منذ الانقلاب الفاشل الذي قاده زوجها الجنرال الكسندر روتسكوي ولودميلا تعيش حياة مرفهة، حسب المقاييس الروسية، في شقة مكونة من ثلاث غرف نوم وغرفتي جلوس. ولم تتغير حياتها كثيراً بعد حلول زوجها الجنرال ضيفاً على سجن ليفور توفو العسكري. لكن الظاهرة اللافتة لغياب "جنرال الدستور" حامي البيت الأبيض هو اختفاء عناصر الحراسة الخاصة خارج الشقة، وحلول واحدة من قريبات لودميلا في منزل الجنرال لمساعدة زوجته على مواجهة متاعبها الجديدة المتزايدة. جيران لودميلا من ذوي الشأن في موسكو هم نيقولاي ريجكوف، رئيس الوزراء السابق، والجنرال متقاعد من الكي. جي. بي. د. سترليفوف. زارت لودميلا زوجها ثلاث مرات في السجن العسكري منذ سجنه في 4 تشرين الأول اكتوبر الماضي مع مجموعة من أنصاره. وخلال الزيارة الأخيرة لاحظت ان زوجها خسر حوالي 12 كيلوغراماً من وزنه وانه أطلق لحيته بعد أن غادر مستشفى السجن حيث عولج من ارتفاع مفاجئ في الضغط الدموي. وعلمت لودميلا من بعض الأصدقاء ان برنامجاً صارماً للياقة الجسدية أمكن اعداده لزوجها للحفاظ على وزنه اتقاء لضغط الدم غير الثابت. ولم يشفع هذا المرض المفاجئ في حمل الجنرال السجين على وقف التدخين، فهو مسرف في ذلك ويحرق قرابة علبتين من صنع أميركي يومياً. خلال زياراتها الثلاث لم تكن لودميلا لوحدها مع الجنرال روتسكوي. فحارس السجن يغتال اللحظات الحميمة بين الزوجين، إذ منعت قوانين المعتقل العسكري الصارمة أحاديث السياسة. وحين سئلت لودميلا عن نوعية الأحاديث التي تتبادلها مع زوجها قالت: "يسأل بإلحاح عن الأسرة. واستطعت في بعض المرات ان أحمل له طعاماً أعددته خصيصاً في البيت مع بعض الحلوى والخضار". وروتسكوي قارئ نهم يتلقى باستمرار الصحف من محاميه الذي يستعد للمحاكمة ويزوره يومياً ما يجعل ساعات النهار أقل ضجراً، ذلك ان الزنزانة خالية من وسائل التسلية والراديو المثبت في الجدار يبث فقط نشرات الأخبار والموسيقى اليومية المعتادة في اذاعة موسكو ما يزيد في ضجر الجنرال السجين. وترى لودميلا فوائد شتى في هذا التقشف الصارم الذي يحيط بزوجها، لكن "من الأفضل له ان لا تحتوي غرفته جهاز تلفزيوني لأن تلفزيون بوريس يلتسن لا يكف عن اهانة زوجي ورفاقه الذين تعاهدوا على حماية الدستور الروسي". وعلى رغم صرامة قوانين السجن العسكري، استطاعت لدوميلا روتسكوي مغافلة الحراس ومحاورة زوجها للمرة الأولى منذ تحوله من حامي الدستور وسيد البيت الأبيض الى جنرال مخلوع نزيل سجن لوفورتوفو العسكري. وفي ما يلي نص الحوار الذي ينساب كأحد الحوارات الدافئة بين بطلين من أبطال تولستوي في احدى روائعه: لودميلا روتسكوي: ما الأفكار التي جالت في خاطرك وأنت تشاهد البيت الأبيض الروسي البرلمان يتعرض للقصف على أيدي أنصار بوريس يلتسن؟ الكسندر روتسكوي: فكرت في مصير أسرتي وسلامة آلاف المواطنين العاملين داخل البرلمان الذي كان يتعرض للقصف الشديد. ثمة تساؤلات غريبة عبرت خاطري ذلك اليوم أبرزها عدم تحرك الجيش لحماية البيت الأبيض. لماذا لم يحدث ذلك برأيك؟ وهل لديك المزيد من المؤيدين والأنصار داخل القوات المسلحة الروسية؟ - أعرف بالضبط ما تقصدين. لقد انتظرنا طويلاً ولم يظهر أي أثر لهؤلاء. مع هذا ما زلت ممتناً لهم. لقد وعدونا بالمساعدة وفي اللحظة الحرجة تجمدت أقدامهم... أي كتيبة وعدت بتقديم المساعدة ومن هم الجنرالات الذين وعدوا بالانحياز لمساعدة البرلمان؟ - أفضل عدم الاجابة على هذه الأسئلة في الوقت الراهن. يا للغرابة لقد تدخلت شخصياً، بعد الانقلاب الأول في آب اغسطس 1991، للحفاظ على حياة بوريس يلتسن الذي منحته تأييداً غير محدود. ألم يكن يلتسن شخصياً، وراء القرار الذي طلب من الدبابات الروسية قصف البرلمان؟ ما هي ردود فعلك على مبادلة يلتسن ولاءك له بالانقلاب ضدك؟ - ضاحكاً بشيء من المرارة انه جد عجوز غارق في احتساء الخمر على حدود الهامشية، لا يعرف بالضبط ما الذي يدور حوله. في 25 أيلول سبتمبر الماضي التقط أنصاري شيفرة سرية متبادلة عبر أمواج اللاسلكي تدعو الى تصفيتي الجسدية. علماً بأنه لم يدر في خاطري مرة واحدة ان أحرض أحدهم على اغتيال يلتسن. وخلافاً لما يتردد عن حمايتي ليلتسن فأنا لم أتحرك لحمايته هو شخصياً، بل للحفاظ على الدستور داخل البيت الأبيض. هل أنت واثق مما تقوله عن التقاط الشيفرة التي تضمنت أمراً بتصفيتك جسدياً؟ - نعم وللأسف. كانت الشيفرة في بث لاسلكي متبادل بين مقر قيادة الجيش ووزارة الداخلية. ما جعلنا نرفع درجة تأهبنا للحفاظ على سلامتنا أنا ورسلان حسبولاتوف بعد 25 أيلول سبتمبر الماضي. ومنذ ذلك اليوم امتنعت عن النوم في مكتبي، ولم أعد أجلس في المكان الواحد أكثر من ثلاثين دقيقة، وصرت أخلد الى النوم في ساعات الصباح الأولى فحسب. بعد الاعتداء على البيت الأبيض بقينا نسمع الأوامر السرية المطالبة بتصفيتنا الجسدية. غير أن القوة العسكرية التي اقتحمت البرلمان وألقت القبض علينا كانت في منتهى الوطنية فاختارت الابقاء على حياتنا والتمرد على الأوامر التي أعطيت لها. كم عدد الذين سقطوا أثناء اقتحام البيت الأبيض؟ قالت مصادر السلطة انهم 128 قتيلاً فقط. لقد شاهدت العملية بنفسي وما زلت أذكر ذلك الراهب الذي تقدم أنصار البرلمان في مواجهة المقتحمين، وقد رأيته يسحق تحت عجلات الدبابات. اعتقد ان عدد القتلى يفوق الألف. انها قضية محاطة بالكتمان حتى الآن. وما اثار دهشتي الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء الروسية عن انك كنت أول المقترعين في الانتخابات الأخيرة. - هذا غير صحيح. لم اقترع، كما تردد. وفي كل الأحوال سيأتي يوم، وهو قريب، يحاسب فيه يلتسن على ما اقترفت يداه. مجموعة غير قليلة من أنصارك نجوا بأنفسهم عندما هربوا عبر ممرات سرية تحت الأرض. لماذا لم تفعل الشيء نفسه؟ - هل نسيت إني الجنرال روتسكوي ولست قاطع طريق أو زعيم عصابة؟ الجنرالات يقفون عادة ويواجهون التحدي حتى اللحظة الأخيرة. * * * عند هذه النقطة بالذات تدخل حراس السجن لانهاء اللحظات النادرة والحميمة بين روتسكوي وزوجته لودميلا. كان مثيراً للاسى رؤية روتسكوي وهو يتناول سيجارة ثم يشعلها ببطء وهو في طريق عودته الى زنزانته.