة الطلب على نفط اوبك الى اكثر من 25 مليون برميل يومياً خلال الربع الأول من العام 1994، حسب توقعات صناعة النفط الخليجية، اي بزيادة 500 الف برميل عن سقف الانتاج الرسمي، فان الاسعار ستبقى ضعيفة، مع العلم ان التوقعات الخليجية للعرض والطلب العالمي تشير الى تراجع الطلب على نفط اوبك الى 24 مليون برميل في الربع الثاني، على ان يرتفع الى 5،25 مليون برميل في الربع الثالث ثم الى 8،26 مليون برميل في الربيع الرابع من العام 1994، ما يدل الى امكان تحسن الاسعار خلال النصف الثاني من العام. وتربط التوقعات الخليجية ارتفاع الطلب على نفط اوبك بالنمو الاقتصادي العالمي الذي يساهم في زيادة الطلب على النفط بشكل وسطي من 6،58 مليون برميل يومياً في الربع الأول الى 4،59 مليون برميل في الربع الرابع من العام 1994. وفي حال وصول متوسط النمو الاقتصادي العالمي الى اكثر من 5 في المئة، كما يتوقع بعض الاقتصاديين، فان الطلب على النفط سيرتفع بخلاف العام الماضي، بمعدل يتراوح بين نصف مليون الى مليون برميل يومياً في الربع الثاني من العام 1994. اما في حال ثبات انتاج دول العالم، ما عدا دول اوبك، كما يتوقع البعض، فان متوسط الطلب على نفط اوبك لن يقل عن 25 مليون برميل يومياً كمعدل وسطي، اي بزيادة لا تقل عن نصف مليون برميل مقارنة مع العام الماضي. مستوى قياسي وبعيداً عن هذه التوقعات، يبقى تحسن الاسعار، خصوصاً لجهة تحقيق السعر المستهدف لأوبك والبالغ 21 دولاراً للبرميل، مرهوناً بخفض سقف الانتاج الرسمي، وهو امر ليس سهلاً في وقت تقدم فيه بعض الدول الاعضاء على تجاوز حصصها نظراً الى حاجتها الى المال لتغطية نفقات تنمية اقتصاداتها. وفي ظل هذه التطورات التي تشير بشكل عام الى ضعف اسعار النفط، بدأت الشركات الاميركية مراجعة خططها الاستثمارية والانفاقية للعام 1994. لأن الانخفاض الذي تشهده الاسعار بدأ يفرض على هذه الشركات اعادة هيكلية لتنظيمها والنظر في مصروفاتها بهدف ترشيد الانفاق. وقال وين الين ورئيس "فيليبس بتروليوم" ان الشركات تخطط على اساس ان الاسعار تظل منخفضة. وكانت الاسعار في السوق الاميركية، انخفضت بحوالي 30 في المئة منذ ايار مايو الماضي. الامر الذي جعل الاسعار في حدود 50،18 دولار للبرميل من خام "ويست تكساس المتوسط" خلال العام 1993. مقابل 50،20 دولار قبل ذلك بعام. وكانت الاسعار انخفضت بسبب المخزونات العالمية وعدم استعداد المنتجين داخل وخارج "اوبك" لخفض انتاجهم. الامر الذي يفرض على الشركات النفطية مراجعة موازناتها وانفاقها، على رغم اتجاه البعض الى المحافظة على خططها السابقة او تغييرها بصورة ما بحيث تخفض عمليات الاستكشاف والانتاج، والاستفادة من ارتفاع هامش الربح في عمليات التكرير والبيع على مستويي التجزئة والاجمالي. وكان كثيرون من مسؤولي الشركات يعتقدون في السابق ان الانفاق الرأسمالي هذا العام يمكن ان يظل محافظاً على معدل العام الماضي، لكن هذه النظرة بدأت في التراجع. وتعتبر الولاياتالمتحدة في مقدمة البلدان التي تزداد احتياجاتها الى نفط اوبك. ويقول ادوار مورفي كبير الاقتصاديين في معهد البترول الاميركي: "ان اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط الاجنبي يقارب حالياً المستوى القياسي الذي سبق ان تحقق في العام 1977، عندما بلغت الواردات النفطية حوالي 48 في المئة من حاجات النفط الاجمالية، وان هذه النسبة قد ترتفع الى ما فوق ذلك المستوى، في حال ادى الانتعاش الاقتصادي الى زيادة الطلب على النفط، او استمرار انخفاض انتاج النفط محلياً وفق الاتجاه القائم حالياً". وكانت الواردات النفطية قد غطت اكثر من 45 في المئة من الحاجات الاميركية، وشكلت عشر قيمة الواردات التجارية الاميركية، وجاء ربع كميات النفط المستوردة من المملكة العربية السعودية. ولوحظ ان "مكتب التقييم التكنولوجي" الحكومي كان اكثر تشاؤماً من معهد البترول الاميركي، اذ تكهن بأن الولاياتالمتحدة ستعتمد على الواردات بحوالي 75 في المئة من حاجاتها في مجال الطاقة مع حلول العام 2001، في ضوء انخفاض الانتاج المحلي وارتفاع الطلب على المنتجات النفطية. وقد اهتم بهذا الامر الرئيس الاميركي بيل كلينتون ووصفه بأنه خطير جداً، ودعا الى "وقف اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط المستورد في طريقة منظمة تمنحنا مزيداً من الاستقلال وتجعل اقتصادنا اقوى وأكثر مراعاة لشؤون البيئة". وقال ان "نصف العجز التجاري الاميركي، سببه الاعتماد على النفط المستورد". ولتحقيق هذه الاستقلالية لا بد من زيادة انتاج النفط الاميركي لتلبية الحاجة الاستهلاكية. وتبين من دراسات اميركية ان استقرار اسعار النفط حسب خطط الولاياتالمتحدة بين 22 و30 دولاراً للبرميل، هو هدف استراتيجي ويفرضه امن الطاقة الاميركية وتشجيع الشركات على زيادة الانتاج حتى يتوازن نسبياً مع الكميات المستوردة من الخارج لتأمين حاجة الاستهلاك المحلي. وبما ان اسعار النفط هي التي تتحكم بمشاريع التنقيب الاميركية، اعدت الشركات موازناتها خلال السنوات الاخيرة، على اعتبار ان السعر سيكون في حدود 5،22 دولار للبرميل، وفي حال تعرضت الى تقلبات مختلفة وبلغ معدل السعر 20 دولاراً، فان خمس الشركات سيخفض موازناته، اما في حال بلغ المعدل 30 دولاراً، فسيزيد ثلث الشركات موازناته، وذلك يعني، في رأي الشركات الاميركية، ان سعر البرميل يجب ألا ينخفض عن 5،22 دولار، وبما ان توقعاتها كانت اعلى من ذلك بسبب حرب الخليج ونتائجها في الاسواق العالمية، فقد اقدمت على زيادة موازناتها على مشاريع التنقيب من 46 مليار دولار في العام 1990 الى 50 مليار دولار في العام 1991. لكن لوحظ ان تلك الاسعار لم تتحقق، بحيث بقيت اسعار النفط اقل من 20 دولاراً، حتى ان سعر نفط اوبك وصل الى اقل من 14 دولاراً في فترات معينة. الاحتياط الاستراتيجي هل ذلك في مصلحة الاقتصاد الاميركي؟ بالطبع لا، بالنسبة الى كلفة انتاج النفط الاميركي المرتفعة والى مشاريع التنقيب، لكن يبدو ان السعر المخفض للنفط المستورد يحقق مصلحة الاقتصاد الاميركي في الحصول على كميات كبيرة في اطار تنفيذ "الاستراتيجية الوطنية للنفط" خصوصاً لجهة تأمين الاحتياط الاستراتيجي. وبعدما تسلم الرئيس كلينتون منصبه في 20 كانون الثاني يناير 1993، وفي اطار مساعيه لخفض الاعتماد على النفط المستورد من جهة ولخفض النفقات من جهة ثانية، اقترح في خطته الاقتصادية خفض معدل التعبئة لجعل الاحتياط البترولي الاستراتيجي 13 ألف برميل يومياً. وجاء في بيان كلينتون: "ان تجميع البترول في الاحتياط الاستراتيجي كان مفيداً جداً في التخفيف من وطأة الاضطرابات التي تعرضت لها امدادات النفط اثناء ازمة الخليج، مثلاً، وفي ردع المنتجين عن التلاعب بالاسواق. ان الولاياتالمتحدة اليوم تحصل على اقل من ربع احتياجاتها من بلدان اوبك ويمكننا ان نخفض معدل تعبئة الاحتياط ونوفر الكثير من اموال المكلف الاميركي". وعلى رغم اعتراف الرئيس كلينتون بالدور الكبير الذي يعلبه الاحتياط الاستراتيجي في "لعبة اسعار النفط"، فهو متمسك باقتراحه الذي من شأنه ان يخفض نفقات التعبئة بمقدار 80 مليون دولار. لقد لحظت موازنة العام 1994 معدلاً للتعبئة يعادل 25 الف برميل يومياً بقيمة 166 مليون دولار، اي بسعر وسطي 44،18 دولار للبرميل، وبما انه لا يمكن تغيير القيمة الملحوظة في الموازنة، فان معدل التعبئة قد ينخفض الى 20 الف برميل يومياً في حال ارتفعت الاسعار الى حدود 23 دولاراً للبرميل. اما في حال انخفاض الاسعار الى حدود 12 دولاراً فيمكن عندها رفع معدل التعبئة الى 38 الف برميل يومياً. وعلى افتراض نجاح خطة الرئيس كلينتون في خفض معدل التعبئة الى 31 الف برميل يومياً فان ذلك من شأنه خفض النفقات الى 86 مليون دولار في موازنة العام 1994، بحيث يتم توفير 80 مليوناً من اصل الاعتماد الملحوظ والبالغ 166 مليون دولار. لكن يبدو ان فكرة خفض الاحتياط الاستراتيجي تلقى معارضة من الكونغرس الذي سبق له ان طالب برفعه الى مليار برميل بدلاً من 750 مليوناً، وأثناء جلسات تثبيت تعيين وزيرة الطاقة، اوليري، قالت الوزيرة انها لا تنكر اهمية رفع حجم الاحتياط لكنها تعتقد بأنه لا يمكن تحقيق الهدف الذي وضعه الكونغرس لأن القيود المالية تحول دون ذلك. واذا كان من اهداف الاحتياط الاستراتيجي التأثير في لعبة اسعار النفط في الاسواق العالمية، فان هذه اللعبة بدورها لا بد من ان تؤثر على سياسة كلينتون وتحقيق اهدافه، لجهة تشجيع الشركات على زيادة الانتاج حتى يتوازن نسبياً مع الكميات المستوردة من الخارج لتأمين حاجة الاستهلاك المحلي، لكن يبدو ان هذا الهدف لا ينسجم مع هدف آخر يقضي بأن تحصل الولاياتالمتحدة على النفط المستورد بسعر منخفض لدعم الاحتياط الاستراتيجي ولو بمعدل تعبئة منخفض 13 ألف برميل يومياً لتوفير النفقات على الخزينة والاموال على المكلف الاميركي.