دخل التجاذب السوري - الاسرائيلي مرحلة جديدة وأكثر حدة بعد وصول المفاوضات الثنائية الى مفترق طرق بسبب الموقف السوري الواضح القائل بعدم امكان تحقيق السلام الكامل والشامل من دون الانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة. وكان الجانب الاسرائيلي سعى خلال الأيام العشرة الاخيرة من الجولة السادسة من المفاوضات التي عقدت في واشنطن الى تجنب النقطة الرئيسية في الورقة السورية المقدمة اليه، وهي حتمية الانسحاب الشامل مقابل السلام، وحاول تجنب الربط بين التسوية على المسار مع سورية مع التسوية على باقي المسارات، من خلال التركيز على "ضرورة قيام سلام كامل بين سورية وإسرائيل قادر على الوقوف على قدميه من دون الارتباط بباقي المسارات". واستخدم الوفد الاسرائيلي اسلوب الغموض في الاشارة الى موضوع الانسحاب بتجنب الحديث عنه مباشرة بل بالاشارة الى "استعداد اسرائيل للبحث في البعد المتعلق بالأرض في معاهدة سلام ثنائية مع سورية" وعندما سأل رئيس الوفد السوري السيد موفق العلاّف رئيس الوفد الاسرائيلي ايتامار رابينوفيتش اذا كان ذلك يعني الانسحاب من الجولان، راوغ الاخير قبل أن اضطر للقول انه "لا يحمل تفويضاً من حكومته للبحث في هذا الموضوع". وكان هذا الاعتراف بداية حملة اسرائيلية لتغيير توجه المفاوضات، بحجة ان المفاوضات على مستوى الوفود لم تتوصل الى أية نتيجة، واتهم الاسرائيليون الوفد السوري بأنه لا يحمل تفويضاً كاملاً ببحث القضايا الجدية على رغم ان المفاوضات اظهرت ان العلاّف يحمل تفويضاً واسعاً بدليل ان المذكرة السورية التي قدمت الى الاسرائيليين كتبت في واشنطن من قبل رئاسة الوفد بعد ان اتفق على خطوطها العريضة اثناء استقبال الرئيس حافظ الأسد اعضاء الوفد قبل توجههم الى الجولة السادسة من المفاوضات في واشنطن. وحسب المصادر السورية المطلعة فان الهدف الرئيسي وراء مطالبة الاسرائيليين بتغيير مستوى المفاوضات وحتى عقد لقاء قمة بين الأسد ورابين هو التخلص من الأسس التي قامت عليها العملية السلمية المعتمدة على قرار مجلس الأمن 242 الذي استطاعت سورية في كل ما طرحته في المفاوضات حتى الآن الالتصاق بنصه وروحه بشكل كامل، مما حرم الاسرائيليين من اتهام دمشق بعرقلة العملية السلمية. والسبب الثاني هو ان دمشق، في تمسكها بالقرار 242، تصر على تطبيقه على كل الجبهات، اي ايضاً على الأراضي الفلسطينية المحتلة بكاملها، بما فيها القدسالمحتلة، بحيث يصبح اي قبول اسرائيلي لمبدأ الانسحاب من اي جزء من الأراضي التي احتلت عام 1967 إقرارا بانطباق القرار على كل الأراضي، وهو ما لا تفكر اسرائيل بقبوله. فاذا كانت اسرائيل مستعدة للانسحاب من بعض الجولان وحتى من كله فهي تريد في مقابل ذلك اقراراً سورياً باستمرار الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقطاع والقدس وهو ما فشل الوفد الاسرائيلي في تحقيقه. كما ان الوفد الاسرائيلي واجه موقفاً سورياً واضحاً في شأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وكذلك حق العودة في اطار التسوية الشاملة، هذا الحق الذي سعت اسرائيل الى اسقاطه من المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف. المصادر السورية المطلعة أوضحت ان اسرائيل تطرح فكرة عقد القمة بين الأسد ورابين وهي تعرف انها غير قابلة للتحقيق، لمحاولة اظهار عدم قبول سورية لها، بأنه عدم رغبة سورية بالسلام، وان كانت تريد انعقاد القمة كي تسقط كل الأسس التي قامت عليها العملية السلمية والتي نصت عليها رسائل الدعوة من الراعيين ورسائل التطمينات الاميركية. ويلاحظ ان اسرائيل بدأت ترفق الدعوة الى القمة بتحذيرات واضحة من مغبة عدم انعقادها. فبينما تشترط المصادر الاسرائيلية انعقاد القمة لتحقيق تقدم على المسار السوري - الاسرائيلي، يحذر رئيس الاركان الاسرائيلي ايهود باراك بأن عدم تحقيق تقدم في العملية السلمية "يفتح الأبواب امام اندلاع صراع عسكري بين سورية واسرائيل". وكأن اسرائيل تقول لسورية "القمة او الحرب". وتأتي هذه السياسة الجديدة بعد فشل المحاولات الاسرائيلية الاعلامية بالتشكيك في الموقف السوري اثناء الجولة السادسة من المفاوضات والتلميح الى وجود "تقدم" مع سورية لاثارة مخاوف الاطراف العربية الاخرى ودفعها الى القبول بالمقترحات الاسرائيلية، سواء المتعلقة بالحكم الذاتي على المسار الفلسطيني او باللجنة العسكرية المشتركة على المسار اللبناني. لكن التنسيق بين الوفود العربية والنتائج التي آلت اليها الجولة السادسة أزالت الكثير من هذه المخاوف. مصادر عربية مطلعة في دمشق قالت انه لا أساس لأي قلق فلسطيني من الموقف السوري، بل ان المحاولة التي قام بها الوفد الفلسطيني برفع سقف مطالبه في واشنطن بالمطالبة بإقرار اسرائيلي بانطباق القرار 242 على الأراضي الفلسطينية المحتلة يتطلب مزيداً من التنسيق مع سورية التي سبقت حتى الوفد الفلسطيني بالاصرار على هذا المطلب. وتؤكد المصادر السورية عقم السياسة الاسرائيلية التي تعتمد على التفوق العسكري في محاولة فرض الأمر الواقع. وتستغل المصادر فرصة الذكرى التاسعة عشرة لحرب تشرين الأول اكتوبر 1973 للاشارة الى ان الحرب أثبتت ان التفوق العسكري لا يشكل أية ضمانة لاسرائيل وان هذا التفوق لا يمكن ان يستمر الى الأبد.