- فارس ناصر - كانت قضية جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى من أبرز التحديات التي واجهت قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أبصرت النور بعد إعلان حكام الإمارات المتصالحة الست، أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، في 2 ديسمبر 1971، عن اتحاد هذه الإمارات، وانتخاب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيسا للدولة، قبل أن تنضم إلى هذا الاتحاد إمارة رأس الخيمة في فبراير 1972. فقبل يومين فقط من إعلان الاتحاد ويوم واحد من سحب بريطانيا قواتها من الخليج العربي، وتحديدا في 30 نوفمبر 1971، اجتاحت قوة عسكرية إيرانية جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى في الخليج اللتين كانتا خاضعتين لإمارة رأس الخيمة، واستولت عليهما رغم المقاومة العنيفة التي قامت بها عناصر شرطة رأس الخيمة المتمركزة في طنب الكبرى. الأحداث التي سبقت الاحتلال جاء الاحتلال الإيراني بعد إصرار حاكم رأس الخيمة في ذلك الوقت، الشيخ صقر بن محمد القاسمي، على عدم التنازل عن سيادة الجزيرتين رغم سياسة الترهيب والترغيب التي انتهجها شاه إيران محمد رضا بهلوي في هذه القضية، وترافقت تهديداته باحتلال طنب الكبرى والصغرى بالقوة، مع عروض بالتعويض المادي مقابل التخلي عن الجزيرتين. وسبق هذا الاجتياح العسكري للجزيرتين إعلان حاكم إمارة الشارقة حينها، الشيخ خالد بن محمد القاسمي، في 29 نوفمبر من العام نفسه، التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الإيرانية بشأن جزيرة أبوموسى التابعة للشارقة يقضي بتقاسم السيادة على الجزيرة بين الطرفين، قبل أن تعمد إيران إلى انتهاك هذه الاتفاقية عبر تعديها على القسم الخاص بالشارقة من الجزيرة، خاصة عام 1992 عندما رفضت دخول عدد من سكان أبوموسى وبينهم الحاكم الذي عينته الشارقة على الجزيرة. يشار إلى أن هذا الاتفاق أثار استياء كبيرا بين مواطني دولة الإمارات خاصة بعدما "قابل وفد من الشارقة يرأسه نائب الحاكم، الشيخ صقر بن محمد القاسمي في 1 ديسمبر 1971 الوفد الإيراني الذي نزل على الجزيرة (أبوموسى)"، حيث خرجت مظاهرات في الشارقة وسائر الإمارات منددة بذلك الموقف، كما أصيب الشيخ صقر بجروح إثر تعرضه لإطلاق نار أمام منزله بعد عودته إلى الإمارة، كما يروي حاكم الشارقة الحالي، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، في كتابه "سرد الذات". وجاء هذا الاتفاق حلا وسطا لتسوية النزاع، خاصة أن حاكم الشارقة رفض قبلها اقتراحا من شاه إيران نقله المبعوث البريطاني وليام لوس، يقضي بتنازل الشارقة عن السيادة على أبو موسى مقابل تعويضات مالية. وأمام تهديدات إيران باحتلال الجزيرة وتحذيراتها بعدم الاعتراف بدولة الإمارات العربية ومعارضة قيام تلك الدولة الناشئة، وفي ظل فشل جهود الوساطة العربية، رضخت الشارقة للاتفاق الذي رعته بريطانيا التي كانت تصر على أن الجزر تابعة للمشيخات العربية، إلا أنها في المقابل كانت تسعى إلى تسوية سلمية للنزاع في سبيل المحافظة على استقرار الخليج عشية سحب قواتها من المنطقة. جذور النزاع على الجزر بيد أن قضية الجزر الثلاث التي تكتسي أهمية استراتيجية كونها تقع على امتداد الطريق الضيق الذي يعبر الخليج العربي نحو مضيق هرمز ومنه إلى خليج عُمان، لا تعود إلى سبعينات القرن الماضي، فالنزاع بين إيران وإماراتي الشارقة ورأس الخيمة على الجزر تمتد جذوره إلى ما قبل ذلك التاريخ. وتشير وثائق الحكومة البريطانية التي تتناول الحقبة الممتدة من بداية القرن التاسع عشر وحتى عام 1962 والرسائل الرسمية المتبادلة بين حكام القواسم والمقيم السياسي البريطاني إلى أن ملكية هذه الجزر تعود إلى "قبيلة القواسم العربية التي يحكم شيوخها إماراتي الشارقة ورأس الخيمة". وكانت الجزر الثلاث منذ بداية القرن الثامن عشر تستخدم من قبل قبائل القواسم والموالين لهم في مواسم الري والغوص وصيد اللؤلؤ، بينما كان يقيم في أبوموسى وطنب الكبرى لأجيال متعاقبة رعايا حكام الشارقة ورأس الخيمة الذين منحوا امتيازات التنقيب على الأوكسيد الأحمر في الجزر لشركات أجنبية أو لأحد رعاياهم. بريطانيا تؤكد سيادة القواسم على الجزر ومع بداية القرن العشرين، حسمت حكومة الهند البريطانية الجدل الذي أثارته إيران أواخر القرن ال19 بشأن الجزر، عندما أكدت أن ملكيتها تعود لحكام القواسم، خاصة بعد أن احتلت قوة من الجمارك الإيرانية الجزر الثلاث وأنزلت أعلام القواسم عام 1904، إلا أن بريطانيا التي كانت تربطها "معاهدة حماية" مع حكام الإمارات المتصالحة أجبرت إيران على الانسحاب من الجزر، لاسيما أن الأخيرة لم تستطع أن تقدم أي دليل يؤيد مطالبتها بالجزر. وشهد عام 1921 تطورا في هذا النزاع، فبعد أن استولى رضا شاه بهلوي على السلطة في فارس وألغى المعاهدة البريطانية-الفارسية مبرما اتفاق صداقة مع روسيا سعى جاهدا إلى التوسع في الخليج وفرض سيطرته على الجزر، الأمر الذي قابلته بريطانيا باعترافها باستقلال إمارة رأس الخيمة بما في ذلك سيادتها على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى. ومنذ ذلك التاريخ باتت رأس الخيمة والشارقة التي بقيت جزيرة أبو موسى تحت سيادتها، كيانين منفصلين، بيد أن محاولات رضا شاه بهلوي الذي غير عام 1935 اسم دولته من فارس إلى إيران، لم تتوقف وترافقت مع عدة انتهاكات لسيادة الإماراتيين على الجزر تصدت لها بريطانيا، إلى أن استغل خلفه، محمد رضا بهلوي، إعلان بريطانيا عام 1968 عزمها الانسحاب من الخليج بعد 3 اعوام، فعمد إلى احتلال الجزر كما سبق وأسلفنا، عشية سحب المملكة المتحدة قواتها من المنطقة عام 1971. قضية الجزر بعد الاتحاد والثورة الإيرانية وبعد قيام دولة الإمارات العربية اكتسبت قضية الجزر أهمية دولية وعربية خاصة بعد تبني الإمارات "قضية الاحتلال الإيراني للجزر" وتنديدها في بيان صادر عن المجلس الأعلى للاتحاد في 2 ديسمبر 1971 بإقدام "إيران على احتلال جزء من الأمة العربية" في إشارة للجزر. وأنعش وصول الخميني إلى السلطة في إيران بعد ثورة أطاحت حكم الشاه عام 1979 آمال الإمارات والدول العربية بتصحيح ما أقدم عليه سلفه وإعادة الحق لأصحابه، إلا أن هذه الآمال تبددت أمام إصرار الحكم الجديد على عدم الانسحاب من الجزر، خاصة بعد اندلاع الحرب بين طهران وبغداد، حين استخدمت إيران هذه الجزر في شن هجمات على ناقلات نفط في الخليج. وأمام استمرار الاحتلال الإيراني للجزر، تشدد الدولة الإماراتية في المذكرات المقدمة إلى منظمة الأممالمتحدة على حقها في ملكية الجزر، الأمر الذي تؤيده جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي، وأعربت الإمارات في أكثر من مناسبة على رغبتها في تسوية النزاع بالسبل السلمية واللجوء إلى محكمة العدل الدولية للنظر فيى القضية. في المقابل، استمرت الانتهاكات الإيرانية لسيادة الإمارات على الجزر، إذ دان مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي عام 2008 بناء إيران منشآت سكنية لتوطين رعاياها في طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، بما يهدف إلى "تغيير تركيبتها السكانية والديمغرافية التي تعدّ أعمالاً منافية لأحكام القانون الدولي واتفاقية جنيف لعام 1949". مواطنو الجزر ودولة الإمارات وعام 2010، وردا على منع إيرانالإمارات مساعدة مواطنيها في أبوموسى، دعا وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، إلى "التفكير بشكل مختلف لدعم مواطني الجزيرة. واعتبر أن "الاحتلال يمنع التواصل بين مئات الأسر المواطنة في الجزيرة وبين وطنها، ومن ثم فإن المساعدات التي تصل إليهم تكاد تكون معدومة، إذ لا يمكننا توصيل مواد البناء والخدمات الأخرى". وفي الدورة السابعة والستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2012، اعتبر وزير الخارجية أن "جميع الإجراءات والتدابير التي تمارسها سلطات الاحتلال الإيرانية باطلة وتخالف القانون الدولي وكل الأعراف والقيم الإنسانية المشتركة". وبمناسبة مرور واحد وأربعين عاما على احتلال الجزر الثلاث، جددت الإمارات في بيان أصدره المجلس الوطني الاتحادي، الخميس الماضي، الحق المشروع وغير القابل للنقاش للإمارات في جزرها المحتلة، مجددا دعوة السلطات الإيرانية إلى الامتثال إلى دعوات إنهاء احتلالها للجزر بطرق سلمية. واعتبر المجلس أن استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية يتعارض مع التوجهات السلمية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والنداءات والمبادرات المتكررة التي توجهت بها الدولة لإنهاء احتلالها لهذه الجزر وفقا لمبادئ القانون الدولي.