"لا يدخل استيلاء الاصلاح على الدولة في باب التكهنات. لقد صار مؤكداً ان الاسلاميين سيحكمون اليمن في فترة قريبة". هذا التصور تطرحه فئات معارضة يمنية تعيش في الخارج وتكرره وسائل اعلام تعبر عن مواقف مختلفة. ويستند هذا التأكيد الى تحليل للوضع اليمني بعد الحرب، مفاده ان الطرف الوحيد الذي كان في وسعه عرقلة مشروع "الاصلاح" هو الحزب الاشتراكي، وان هزيمة الحزب في حرب الصيف الماضي أزاحت العقبة الوحيدة الجدية التي كانت تعترض "الاصوليين"، وان هؤلاء باتوا على مقربة من الامساك بالسلطة. ويعتقد اصحاب وجهة النظر هذه ان "الاسلاميين" الذين ساندوا الرئيس علي عبدالله صالح في الحرب الاخيرة يريدون ثمناً لمشاركتهم في الحرب وهذا الثمن حصلوا على نصفه من خلال تقاسمهم مقاعد الحكومة مع "المؤتمر الشعبي"، والنصف الآخر يأتي لاحقاً من خلال سيطرتهم على كل اجهزة السلطة. أما الحزب الحاكم، أي المؤتمر الشعبي فلا يشكل قوة اعتراض لأنه عبارة عن موظفين وعناصر سياسية لا يختلفون في تكوينهم السياسي عن "الاصلاح". ويختم هؤلاء ان ابواب السلطة باتت مشرعة امام الاسلاميين الذين سيختارون اللحظة المناسبة لتسلم الحكم. ليس الخائفون من تنامي قوة "الاصلاح" كلهم من التيار اليساري او الاشتراكي، فهناك ايضاً ليبراليون في الداخل والخارج. اما وسائل الاعلام الغربية التي تتبنى هذه المخاوف فتهتم عادة بالدفاع عن الحداثيين، وأمامها ما حصل في ايران وما يحصل يومياً في الجزائر، فهل لهذه المخاوف ما يبررها فعلاً في الحالة اليمنية؟ بتعبير آخر هل يستولي "الاصلاح" على السلطة ويتمكن بالتالي من قلب حكومة الرئيس علي عبدالله صالح؟ لا يمكن الرد على هذا السؤال بالعودة فقط الى تصريحات قادة "الاصلاح" الذين اكدوا ل "الوسط" ان حزبهم لا يستهدف السلطة وانه يضع ثقته كاملة بالرئيس علي عبدالله صالح. ولا يمكن ختم الموضوع باسترجاع ما قاله زعيم "الاصلاح" الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر من ان حزبه لا يفكر في تسلم الرئاسة الاولى حتى وإن حصل على الغالبية المطلقة من مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة 1997. فهذه التأكيدات التي لم تُطلق جُزافاً ليست موجهة الى الخارج ولا تهدف الى طمأنة المخاوف الخارجية والداخلية، بل تعبر عن واقع شديد التعقيد يحيط بالتيار الاسلامي اليمني. يستدعي ما سبق الدخول الى عالم الاسلاميين اليمنيين للتحقق من المخاوف التي يُنسب مصدرها اليهم وتُشاع حول نياتهم ما دام ان مواقفهم العلنية لا تثير الهلع خصوصاً بعد مؤتمرهم الاخير. ولعل افضل وسيلة لاجتياز عتبة عالم الاسلاميين تكمن في قراءة نتائج مؤتمرهم التأسيسي الاول أواخر ايلول / سبتمبر الماضي. 3 تيارات نشأ "التجمع اليمني للاصلاح" في العام 1990 وترافقت ولادته مع ولادة الوحدة اليمنية 22 ايار / مايو 1990. وتُجمع مصادر مختلفة في صنعاء على ان التجمع - كما يشير اسمه - هو عبارة عن ائتلاف تيارات اسلامية متفاوتة الالتزام ب "الاسلام السياسي": التيار الأول يضم القبائل التي تتميز عموماً بالتزام اسلامي طبيعي شعبي لا علاقة له من حيث المبدأ بنظريات سياسية محددة كتلك التي وضع اسسها "أبو الأعلى المودودي" والتي تتبناها كما هي أو معدلة حركات اسلامية عدة شأن "النهضة" التونسية أو "الانقاذ" الجزائرية او الجبهة القومية الاسلامية في السودان، ولا علاقة مباشرة لهذا التيار بأفكار "الاخوان المسلمين" المصريين خصوصاً حسن البنا وسيد قطب. والتيار القبلي يظل الاقوى في "الاصلاح" ويمثله الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس التجمع. والتيار الثاني في "الاصلاح" تعبر عنه جماعة من التجار المحليين المتدينين ويمثلهم عبدالوهاب الآنسي احد اهم منظري التجمع. ويزود هؤلاء التجار الحزب مداخيل مهمة لتغطية نشاطاته المختلفة لكنهم لا يمثلون الحلقة المحورية في هذا التيار. كل الاسلاميين الذين يعتنقون نظريات "الاسلام السياسي". ويغلب على هؤلاء تنظيم "الاخوان المسلمين". وهو تنظيم وضع اسسه في الاربعينات داعية جزائري معروف هو الفضل الورتلاني الذي كان عضواً في هيئة الدعوة والارشاد التابعة ل "الاخوان" المصريين، وقد ارسله الى اليمن مرشدهم حسن البنا. ونجح الورتلاني في تأسيس تيار ل "الاخوان" اليمنيين شارك بفعالية في ثورة 1948 ضد الامام يحيى، وكان لشدة تأثيره ان قرر الثوار يومها تعيين حسن البنا ممثلاً لليمن في جامعة الدول العربية قبل أن تفشل الثورة ويستعيد الامام احمد السلطة خلفاً لأبيه الذي قتل اثناء الثورة. ويضم هذا التيار ايضاً نخبة يمنية تأثرت ب "الصحوة الاسلامية" المنتشرة منذ اواخر السبعينات، وهي نخبة متنوعة الانتماءات الطائفية والقبلية والمناطقية وتطمح الى بناء دولة اسلامية. ومن بين هؤلاء يمكن العثور على قدامى المجاهدين في افغانستان من الذين امتنعوا عن نقل التجربة الافغانية الى اليمن، فضلاً عن مثقفين اصوليين متشددين نشأوا على هامش التيار "الاخواني". ويلعب هذا التيار دوراً شديد الاهمية في نشر "الاسلام السياسي" في اليمن وينشط اعضاؤه في المساجد والأحياء والقرى. ويكثر وجودهم في وزارة التربية والتعليم التي اصبحت في عهدة وزير "اصلاحي" في الحكومة الجديدة، هو عبده علي قباطي. وهم يلعبون دوراً كبيراً في نشر "المعاهد التعليمية" الاسلامية وادارتها في انحاء البلاد ولا سيما منها المحافظات الجنوبية والشرقية. وكان انصار هذا التيار يعارضون بشدة مشاركة "الاصلاح" في الحكم حتى شهر ايلول الماضي، وما زال بعضهم يعارض مثل هذه المشاركة. ويُجمع عدد من المتابعين عن كثب لشؤون هذا التيار في صنعاء أن مُنظّره الاساسي هو ياسين عبدالعزيز القباطي الذي درس في عدن ثم انتقل الى القاهرة للتخصص في اصول الدين والشريعة وتخرج من الازهر عام 1967 وشغل بعد تخرجه منصب مدير مكتب التربية والتعليم في مدينة تعز. وأصبح لاحقاً مستشاراً للهيئة العامة ل "المعاهد العلمية". وتدرج في تنظيم "الاخوان" اليمني حتى اصبح في العام 1980 اميناً عاماً له خلفاً للشيخ عبدالمجيد الزنداني. لكن مؤيديه يؤكدون انه المنظّر الاهم ل "الاخوان" بعد رائدهم عبده محمد المخلافي. في المقابل يصنّف الشيخ الزنداني في مرتبة الزعيم السياسي للحركة الاسلامية اليمنية والشخصية الثانية في "الاصلاح" بعد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس التجمع منذ انشائه. جماعات متطرفة لا يختصر هذا التيار كل المجموعات الاسلامية في اليمن ولا يُمثّل كل الحساسيات على ما يؤكد الشيخ عبدالله الأحمر، فهناك جماعات متطرفة تعمل خارج الاطار التنظيمي للاصلاح وتعتبر المشاركة في السلطة بمثابة الكفر، واذا كانت هذه المجموعات ضعيفة التمثيل فانها في المقابل تركز على وسائل العنف لتحقيق اهدافها، ويصعب حصر هذه المجموعات التي تظهر فجأة وتختفي مستخدمة تسميات من نوع "الجهاد" او "السلفيين" او ما شابه ذلك. ويُنسب الى هذه المجموعات تدمير الاضرحة والقبور في عدن وفي مناطق يمنية اخرى. ويسود اعتقاد بأن بعض المنضوين في هذه المجموعات كان ينتمي الى "الاصلاح"، لكن انخراط الاصلاحيين في الحكم دفع هؤلاء الى التخلي عن هذا التيار والعمل على نحو مستقل. ولعل انتقال "الاصلاح" من المعارضة الى الحكم جرد المجموعات الاسلامية المتطرفة من التغطية السياسية وهمّش تحركاتها وعملياتها العنفية الامر الذي سهّل ضبطها ومعاقبة بعض افرادها بوسائل قضائية. وغلب على تيارات "الاصلاح" هذه طابع التعايش خلال المرحلة السابقة التي تلت تكوينها. وكان التجمع اشبه بائتلاف احزاب او تجمعات سياسية، الى ان وقعت الحرب وانتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي، ثم فرضت على القوى السياسية المؤثرة اعادة ترتيب اوضاعها في ضوء نتائج الحرب. وكان على "الاصلاح" ان يفعل ذلك، فعقد مؤتمره التأسيسي الاول في الكلية الحربية في صنعاء 20 - 24 ايلول 1994 وخرج بقرارات وتشكيلات تنظيمية تكرس انصهار وحداته وبالتالي خضوعها لسلطة حزبية تراتبية ولخطٍ سياسي محدد المعالم وملزم للجميع. انتقال الى الحكم وأكدت مصادر يمنية موثوق بها ل "الوسط" ان اندماج تيارات "الاصلاح" الثلاثة في اطار تنظيمي - سياسي واحد، ترافق مع التطورات الآتية: 1- شارك "الاصلاح" بفعالية في الحرب ولعب دوراً مهماً في حشد القوى الدينية تأييداً للرئيس علي عبدالله صالح، وكان له دور مؤثر في اجتماع العلماء ورجال الدين الشهير في مدينة تعز عشية الحرب، وشارك اصلاحيون واسلاميون في القتال لكن "الاصلاح" لم يحسم الحرب على رغم كونه حليفاً مهماً للدولة ولمشروع الوحدة. 2- لعبت الوحدات العسكرية النظامية الدور الحاسم في الحرب، خصوصاً المنتمية الى محافظتي شبوة وأبين، والتي كانت هزمت في الصراع على السلطة في الجنوب في كانون الثاني يناير 1986. ولما كانت هذه المجموعات منخرطة في الحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس فان الانتصار في الحرب وبالتالي الحفاظ على الوحدة كان لا بد ان يصب في خانة الرئيس اولاً وأخيراً وليس في خانة "الاصلاح" كما يعتقد كثيرون. 3- يرتبط الرئيس صالح مع رئيس "التجمع اليمني للاصلاح" الشيخ عبدالله الأحمر بصلات قرابة عصبية وسياسية في آن. ولعل الانتصار الذي تحقق بفعل الحرب هو انتصار مشترك للطرفين انعكس على ميزان القوى الداخلي في "الاصلاح" وعزز ارتباط هذا الحزب بالمشروع السياسي للدولة وضبط تيار "الاسلام السياسي" في هذا الاطار. 4- اصبح "الاصلاح" بعد مؤتمره التأسيسي الاول شريكاً في السلطة، ولاحت بوادر هذه الشراكة عشية الحرب حيث انتخب الشيخ الزنداني للمرة الأولى عضواً في مجلس الرئاسة واشترك وزراء من "الاصلاح" في حكومة المهندس حيدر أبو بكر العطاس الثانية، ومن بينهم عبدالوهاب الآنسي احد ابرز منظري الحزب. خلاصة القول إن تيار "الاسلام السياسي" في "الاصلاح" انتقل بفعل الحرب، وبسبب تعديل ميزان القوى الداخلي في الحزب، من المعارضة الى الحكم ومن الشارع الى الدولة، فهل يكون دخوله الحكم مقدمة لاستيلائه على السلطة كاملة، وبالتالي السيطرة على زمام الامور في اليمن؟ قبضة "الاصلاح" تختلف الاجابة عن هذا السؤال باختلاف المصادر المعنية مباشرة بهذا الموضوع. فالتيار اليساري والاشتراكي عموماً يحيل السائل الى الدور المتعاظم للاصلاحيين في المناطق الجنوبية. ويؤكد اشتراكيون التقتهم "الوسط" في صنعاء ان "الاصلاحيين" يبسطون قبضتهم على المحافظاتالشرقية والجنوبية من خلال الوسائل الآتية: - ينشرون المعاهد العلمية بكثافة ويسيطرون على قطاع شديد الحساسية بالنسبة الى المستقبل وهو قطاع التربية والتعليم. ويرى الاشتراكيون ان جيلاً بكامله سينشأ نشأة "اصلاحية" وان هذا الامر من شأنه توسيع قاعدة التجمع في المستقبل. - أسس "الاصلاحيون" اجهزة امنية، وهم يتمتعون بقوة ضبط وتنظيم واستقصاء في عدن وفي المدن الجنوبية ويستخدمون نفوذهم في السلطة لنشر اجهزتهم في المحافظات اليمنية. - عمد "الاصلاحيون" الى نشر العادات الاصولية في عدن، فجلدوا الذين يشربون البيرة ودمروا مصنعها في عدن غداة الحرب، واعترضوا النساء السافرات. - لن يتمكن المؤتمر الشعبي من احتواء حركتهم لأنه لا يختلف جوهرياً عن "الاصلاح" وهو ليس معداً للعب ادوار من هذا النوع. انه اطار عريض وغير متماسك، لذا لا يمكن الرهان عليه في التصدي للمشروع الاصلاحي، ما يعني في نظر الاشتراكيين ان فرص الاصوليين في تسلم السلطة كبيرة. خطر غير واقعي لا يوافق انصار الدولة على هذه الحجج ويعتبرون ان الاشتراكي يسعى الى بث المخاوف والتهويل من خطر اصولي لا اساس له على ارض الواقع. ويرى هؤلاء ان صعود التيار الاصلاحي في المحافظات الجنوبية والشرقية ناتج من الظلم الذي لحق بالمتدينين في تلك المحافظات اثناء فترة "الحكم الشمولي" وان انهيار الحزب الاشتراكي اتاح المجال لبروز المتضررين منه خلال فترة حكمه. ويعتقد هؤلاء بأن الدور الذي يلعبه "الاصلاح" في المحافظات المذكورة، لا يخرج عن اطار الشرعية، وان مشاركة "الاصلاح" في السلطة تتيح ضبط تحركاته في تلك المحافظات في اطار الدولة وليس خارجها. ويعترف انصار الدولة بحصول تجاوزات، خصوصاً في الاسابيع الاولى التي تلت الحرب، لكنهم يؤكدون ان السلطة وضعت حداً لهذه التجاوزات وان الاصلاحيين يظهرون الآن انضباطاً كبيراً في علاقتهم بأهالي المحافظات الجنوبية والشرقية. ويقول أنصار الدولة ان "المعاهد العلمية" منتشرة في اليمن قبل الحرب وانها كانت قائمة في المحافظاتالشرقية والجنوبية، لكنها تزايدت بعد الحرب، لأنها اخذت تحل محل المدارس الماركسية مثل "النجمة الحمراء ومدارس البدو الرحل". ويقلل هؤلاء من خطر "المعاهد العلمية" فهي في نظرهم تابعة لوزارة التربية والتعليم وان تسلم اصلاحي هذه الوزارة جاء مشروطاً بتوحيد مناهج التعليم وهو أمر سيتم في المستقبل القريب فتنتهي بذلك ازدواجية المناهج لمصلحة منهج تربوي وطني عام لخدمة كل اليمنيين وليس فئة منهم. ويلفت انصار الدولة الى ان السلاح الفردي منتشر لدى كل اليمنيين وليس حكراً على "الاصلاح" وان حصر انتشاره بالاصلاحيين يفصح عن سوء نية ويهدف الى اشاعة البلبلة ونشر مخاوف لا علاقة لها بحقيقة الامور. تنافس ديموقراطي ولا يرى انصار الدولة ان مهمة "المؤتمر الشعبي" تكمن في احتواء التيارات السياسية وضبطها، وهم يؤكدون ان هذه التيارات تتنافس في الاطار الديموقراطي وتحت سقف الثوابت الوطنية، وان الخروج عن هذه الثوابت سيصطدم بشرعية الدولة ومؤسساتها وان هذا الأمر يشمل الجميع وليس محصوراً بتيار من دون غيره. ويقول هؤلاء ان الحزب الاشتراكي خرج عن هذه الثوابت وأعلن الانفصال فتصدت له اجهزة الدولة التي ستتصدى لغيره اذا خرج عن الثوابت الوطنية، وبالتالي لا حاجة الى الحديث عن مهمات لم ينتدب المؤتمر نفسه اليها في اي يوم. ولا يعتقد مراقبون في صنعاء بوجود مخاطر حقيقية من استيلاء الاصوليين على السلطة. ويرون ان تركيب السلطة والأسس التي ترتكز اليها تخلو الى حد كبير من تكتلات اصولية. وان الجيش والامن السياسي ليسا مخترقين من الاصوليين، ولعل القرار الجمهوري الاخير الذي صدر اثر الحرب ويقضي بمنع اي نشاط حزبي في المؤسسة العسكرية سيقلل من فرص الاصوليين في التسرب الى هذه المؤسسة التي تحمي النظام والحكم. ما يعني ان انقلاباً اصولياً في الدولة أمر مستبعد ما دامت السيطرة على هذه المؤسسة مضمونة للفريق الحاكم بقيادة الرئيس صالح. حقائب وزارية صعبة وتعتقد المصادر المحايدة نفسها بأن الدولة لم تقدم اية تنازلات في مقابل مشاركة الاسلاميين في الحكومة، فهم كانوا يرغبون في الحصول على حقائب وزارية سهلة لكن هذه الرغبة اصطدمت باصرار من الدولة على اعطائهم حقائب خدمات حساسة. ويقول مصدر مقرب من السلطة ان الاسلاميين وافقوا على شرطين لتسلم وزارة التربية، الاول يقضي بتوحيد مناهج التعليم الامر الذي سيحرم الاسلاميين من موقعهم المميز في الوزارة ويلغي ازدواجية المناهج. الثاني يقضي بتسلم وزارة التموين التي تهرب الاسلاميون منها نظراً الى المشاكل التي تطرحها والتي ستؤثر في شعبيتهم. وتؤكد هذه المصادر ان مشاركة الاسلاميين في حكومة شعارها مكافحة الفساد، وتسلم وزارات خدمات يجعلانهم في موقف شديد الحرج، فهم ان امتنعوا عن اتخاذ اجراءات اصلاحية سيصاب انصارهم بخيبة امل وستضعف حججهم الاخلاقية امام الرأي العام. واذا اتخذوا مثل هذه الاجراءات يغامرون باثارة خصوم ومراكز قوى في الدولة والقطاع الخاص مستفيدة من مظاهر الفساد. وباختصار سيضطر الاسلاميون في الحكومة الى تبني سياسات دفاعية ابعد ما تكون من الهجوم على السلطة والاستيلاء عليها كما يعتقد خصومهم وكما يؤكد انصار الحزب الاشتراكي. "نحن متضررون من مشاركتنا في السلطة لأننا سنضطر الى تحمل تركة الدولة وهي تركة ثقيلة". هذا الكلام قاله ل "الوسط" الوزير "الاصلاحي" عبدالوهاب الآنسي الذي يدرك ان التيار الاسلامي خرج من موقع التبشير في الشارع الى موقع المشاركة في السلطة، مع ما يترتب على هذه المشاركة من نتائج سلبية على شعبية "الاصلاح". يبقى القول ان وثيقة الائتلاف الحكومي الموقعة بين "الاصلاح" والمؤتمر الشعبي تلزم الطرفين، من نوع التزام الشرعية الدستورية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وضمان الحريات العامة وحقوق الانسان وحق المعارضة في ممارسة دورها لترسيخ الممارسة الديموقراطية وضمان حياد وسائل الاعلام الرسمية واستكمال بناء دولة المؤسسات والدفاع عن الوحدة الوطنية وتوطيد دعائم الامن والاستقرار وتجسيد استقلال القضاء والقبول بنسبة 1 على 2 الموازية لنسبة التمثيل البرلماني... ألخ. وربما شكلت هذه البنود - الشروط اطاراً ضابطاً يحيل المخاوف من الاصوليين الى مشاعر لا علاقة لها بحقيقة ميزان القوى في الدولة وموقع الاصوليين في المعادلة السياسية اليمنية بعد الحرب. اما الخطاب السياسي "الاصلاحي" فيتجه اكثر فأكثر نحو الاعتدال والواقعية. ف "الاصلاح" بات من المدافعين عن "الاقتصاد الحر" في اليمن ان لم نقل "اقتصاد السوق"، وقادته يقبلون، ضمناً على الاقل، بمصارف تعمل بالفائدة ويطالبون برفع الدعم عن اسعار المواد الغذائية وتوفير شروط محلية للاستثمارات الخارجية. وأغلب الظن ان "الاصلاح" لا يضع الخطط الآن للاستيلاء على السلطة، والراجح انه سيجتهد ما استطاع للحؤول دون "حرق اصابعه" في المرحلة الانتقالية التي قادته من الشارع الى الحكم.