إعلان اسحق رابين من واشنطن، بعد محادثاته مع الرئيس بيل كلينتون، انه ليس على يقين بأن اسرائيل ستكون قادرة على دفع الثمن المطلوب للسلام مع سورية، يعني ان على دمشق ان تقبل بالمعروض، او في اقل تقدير ان حكومة حزب العمل ليست على استعداد في المرحلة الحالية لاستجابة المطالب السورية وخلاصتها واضحة: الانسحاب الكامل من الجولان في مقابل السلام. الخلاصة الطبيعية لنتائج محادثات كلينتون - رابين ان المفاوضات على المسار السوري جمدت إن لم تكن عادت الى نقطة الصفر او وصلت حالياً الى طريق مسدود. وليس اسهل من ان يقول رئيس الوزراء الاسرائيلي إن المطالب السورية هي السبب في جمود مسيرة السلام. فالمهم في نظره ليس "الثمن المطلوب" للسلام بل ألا يدفع هو وحكومته وحزبه ثمن هذا "الثمن"، لذلك على الطرف الآخر ان يدفعه. ولذلك قد يكون على دمشق ان تستعد لمرحلة من التشدد، اسرائيلياً وأميركياً، في محاولة لدفعها الى القبول بما رفضته حتى الآن ولا قدرة لها على قبوله، لأنه يعني ببساطة قبولها تسوية مفروضة مع ما يعني ذلك من مضاعفات. ويستطيع رابين أن يتذرع بأسباب كثيرة لتراجعه وتمهله وتردده، وكلها اسباب لم تكن سورية مسؤولة عنها. لقد تخلى عن عرفات مثلما تخلى عنه الواعدون بالمساعدات من الدول المانحة، الى ان وصل الوضع في غزة الى حافة الحرب الاهلية التي يحمل انفجارها وتوسعها مخاطر كبيرة على مسيرة التسوية بأكملها. مع ما يعني ذلك من فشل ذريع لزعيم حزب العمل. لذلك وجد نفسه في اللحظات الأخيرة ملزماً انقاذ شريكه الفلسطيني وتمكينه من الحكم. ويستطيع رابين ان يتذرع بأنه كان يأمل بأن الاتفاق الذي أبرمه مع الأردن كفيل بإضعاف سورية ودفعها الى تقديم ما يريده من تنازلات لكن هذه لم تحد عن مطالبها. بل إن تأييد تكتل ليكود الاتفاق أحرجه. صحيح ان الاتفاق مع الأردن لم تواجهه ولا تواجهه قضايا شائكة كما الحال مع الفلسطينيين والسوريين، لكن الصحيح ايضاً ان ليكود والمتشددين الاسرائيليين اظهروا انهم لا يعارضون السلام بل يعارضون سياسة الحكومة العمالية، وهم تالياً يعارضون توجهها على المسار السوري. أي انهم يرفضون التنازل عن الجولان... وهذا ما قدمهم في اوساط الرأي العام الاسرائيلي على الحكومة العمالية وزعيمها. ويستطيع رابين، في ضوء ما حصل في غزة من إرباك للسلطة الفلسطينية أدى الى اقتتال اهلي اضعفها ولم يضعف خصومها، ان يأمل بأن يؤدي التجميد على المسار السوري الى إرباك دمشق. ذلك ان مسيرة بناء العلاقات بينها وبين واشنطن قد تتوقف في ظل ضغط الجمهوريين و "الهجمة" التي يقودها رئيس لجنة الشؤون الخارجية جيسي هيلمز. كما ان التقدم في مسيرة التطبيع مع العالم العربي لا بد من أن يترك أثره في موقف سورية. ويستطيع ان يراهن ايضاً على القوة العسكرية المتفوقة للدولة العبرية... كل هذا على أمل ان يدفع رابين القيادة السورية الى الرضوخ والقبول. قد يكون في هذه السياسة الجديدة التي قرر رابين نهجها بعد زيارته واشنطن شيء من المنطق والواقعية لإنقاذ حكومته ومواجهة تنامي قوة المعارضة الليكودية، وقد يكون رهانه على انسداد الطريق امام مسيرة بناء العلاقات بين واشنطنودمشق في محله اذا كان على كلينتون ان يتجنب الصراع مع خصومه الجمهوريين. لكن عامل الوقت والانتظار الذي راهن عليه في تعامله مع الجانب الفلسطيني هدده مثلما هدد شريكه الرئيس عرفات. وإذا كان رابين يعتقد بأن لعبة الوقت قد تحرج سورية، فإنه لن يكون بمنأى عن النتائج. فهو يدرك ان الانتظار طويلاً لن يكون في مصلحته اذ عليه ان يتوجه، بدءاً من منتصف السنة المقبلة، الى الوضع الداخلي استعداداً للانتخابات. ومثله سيفعل الرئيس كلينتون. ما يعني ان مسيرة السلام ستتوقف طويلاً وتصبح معها الساحة خالية للرافضين والمتشددين في الجانبين العربي والعبري الذي يحاول رئيس الوزراء الاسرائيلي انقاذ الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي من تحت مطرقتهم... فكيف إذا انضم اليهم سندان دمشق التي لم تتفق ولم توقع بعد؟