نقلت وسائل الإعلام خبراً لم أجد فيه ما يستحق من عناية أو اهتمام مثل ما وجدت فيه وسائل الإعلام، إلاّ إذا كان الخبر يدخل في باب أخبار الإثارة والحرب الإعلامية المكثفة التي تتبناها حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران. مختصر الخبر يقول إن فريقاً من علماء التاريخ والآثار الإيرانيين وصلوا إلى جزيرة أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى من أجل وضع دراسة تاريخية شاملة، والتنقيب عن آثار الجزر العربية الثلاث المحتلة من قبل إيران يوم 30/11م1971م في عهد الشاه البائد، لعلهم يجدون ما يثبت دعاواهم. لقد احتلت إيران الجزر الثلاث مع استقلال الإمارات، والصدق أن تسهيل مهمة إيران إنما جاء نتيجة صراع بين القوى الكبرى وتخلي بريطانيا عن التزاماتها للقواسم حكام الشارقة ورأس الخيمة. ذلك أن بريطانيا اتخذت من مسألة الجزر ورقة مساومة مع البلاط الفارسي من أجل تحقيق مصالحها عروبة الجزر الثلاث ثابتة في صفحات التاريخ القديم وفي الوثائق الغربية الحديثة، والخرائط الدولية التي تأخذ بها كل المنظمات ذات العلاقة. وهي تتبع دولة الإمارات العربية المتحدة. ولا أجد مبررا من تصرف حكومة إيران الحالية إلاّ أنها فشلت من الناحية القانونية والسياسية والجغرافية لإثبات حق ملكية الجزر، لهذا رأت العودة إلى باطن الأرض لعلها تجد ما يثبت دعواها الباطلة. فماذا ترى ستجد في باطن الأرض أكثر مما وجدته في ظاهرها؟ الجواب أنها لن تجد دليلاً واحداً يثبت دعواها. فالأرض عربية خالصة في باطنها وظاهرها. والوثائق المتوفرة عند كل الجهات الرسمية بما فيها إيران نفسها تقول بهذا صراحة لا تشكك بعده. والجزر الثلاث وما حولها تتكلم العربية لساناً وثقافة وتاريخاً وشواهد آثارية. لقد حاولت إسرائيل أن تعمل الشيء نفسه، فقام علماء التاريخ والآثار والعاديات وخبراء الدراسات التوراتية من إسرائيل والغرب للبحث والتنقيب عن دليل واحد لإثبات وجود هيكل سليمان المزعوم في الحرم الإبراهيمي. وكل النتائج تشير صراحة إلى أنه لا وجود للهيكل. بل هي أسطورة إسرائيلية. وإيران تحذو حذو إسرائيل وتقوم بتزييف التاريخ بقوة السلاح. وهذا صنيع فاسد ولن يدوم، والحق لابد أن يعود لأصحابه. ولن تجد في مسعاها الأخير إلاّ مثل وجدت إسرائيل. لقد احتلت إيران الجزر الثلاث مع استقلال الإمارات، والصدق أن تسهيل مهمة إيران إنما جاء نتيجة صراع بين القوى الكبرى وتخلي بريطانيا عن التزاماتها للقواسم حكام الشارقة ورأس الخيمة. ذلك أن بريطانيا اتخذت من مسألة الجزر ورقة مساومة مع البلاط الفارسي من أجل تحقيق مصالحها. وحاولت بريطانيا وإيران استئجار الجزر من القواسم ، وحاول الشاه استرضاء حكام الإمارات العربية وشراء ولائهم. ولكن كل محاولات الفريقين باءت بالفشل. ونعود للتاريخ القديم ونرى أن جزيرتي طنب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى (نسبة إلى الصحابي أبو موسى الأشعري) وجزيرة قشم وجزيرة صري كلها من مستوطنات العرب منذ عهود قديمة. ولم أقرأ في كل ما اطلعت عليه من صفحات التاريخ المدوّن أو الآثار المكتشفة اسم شعب سوى الشعب العربي. لقد كانت مملكة الجرهاء التي قامت في الساحل الشرقي للخليج، ومملكة أغاروم في البحرين ومملكة كرخ ميسان في إقليم الأحواز ومملكة هرمز العربية في جنوب الخليج كل هذه الممالك عربية السمة والحضارة. وقبل هذا كان الكنعانيون ومن ثم الفينيقيون هم أول من استوطن الأراضي المطلة على الخليج العربي. والكنعانيون والفينيقيون ساميون، أما الفرس فإنهم آريون والفرق بين الأرومتين فرق كبير. وكانت قبائل عربية مثل: قضاعة وربيعة وإياد والأزد وعبدالقيس وتميم شكلت الاستيطان العربي الخليجي الكبير. ونشأت الحضارة العربية بين ظهرانيهم. وهي حضارة لا زالت ناطقة على اللسان وعلى الأرض، وكلها شواهد تاريخية لايمكن طمسها. لهذا كله نستطيع الزعم مطمئنين أن السيادة العربية على الجزر في الخليج سيادة واضحة وجلية. ولدينا من التاريخ الحديث والمعاصر وثائق ناطقة بهذا الزعم. ومن الوثائق ما يعود للهولنديين والبرتغاليين وهي كلها تتحدث بصراحة عن مملكة هرمز العربية المستقلة. وتُعرف مملكة هرمز باسم آخر هو: بلاد السواحل والجزائر، وذلك لكثرة سواحلها وجزرها الواقعة في الخليج العربي. أقول كانت مملكة هرمز العربية تسيطر على معظم الأراضي في جانبي الخليج، وكانت تسيطر على الجزر في الخليج مثل: جزيرة قشم وهنجام وهندرابي وبوشير ولارك والشيخ يعقوب وقيس وبندر لنجة وصري وغيرها كثير. وقرأت كلاماً يؤيد ما أذهب إليه قاله الرحالة الدانماركي كارستن نيبور بعد زيارته للخليج العربي عام 1762م. وهو قال ما ترجمته: لا أستطيع أن أمر بصمت دون الحديث عن المستوطنات العربية ذات الأهمية، التي رغم كونها نشأت خارج أرض الجزيرة العربية البرية، لكنها أقرب إلى العرب منها إلى غيرهم، وأعني بذلك العرب القاطنين على الساحل الجنوبي الشرقي للخليج والجزر الكثيرة المنتشرة في الخليج العربي. إن هؤلاء العرب استقروا على هذا الساحل قبل الفتح الإسلامي بزمن طويل، وحافظوا على استقلال إماراتهم. ويُعتقد بأن هذه الكيانات العربية نشأت في عهد يعاصر أول ملوك الفرس. وهذه البلاد لم تكن خاضعة لحكام إيران وأن الفرس لم يفكروا في الاستقرار فيها. ماذا سيجد مؤرخو إيران وآثاريوها في تراب الجزر؟! الجواب سيجدون الأرض بتتكلم عربي.