انتهت الجولة العاشرة من المفاوضات السلمية مع شعور متزايد في دمشق بأنه "يستحيل على العرب الاستمرار في التوجه الى جولات التفاوض من دون نتيجة الى ما لا نهاية"، كما اعلن السيد موفق العلاف، وان المفاوضات وصلت الى نقطة لا يمكن الاستمرار معها بالطريقة نفسها والمواقف الاسرائيلية نفسها. وينبع القلق السوري من عدم وجود اية مؤشرات الى احتمال ظهور تغيير جذري في المواقف الاسرائيلية او الاميركية او الاقليمية يمكن ان يؤدي الى كسر الجمود الحالي والانتقال الى مرحلة تنفيذ القرار 242 بدلاً من الخلاف على تفسيره. فدمشق ترى ان الموقف الاسرائيلي، بالنسبة الى القضايا الرئيسية في المفاوضات، لا يحمل اي معنى آخر سوى ان الاسرائيليين يريدون فرض تسوية على العرب. فالاستمرار في مبدأ "معرفة شروط السلام قبل بحث مدى الانسحاب" اوصل المسار السوري - الاسرائيلي الى مأزق لا يمكن ان يحل، حسب رأي دمشق، الا باقرار اسرائيل بالانسحاب التام من الجولان. كذلك فان رفض اسرائيل تنفيذ القرار 425 والعودة الى الحديث عن "الاحتلال السوري للبنان" يعيد المسار اللبناني الى ايام اسحق شامير، وجاء موضوع القدس ليجعل القضية اكثر تعقيداً. فعلى رغم قبول سورية المفاوضات على اساس المسارات المنفصلة فانها تعتبر القدس "قضية تهم جميع العرب وجميع المسلمين في العالم"، لذلك مهما كان الضغط الاسرائيلي والاميركي على الجانب الفلسطيني من اجل تجاهل او تأجيل موضوع القدس فان الفلسطينيين سيجدون وراءهم موقفاً سورياً وعربياً واسلامياً حازماً، وتعتبر دمشق ان اصرار اسرائيل على رفض موضوع القدس يتناقض مع رسائل الدعوة والتطمينات الاميركية التي تؤكد رفض ضم اسرائيل للقدس الشرقية واعتبارها جزءاً من الأراضي المحتلة عام 1967 التي ينطبق عليها القرار 242، ورفضها ايضاً توسيع اسرائيل للحدود الادارية للقدس ما جعل القدس الادارية تضم نحو 30 في المئة من مجمل اراضي الضفة الغربية. وكانت دمشق اصرت على ان تضمن الادارة الاميركية هذه التطمينات في رسالتها لسورية ايضاً وليس فقط للفلسطينيين. وعلى الصعيد الاميركي تعتقد دمشق ان نتائج الجولة العاشرة ستكون مؤشراً قوياً الى صدقية وعود الادارة الاميركية الجديدة وتعهداتها وطبيعة دور الشريك الكامل الذي ظهر شكلياً في الاتصالات المكثفة، لكنه فشل حتى الآن في ترجمة التزام القرارات الدولية الى ضغط حقيقي على اسرائيل. ولا تنظر دمشق بارتياح الى النصيحة الاميركية لاسرائيل ببحث موضوع الامن على المسار السوري كوسيلة لتجاوز عقبة الانسحاب والسلام. فسورية تريد تحركاً اميركياً لاقناع اسرائيل باستحالة السلام مع سورية من دون الانسحاب التام من الجولان، وليس محاولة تجاوز هذا الاستحقاق الرئيسي. وعلى الصعيد الاقليمي ترى دمشق ان الوضع العربي العام لا يشكل عامل قوة للمفاوض العربي، بل على العكس فانه في بعض جوانبه يضعف هذا المفاوض ويجرده من بعض اوراقه. وحسب ديبلوماسي سوري مطلع فان هذا الوضع غير المساعد المحيط بالعملية السلمية "لن يدفع سورية او الاطراف العربية المفاوضة الى التنازل عن الحقوق او التراجع عن الخط الاحمر الذي وصلت اليه الوفود العربية في ما يمكنها تقديمه لدفع العملية، وما علينا سوى تقوية موقفنا السياسي والاقتصادي والتمسك بحقوقنا، وعلى اسرائيل والولايات المتحدة والعالم تحمل نتائج انهيار هذه الفرصة التاريخية للسلام في منطقتنا الحساسة".