ماذا يعني انتخاب بيل كلينتون رئيساً للولايات المتحدة بالنسبة الى سورية؟ النقطة الأولى هي ان سورية لا تأسف كثيراً على رحيل ادارة الرئيس جورج بوش كما عبر عن ذلك وزير الخارجية فاروق الشرع في تعليقه على التغيير في البيت الابيض. فبالنسبة الى سورية كان بوش هو الذي منح اسرائيل "أكبر مساعدات وخدمات قدمتها ادارة اميركية لاسرائيل". فهو الذي فتح باب الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي السابق وأثيوبيا الى اسرائيل وقدم لها ضمانات القروض بقيمة عشرة بلايين مليارات دولار وضمن تفوقها العسكري النوعي على العرب وتحالفها الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة. اضافة الى ذلك كشفت مصادر سورية رفيعة المستوى لپ"الوسط" ان ادارة بوش مارست ضغوطاً شديدة على سورية "كي توقع على ما لا تقبله في عملية السلام مع اسرائيل" من دون ان تكشف طبيعة هذه الضغوط او التنازلات التي مورست من اجل الحصول عليها. وقالت المصادر ان ادارة بوش التزمت باتفاق مع سورية بإبقاء الخلافات الثنائية والتوترات بعيداً عن اجهزة الاعلام وليس من الواضح اذا كانت ادارة كلينتون ستلتزم بهذا الاتفاق، لكن ذلك لن يعني ان الضغوط الاميركية على سورية ستكون اكبر مما حاولت ادارة بوش فرضه عليها. وفي أي حال فان مصادر دمشق ترى انه لا بد من الانتظار لمعرفة توجه السياسة الاميركية وتأثير الاهتمام بالوضع الداخلي والاقتصادي الاميركي على هذه السياسة وما اذا كان كلينتون سيترجم تعهداته الانتخابية لاسرائيل الى مواقف عملية أم لا. وعلمت "الوسط" من مصادر وثيقة الاطلاع ان سورية اجرت مع فريق كلينتون اتصالاً سرياً قبل انتخابه لمحاولة معرفة توجهاته السياسية ازاء منطقة الشرق الاوسط وقضاياها. فرد المسؤولون في فريق كلينتون على هذا الاستفسار السوري بقولهم: "ان كلينتون ملتزم بعملية السلام الحالية لتحقيق سلام عادل وشامل على اساس القرارين 242 و338 ومبدأ الارض مقابل السلام". لكن سورية ترى ان العامل الحاسم في تحديد تأثير السياسة الاميركية على العملية السلمية والقضايا العربية بصفة عامة هو الموقف العربي ومدى التنسيق والتضامن بين الاطراف العربية. وفي هذا المجال فان دمشق ليست متفائلة. مصادر رفيعة المستوى وصفت الوضع العربي العام الذي سيواجهه كلينتون بأنه "سيء". فبرغم التنسيق العربي خلال المفاوضات تعتبر اوساط دمشق الاتفاق الاردني الاسرائيلي على جدول الاعمال "مفاجأة تحمل الكثير من التساؤلات اخطرها حول موضوع الحدود والقدس والمستوطنات والاراضي المحتلة في هذا الاتفاق". وبرغم وجود هذه التساؤلات فان دمشق التزمت حتى الآن الحذر وتجنبت التعليق على الاتفاق "حرصاً على التضامن العربي خصوصاً ان الحكومة الاردنية تقلل رسمياً من أهمية الاتفاق وتحصره في كونه مجرد جدول اعمال وهي تعلن التزامها بشمولية الحل ورفض الصفقات المنفردة. لكن دمشق تراقب التطورات على هذا المسار وهي تعرف تماماً الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها قومياً وهي أبلغت عمان بأنه عندما يتجاوز طرف عربي هذه الخطوط فان سورية لن تسكت". وأوضحت المصادر ان هذا الموقف السوري ينطبق على كل المسارات خصوصاً انها تعتبر محاولات التشكيك بموقف سورية والحديث عن صفقة منفردة مع اسرائيل بأنه تمهيد للقبول باتفاقات تقل عن الحد الادنى المتفق عليه. لكن المصادر نفسها كشفت ان القيادة الفلسطينية بعثت برسالة الى القيادة السورية حاولت فيها احتواء التوتر في العلاقة السورية الفلسطينية بسبب التصريحات المشككة بموقف دمشق. انتخاب كلينتون سلّط الاضواء، مجدداً على العلاقات السورية - الاميركية. وسنحاول في هذا التحقيق القاء الضوء على هذه العلاقات من خلال 3 وثائق أميركية: 1 - تقرير أعده مركز أبحاث الكونغرس الاميركي السنوي عن العلاقات بين الولاياتالمتحدة وسورية. 2 - وثيقة رسمية هي نص رسالة الرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد الى رئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين عام 1975 تتعلق بالجولان وشروط السلام في المنطقة. 3 - دراسة أعدها الكونغرس الأميركي بعد حرب 1967 عن الاحتياجات الامنية الاسرائيلية في الجولان. يقول تقرير الكونغرس الأميركي الذي صدر هذا العام ان الولاياتالمتحدة تعتبر ان العلاقات السورية - الاميركية ما تزال تواجه عدداً من العقبات، خصوصاً في المجال الثنائي على رغم التحسن الأخير، كما ان واشنطن تريد من سورية اتخاذ عدد من الخطوات لتثبيت التزامها الفعلي والكامل بالعملية السلمية مثل الالتزام بتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل. ويعتبر التقرير ان مشاركة سورية في التحالف الدولي ضد العراق وفي العملية السلمية وانهيار الاتحاد السوفياتي هي من اسباب تحسن العلاقة بين دمشقوواشنطن، ويؤكد ما قالته مصادر اميركية رفيعة المستوى لپ"الوسط" من ان القضايا الثنائية، مثل الملفات المتعلقة بالادعاءات الاميركية في شأن علاقة سورية بالارهاب والتسلح الاقليمي وإعادة انتشار القوات السورية في لبنان ستبقى مجال خلاف على رغم أهمية العلاقة السورية - الاميركية. ويقول التقرير ان الكونغرس الاميركي يخشى من ان يكون التحسن الذي طرأ على العلاقة بين دمشقوواشنطن مقدمة لرفع العقوبات الاقتصادية الاميركية على سورية، لذلك فانه يشهد تحركات لفرض شروط مشددة على مثل هذا الاتجاه. ويضيف ان الادارة لا ترغب الآن في رفع هذه العقوبات لكنها ترى ضرورة تطوير البحث مع سورية لاستغلال الجوانب الإيجابية في هذه العلاقة على المصالح الاميركية في الشرق الأوسط. وبالنسبة الى عملية السلام يقول التقرير ان الادارة الاميركية التي تعتبر مشاركة سورية فيها تطوراً بالغ الأهمية تريد من سورية الالتزام الواضح بعقد معاهدة سلام كاملة مع اسرائيل والقبول بالقيام ببعض اجراءات بناء الثقة، مثل زيادة الاتصالات مع المسؤولين الاسرائيليين على مستويات أعلى من مستوى الوفد المفاوض في واشنطن. الخلاف حول العراق اما بالنسبة الى الوضع في الخليج بعد الحرب فيرى التقرير ان سورية والولاياتالمتحدة ليستا على اتفاق تام بالنسبة الى العلاقة السورية - الايرانية التي تنظر اليها واشنطن بقلق وكذلك بالنسبة الى نظرة كل منهما الى مدى التزام العراق بالقرارات الدولية. اذ تمانع سورية استخدام القوة ضد العراق لاجباره على الالتزام بهذه القرارات. وكشف مسؤول كبير في الخارجية الاميركية لپ"الوسط" أن هناك خلافاً سورياً اميركياً في شأن مستقبل العراق وترتيب الوضع الداخلي العراقي، وقد ظهر هذا الخلاف بوضوح في الاعتراض السوري على اجتماع المعارضة العراقية في صلاح الدين ومشروع الفيدرالية الكردية في شمال العراق الذي باركته الادارة الاميركية. ومن نقاط الخلاف السورية الاميركية ما يسميه التقرير قضية انتشار اسلحة الدمار الشامل والصواريخ في الشرق الأوسط، ويقول تقرير الكونغرس ان هناك اتفاقاً بين الادارة الاميركية والكونغرس على ان محاولات سورية للحصول على الاسلحة المتقدمة وخصوصاً صواريخ أرض - أرض يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط لكن سورية ترفض هذه الادعاءات وتقول ان على الولاياتالمتحدة ان تراقب وتمنع الصناعة العسكرية الاسرائيلية التقليدية وغير التقليدية المتطورة التي تحظى بكل الدعم المادي والتكنولوجي الاميركي بينما التسلح السوري يبقى محصوراً في الضرورات الدفاعية وفي القدرات الاقتصادية السورية التي لا تسمح لسورية بصرف اكثر من "مئات عدة من الملايين من الدولارات" على التسلح سنوياً حسب ما كشف الرئيس حافظ الأسد. وطبعاً تبقى قضية الارهاب والادعاءات الاميركية في هذا المجال مثار خلاف كبير بين الجانبين حيث ان اسم سورية لا يزال موضوعاً على اللائحة الاميركية للدول الداعمة للارهاب في العالم ويقول التقرير انه على رغم عدم وجود أية أدلة على تورط سوري مباشر في الارهاب فان سورية ما زالت تدعم عدداً من الحركات الفلسطينية. لكن سورية تطالب الادارة الاميركية بإظهار دليل على تورط هذه الجماعات مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل في أية عملية ارهابية، فلم تحصل على أي رد اميركي، ومع ذلك تستمر الادارة والكونغرس في وضع اسم سورية على لائحة الارهاب. المصادر السورية مقتنعة ان لهذا سبباً سياسياً يتعلق بموقف سورية من القضية الفلسطينية وليس بالارهاب. وفي ما يتعلق بلبنان قال التقرير ان "الكونغرس والادارة قلقان من ازدياد النفوذ السوري في لبنان وتآكل المؤسسات الديموقراطية في هذا البلد، وكذلك من عدم قيام سورية بإعادة نشر قواتها خارج بيروت الكبرى في ايلول سبتمبر الماضي". وقد اشارت مصادر الخارجية الاميركية لپ"الوسط" الى ان واشنطن لم تعترض بشكل كلي على الانتخابات النيابية اللبنانية لأن التشكيك فيها كان سيعطي الكونغرس ورقة قوية لمنع أي اتصال بين الادارة والحكومة اللبنانية، بينما ترى الادارة ان مصداقية الحكومة اللبنانية السياسية والامنية تشكل أحد أسس أية تسوية ممكنة للوضع في جنوبلبنان. المصادر السورية قالت من جهتها ان موضوع اعادة الانتشار يعود الى الحكومتين السورية واللبنانية حسب اتفاق الطائف و"معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" كما ان "الذين يتحدثون عن مصداقية الحكومة اللبنانية لم يفعلوا شيئاً لمساعدتها، سواء اقتصادياً او في وجه الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على جنوبلبنان". لكن على رغم الخلافات في لبنان فان التقرير يشير الى أوجه تعاون هامة بين سورية والولاياتالمتحدة في لبنان، اذ ان واشنطن ترحب بدور سورية في نزع سلاح الميليشيات حسب اتفاق الطائف. ويشير التقرير الاميركي الى وجود مخاوف في الكونغرس الاميركي من ان تكون الادارة وعدت سورية بتخفيف القيود المفروضة على تطوير العلاقات الثنائية في مقابل دورها في حرب الخليج والعملية السلمية، لذلك فان الكونغرس تقدم بعدد من مشاريع القوانين كان آخرها طلب من الادارة الاميركية بإثارة قضية الارهاب اثناء المفاوضات العربية - الاسرائيلية. ويتفق التقرير مع ما قاله سفير اميركي سابق في دمشق لپ"الوسط" من ان السياسة الخارجية السورية ازاء الولاياتالمتحدة تمر في فترة انتقالية لم تحدد بعد وجهتها النهائية، ويشير الى الشيء نفسه بالنسبة الى السياسة الاميركية ازاء سورية. ويقول التقرير ان هناك الكثيرين في الكونغرس الذين يشككون في حقيقة التغير في السياسة السورية ازاء واشنطن، بينما يرى آخرون ان انضمام سورية الى التحالف الدولي في حرب الخليج والى مفاوضات السلام يفتح فرصة يجب استغلالها وتطويرها. وتقول المدرسة الاولى في التفكير الاميركي ازاء سورية ان أي تطور حقيقي في العلاقات الثنائية يجب ان يكون مشروطاً بما تسميه تغير موقف سورية تجاه القضايا التي تعتبرها الولاياتالمتحدة اساسية لمصالحها، ويطالبون بتشديد العقوبات على سورية وتمديدها حتى التأكد من تغير السياسة السورية. ويرى هؤلاء "ان الحكم في سورية معاد للغرب بطبيعته من ناحية المصالح والقيم"، ويرون ان موقف سورية من حرب الخليج كان تكتيكاً لفك عزلة سورية والحصول على دعم مالي عربي ولاطلاق يدها في لبنان. ويشيرون الى "انعدام المرونة السورية في المفاوضات الثنائية مع اسرائيل وبرامج التسلح السورية المستمرة التي تشكل تهديداً للاستقرار الاقليمي" ويحذرون من ان سياسة الانفتاح الاميركي على سورية قد تؤدي الى "النتائج الكارثية نفسها التي أدت اليها سياسة الانفتاح على العراق" قبل غزو الكويت. لكن التقرير يشير الى وجود تيار في واشنطن يدعو الى اتباع ديبلوماسية هادئة لتشجيع سورية على لعب دور بنّاء في القضايا الاقليمية ويطالب باقامة اتصالات ديبلوماسية وأمنية أوسع بين البلدين لبحث القضايا الحساسة، وبأن يكون للادارة حرية الحركة في استخدام العقوبات لخدمة هذه السياسة بدلاً "من ابقائها بيد الكونغرس". ويرى اصحاب هذا التيار في واشنطن ان سورية يمكن ان تشكل ثقلاً موازناً للعراق، والاهم من ذلك فان دعم سورية اساسي لنجاح عملية السلام بعد ان اثبتت اتفاقات كامب دايفيد ان لا تسوية في المنطقة من دون سورية. ويعتقد هذا التيار ان مستقبل العلاقة السورية - الاميركية سيساهم بشكل مباشر في تحديد الامن الاقليمي والسلام في الشرق الأوسط. اما بالنسبة الى سورية فان مستقبل السياسة الاميركية ازاء عملية السلام والحقوق العربية هو الذي سيحسم الموقف السوري من اميركا خلال المرحلة المقبلة. وتراقب سورية التيارين المسيطرين على التفكير السياسي الاميركي ازاءها وهي تعرف ان لكل منهما مواقع نفوذ كبيرة في صنع القرار الأميركي وهو ما ظهر اثناء التحضير لمؤتمر السلام حيث استطاع انصار التيار المتشدد فرض عدد من الالتزامات الاميركية السابقة ازاء اسرائيل في ما يتعلق بالتسوية بصفة عامة ومع سورية بصفة خاصة في رسائل التطمينات التي اعطيت لأطراف المفاوضات. رسالة الى رابين وأهم مثال على ذلك هو رسالة الرئيس الأميركي الأسبق فورد المرسلة عام 1975 الى رئيس وزراء اسرائيل حينذاك وحالياً اسحق رابين. والرسالة المؤرخة في الأول من أيلول سبتمبر 1975 تتحدث في شقها الأول عن موقف الولاياتالمتحدة من اتفاق فصل القوات الثاني بين مصر واسرائيل وتقر "بالضغوطات الامنية والاقتصادية التي تفرضها الاتفاقية على اسرائيل، وعلى ان الولاياتالمتحدة ستبذل كل جهد ممكن لتعويض اسرائيل". لكن الجزء الأهم من الرسالة هو الذي يتحدث عن شروط التسوية العامة في الشرق الأوسط وموقف الولاياتالمتحدة من التسوية في شأن مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وتقول الرسالة: "على أساس روح العلاقة الخاصة بين الولاياتالمتحدة واسرائيل وتصميم الجانبين على عدم اتخاذ أي موقف تسير فيه الولاياتالمتحدة واسرائيل في اتجاهات مختلفة في حال قيام مفاوضات سلام، فان الولاياتالمتحدة ستعتبر ان هناك مفاوضات قائمة ولن تتقدم بمقترحات شاملة من طرفها وإذا ارادت الولاياتالمتحدة ان تقدم أية مقترحات فانها ستقوم بكل جهد لتنسيق هذه المقترحات مع اسرائيل مع الالتزام بعدم تقديم مقترحات تعتبرها اسرائيل غير مرضية لها". واذا نظرنا الى المبادرة السلمية الاميركية الحالية نرى ان الولاياتالمتحدة التزمت بنص وروح هذا التعهد للدولة العبرية. فأساس المفاوضات هو ان لكل طرف الحق بطرح تفسيره للقرار 242 وأن الاتفاق الذي يتوصل اليه الأطراف سيصبح هو القاعدة القانونية التي ترسم العلاقة بينهم وليس أية قرارات دولية. كما ان الولاياتالمتحدة لم تتقدم حتى الآن بأية مبادرات خاصة بها لأنها اذا قدمت مبادرة تنص على ان القرار 242 يعني الانسحاب الكامل فهي تعرف ان اسرائيل سترفضها بشكل تام. اما اذا طرحت مبادرة تقول ان القرار 242 يعني انسحاباً جزئياً فهي تعرف ان الاطراف العربية، خصوصاً سورية، سترفضها رفضاً تاماً، لذلك فهي تترك نتيجة المفاوضات عرضة لتوازن، أو لا توازن القوى بين المتفاوضين. اما الفقرة الأهم والأكثر اثارة للجدل في رسالة فورد فهي المتعلقة بمرتفعات الجولان، اذ يقول فورد: "ان الولاياتالمتحدة تدعم الموقف الذي يقول ان تسوية سلمية مع سورية ضمن اطار اتفاق سلام يجب ان تضمن أمن اسرائيل من أي هجوم من مرتفعات الجولان. كما تدعم الولاياتالمتحدة الموقف القائل ان السلام العادل والدائم الذي هو هدفنا الدائم يجب ان يكون مقبولاً من الطرفين. ان الولاياتالمتحدة لم تتبنّ موقفاً نهائياً من موضوع الحدود لكنها عندما تفعل ذلك فانها ستعطي وزناً كبيراً لموقف اسرائيل بأن أي اتفاق مع سورية يجب ان يبنى على اساس بقاء لاسرائيل في مرتفعات الجولان". رسالة فورد تشير في موقعين، الأول ضمني والثاني علني، الا ان التفسير الأميركي للقرار 242 على الجبهة السورية لا يعني انسحاباً اسرائيلياً تاماً من الجولان بل انسحاب جزئي مع ترتيبات أمنية لصالح اسرائيل. الاشارة الاولى عندما قال فورد "ان الولاياتالمتحدة لم تتبنّ موقفاً نهائياً من موضوع الحدود أي ان واشنطن لا تتبنى القرار 242 بتفسيره الذي يعني الانسحاب التام من الجولان، اما الاشارة الثانية فهي ان أميركا ستعطي وزناً كبيراً لموقف اسرائيل بأن أي اتفاق مع سورية يجب ان يبنى على اساس بقاء اسرائيل في مرتفعات الجولان". وأكدت مصادر مطلعة ان ادارة بوش ضمنت رسالة فورد هذه في رسالة تطميناتها الى الحكومة الاسرائيلية والتي على اساسها شاركت اسرائيل في العملية السلمية الحالية. اميركا ومستقبل الجولان تقول رسالة فورد ايضاً ان اي اتفاق بين سورية واسرائيل "يجب ان يضمن أمن اسرائيل ضد أي هجوم من مرتفعات الجولان". لكن ما هو التفسير الاميركي للأمن الاسرائيلي وكيف يمكن ضمانه وما هو تفسير ذلك على الموقف الاميركي من التسوية في الجولان؟ لقد قال الرئيس بوش في خطابه امام الكونغرس في 6 آذار مارس 1991 أن "الجغرافيا لم تعد تضمن الأمن" في اشارة واضحة الى اقتناعه بأن حجة الامن للاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة ليست قوية اطلاقاً. لكن منذ ذلك الحين لم تتدخل الادارة الاميركية باعتبارها راعي العملية السلمية لترجمة ذلك الى واقع او الى مبادرة تفصيلية ربما بسبب التزامها لاسرائيل بعدم تقديم مثل هذه المبادرات. لكن المؤسسة العسكرية الاميركية وضعت وبعد حرب حزيران يونيو 1967 مباشرة دراسة تفصيلية عن المتطلبات الامنية الاسرائيلية تشير ليس فقط الى ضرورة احتفاظ اسرائيل بالجولان بل الى توسيع سيطرتها على أراض سورية شرق الجولان المحتل. وتقول الدراسة انه "يجب ان تحتفظ اسرائيل بالأراضي الحالية شرق خط الحدود الذي كان قائماً في الرابع من حزيران يونيو 1967 والتي تطل على منطقة الجليل. ولتأمين عمقها الدفاعي فان اسرائيل بحاجة الى ممر بعرض 15 ميلاً يمتد من الحدود اللبنانية الى الحدود الاردنية يعطي اسرائيل أيضاً سيطرة على 25 ميلاً من خط انابيب التابلاين للنفط". ان تغير الظروف السياسية والتكنولوجية العسكرية يجعل هذا المنطق ساقطاً اضافة أصلاً الى ان الجولان ارض سورية لا يحق لا لاسرائيل ولا للولايات المتحدة ان تقرر مستقبلها على أساس أمن اسرائيل. ومع ذلك فان الولاياتالمتحدة تبدو حذرة جداً حتى الآن في الاعلان بشكل واضح عن تصورها لمستقبل الجولان. فهي تعرف ان أي امل بتطوير علاقة جدية مع دمشق سينتهي بمجرد الاعلان عن مشروع اميركي ينص على أقل من العودة الكاملة للجولان الى سورية. لكن المصادر الديبلوماسية الاميركية تتبع اسلوباً غامضاً، فهي تقر بأن الجولان أرض سورية محتلة لكنها تسأل "اي جولان؟". "ان قضية الحدود النهائية بين فلسطين وسورية لم تكن سويت نهائياً عند قيام دولة اسرائيل" ملمحة الى احتمال تحقيق حل وسط من هذه الثغرة. من هنا الموقف السوري الواضح بضرورة انسحاب اسرائيل من كامل الأراضي التي احتلتها عام 1967. وتوضح هذه التقارير الثلاثة ان مسار العلاقات السورية - الاميركية لم يتحدد بشكل نهائي على رغم التغيرات وبعض التحسن الذي طرأ اخيراً، وسورية، وان كانت مستعدة لتشجيع التيار الذي يدعو الى تطوير الاتصالات معها، فهي لا تقبل ان يكون ذلك على حساب مواقفها الثابتة. وتنتظر سورية الآن الرئيس الجديد كلينتون لترى ما سيفعله ازاءها وإزاء عملية السلام، ولتقرر نتيجة ذلك ما ستفعله هي بشأن عدد من القضايا.