بعد ختام أعمال قمة المجلس الأوروبي في أيسن، التي توجت ستة أشهر من عمل الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي، وعلى أبواب انتقال الرئاسة الى فرنسا حتى آخر حزيران يونيو المقبل، يخرج المراقب باستنتاجات عدة، لا سيما حول ما يطلق عليه في القاموس السياسي الأوروبي، اسم "السياسة الخارجية والأمنية المشتركة". فقد شكلت دعوة رؤساء دول وحكومات اوروبا الشرقية والوسطى في اللحظة الأخيرة أهم مبادرة سياسية وعبّرت بوضوح عن توجه المستشار هيلموت كول في الاعداد المتدرج لانخراط النصف الثاني من أوروبا في عضوية الاتحاد، خلال سنوات قليلة وبعد تلبية شروط سياسية والاقتصادية. من هذه الزاوية، لم تتخذ القمة الأوروبية قرارات جديدة، وانما انتجت دينامية من نوع آخر، لأن فتح الافق السياسي امام توسيع مقبل للاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق، تم في نهاية تشرين الأول اكتوبر الماضي، خلال لقاء مشترك لوزراء الخارجية في اللوكسمبورغ. وساهمت هذه الدينامية، تحت تأثير عامل التوازن، في اتجاه تأسيس علاقة شراكة اوروبية - متوسطية، ضمن تصوّر عام، وهنا اعطت القمة العلامة السياسية الأولى، على اساس مبادرة قامت بها مفوضية بروكسيل قبل اشهر قليلة من الآن. الا ان ما تجنبته قمة آيسن هو الخوض في الأرقام، وحيث اقترحت المفوضية رصد مبلغ 5.5 مليار وحدة نقدية اوروبية ايكو 5،6 مليار دولار لدول المتوسط التي تشملها علاقات الشراكة المغرب، تونس، الجزائر، مصر، الأردن، تركيا، سورية، لبنان، اسرائيل، لم يضمن الاتحاد الأوروبي سوى 492 مليون ايكو 600 مليون دولار لعام 1995، على ان يتم نقل الملف الى مجلس وزراء الاقتصاد والمال للحسم في وقت لاحق، والتقدم بأرقام تتناول السنوات الخمس المقبلة. واذا كانت اسرائيل تتميز بوضع خاص في علاقاتها الاوروبية فذلك عائد الى المستوى المرتفع في نموها الاقتصادي، ولعل الجانب الرئيسي في هذا التميز الذي لم تشر اليه القمة، هو انخراط اسرائيل في برنامج الابحاث الاوروبي الرابع، في حين ان المفاوضات التي بدأت بين بروكسيل من جهة وتل ابيب والرباط تونس من جهة ثانية، ومفترض ان تكتمل في نهاية العام الجاري، بهدف عقد اتفاقات شراكة ثنائية - تعتبر مثالاً ومدخلا لما يمكن ان تكون عليه المبادرة الأوروبية - المتوسطية الشاملة، وهو ما شدد عليه، رئيس المفوضية الاوروبية جاك ديلور، الذي عبر عن امله ايضاً، في ان تكون اتفاقات الشراكة المتوسطية على الدرجة نفسها من العمق، كاتفاقات الشراكة الأوروبية الموقعة مع دول أوروبا الشرقية والوسطى. ان الهدف الاستراتيجي هو التوصل الى منطقة تبادل تجاري حر، وبالطبع تكثيف اشكال التعاون المتعدد، كما أصبح من المؤكد عقد مؤتمر وزاري اوروبي - متوسطي في النصف الثاني من العام المقبل تحت الرئاسة الاسبانية الدورية للاتحاد الاوروبي، وبعد ان تكون فرنسا مهّدت لهذه الخطوة، في النصف الأول من العام نفسه.