* طهران استغلت مذكرة تفاهم مع الشارقة لالغاء الهوية العربية لجزيرة أبو موسى * دور غامض لبريطانيا في المفاوضات والشاه يحتكم الى خريطة ملغية ! في سجل تاريخ منطقة الخليج الكثير من موجات الهجرة بين ساحلي الخليج، ولعل أهمها تلك التي رافقت الفتوحات الاسلامية نحو الساحل الشرقي، حتى ان الساحل الايراني على الخليج تحول منذ ذلك التاريخ عربياً بسكانه وثقافته، ما ساهم في تقوية الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين سكان ضفتيه. وأحدث سقوط الدولة الصفوية في ايران عام 1722 فوضى داخلية ضيعت نفوذ الحكومة الايرانية المركزية وتركت فراغاً سياسياً على الساحل الايراني في الخليج ما ساهم بقيام هجرات عربية واسعة من عرب الخليج نحو هذه الشواطئ لظروف عاشتها شبه الجزيرة العربية. وقد عاشت هذه القبائل العربية في عزلة تامة عن باقي مناطق الهضبة الايرانية العالية لأسباب مذهبية أساساً فقد كانت هذه القبائل من السنة في حين يعتنق السكان الايرانيون المذهب الشيعي. ويسجل أول وصف حي للقرى العربية فوق هذا الشاطئ على لسان الرحالة الألماني نيبور الذي زار المنطقة عام 1765 وتقاسم السلطة يومها المطاريش وهم قبيلة عربية معروفة استقرت في بوشهر، والقواسم وهم سادة لنجة حاضرة العرب وعاصمتهم على الساحل الشرقي للخليج. ثم جاء بعده لوريمر البريطاني ليفصل أكثر واقع القرى العربية هناك والقبائل ومناطق نفوذها على الشكل الآتي: القواسم: في لنجة ودوان وبستانة وشيغوه. بني حماد: في نخيلوه ومقام ومرباغ قلعة وجزيرة الشيخ شعيب. آل علي: في شارك وجزيرة قيس. عبيدلي: في شبكوه وشيروه وجزيرة هندرابي. مرازيق: في موغوه وبستانة وجزيرة فارور. النصور: في طاهري وكنجون. الحرم: في عسياوه وناباند. البوفلاسة: في جزيرة هنجام. البوسميط: في بندر لنجة. بني معين: في جزيرة الجسم. وأثناء حكم أسرة قاجار في طهران بين 1796 و1921، قامت إيران بمحاولات كثيرة لطرد العرب من مناطق نفوذهم فقلصت من نفوذ أصدقائهم وعلى رأسهم الشيخ خزعل رئيس قبيلة بني كعب عام 1924 على يد رضا شاه مع بدايات تسلمه السلطة. وكان خزعل يسيطر على منطقة عربستان بأسرها عربستان تعني أرض العرب. ويعود تاريخ أول احتكاك صدامي ين الحكومة الايرانية وعرب الشاطئ الشرقي من الخليج الى النصف الثاني من القرن الثامن عشر عندما وصل الى لنجة حاكم بندر عباس شاه زاده محمد مرتضى الذي جاءها للتوسط في خلافات قبلية فتقرر فرض ضريبة مقدارها 190 ألف تومان تدفع للحكومة في طهران ما تسبب في ضيق كبير للعرب من التجار والشيوخ وقلل من استقلالهم فبدأوا بالعودة الى الساحل الآخر الغربي. وفي العام 1899 أعلن سقوط امارة القواسم في لنجة، لتبدأ سلطة الحكومة المركزية الايرانية على الساحل الشرقي للخليج، وليبدأ نزاع آخر في أمكنة أخرى هي جزر الخليج التي انكفأ اليها العرب من القبائل المذكورة. وكانت أولى المواجهات في الجزر مع قبيلة البوفلاسة في جزيرة هنجام الاستراتيجية. فقد حاولت ايران فرض ضرائب على وارداتها عام 1904 وارسلت لتنفيذ غرضها قوات من الجنوب الايراني، فطلب سكانها العون والحماية من سلطان مسقطوعمان، إلا أن هذا لم يردع الحكومة الايرانية فقررت اقامة دار للجمارك في الجزيرة جبت الضرائب بالقوة. الى ان اندلعت الحرب العالمية الأولى فتبدلت ظروف كثيرة وسقطت الجزر بمعظمها في أيدي الايرانيين ومنها صري وفارور وحسم وغيرها. أسباب الصراع على الجزر كانت قضية السيادة على جزر صرى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى سبب النزاع الرئيسي بين الامارات المتصالحة قبل الاتحاد وايران، وقد اتضحت معالم هذا الصراع أواخر القرن الماضي. وتقع هذه الجزر جميعها على مدخل الخليج. وتشكل، على رغم صغر مساحتها مواقع استراتيجية بالغة الأهمية لأسباب منها: اولا - يقع الممر الملاحي الأكثر عمقاً في الخليج بين هذه الجزر والساحل الايراني. ثانيا - استخدام هذه الجزر موانئ وملاجئ للسفن عندما يكون البحر عاصفاً. علماً ان الشيوخ القواسم استخدموها مشتى لأسرهم ومراعي لحيواناتهم أثناء فصل الربيع. وفي المراجع والمصادر ان ملكية الجزر تقاسمها فرعا القواسم ابناء العمومة وحددت تبعيتها عام 1835 في رسالة ارسلها الشيخ سلطان بن صقر القاسمي حاكم رأس الخيمة الى الكولونيل البريطاني بيلي يوضح فيها ما اتفق عليه بقوله ان: طنب الكبرى وطنب الصغرى وصرى وهنجام قد تم الاتفاق بخصوصها كذلك صير بونعير وفارور. وتم تقاسمها بين أبناء العمومة من القواسم وتأتي أول اشارة بريطانية رسمية الى ملكية الجزر من "مرشد الخليج الفارسي" عام 1870 وتذكر هذه النشرة ان جزر صرى وطنب نابير أي الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى تتبع شيخ القواسم، وقد اقرت الوثائق المحفوظة والمراسلات الرسمية المتداولة في ذلك الوقت ان الشيخ حميد بن عبدالله القاسمي حاكم رأس الخيمة بين عامي 1869 و1900 كان صاحب السيادة على طنب، لكن الوكيل السياسي البريطاني في الشارقة يومها أراد انتهاز فرصة حدوث خلافات بين أبناء العمومة من القواسم في لنجة وساحل عمان حدث ذلك في عز المواجهات البحرية بين البريطانيين والقواسم الرافضين الهيمنة البحرية البريطانية في المنطقة فاعترف ومعه مساعده الضابط فريزر بملكية قواسم لنجة لكل من طنب الكبرى وصرى وفارور. وتتابعت الأحداث، ففي 1875 طلب المقيم السياسي ممثل بريطانيا روس من الوكيل السياسي حاجي عبدالرحمن في الشارقة دراسة أمر ملكية هذه الجزر إثر نزول رجال مسلحين من الشحوح وغيرهم في جزيرة أبو موسى بايعاز من الشيخ سالم بن سلطان القاسمي، وكثرت التعديات وعمليات الشد واللين بتحريض من الطرفين الايراني والبريطاني الى ان اتفق القواسم في ما بينهم وأعيدت طنب الى قواسم رأس الخيمة. خريطة ايران البريطانية ومرة أخرى كانت للبريطانيين يد في إثارة النزاع على الجزر مجدداً. كيف؟ في الوقت الذي عرف المقيم السياسي البريطاني كذلك الوكيل المعتمد ما اتفق عليه القواسم وشرعيتهم في الجزر المذكورة كانت هناك دوائر بريطانية أخرى لا تزال تعتمد فكرة أساسها ان طنب وأبو موسى وصرى تابعة لقواسم لنجة الذين تحولوا الى موظفين ايرانيين بعد استيلاء يوسف بن محمد عام 1870 على الحكم في لنجة. وعندما أعد فرع الاستخبارات التابع لوزارة الحربية البريطانية خريطة لايران عام 1886 ظهرت هذه الجزر الثلاث وقد لونت بلون الأراضي الايرانية نفسها، وقد وضعت هذه الخريطة الديبلوماسية البريطانية في موقف حرج في ما بعد اثر وصول نسخ منها الى الحكومة الايرانية. وكانت هذه الخريطة موضع جدل ساخن وقال البريطانيون انهم وضعوها لاغراض حربية فقط! الشاه يستند الى الخريطة في 19 نيسان ابريل 1888 أبلغ سير دراموند وولف الوزير المفوض البريطاني في طهران وزير الخارجية الماركيز سالزبري ان روس قد اكتشف مؤامرة دبرها رئيس الوزراء الايراني أمين السلطان لزيادة النفوذ الروسي في الخليج وذلك الى حد التنازل عن احدى الجزر لروسيا لتتخذها محطة فحم. وفي 20 تموز يوليو من العام نفسه اجابت الحكومة الايرانية في ردها على مذكرات الاستفسار البريطانية ان شيوخ لنجة من القواسم كانوا حكاماً ايرانيين وأصحاب سيادة على صرى وغيرها، ولذلك فليست هناك حاجة تدعو الى تقديم دليل على ان الجزيرة ايرانية!! وفي مناقشة خاصة بالحدود الايرانية قدم الوزير المفوض البريطاني في طهران، بتعليمات من المركيز سالزبري، نسخة من الخريطة التي أعدتها وزارة الحربية وقد علق الشاه فوراً عندما رأى الخريطة كيف ان جزر طنب وصرى تعتبر أراضي ايرانية بشهادة البريطانيين! واعتذر دراموند وولف في ما بعد عن تقديم هذه الخريطة الى شيوخ الساحل العربي والتي أتت بنتائج سيئة لم تكن متوقعة بالنسبة الى قضية الجزر. وقد رأت الخارجية البريطانية يومها ان تغض الطرف عن هذه المسألة تماماً لانهاء مفاوضاتها مع الشاه في خصوص الحدود الافغانية - الايرانية. ولخص تشرشل الأمر يومها في رسالة تسحب يد بريطانيا تماماً من موضوع النزاع على الجزر وقرارها بعدم التدخل فيه! وفي ظل تقهقر سلطة القواسم في لنجة وتراجعهم نحو الجزر وقع حادث مهم في نهاية آذار مارس 1904 وهو وصول كبار التجار من الساحل الايراني بصحبة عائلاتهم الى الجزيرة بقصد تحويلها الى ميناء يحل مكان لنجة على المستوى التجاري. وفي العاشر من آذار رفع علم الشارقة فوق الجزيرة مجدداً وكذلك فوق جزيرة طنب. وحدث ما توقعه الجميع اذ قدمت مجموعة من رجال الجمارك الايرانية في نهاية آذار 1904 الى جزيرتي أبو موسى وطنب وأزالت الاعلام العربية ورفعت العلم الايراني وأقامت عدداً من الحراس. واتهمت بريطانيا يومها السفارة الروسية بأنها وراء الخطوة الايرانية. ثم تراجعت طهران وسحبت اعلامها وحرسها بعد مشاورات صعبة قادها اللورد كيرزون. الا ان صرى كانت أصبحت في أيدي الايرانيين باعتبار ان العرب لم يطالبوا بها لزمن طويل! قصة الفنارة أو المنارة في طنب الكبرى مع بداية 1912 قررت السلطات البريطانية في الخليج انشاء فنارة فوق جزيرة طنب الكبرى وبعد موافقة السلطات في لندن بالاتفاق مع الشيخ صقر بن خالد باعتباره حاكم رأس الخيمة وسيد الجزيرة. وفي 15 تموز يوليو 1913 بدأ استخدام الفنارة للمرة الأولى. وفي 1921 اعترفت حكومة الهند باستقلال رأس الخيمة واعتبرت جزيرة طنب ضمن أملاكها بينما احتفظت الشارقة بجزيرة أبو موسى. ومنحت شركة بريطانية امتيازاً للحفر واستخراج المغر معدن أحمر كان له استخدامات عدة أبرزها صباغة الصوف وصنع الدهانات واحتجت إيران على الأمر لأنه يؤثر في عمل مناجم وعمليات تنقيب في هرمز، وحرّضها أحد المستفيدين الايرانيين على عرض مطالبها في طنب وأبو موسى وغيرهما على عصبة الأمم. وفي خريف 1925 ارسلت طهران زورقاً بخارياً مسلحاً الى جزيرة أبو موسى لتفتيش مناجم المغر فيها والهدف من هذا الضغط في أبو موسى هو طنب الكبرى التي اعتبرتها إيران موقعاً حيوياً وأساساً لها على الخليج لقربها من السواحل الايرانية. وفي العام نفسه اقترح تيمورتاش وزير البلاط الايراني في ذلك الوقت تخلي بلاده عن مطالبها في أبو موسى وغيرها في مقابل استئجار طنب الكبرى وتملك ايران المنارة المقامة عليها. ووافق كلايف ممثل بريطانيا في المفاوضات على الأمر شرط إبقاء ملكية الفنار للبريطانيين الذين بنوه! وعندما عرض اقتراح التأجير على شيخ رأس الخيمة رفض المبدأ رفضاً قاطعاً، على رغم الكساد الذي كانت تعيشه امارته في ذلك الوقت، ورفض أيضاً فكرة البيع وهو خيار آخر اقترحه المفاوضون. وكان أمر بيع طنب أو تأجيرها سبباً في تأخر المفاوضات البريطانية - الايرانية لمدة عام كامل. واستؤنفت عام 1932 فالتقى كلايف وتيمورتاش مجدداً لمتابعة المفاوضات. وعرض المفاوض الايراني ثانية تأجير الجزيرة طنب الكبرى لمدة خمسين عاماً قائلاً ان بلاده ستسمح لشيخ رأس الخيمة بإبقاء حراسه فيها وسيعفى من الرسوم الجمركية. فارسل المفاوض البريطاني توصية الى حكومته يقول فيها انه في الامكان تقديم العون لا بل الضغط على الطرف العربي لأن فيه مصلحة لبريطانيا خصوصاً اذا ربط تأجير طنب بموافقة ايران على تأجير جزيرة هنجام للحكومة البريطانية! شروط تعجيزية ولم يكن أمام شيخ رأس الخيمة حيال الضغوط الكبيرة الا ان يضع شروطاً تعجيزية لمنع تأجير الجزيرة وهي: 1- يستمر علمه مرفوعاً ويبقى ممثله هناك. 2- لا يتدخل أحد في شؤون رعاياه من دون الرجوع اليه. 3- يجب الا تزور السفن الايرانية الجمركية مياه ساحل عمان لتفتيش السفن العربية، كما يجب ألا تسيىء هذه السفن الى جيرانه من الشيوخ. 4- يجب تسليم الغواصين الفارين الذين عليهم ديون. 5- يدفع الايجار السنوي مقدماً. 6- يقام صاري العلم الايراني فوق المبنى وليس فوق الأرض. 7- تقوم الحكومة البريطانية على تنفيذ هذه الشروط. وعلى رغم اصرار بريطانيا على ان تجري مفاوضات تأجير طنب عن طريق ديبلوماسييها فإن ايران أرادت الاتصال المباشر مع شيخ رأس الخيمة، إلا أنها كانت اتصالات بلا جدوى الى ان ارسلت ايران زورقاً مسلحاً أواخر 1934 وعلى متنه بعض موظفي الجمارك الذين سألوا ممثل حاكم رأس الخيمة في الجزيرة عن مقدار المبالغ التي يتقاضاها في مقابل عمله. وحاولوا رشوته لرفع العلم الايراني فرفض الخيانة... لكنهم ارسلوا اليه ثانية أربعة رجال هم حاكم بندر عباس ورئيس الشرطة ومدير الجمارك فيها ومترجم من جزيرة جسم. ومنعوا من زيارة الفنارة على رغم العروض المغرية التي قدموها الى ممثل الحاكم. وجرت محاولة ثالثة بطرق ملتوية عندما اتصل حاكم بندر عباس بمواطن مقيم في الجزيرة وطلب منه ارسال خطاب رسمي الى الحكومة الايرانية يستدعيها الى الجزيرة! وكذلك رفض الطلب الايراني. وكان اندلاع الحرب العالمية الثانية سبباً كافياً لطي ملف هذه القضية الى ان اثير مجدداً عام 1970 عندما قرر البريطانيون الانسحاب من الخليج. تسارع الأحداث وتقاسم النفوذ توالت الأحداث بالنسبة الى الجزر الثلاث بعد كانون الثاني يناير 1968 عندما أعلنت بريطانيا عزمها على الانسحاب من المنطقة. وأصبح التعاون البريطاني - الايراني يمثل حجر الزاوية في السياسة البريطانية لأمن الخليج وضمان التجارة العالمية في المنطقة. في هذا الوقت بناء على اقتراح من الولاياتالمتحدةوبريطانيا اعلنت ايران تأييدها التعاون مع العرب في صورة حلف خليجي هاجمته القاهرة وبغداد ودمشق وموسكو باعتباره حلفا غربيا، واستقبلته الامارات السبع بفتور ظاهر لأسباب عدة أهمها الاشكالات التي وقعت حينذاك بين ايران وبعض دول الخليج العربية. وفي 1970 لجأت ايران الى اسلوب آخر للالتفاف على موضوع الجزر، وقررت تقديم عون مادي الى امارتي الشارقة ورأس الخيمة. وهددت في الوقت نفسه باتخاذ اجراءات صارمة ضد شركة اوكسيدنتال التابعة للشارقة اذا لم توقف عملياتها البترولية في مياه ابو موسى، اذ كان اكتشاف النفط بكميات كبيرة عاملاً أساسياً في التصعيد الايراني، ولسوء حظ الامارات كانت بريطانيا مستعدة لغض الطرف عن تهديدات طهران في خصوص أبو موسى. وهكذا تم الايعاز الى شركة "اوكسيدنتال" بأن توقف عملياتها في الجزيرة. ورفضت الدول العربية والامارات الربط بين استقلال البحرين وقضية الجزر، وأعد الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة يومها عام 1971 دراسة تاريخية قانونية عن الجزيرة تدعمها الوثائق والأساند القانونية لتقديمها الى التحكيم الدولي ارسلت نسخاً منها الى جميع القادة العرب والى الجامعة العربية أيضاً. واثناء المفاوضات رفض حاكما رأس الخيمة والشارقة المزاعم الايرانية وطالبا ببيان ايراني يؤكد سيادة الامارات على الجزر، وانتهى الامر الى حل سلمي حول ابو موسى لم يعترف فيه أي من الطرفين بسيادة الطرف الآخر على الجزيرة. ولكن بمقتضى هذا الاتفاق تدفع ايران 3.75 مليون دولار كمعونة لامارة الشارقة راجع نص الاتفاقية في مكان آخر لبضع سنوات. اما الشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة فلم يوقع هذا الاتفاق. وفي الساعات التي سبقت اعلان اتمام انسحاب البريطانيين وتحديداً في 30 تشرين الثاني نوفمبر من العام 1971 دخلت القوات الايرانية جزيرة أبو موسى واحتلت نصفها، وهاجمت جزيرتي طنب واستولت عليهما بالقوة. وبعد يومين من اعلان اتحاد الامارات صدر بيان عبر فيه الحكام عن غضبهم واسفهم الشديد حيال اسلوب العنف والقوة الذي استخدمته ايران. وفي 9 كانون الاول ديسمبر اعلن مندوب الامارات في مجلس الامن احتجاج بلاده، فارجأ المجلس البحث في الموضوع لاعطاء الديبلوماسية الهادئة فرصة. لكن الدول العربية قدمت في 1972 مجتمعة مبادرة الى مجلس الامن تؤكد فيها عروبة الجزر وانها جزء لا يتجزأ من الامارات العربية المتحدة. هكذا نشأ فتور كبير بين الشاه ودول الخليج العربية التي رأت الانتظار لاثارة هذه القضية ومناقشتها مرة اخرى مع ايران. وبعد رحيل الشاه محمد رضا بهلوي ونجاح الثورة الاسلامية عام 1979 كان من الطبيعي ان تتغير خطوط السياسة الايرانية الخارجية. وتفاءل الاماراتيون بالتصريحات الايجابية للمسؤولين في طهران والتي اكدت اسقاط نظرية التوسع والهيمنة التي انتهجها الشاه. ثم كانت الزيارة المفاجئة لآية الله خلخالي للامارات، وهو رئيس المحاكم الثورية في طهران يومي 28 و29 ايار مايو 1979 ومقابلته المسؤولين فيها. ويومها اعلن ان الخليج ليس عربياً او فارسياً بل اسلامي، ولدى عودته الى طهران نفت الحكومة الايرانية الصفة الرسمية عن كلام خلخالي. وهكذا ظهر التشدد الايراني ثانية في مسألة الجزر على لسان كريم سنجابي وزير الخارجية السابق الذي قال "ان انسحاب ايران من الجزر الثلاث التي تتحكم بمدخل الخليج امر ليس للمناقشة، وان هذه الجزر ايرانية"، ثم تلاه تصريح للرئيس الايراني السابق ابو الحسن بني صدر في 23 آذار مارس 1980 الى مجلة "النهار العربي والدولي". قال فيه "ان ايران لن تعيد الجزر الثلاث ما دامت الولاياتالمتحدة تعزز وجودها في المنطقة". وفي تصريح آخر من نفس العام قال بني صدر انه يخشى ان يسلم الجزر "فتستخدمها الولاياتالمتحدة قواعد للعدوان ضد بلاده". وعندما زار قطب زاده وزير الخارجية الايرانية السابق الكويت وأبو ظبي عام 1980، وقال بديبلوماسية "ان هذه الجزر وغيرها اراضٍ اسلامية وان ايران لا تمارس قومية عدوانية عليها، وان لا داعي للبحث في الاصول التاريخية لهذه القضية لمنع الخلافات بين الاشقاء". وانهى تصريحه بأن كل اراضي الاسلام تخص كل المسلمين. وانتظر عرب الخليج كثيراً تحسن الفرص للتفاهم مع الجمهورية الاسلامية، الا ان صراع القوى داخل الثورة في طهران اعاد قضية الجزر الى الواجهة. * جميع الوثائق والمستندات الخاصة بالجزر محفوظة لدى مركز الوثائق في أبو ظبي ونشر بعضها في كتاب: "دولة الامارات وجيرانها" للدكتور محمد مرسي عبدالله.