السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    866 % نمو الامتياز التجاري خلال 3 سنوات.. والسياحة والمطاعم تتصدر الأنشطة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    تحت رعاية ولي العهد.. انطلاق أعمال المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار في الرياض    مدير المنتخب السعودي يستقيل من منصبه    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    مسرحية كبسة وكمونيه .. مواقف كوميدية تعكس العلاقة الطيبة بين السعودية والسودان    بحضور وزير الثقافة.. روائع الأوركسترا السعودية تتألق في طوكيو    وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    الأرصاد: انخفاض ملموس في درجات الحرارة على أجزاء من شمال ووسط المملكة    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    نهاية الطفرة الصينية !    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"يطلبون الموت اكثر مما يسعون الى النصر". "الوسط" تزور قواعد المجاهدين العرب في البوسنة وتحاور قائدهم وتروي قصتهم الحقيقية
نشر في الحياة يوم 12 - 10 - 1992

من هو هذا المقاتل ذو اللحية الطويلة المصبوغة بالحناء الحمراء الذي يقود مجموعة كبيرة من المجاهدين العرب والمسلمين دفاعاً عن بلد اسمه البوسنة والهرسك، لم يكن يسمع به الا القلائل قبل اشهر قليلة؟ من هم هؤلاء المقاتلون الذين جاؤوا من دول عربية وإسلامية عدة لمساندة اخوانهم المسلمين في البوسنة والهرسك ومقاتلة القوات الصربية التي تخوض حرباً وحشية ضدهم بهدف انهاء جمهورية البوسنة والهرسك؟ هل اصبحت معركة البوسنة، بالنسبة الى هؤلاء المجاهدين، هي "البديل" عن معركة افغانستان التي انتهت بتسلم المجاهدين السلطة في كابول؟ هل صحيح ان عدد هؤلاء المجاهدين العرب والمسلمين يتجاوز خمسة آلاف مقاتل وانهم منتشرون في جبال ومدن البوسنة؟ هل صحيح انهم يتدربون في معسكرات سرية؟ هل صحيح انهم يلعبون دوراً اساسياً دفاعاً عن أهل البوسنة واستقلال هذه الجمهورية؟ وهل صحيح انهم يريدون المساهمة في اقامة دولة اسلامية في البوسنة؟
موفد "الوسط" الخاص ماهر عبدالله الى ترافنيك، احدى مدن البوسنة يروي في هذا التحقيق الخاص المفصل القصة الحقىقية لهؤلاء المجاهدين ولقائدهم ذي اللحية الطويلة المصبوغة بالحناء الحمراء، من خلال لقاءات مع هذا القائد ومع مجموعة كبيرة من المقاتلين العرب والمسلمين.
القائد ذو اللحية الطويلة اسمه ابو عبدالعزيز وهو من مواطني احدى الدول العربية البارزة وسبق له ان قاتل في افغانستان وكشمير. وهو قائد المجاهدين العرب والمسلمين في البوسنة. اما مدينة ترافنيك فهي مقر قيادة هؤلاء المجاهدين. ولنبدأ من البداية.
بعد انتهاء الحرب في افغانستان وتحولها من حرب ضد القوات الشيوعية الى حرب داخلية شعر بعض العرب الذين شاركوا طويلاًً في القتال هناك بأن دورهم انتهى، وبدأ "الفراغ" يدبّ الى حياتهم، فجاءت الحرب الدائرة في البوسنة لتقدم لهم الفرصة لملء هذا الفراغ ولمواصلة "مشروعهم الجهادي". وزاد من حماسهم ما تناقلته وسائل الاعلام عن عمليات البطش والتقتيل التي قامت بها القوات الصربية ضد مسلمي البوسنة والهرسك، وكان واضحاً لهم منذ بداية الحرب ضعف البوسنيين وقلة استعدادهم للقتال، فقررت مجموعة منهم ترك الساحة الافغانية والتوجه الى البوسنة للمشاركة في ما يصرون على تسميته بپ"الدفاع عن مسلمي البوسنة". وهذا الاصرار على الطابع "الدفاعي" لمهمتهم والغرض من مجيئهم يبدو واضحاً لكل من يتكلم معهم، سواء كان الكلام مع قياداتهم أو مع الافراد. وهم حتى الآن يتجاوبون بشكل ايجابي مع الصحافيين الا في موضوع التصوير اذ انهم يعارضون حتى تصوير الشهداء والجرحى، وهم يلاحظون تركيز الاعلام الغربي على تصويرهم ولذا فهم يقومون بإتلاف افلام يظنون انه قام بتصويرها. وقد جلست مع احدهم في احد مقاهي مدينة ترافنيك فلاحظت مصوراً اجنبياً، كنت التقيته في مقر قيادة القوات البوسنية المسلمة، ينظر تجاهنا بنظرات ملؤها العنف، فسألت جليسي عن سبب حنقه فأخرج من جيبه فيلماً فوتوغرافياً وقال: "انني انتزعته منه لأنه صورني بعد عملية ترصد دامت اكثر من نصف ساعة".
بدأ توافد المجاهدين العرب على البوسنة في النصف الثاني من شهر ايار مايو الماضي حيث قدمت في البداية مجموعات صغيرة لاستكشاف المنطقة ومعرفة امكانية المساهمة في عمليات القتال، وقد وصلوا أولاً الى زغرب - عاصمة كرواتيا - حيث مكثوا فيها اياماً اجروا خلالها بعض الاتصالات مع العرب الموجودين أصلاً في المدينة ومع بعض السياسيين البوسنيين، وكانت وجهة النظر السائدة في ذلك الوقت ان البوسنيين ليسوا بحاجة الى الرجال بل هم بحاجة فقط الى المال والسلاح. ولكن يبدو ان هؤلاء "المجاهدين" كانوا يرون غير هذا الرأي فأوعزوا الى اتباعهم بالمجيء وقد ساعدهم في تحقيق غرضهم سهولة الدخول الى كرواتيا وضعف سيطرة الحكومتين الكرواتية والبوسنية على مناطق القتال، وقد تنبهت السلطات الكرواتية لقضية الدخول عن طريق مطار زغرب فبدأت بالتشدد في ادخال العرب خصوصاً، وبالفعل قامت بتسفير اكثر من عشرين عربياً يومي 28 و29 ايلول سبتمبر الماضي دون ابداء اسباب وذلك بعد احتجازهم في المطار ومنعهم من دخول البلاد.
ماذا يقول ابو عبدالعزيز
بعد الاستراحة في زغرب تتوجه الغالبية العظمى من المجاهدين الى مدينة سبليت على الساحل الكرواتي وأغلب هؤلاء يسافرون بالطائرة وعدد قليل منهم يسافر براً نظراً الى قلة عدد الرحلات بين زغرب وسبليت وكثرة المسافرين على هذا الخط، والرحلة البرية شاقة وتستغرق اكثر من عشر ساعات بسبب الطبيعة الجبلية للبلد.
في سبليت يدخل المتطوعون الى المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات البوسنية في قلب البوسنة براً وتعتبر مدينة ترافنيك نقطة تجمعهم داخل البوسنة حيث يتوزعون منها على مركزين مهمين يعتبران مقرين قياديين: الأول في قرية قريبة في مدينة ترافنيك نفسها والثاني في بلدة تيشن اوتيشني التي تبعد عنها حوالي 50 كيلومتراً. وتيشن تبعد عن نقطة التماس مع القوات الصربية حوالي أربعة كيلومترات. ويقع المركزان ضمن منطقة عسكرية تابعة لوحدة منضوية تحت لواء الجيش البوسنوي وتطلق على نفسها "قوات المسلمين" ويرأسها رجل بوسنوي اسمه محمود كارالتش. ويقع مقر قيادة "القوات المسلمة" في مدينة زينيتسا التي تقع الى الشمال من العاصمة ساراييفو وتتميز هذه الوحدة عن بقية وحدات الجيش البوسنوي بحرصها على تجنيد المسلمين المتمسكين بالشعائر الاسلامية، وهذا ما جعل المجاهدين العرب في المنطقة يختارون التعاون معها. ومن خلالها يتصلون بقيادة الجيش البوسنوي. وقد طلبت هذه الوحدة من المجاهدين العرب تزويدها بعدد من المدربين و"الدعاة" لتقديم الثقافة الاسلامية التي تفتقر اليها غالبية الجنود البوسنويين.
هناك حالياً عشرون مدرباً وواعظاً من المجاهدين العرب مع هذه الوحدات. ومن اوجه التعاون ايضاً قيام الشباب العربي بتسليم ما يقع في ايديهم من الاسرى للقوات المسلمة. ولكن التعاون العربي لا يقتصر على القوات المسلمة، بل هو في الأساس مع الجيش البوسنوي الذي يضم عدداً كبيراً من الكروات في المنطقة. وقد سبق للمجموعة العربية في بلدة تيشن ان اشتركت في عمليات مشتركة مع هؤلاء وبناء على تعليمات وردتها من قيادة الجيش. ويقول احد قادة المجاهدين العرب هناك ان ذلك لا يزعجه لأن هدفه الأساسي هو الدفاع عن مسلمي البوسنة، وأضاف انهم يقاتلون تحت امرة الجيش البوسنوي، وعليه فانهم ينفذون العمليات المشتركة التي تطلب منهم من دون ان يسألوا عن "ديانة" المقاتلين الآخرين. ومع ذلك يحرص المجاهدون العرب على الطابع "الدعوي" لمهمتهم. قال لنا أبو عبدالعزيز قائد مجموعة المجاهدين المتمركزين بالقرب من ترافنيك: "في افغانستان كانت مهمتنا قتالية جهادية بالمرتبة الأولى، اما هنا فان نصف جهدنا على الأقل يجب ان يتجه الى الدعوة لأن مسلمي البوسنة لا يفقهون في دينهم الكثير". وزائر القرية التي تتمركز فيها مجموعة أبو عبدالعزيز يجد تغييراً ملحوظاً جداً في سلوكيات اهلها، الامر الذي يؤكده سكان القرية. فقبل مجيء المجاهدين العرب - وهي تسمية يحتج عليها أبو عبدالعزيز لأنه يعتبرها غير دقيقة وغير منصفة، فصحيح ان غالبية المجاهدين هم من العرب الا ان فيهم غير العرب كالاتراك والاكراد، ويقول ان معه مقاتلين من اكثر من خمسة وعشرين بلداً عربياً وإسلامياً - كان ارتداء الحجاب مقصوراً على عدد محدود جداً من العجائز، اما اليوم فهو ظاهرة ملموسة في اوساط الفتيات اللواتي صرن يحضرن الى المسجد لاداء الصلاة وهو الامر الذي ينطبق على مدينة ترافنيك كذلك. يضاف الى ذلك ان عدد الذين يترددون على مسجد القرية يزيدون الآن على المئتين في حين انهم كانوا لا يصلون الى العشرة في احسن الاحوال. وأتباع أبو عبدالعزيز يفاخرون بهذا ويعدونه انجازاً وهو ما يؤكده نصرت أفندي امام احد مساجد مدينة ترافنيك والمنسق مع المجاهدين العرب لأنه يتحدث العربية جيداً. كما ان زائر القرية يلاحظ ايضاً ان وجه أبي عبدالعزيز المتميز بلحيته الطويلة المحناة صار مألوفاً لدى الجميع. فعندما يسير بسيارته في شوارع القرية يلوح له الصغار والكبار بأيديهم وبوجوه باشة. وعلى رغم الحاجز اللغوي الذي يفصل اهل القرية عن المجاهدين الا انهم يستجيبون لتعليماتهم بالاشارة. قال لنا أبو عبدالعزيز ان غالبية الفتيات ارتدين الحجاب عندما اشار لهن الشباب بأيديهم لتغطية الرأس والذراعين. وأضاف انهم عانوا من المشكلة نفسها في أول أمرهم في افغانستان لكنهم تغلبوا عليها بمرور الوقت. اما احمد كادلوفتش، قائد "القوات المسلمة" في مدينة ترافنيك فيقول بعربية لا بأس بها، ان وجود المجاهدين يرفع الروح المعنوية للشعب البوسنوي عموماً وللمقاتلين المسلمين خصوصاً "فمن خلال وجودهم ندرك معنى الاخوة الاسلامية، خصوصاً اننا عشنا حقبة طويلة من الزمن بعيدين عن اخواننا المسلمين. ان وجودهم معنا يعني اننا لسنا وحدنا". الحاجز اللغوي في البداية ليس مؤشر التشابه الوحيد بين وضع المجاهدين العرب في البوسنة مع وضعهم السابق في افغانستان، فاضافة الى كون الغالبية العظمى من العرب - وغيرهم من المسلمين الآخرين - خاضوا التجربة الافغانية فانهم يستخدمون نظام "بيوت الضيافة" وهي عبارة عن منازل يتم استئجارها لتكون محطات للراحة ونقاطاً للتجمع في المدن الرئيسية التي يمرون بها في طريقهم الى الجبهات. ويقول احد المراقبين العسكريين ممن شاركوا في القتال في افغانستان وشاهدهم على احدى جبهات البوسنة انهم يستخدمون الاسلوب نفسه في مهاجمة العدو. وهو يعتقد ان هذا الاسلوب وان نجح في افغانستان فانه لا ينجح في البوسنة لأنه يعتمد على التغطية النارية الكثيفة الامر الذي لا يتوفر هنا لقلة الذخيرة ونظراً الى طبيعة العدو الذي يعتمد كثيراً على القنص الفردي عن بعد تساعده في ذلك كثرة الغابات في مناطق التماس.
ولكن من يتحدث مع قادة المجاهدين العرب يلمس انهم يدركون وجود فروقات بين الساحة الافغانية والساحة البوسنية، سواء من حيث طبيعة المعركة او من حيث الغرض المقصود منها. فعن طبيعة المعركة والبلد يتحدثون عن الفرق بين صحارى افغانستان وغابات البوسنة، الفرق بين توفر السلاح والذخيرة بكميات هائلة في افغانستان وندرته في البوسنة، اما من حيث الهدف من وراء المعركة فانهم يصرحون بادراكهم بأن "اوروبية" البوسنة وموقعها الحساس في قلب اوروبا اضافة الى الضعف الواضح في الالتزام الديني عند مسلمي البلد يجعل من المطالبة بدولة اسلامية فيها امراً غير وارد. لهذا يقول احد قادتهم - وكان عائداً لتوه من عملية صد هجوم صربي على احد المواقع المسلمة في تيشن - ان هدفهم في هذه المرحلة ينحصر في مساعدة الجيش البوسنوي للدفاع عن مواقعه او لاسترداد مواقع كان خسرها، ومع هذا فقد شاركوا في هجمات لاخلاء بعض المواقع الاستراتيجية التي كانت تشكل تهديداً لبعض المواقع المسلمة.
خلال فترة وجودها على جبهات البوسنة قدمت المجموعات العربية حوالي ستة عشر شهيداً وعدداً كبيراً من الجرحى، جراح بعضهم خطيرة، وهؤلاء يتم ارجاعهم الى بلدانهم الاصلية. وفي نهاية الشهر الماضي جرت مفاوضات مع قوات الأمم المتحدة والصليب الاحمر الدولي لاخلاء ستة عشر جريحاً كانوا اصيبوا في منطقة تيشن. والسبب في عودة الجرحى الى بلدانهم انهم خلال مكوثهم في مستشفيات كرواتيا لا يجدون العناية الكافية نظراً الى كونهم لا يستطيعون التخاطب مع العاملين في هذه المستشفيات ويصعب توفير مترجمين على مدار الساعة.
"الموت اكثر من النصر"
يتميز المجاهدون العرب في البوسنة بالشجاعة، والخوف الوحيد الذي يصرحون به هو من حكومات بلدانهم لأنهم يعتقدون ان بعض الحكومات العربية تسيء فهمهم وتخشى ان يكون سبب مجيئهم هو التدرب على حمل السلاح وحرب العصابات ثم العودة للمشاركة في عمليات عسكرية ضد الانظمة الحاكمة. وهم حريصون على نفي أية صفة سياسية لوجودهم في البوسنة كما ينفون انتماءهم الى اي من الحركات الاسلامية العاملة في البلدان العربية. وتؤكد قياداتهم ان المتطوعين انما يأتون فرادى وبصفة شخصية بحتة. وعن احتمال قيام بعض اجهزة الامن العربية بادخال بعض عناصرها في صفوفهم قال لنا احد القادة: "هذا ممكن ولكن اكتشاف مثل هؤلاء سهل لأن قلة عددنا تعني ان الجميع سيضطر للمشاركة في عمليات القتال خلال ايام من قدومه الينا، وخطورة الوضع على الجبهة تجعل المستعدين للشهادة فقط هم الذين يقدمون، اما غيرهم فسيتردد وفي هذه الحالة سنطلب منه العودة من حيث اتى. اما اذا كان مستعداً للشهادة فمرحباً به اياً كانت الجهة التي ارسلته". وقد نقل عمن استشهدوا انهم كانوا قبل انطلاقهم يوصون الآخرين ان يدعو الله لهم بأن لا يعودوا، وهو ما يذكره اكثر من واحد عن ابو دجانة الذي قتل في منطقة ايجمان القريبة من ساراييفو. ومثل هذه المواقف هي التي تجعل البعض يتهم المجاهدين العرب "بأنهم حريصون على الموت اكثر من حرصهم على النصر". على رغم قلة عدد المجاهدين العرب - اذ يؤكد ابو عبدالعزيز ان عددهم لا يصل الى الألف رجل بأي حال من الاحوال - الا ان وجودهم اثار الكثير من الجدل خصوصاً في بعض الدول الغربية. والذي يزور جبهات القتال يجد ان الصحافيين الغربيين، وهم كثر، يركزون على الوجود العربي هناك اكثر من تركيزهم على اي جانب آخر من جوانب المعركة. ويذكر احد المقاتلين العرب في صفوف "القوات المسلمة" ان مصوراً تلفزيونياً غربياً طلب الاذن بتصوير بعض الجبهات مع هذه القوات وبعد عودته طلبوا رؤية الاشرطة التي صورها فوجدوا ان التركيز على "الوجوه العربية"، مبالغ فيه فقاموا بمصادرة الاشرطة وطلبوا منه مغادرة المنطقة فوراً. وهذه الاثارة التي احاطت بالعرب في البوسنة جعلت الدول الغربية تضغط على الحكومة الكرواتية للتشدد في ادخال العرب الى اراضيها، ونظراً الى حاجة البلاد للمعونة الغربية فقد استجابت لهذه الضغوط وقامت بترحيل مجموعة من العرب خلال شهر آب اغسطس الماضي مستغلة في ذلك شكلية قانونية وهي انهم لم يتسجلوا لدى الشرطة المحلية خلال 12 ساعة من دخولهم البلاد، كما انها قامت في نهاية الشهر الماضي بترحيل عشرين عربياً بعد ان احتجزت مجموعة منهم في مطار زغرب اكثر من ثلاثة ايام. وعبرت عن استيائها من قدوم المجاهدين العرب لدول عربية عدة. ويعلق أبو عبدالعزيز على هذا بقوله ان الوجود العربي "لا يهدد أمن كرواتيا وان مشاركة المجاهدين العرب لن تتوقف" وهو يتوقع قدوم المزيد منهم في الأيام والاسابيع القليلة المقبلة.
3 مجموعات
عندما جرت الألعاب الاولمبية الشتوية في يوغوسلافيا عام 1984 كانت البلاد موحدة، وفوق جبال ايجمان جرت العاب التزلج على الثلج حيث كان المتسابقون ينسابون منحدرين باتجاه مدينة ساراييفو. وما لم يكن يخطر ببال احد من السياسيين اليوغوسلاف او الرياضيين المشاركين في الدورة الاولمبية ان هذه المرتفعات ستشهد بعد سنوات قليلة تجمعاً يفتقد الى الكثير من الروح الرياضية التي تتميز بها الالعاب الاولمبية. ففي صيف عام 1992 كانت تنطلق من فوق هذه الجبال باتجاه ساراييفو آلاف القذائف بهدف احراق المدينة وتدمير معالمها الحضارية. ولم يكن احد ليتصور ان تأتي مجموعة من الشباب العرب لتساهم في "تحرير" هذه المرتفعات من الأيادي الصربية لتكون بذلك المرتفعات الوحيدة في الدائرة الجبلية المحيطة بساراييفو التي تقع تحت سيطرة القوات البوسنية المسلمة.
العرب المشاركون في الجبهات البوسنية ينقسمون الى ثلاث مجموعات متباينة يجمعها انها قدمت في الأساس لخدمة القضية البوسنية والمساهمة في القتال الدائر هناك. المجموعة الأولى هي مجموعة الشيخ ابو عبدالعزيز الذي سبق له ان قاتل في افغانستان لمدة ست سنوات اضافة الى مشاركته في القتال مع حركات اسلامية تقاتل من اجل استقلالها. ومن أبرز الساحات التي شارك فيها كشمير والفيليبين. وتعتبر مجموعته الأكثر عدداً وانتشاراً في الساحة البوسنية. قال لنا ابو عبدالعزيز ان اتباعه منتشرون "في طول البلاد وعرضها" ولكنه يرفض التصريح بعددهم الفعلي. وهو لا يحتفظ بقوائم بأسماء المجاهدين "خشية وقوعها في أيدي غير أمينة" ويعمل تحت امرته مجاهدون من خمسة وعشرين بلداً عربياً وإسلامياً ولهذا فهو يفضل استخدام تعبير "المجاهدين غير البوسنيين" على تعبير "المجاهدين العرب".
مقر قيادة أبو عبدالعزيز
في قرية ميهوريتشي القريبة من مدينة ترافنيك، مقر قيادة أبو عبدالعزيز يتم استقبال المجاهدين الجدد حيث يجري تدريبهم وإطلاعهم على الوضع العسكري في المنطقة. وذكر لنا أبو عبدالعزيز ان أي مقاتل، مهما كان قليل الخبرة، لا يستغرق اعداده اكثر من اسبوعين الى ثلاثة يصبح بعدها جاهزاً للمشاركة في العمليات القتالية. ولكن نظراً الى كون غالبية المجاهدين ممن شارك في القتال في افغانستان فان عملية اعدادهم لا تستغرق الكثير من الوقت ويتدرب معهم عدد من البوسنيين من اهالي المنطقة.
المجموعة الثانية تعمل تحت قيادة رجل سوري من التيار الاسلامي، فقد بعضاً من افراد عائلته في الاحداث التي شهدتها سورية. وهذه المجموعة اقل عدداً حيث صرح احد مسؤوليهم ان عدد الموجودين منهم حالياً يتراوح بين سبعين وثمانين شخصاً من جنسيات مختلفة ولكنها اكثر تنظيماً. وتتخذ هذه المجموعة من بلدة تيشن او تيشني مقراً لها وهي بلدة تبعد 4 كيلومترات عن خطوط التماس مع القوات الصربية، وقد شارك عدد من افرادها في الهجوم الذي أدى الى تحرير جبل ايجمان. وفي البداية لم يكن هناك تنسيق بين المجموعتين وذلك لعدم وجود ترتيب مسبق بينهما على الحضور الى الساحة البوسنية. وقد ادى غياب التنسيق في بعض الفترات الى ارتفاع اسعار الاسلحة، حيث ارتفع سعر الكلاشينكوف من 500 الى 800 مارك الماني. ولكن عندما جرى الاتصال بين المجموعتين حصل نوع من التنسيق خفف من التنافس على شراء الاسلحة فعاد ثمن قطعة السلاح الى متوسط سعرها الاصلي، وامتد التنسيق بعد ذلك ليشمل تبادل الزيارات بين المقاتلين. وتشترك المجموعتان في بعض المواصفات - اضافة الى كون عناصرهما من غير البوسنيين - من اهمها:
أولاً: التنسيق التام مع المقاتلين البوسنيين، خصوصاً مع "القوات المسلمة" المتمركزة في مدينة زينتسا. ومن اوجه هذا التنسيق القيام بعمليات مشتركة وشن الهجمات بناء على تعليمات البوسنيين وتسليم الاسرى الصرب للقيادة البوسنوية وتزويدها ببعض الاسلحة الخفيفة.
ثانياً: ان مجاهدي الطرفين متطوعون ولا يتلقون اية مبالغ مالية مقابل مشاركتهم، بل ان العديد منهم صرح بأنه اشترى سلاحه من ماله الخاص.
ثالثا: ان تسليحهما ذاتي، بمعنى انهما لا يتلقيان الدعم من البوسنيين، والذي يحصل في العادة هو العكس حيث يقدم المجاهدون العرب الملابس والاسلحة للبوسنيين. والمجموعتان تعتمدان حتى الآن على الاسلحة الفردية الخفىفة.
رابعاً: الحرص على "اسلامية" المتطوعين والاهتمام بالجانب "الدعوي" في اوساط المقاتلين البوسنيين المسلمين.
وترفض المجموعتان الحديث عن كيفية تمويل العمليات، ويكتفون بالقول بأنهم يتلقون الدعم من بعض رجال العرب المهتمين بالقضايا الاسلامية.
اما المجموعة الثالثة فهي مجموعة صغيرة جداً من "الاشباح" المعنيين خصوصاً بشراء السلاح وتسليمه للمقاتلين او تمويل بعض صفقات السلاح الصغيرة التي تعقدها هذه المجموعة او تلك من المقاتلين. وكان هؤلاء في البداية يتعاملون مع البوسنيين مباشرة، خصوصاً ان طبيعة المعركة تفرض وجود تجمعات من المقاتلين في مناطق مختلفة لا تنسق بالضرورة مع بعضها وأغلبها تجمعات من المتطوعين غير ذوي الخبرة لا في مجال القتال ولا في مجال شراء الاسلحة. ومع قدوم المجاهدين العرب فانهم يفضلون الآن التعامل معهم ومن خلالهم مع البوسنيين وان كانوا لا يقصرون عملهم على هذا الطريق. وتشتري هذه المجموعة السلاح من داخل وخارج البوسنة وكرواتيا وكانت من قبل تتعامل مع ضابط كرواتي يورد لها الاسلحة ولكنه قتل قبل اسبوعين في زغرب.
وبالاضافة الى هذه المجموعات هناك بعض الافراد العرب والبوسنيين الذين يعملون بشكل فردي في تجارة الاسلحة وبيعها للمجاهدين العرب مستغلين في ذلك انفلات الوضع الامني في البوسنة والهرسك وكرواتيا.
ويمكن القول ان اكثر من 90 في المئة من المجاهدين العرب والمسلمين في البوسنة قاتلوا في افغانستان، ومن بين الدول التي يأتون منها: الجزائر وسورية والسودان وبعض دول الخليج والاردن وفلسطين وايران وتركيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.