مليون شتلة بمحايل عسير    مركز التحكيم الرياضي السعودي يوقع اتفاقية تعاون مع جامعة الملك خالد    الأرصاد: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة حتى الاثنين المقبل    أستون فيلا يكشف سبب خطأ عزف النشيد في مواجهة باريس سان جيرمان    وزارة الثقافة تعلن إطلاق "الخط الأول" و"الخط السعودي" وتطوير تطبيقاتهما الرقمية    تقييم الحوادث باليمن يفند ادعاءات ضد التحالف    نائب أمير منطقة جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة الصحة بالمنطقة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الثالث للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى    أمير القصيم يفوز بجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي    ⁧‫أمير نجران‬⁩ يطّلع على تقرير أداء الوكالات المساعدة والإدارات العامة بالإمارة    وزير الصحة يلتقي الوزير الفرنسي للتجارة الخارجية ويشهدان توقيع مذكرة تفاهم في مجال التكنولوجيا الصحية    مهرجان الثقافات بالجامعة الإسلامية يجمع حضارات العالم    5 جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    انطلاق منتدى ومعرض للطاقة الشمسية والرياح بجامعة الإمام عبد الرحمن    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    المريخ يصل إلى (الأوج) اليوم    إحباط تهريب 147 كيلوجراماً من الشبو بميناء جدة الإسلامي    الهلال الأحمر بالشرقية ينفذ فرضية لمشروع "معاذ" في جسر الملك فهد    بأكثر من 87 مليار ريال.. السعودية تُعزّز شراكاتها التجارية مع دول الجامعة العربية في الربع الأخير من 2024م    السعودية تشيد بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى    الرياض تستضيف المؤتمر العالمي للأمراض الجلدية 2031 كخطوة رائدة نحو مستقبل الجلدية العالمي    ارتفاع أسعار الذهب    الأمم المتحدة: قوات الاحتلال تقتل أكثر من 71 مدنيًا في لبنان    في ختام الجولة 29 من " يلو".. نيوم للاقتراب من الصعود.. والحزم لاستعادة التوازن    القيادة تعزي ملك ماليزيا    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    المملكة تؤكد على وقف الدعم الخارجي لطرفي الصراع في السودان    الأردن يحبط مخططات تخريبية ويوقف 16 متورطاً    بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة.. 598 مستفيدًا من مركز الأطراف الصناعية في تعز    جريمة قتل في القاهرة    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (3-3)    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    حسن عبدالله القرشي.. شاعر البسمات الملونة (2/2)    محمد بن فهد.. موسوعة القيم النبيلة    حارس مانشستر يونايتد على رادار أندية روشن    بعد خسارته في إياب نصف النهائي أمام الشارقة.. التعاون يودع بطولة كأس آسيا 2    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    تغريم 13 صيدلية 426 ألف ريال لمخالفتها نظام "رصد"    «المظالم»: إنجاز قضائي لأكثر من 46 ألف دعوى    السجن خمس سنوات لمواطنٍ بتهمة الاحتيال المالي    قريباً في جدة    جامعة عفت تطلق مهرجان السينما الدولي للأفلام    مؤتمر القدرات البشرية.. مجمع الملك سلمان يقدم ثلاث مبادرات نوعية    تعليم الباحة يطلق جائزة الشيخ الدرمحي للتميز التعليمي    "بينالي الفنون الإسلامية 2025" يواصل استقبال زوّاره في جدة    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    انطلاق أعمال الدورة ال47 للجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية    الأخضر تحت 17 عاماً يعاود تدريباته استعداداً لنصف نهائي كأس آسيا    إجراء قرعة دوري الإدارت الحكومية لكرة القدم 2025 بمحافظة حقل    الأمير سعود بن نهار يطلع على منجزات ومبادرات أمانة الطائف    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    بخيل بين مدينتين    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    الحقيقة التي لا نشاهدها    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجولة المقبلة من مفاوضات السلام
نشر في الحياة يوم 23 - 08 - 1993

عاد وارن كريستوفر وزير الخارجية الاميركي من رحلته الاخيرة الى منطقة الشرق الاوسط، وأدلى بتصريحات اعرب فيها عن تفاؤل حذر. فهل حقق فعلاً نتائج ملموسة يمكن ان تبرر هذا الموقف؟ وان كان الامر كذلك، فأين تكمن احتمالات حدوث انفراج في الازمة؟
ان اي تفاؤل قد يشيع في اوساط المفاوضين الاميركيين، انما يتعلق في ما يبدو بالتطورات على صعيد المفاوضات السورية - الاسرائيلية. فقد اعجب الاميركيون كثيراً بما ابداه الرئيس السوري حافظ الاسد من استعداد لاستخدام نفوذه لدى "حزب الله"، لاشاعة الاستقرار في جنوب لبنان. كذلك كان رد فعل الاسرائيليين ايجابياً تجاه هذا التطور، الى درجة ان مصدراً اميركياً قال ان اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي "اثارته حقاً" هذه التطورات الجديدة. ولا يخفي رابين تحبيذه التعامل مع الأسد على التعامل مع الفلسطينيين، وهو ما ادى بطبيعة الحال الى ظهور بعض المخاوف من احتمال التوصل الى اتفاق سوري - اسرائيلي منفصل.
لكن الجانب الاميركي لا يعتقد بأن مثل هذا الاتفاق امر محتمل، ويراوده الشك الى حد ما في ما يقال من ان حدوث تقدم على الجبهة السورية أولاً، كفيل بممارسة الضغط على الفلسطينيين لجعلهم اكثر مرونة. ولعل الاميركيين يرغبون في ابقاء المسارين الأساسيين للتفاوض ماضيين قدماً، بمعدلات سرعة متشابهة.
وحرص الجانب الاميركي - في وصفه لنتائج المفاتحات الاخيرة بين سورية واسرائيل - على عدم الاشارة الى حدوث اي انفراج يُعْتَدُّ به. لكن الاميركيين يصرحون بأن كلا من الجانبين يتفهم الآن الحاجات الحقيقية للجانب الآخر، في صورة افضل من اي وقت مضى. وهم حريصون على عدم الايحاء بأن هذا الجانب او ذاك مستعد للوفاء بهذه الحاجات، وانما يصرون على ادراك الجانبين لما يجب تحقيقه كي يتم التوصل الى اتفاق.
وليس بوسعي الا التكهن بالصيغة التي يمكن ان تؤدي الى اتفاق بين اسرائيل وسورية، لكن العناصر الأساسية ستكون بالتأكيد على النحو الآتي:
بيان اسرائيلي يقضي - في ظروف يسودها السلام ويستتب فيها الأمن - بألا تطالب اسرائيل بالسيادة على مرتفعات الجولان. وبيان سوري ينص - اذا تحقق السلام الشامل وانسحبت اسرائيل من أراض محتلة - على قبول سورية ابرام معاهدة سلام ملزمة مع اسرائيل، تشتمل على جدول زمني لتطبيع العلاقات تطبيعاً كاملاً. كذلك يتفق الجانبان على الدخول في مفاوضات تتناول الترتيبات الامنية المفصلة، على اساس الاشتراك والتبادل، مع ادراك ان تنفيذ اي اتفاق من هذا النوع انما يتم في غضون فترة محددة سلفاً. وفي حين قد لا يزال من العسير التفاوض على تفاصيل اي بيان من هذا القبيل، ففي ظني ان الاسد ورابين باتا قريبين الى حد ما من قبول هذه الصيغة.
اما جبهة المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية فتبدو اكثر تعقيداً من سابقتها، ولكن ليس للأسباب التي ساقها رابين، وهي الخلل في صفوف الفلسطينيين. صحيح ان الخلافات دبت بينهم، لكن الظاهر انها كانت تتعلق عموماً بالاجراءات لا بالجوهر. وليس من دواعي الدهشة ان يستاء الفريق الفلسطيني المفاوض، حين علم ان كريستوفر تسلم بالفعل بياناً بالموقف الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية من الجانب المصري قبل ان يطلع الوفد الفلسطيني نفسه على الوثيقة. والفروق الفعلية بين المسودة التي سلمتها المنظمة الى الجانب المصري، والوثيقة التي قدمها فيصل الحسيني الى كريستوفر في الخامس من آب اغسطس، ليست فروقاً كبيرة، وان كانت كلها تميل الى الالحاح بشكل ما على حقوق الفلسطينيين.
وأجريتُ مقارنة بين المسودة الاميركية في تاريخ الثلاثين من حزيران يونيو والمسودة الفلسطينية في تاريخ الخامس من آب، اعتمدت فيها على التدقيق في الكلمات المستخدمة. وراعني للوهلة الأولى ان اتبين وفرة الألفاظ والتعابير المشتركة التي نمت بين الطرفين. لكن الفحص المتأني يكشف مشكلة واحدة رئيسية وعدداً من المشكلات البسيطة. وتتعلق القضية الأساسية بموضوع "ولاية" الحكم الذاتي الفلسطيني اثناء الفترة الانتقالية. فالمسودة الاميركية تحرص على عدم اثارة موضوع الرقعة الجغرافية للولاية الفلسطينية، كما تستبعد في شكل صريح خضوع الرعايا الاسرائيليين اي المستوطنين لسلطتها. اما المسودة الفلسطينية فصراحتها جافية، اذ تنص على ان يكون للفلسطينيين حق الولاية التامة على كل اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وعلى خضوع كل من يقطن هذه الأراضي للقوانين السارية ذاتها.
وليس من السهل تبيان سبل التوفيق بين هذه الاختلافات، وان كان لا بد من تطرق المتفاوضين الى احتمالات عدة. فقد ينص الاتفاق صراحة - بادئ ذي بدء - على خضوع كل المقترعين لمصلحة السلطة الفلسطينية لصلاحيات ولايتها، مع مراعاة تحديد مناطق يتفق عليها، تُعامل وفقاً لترتيبات خاصة. ويعني هذا ادراج فلسطينيي القدس الشرقية ضمن صلاحيات سلطة الحكم الذاتي، بمعظم مناحيه، على الا يخضع لها المستوطنون الاسرائيليون الذين لن يصوتوا للسلطة الفلسطينية، اثناء الفترة الانتقالية. وربما وافق الفلسطينيون والاسرائيليون ثانياً - رغبة في تمييز الظروف الخاصة للفترة الانتقالية - على تشكيل محاكم مختلطة لحسم النزاعات التي تطرأ بين الخاضعين للسلطة الاسرائيلية وغيرهم ممن يخضعون للسلطة الفلسطينية. واذا صيغت هذه الاتفاقات بحرص وعناية فسيصبح في امكان الفلسطينيين القول ان سلطتهم تشمل جميع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مع اتخاذ تدابير موقتة للتعامل مع المستوطنين الاسرائيليين الموجودين على مدى الفترة الانتقالية. اما من وجهة نظر اسرائيل، فسيتراءى لها انها حافظت على مبدأ بقاء مواطنيها تحت ولايتهم الخاصة بهم، انتظاراً للتوصل الى اتفاق نهائي.
اما المسائل الاخرى التي يتعين بتها فمنها مبدأ الانسحاب كما قد يطبق اثناء الفترة الانتقالية. وتشير الدلائل الى ان الفلسطينيين راغبون في استخدام لغة اتفاقي كامب ديفيد، وهو ما لا بد ان يرضي الاسرائيليين ايضاً. ثم يمكن حل هذه المشكلة على مستوى المبادئ العريضة. اما التوصل الى اتفاق تفصيلي فقد يكون اصعب منالاً. كذلك طلب الفلسطينيون الاخذ بمبدأ التحكيم في المنازعات التي تنشأ اثناء الفترة الانتقالية. وسيرفض الاسرائيليون هذا المطلب، ولن يقبلوا اكثر من الصيغة المستخدمة في معاهدتهم مع مصر، من حيث السماح بالتحكيم ولكن كحل اخير. ولا يصح ان ننسى قضية طابا، والوقت الطويل الذي انقضى قبل التوصل الى اتفاق. فلو بلغت الفترة الانتقالية خمس سنوات مثلاً كحد اقصى، لانتفت قيمة التحكيم كحد اخير. والبديل من هذا ان يشكل الجانبان هيئة دائمة للتفاوض من خلالها، تكون قادرة على معالجة كل القضايا المتنازع عليها، بل تستطيع البدء ايضاً في بحث المسائل ذات الصبغة النهائية في وقت مبكر.
اما آخر القضايا التي وردت في المسودة الفلسطينية فتدور حول التوصل الى نوع من الاتفاق اولاً على مستقبل غزة وأريحا. ولا اعرف حقاً ما هي المشكلة التي يسعى هذا الاشتراط الى حلها، لكن الفكرة باتت الآن رسمياً جزءاً من الموقف الفلسطيني.
بم نخلص من كل هذا اذن؟ اولاً هناك بعض التقدم في مسيرة المفاوضات، لكن القرارات الصعبة لم تتخذ - في معظمها - بعد. وثانياً ستكون مشاركة وزير الخارجية الاميركي ضرورية لتحقيق نتائج. وأما الخلاصة الثالثة فهي ان قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لن تعطي الفريق الفلسطيني المفاوض اي استقلال فعلي، وهو ما يعني ان على الولايات المتحدة واسرائيل ايجاد وسيلة للتعامل تعاملاً فعالاً مع قيادة المنظمة في تونس، اذا رغبتا في التوصل الى نتائج. وأخيراً ينبغي على الرئيس كلينتون ان يلقي بثقله في مرحلة ما، لدفع الاطراف المعنية على طريق الاتفاق.
وقصارى القول ان الوقت آخذ في النفاد، لكن فرصة التوصل الى اتفاق على المبادئ الأساسية لم تضع. وسيحتاج الامر - كما هو الحال دائماً - الى خصال الزعامة والجسارة والتصميم، للتغلب على العقبات المتبقية. ولا احسب ان هذه الخصال متوافرة الآن في اي من العواصم المعنية بالمحادثات.
* مستشار الرئيس الاميركي السابق كارتر
وخبير بارز في شؤون الشرق الاوسط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.