وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    الأرصاد: انخفاض ملموس في درجات الحرارة على أجزاء من شمال ووسط المملكة    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على خطوط النار بين المسلمين والصرب . "الوسط" تخترق مرتفعات إيجمان ... الى وسط البوسنة
نشر في الحياة يوم 27 - 09 - 1993

* غابات وطرق موحشة ومنازل مهجورة ... ومشرط جراح تعيد توزيع القوميات
دخول جبهات القتال في البوسنة - الهرسك تجعل المرء يعيش الوقائع الحية اليومية بين خيار السلام وخيار الحرب، كأنه يتابع احدى القصص الاغريقية القديمة حيث يتصارع الاخيار والاشرار وتشده المشاهد الطبيعية الخلابة التي تتمتع بها هذه البلاد، مثلما تلفته صور الجنود المدججين بالسلاح وقد تلطخت ملابسهم بآثار الدماء. وتبدو المناطق المدمرة كأنها بقع متسخة في لوحة رائعة رسمها فنان كبير.
الاشجار الباسقة، وجداول الماء، والجبال العالية المكتسية بالخضرة والانهار… تواجه المدافع ومنصات اطلاق الصواريخ وناقلات الجند وجنازير الآليات الثقيلة! هذه هي البوسنة - الهرسك التي قالوا انها اشبه بجلد النمر حيث تعيش القوميات المختلفة في فسيفساء متداخلة تحتاج اعادة توزيعها لفصلها بعضها عن بعض الى مشرط جراح يعمل في الجسد البوسني… وهذا ما يحدث اليوم بلا هوادة وشفقة!
ملحمة دوبرينيا
بدأت "الوسط" رحلتها من ساراييفو في اتجاه ضاحيتها الشهيرة دوبرينيا الواقعة بمحاذاة المطار، وتعتبر بوابة العاصمة ومنفذها الى المناطق المحررة في وسط البوسنة.
لقد حاولت الميليشيات الصربية على مدى شهور الحرب الطويلة احتلال هذه الضاحية لما تمثله من موقع استراتيجي مهم، وحلقة وصل بين المناطق الخاضعة للاحتلال الصربي على جانبيها. الا ان الضاحية استعصت عليها، على رغم دفع القيادات الصربية اعداداً كبيرة لاختراق خطوط المدافعين.
وبغض النظر عن الاحوال السائدة في ساراييفو بين التصعيد والهدوء النسبي، فان الاحوال في دوبرينيا ملتهبة دائماً، وهي تتجاوز اي اتفاقات لوقف اطلاق النار، وتتعرض على مدى الساعة لرصاص القناصة وقنابل المدفعية. الا ان سكان الضاحية واجهوا هذا الوضع بروح عالية. ولم تنجح الميليشيات الصربية الا في جعلها شبه معزولة عن العاصمة اذ يشكل التنقل بينهما مغامرة كبيرة تستدعي سرعة الحركة لتحاشي رصاص القنص المنطلق من البنايات العالية التي تترامى على جانبي الطريق المؤدي الى ساراييفو.
اكتفاء ذاتي
ويعتبر البوسنيون ان دوبرينيا تأتي في المرتبة الثالثة بين المدن البوسنية على قائمة اشد المدن تعرضاً للاعمال الاجرامية الصربية بعد بيلينا وبوسانسكي برود. وقال عصمت حاجيتشي قائد هذه المنطقة لپ"الوسط" ان الضاحية يسكنها الآن 25 الف مواطن اضافة الى 5 آلاف لاجئ. ويشكل المسلمون ثمانين في المئة من سكانها والصرب 15 في المئة والكروات 5 في المئة.
وأضاف ان 3 آلاف بناية في الضاحية دمرت في شهور الحرب الطويلة، وخمسة آلاف بناية اخرى دمرت، فيما قتل حوالي الف مواطن، فضلا عن 350 مقاتلا. ولم يشأ الاهالي ان يظلوا في انتظار شاحنات قوافل الاغاثة الآتية من المفوضية العليا للاجئين، وحاولوا القيام بعمليات اكتفاء ذاتي فزرعوا حدائق المنطقة ومنتزهاتها، وكذلك الممرات والطرق التي تفصل بين البنايات بالخضر المختلفة، حتى بلغت مساحة الارض المزروعة حوالي 91 الف متر مربع. وانتعشت الحياة الدينية في المنطقة فاقيمت 6 مساجد بديلا عن المسجد الوحيد الذي تعرض للدمار.
ونظم عمل المدارس التي واصلت تأدية دورها في الطبقات السفلى من البنايات، ونقل الاهالي من بيوتهم اليها ما تحتاج اليه من أثاث ومستلزمات اخرى، حتى باتت في المنطقة ثلاث مدارس ابتدائية وواحدة ثانوية، فيما تمكن 400 طالب جامعي من ابناء المنطقة من اجتياز امتحاناتهم في جامعة ساراييفو التي ما زالت اقسام عدة منها تعمل حتى الآن.
ويبدو ان العرب لم يغيبوا عن هذه الملحمة، اذ يتولى ادارة المستشفى الوحيد في المنطقة طبيب عربي هو الدكتور يوسف حجير الذي قال لپ"الوسط": "لقد مارست مهنتي في ظل ظروف صعبة جداً حتى انني اجريت الجراحات العشر الاولى من دون استخدام القفازات الطبية ومن دون تعقيم للآلات الجراحية، وعلى ضوء الشموع، ومن دون اي تخدير للمريض ما كان يسبب له آلاماً مبرحة، ولكن ماذا كان بوسعي ان افعل؟".
ويتذكر الدكتور حجير فترة ما قبل الحرب اذ كان يعيش في ساراييفو منذ 1965: "لقد كان رادوفان كاراجيتش وهو طبيب نفسي من اقرب الاصدقاء لي لعام كامل، وكانت تجمعني بكل الاطباء الصرب في ساراييفو علاقات صداقة قوية كما شأن الاطباء الآخرين. لقد كانوا كلهم شيوعيين ولم يكن تصدر منهم اي اشارة لما يمكن ان يفعلوه الآن".
غادرت "الوسط" دوبرينيا التي تواصل بشجاعة نادرة التصدي للعدوان الصربي ببنادقها القديمة ومدفعها الوحيد!
نفق تحت المطار
يمثل مطار العاصمة نقطة فصل استراتيجية بين القوات البوسنية والصربية، وهو اشبه بمربع تنتشر القوات الصربية على ضلعين متقابلين منه، والقوات البوسنية على الضلعين الآخرين المتقابلين ايضاً. وعلى رغم خضوعه للقوات الدولية، الا انه يمثل نقطة ضعف يحاول المسلمون خلالها الانتقال من جهة الى اخرى اثناء الليل. غير ان الوحدة الفرنسية التي تشرف على المطار تتعمد احياناً اضاءة هذا الممر بأضواء قوية تجعل من العابرين صيداً سهلاً للقناصة الصرب.
ولاختراق الحصار الصربي المفروض على ساراييفو، يجب المغامرة والانتقال عبر هذا الممر، او اجتياز النفق الذي شقه المسلمون تحت المطار ليصل العاصمة بالعالم الخارجي.
والنفق ليس سراً، فمع اول ضربة معول فيه كانت الصحف الغربية تتحدث عنه، وكانت القوات الصربية تتوعد بشق نفق آخر يخترقه! وعلى رغم ان هذا النفق يعتبر انجازاً الا ان المرور عبره يحتاج الى جهد كبير، خصوصاً ان المرء مجبر على المشي محني الرأس فيه الى حد الركوع، والا فان الكمرات الحديد التي تحمي سقفه تكون لرأسه بالمرصاد، خصوصاً اذا تعثر في برك المياه والطين التي تغطي ارضه.
على الجهة الاخرى من النفق ضاحية بوتمير وهي تحاول ممارسة حياتها اليومية المعتادة كدوبرينيا وبقية المدن والقرى البوسنية.
الى مرتفعات ايجمان
ومن بوتمير انتقلنا الى هراسنتسا حيث انتظرنا حلول الظلام حتى نتمكن من اجتياز مرتفعات ايجمان عبورا الى الناحية الاخرى من ساراييفو لنصل الى مدن وسط البوسنة.
وشاهدنا حوالي عشرين شاحنة تحمل اخشاباً في ظل الاستعدادات التي تتخذ لشتاء يتوقع ان يكون اشد وأقسى ما لم يفك الحصار عن العاصمة والمدن الاخرى. وبدأت سيارتنا تشق طريقها صعوداً الى مرتفعات ايجمان بعدما اطفأت كل انوارها خوفاً من رصاص القناصة الصرب. الطريق وعرة تزداد وحشة كلما اوغلت صعوداً فيما كان الجنود البوسنيون ينتقلون بين وحداتهم مشياً لساعات طويلة.
ومن اعلى الجبل تبدو المناطق البوسنية التي يحتلها الصرب مثل هاجيتشي وهي تتلألأ بالاضواء كأنها تتحدى الظلمة التي تلف ساراييفو وما حولها من مناطق خاضعة للمسلمين.
وبدأت الطريق الوعرة غير الممهدة تتفرع الى طرق عدة. وبدا السائق حائراً وهو يبحث عن الطريق التي تفضي بنا الى الجانب الآخر من الجبل وليس… الى القوات الصربية.
وبعدما اقتربت عقارب الساعة من منتصف الليل، اشار علينا احد الجنود البوسنيين باكمال السير ولاحظ واحد من مرافقينا اننا بدأنا نسلك طريقاً معبدة، وبما ان المناطق الخاضعة للمسلمين في هذه المرتفعات ليست فيها طرق معبدة، فان ذلك يعني اننا ضللنا، واننا نتجه نحو الخطوط الاولى للقوات الصربية.
وعرفنا بعد ذلك ان الجندي البوسني الذي ارشدنا الى الطريق ظن ان سيارتنا البيضاء التي ترفع علم القوات الاسلامية تابعة للقوات الدولية، فنصحنا مرة اخرى بالانطلاق سريعاً لئلا تصيبنا القذائف الصربية التي اصبحنا في متناولها.
غابات مهجورة
وعلى مدى ثماني ساعات بعد هذه الحادثة، وبعدما اجتزنا مرتفعات ايجمان كان علينا ان نشق طريقنا وسط الغابات المهجورة لنصل اخيراً الى مدينة فوينتسا، احدى مدن وسط البوسنة والتي كان عدد سكانها قبل الحرب يزيد على 16 الفاً، وفي المدينة 20 جامعاً، فيما تحولت مدرسة المدينة معتقلاً لأسرى الكروات.
وأكد كثيرون من المسؤولين والاهالي في مدن وسط البوسنة، فوينتسا وترافنيك وزينتسا، ان خروج الكروات من المنطقة أتى تنفيذاً لأوامر قيادة الميليشيات الكرواتية الانفصالية المعروفة باسم "مجلس الدفاع الكرواتي"، وان الصدامات كانت تدور بين الوحدات النظامية لجيش البوسنة - الهرسك والمقاتلين الكروات وليس الشعب الكرواتي، وان الذين رغبوا في البقاء من الكروات هددتهم قيادتهم بالقتل… وعلى رغم ذلك افلحت اعداد من الكروات في البقاء في المدن التي اصبحت تحت سيطرة المسلمين من دون مواجهة اية مشاكل.
صحوة اسلامية على الطريقة البوسنية
اكثر مما يلفت في الجولة على وسط البوسنة، الدور الذي ادته وتؤديه الوحدات الخاصة التي اطلق عليها اسم "القوات الاسلامية" الى جانب وحدات خاصة اخرى اطلق عليها "كرايشنك" التي ينتمي اليها الجنود البوسنيون المطرودون من شمال البوسنة، المنطقة المعروفة باسم كرايينا. وهم مقاتلون اشداء يتحدث الناس عن اعمالهم البطولية مع "القوات الاسلامية". ولهذه الوحدات الخاصة يعود الفضل في انجازات عسكرية تمكن من خلالها الجيش البوسني من بسط سيطرته على مدن وسط البوسنة، على نحو اذهل الكروات انفسهم.
وقال احمد بكر عادلوفيتش نائب زعيم "القوات الاسلامية" لپ"الوسط" ان الفرق العاملة لديهم تنتشر في مدن زينتسا وكاكان وترافنيك وفيتيز وزافيدوفيتش مشكلة اللواء السابع التابع للجيش البوسني. واضاف: "نحن نخضع للجيش البوسني، الا ان وحداتنا منفصلة، ونحاول ممارسة الحياة الاسلامية ونرفض ما يختلف مع تصوراتنا او آرائنا العقائدية. وان وحداتنا تتمتع بالانضباط، ولا نعبأ بالحديث عن تهمة الاصولية لأننا ادركنا ان اوروبا لا تريد بقاءنا هنا كمسلمين على رغم اننا ابناء هذه الارض، ولذلك نحن لا نهتم بأحاديثهم الكاذبة عن السلام وندرك ان ما نحرره بسواعدنا باذن الله هو ما سيبقى لنا".
ونفى بشدة ما رددته وسائل الاعلام الكرواتية عن ممارسات وحداته في موضوع الابنية الدينية المسيحية، وقال: "حافظنا على كنائسهم في الوقت الذي دمروا مساجدنا ويمكن التحقق من ذلك والتقاط الصور. اننا نحرس هذه الكنائس لئلا يدمرها أحد فينسب ذلك الينا".
ويفخر عادلوفيتش خلال حديثه الى "الوسط" التي التقته في مقر قيادته في مدينة زينتسا بأن قواته "استطاعت تحقيق انجازات رائعة وفي وسعها مواصلة القتال حتى النهاية. ونحن لا نعتقد بأننا في حرب مع الكروات، ولكن مع وحدات مجلس الدفاع الكرواتي التي تريد بسط نفوذها على مدننا وقرانا ذات الغالبية المسلمة".
ويعتقد القائد البوسني ان زينتسا يجب ان تصبح عاصمة المسلمين الآن "ذلك ان ساراييفو محاصرة وتوزلا يحكمها الشيوعيون، فيما غالبية المراكز الرسمية في زينتسا تشغلها العناصر المنضبطة والملتزمة".
رفض التقسيم
وتبدي غالبية القيادات البوسنية في وسط البوسنة رفضها الكامل فكرة التقسيم فضلاً عن الخرائط المقترحة، وقال محمد الاجيتش قائد منطقة ترافنيك، والذي تخضع له لواءات عدة تابعة للقوات الخاصة "كرايشنك": "أنني وجنودي لا نقبل بالتقسيم بغض النظر عن شكل الخرائط المطروحة، وسنظل نحارب حتى النهاية متجاوزين الثرثرة الدائرة حول الحل السياسي. وسنثبت اننا لسنا ممن يقبلون بما يمنح لهم فقط".
ولم يجد القائد البوسني حرجاً في ان يقول انه على استعداد لمخالفة اي اوامر تأتيه من القيادة العليا العسكرية او القيادة السياسية للخضوع لاتفاقات سلام لا تمنحه أرضه التي انتزعت منه. واضاف "ما زالت لدينا مصادر القوة والعناصر الكفيلة باستمرارنا في القتال، خصوصاً اذا تمكنا من تحرير فيتيز، واحسنا استغلال مصانع السلاح التي اصبحت تحت ايدينا".
الحياة أقوى
مظاهر الحياة اليومية في مدن وسط البوسنة تؤكد ارادة البوسنيين في مواصلة الحياة طبيعية في مدنهم وقراهم على رغم الاعتداءات الصربية والكرواتية على حد سواء.
ويتداول الاهالي العملة الالمانية، فيما استطاعوا تسيير قطار يمر في مدن زينتسا وكاكان وفيسوكو.
وكان لطيفاً مشهد الاهالي وقد أحالوا نهر البوسنة المار بمدينة زينتسا الى مصيف يستحمون فيه ويرتدون لباس البحر على رغم الاخطار المحدقة بالمدينة. اما في مدينة ترافنيك فان رابطة قوية تجمع بين الاهالي الذين بقوا فيها ولم يهاجروا. وترى الشباب والفتيات عصراً وهم يجوبون شوارعها الرئيسية. ثمة نوع قوي من التكافل الاجتماعي نشأ بين الناس في هذه الظروف المأسوية، خصوصاً انهم يعيشون اعنف مراحل الحرب التي انفجرت في مناطقهم بدءاً من آذار مارس الماضي، عندما استعجل الكروات في المطالبة بتطبيق مشروع فانس - أوين الذي منحهم مدناً ذات غالبية مسلمة.
برادينا... جواً
بعد بضعة أيام عادت "الوسط" في طائرة مروحية تابعة للحكومة البوسنية ومخصصة لنقل الجرحى والمرضى الى بلدة برادينا. كانت المشاهد من الجو مروعة، وتختلف عن تلك التي تحملها البطاقات البريدية للمناظر الطبيعية التي تتمتع بها البوسنة - الهرسك: المنارات تحطمت والبيوت محترقة خالية، والخراب اكبر من ان يوصف وأبعد مما يتوقع، فيما انحنت الاشجار الكثيفة كأنما اثقلها العار.
بتنا الليل في معسكر للجنود البوسنيين في برادينا حيث الفقر المدقع والملابس الهزيلة، وقال احد الجنود: "اننا نتناول وجبتين فقط طوال النهار". ولم يكن في حاجة الى تأكيد ذلك فالآثار واضحة على الوجوه!
وفي الصباح، كانت صحافية اسرائيلية تجادل الجنود البوسنيين الذين اوقفوها بتهمة "التجسس". وقفنا الساعات على مفترق الطرق في انتظار سيارة... وكانت الصحافية تجهد محاولة اقناع الجنود البسطاء الذين احاطوا بها بأنها "صديقة" لهم، لكن احدهم ذكرها بالتدريبات الخاصة التي تلقاها مقاتلون صرب قبل بداية المعارك في معسكرات اسرائيلية.
نفاد الوقود
من برادينا الى أول نقطة صعود الى جبل ايجمان كان علينا ان نسير ساعات باستثناء مسافة اقلتنا فيها شاحنة مرت مصادفة. وقالوا لنا ان المشكلة في نفاد الوقود، وانهم يعانون من ذلك بعد بدء الصدامات بين المسلمين والكروات، اذ اغلقت الطرق التي كانت تصلهم عبرها المساعدات من المسلمين في كرواتيا.
وقال احد الجنود ل "الوسط": "اضطررت الى البقاء على الطريق يومين حتى وجدت سيارة تقلني".
بدأنا نشق الطريق صعوداً الى ايجمان في وضح النهار في شاحنة. ثم كان علينا ان نمضي حوالي ست ساعات مشياً صعوداً وهبوطاً في المرتفعات والمنخفضات الحادة، مخترقين خطوط الدفاع الاولى للبوسنيين... وعلى بعد امتار احياناً من الميليشيات الصربية. وبقدر ما كانت الرحلة متعبة كانت ممتعة. فقد تسنى ل "الوسط" ان تتفقد خنادق المدافعين المسلمين حيث لمست اصرارهم وقال احدهم: "لم يجعل العالم لنا اي خط رجعة، وليس علينا الا ان نواصل القتال أياً كان الثمن وأياً كانت امكاناتنا. لقد ذبحنا الصرب مرة وذبحنا العالم مرتين عندما سلبنا حقنا في الحصول على السلاح لندافع عن انفسنا".
وعلى رغم فقدان القوات البوسنية مواقع مهمة على مرتفعات ايجمان، الا ان الجنود يشعرون بأنهم ادوا ما عليهم... "وان نظرات العتاب والتأنيب يجب ان توجه الى غيرهم".
وتفقدت "الوسط" خط النار الاول الفاصل بين قوات جيش البوسنة - الهرسك والميليشيات الصربية وسجلت عدساتها وجود أعداد كبيرة من القوات الصربية واسلحتها الثقيلة خصوصاً عند معسكر بريزوفتش حيث أطلق احد القناصة الصرب الرصاص في اتجاهنا. وكذلك في منطقة غولوبردو... على رغم كل ما قيل عن وجود اعداد قليلة من الجنود الصرب.
وشاهدت "الوسط" سيارات الوحدة الفرنسية التابعة للقوات الدولية والتي يسميها البوسنيون "التشيتينك الفرنسيون" لتعاونهم مع الصرب، وهي تجوب الخط الفاصل بين الطرفين. وفي المساء كان الناطق الرسمي باسم القوات الدولية يعلن في ساراييفو انه ليس واثقاً من وجود بعض القوات الصربية في ايجمان.
وشوهد الجنود المسلمون وهم يقومون بأعمال التحصينات الجديدة، وقد انتشروا بكثافة على طول خطوط المواجهة، وأمكن رصد بعض الاسلحة الثقيلة... على رغم الشكوى من نقصان الذخيرة.
وحكى المقاتلون ل "الوسط" ان امراً اصدرته قيادة الجيش البوسني في ذروة المعارك ينص على توجيه وحدات من "القوات الاسلامية" وقوات "كرايشنك" فوراً الى ايجمان، وكان لهذه القوات الفضل في وقف تقدم الصرب وتثبيت خطوط المدافعين واسترداد بعض المواقع.
وعلمت "الوسط" انه سقط للمسلمين في معارك ايجمان 28 شهيداً وفقد 4 وجرح 76. وافادت القيادات البوسنية ان عدداً يقدر بحوالي 400 جندي صربي قتلوا في هذه المعارك، استناداً الى معلومات الاسرى الصرب.
وقال أمير رجوفتش نائب قائد اللواء الرابع الذي تقع مساحات كبيرة من ايجمان تحت قيادته: "ان العدو الصربي استخدم كميات ضخمة من اسلحته الثقيلة واعتمد على طائراته المروحية في اسقاط اعداد كبيرة من جنوده بالمظلات، فيما كانت طائرات حلف الناتو تراقبها وتمتنع عن تنفيذ قرار الامم المتحدة الخاص بفرض حظر الطيران بالقوة".
غادرنا أيجمان وهي تستعد لجولة جديدة يعتقد البوسنيون بأنهم سيتمكنون خلالها من استعادة الاراضي التي خسروها، فيما يخطط الصرب للاستيلاء على ما بقي منها والذي يعتبر آخر ممر يصل بين ساراييفو ووسط البوسنة.
والى ان تبدأ المعركة مجدداً ستظل طاولات المفاوضات في نيويورك ولندن وجنيف حبلى بآمال السلام التي انتهى عهدها في البوسنة - الهرسك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.