يرى المراقبون السياسيون في دمشق ان المؤشرات الاولية الصادرة عن اسرائيل بعد فوز اسحق رابين زعيم حزب العمل في الانتخابات وبدئه المشاورات لتأليف الحكومة الجديدة، تؤكد ان رابين يستهدف عزل سورية واضعافها وتمرير تسوية تفيد منها الدولة اليهودية. فرابين سيحاول الظهور بمظهر المعتدل المتنازل للحصول على الرضى الاميركي وضمانات القروض. وسيطرح مبدأ "ارض وليس الارض مقابل السلام" كي يطلب من الادارة الاميركية اقناع "كل العرب" بحضور المفاوضات المتعددة الاطراف قبل اي تحرك اسرائيلي فعلي في اتجاه اعادة الارض لأصحابها. ويعطي رابين اشارات مبهمة في شأن "اعادة كيلومتر ونصف الكيلومتر من الجولان إلى سورية مقابل السلام الكامل" ثم يتعهد للمستوطنين اليهود في الهضبة بعدم الانسحاب منها، بل ويؤكد استمرار توسيع الاستيطان فيها. وبالنسبة إلى سورية فان التوجه إلى المفاوضات المتعددة الاطراف مرهون بتحقيق تقدم ملموس في المفاوضات الثنائية هذا التقدم هو تعهد اسرائيلي بتنفيذ الانسحاب التام من الجولان وباقي الاراضي المحتلة، بما فيها القدسالشرقية. وحسب المصادر السورية فان اية تسوية تعتمد على الانسحاب الجزئي من الجولان ومجرد اعادة انتشار القوات الاسرائيلية في الضفة الغربية وحكم ذاتي للفلسطينيين لا يمنحهم السيادة على الارض هي تسوية جزئية غير شاملة ولا عادلة ولا تتماشى مع التعهدات التي تضمنتها رسائل التطمينات الاميركية لسورية والعرب. ويرى المراقبون ان المرحلة المقبلة تتطلب مزيداً من التنسيق العربي لأن رابين بطرحه الحكم الذاتي السريع للفلسطينيين يسعى إلى شق الصف العربي واظهار سورية بمظهر المعرقل لحصول الشعب الفلسطيني على بعض حقوقه. لكن احد كبار مستشاري السيد ياسر عرفات اقر بان حزب العمل قد يكون افضل من الليكود على المدى القصير لكنه قد يكون اسوأ منه على المدى الطويل، خصوصاً في شأن التسوية النهائية للاراضي المحتلة. ولا بد من الاشارة إلى ان احد اهم اهداف رابين من فصل الحل على الجبهتين السورية والفلسطينية والاكتفاء بالحكم الذاتي هو الغاء البعد المتعلق بالارض في التسوية الفلسطينية. فلو قبلت اسرائيل مبدأ الانسحاب من الجولان تنفيذاً للقرار 242 قبل بحث الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة، فهي ستضطر إلى قبول مثل هذا الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة في تنفيذها للقرار 242 الذي "يشمل جميع الجبهات" حسب رسالة التطمينات الاميركية لسورية. ويشير المراقبون السياسيون في دمشق إلى اهتمام سورية باحتمال تحسن العلاقات الاسرائيلية - الاميركية بعد ان كان تراجعها من اقوى الاوراق العربية في العملية السلمية. ولا بد ان عودة اسرائيل إلى لعب دور مركزي في الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط هو احد اهم اهداف رابين. والمفاوضات المتعددة الاطراف هي الاطار المناسب كي تلعب اسرائيل دور المحرك الرئيسي للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. فاسرائيل حزب العمل وعلى لسان شيمون بيريز تريد - كما واشنطن - "تغييراً شاملاً في الشرق الاوسط يؤدي إلى تكامل اقتصادي اقليمي وتعاون عسكري لمنع انتشار الصواريخ واسلحة الدمار الشامل". ولا بد من الاشارة إلى انه بالنسبة إلى سورية فان تولي رابين الحكم لا ينهي احتمالات الحرب في المنطقة بل ان اي قرار اسرائيلي بالحرب سيكون اكثر خطورة لأنه سيكون في اطار التناغم مع واشنطن وليس لاحراجها، كما كان يخطط لذلك اسحق شامير. وهكذا وبينما كان اسحق شامير غير قادر على اقناع الادارة الاميركية بتبريراته التوراتية للاحتفاظ بالارض العربية المحتلة فان رابين سيقدم حججاً امنية لاقناع واشنطن بضرورة احتفاظ اسرائيل بالتفوق التام على العرب وبالجزء الاكبر من الاراضي المحتلة. وكل ذلك سيقدم في اطار الاستراتيجية الاميركية العالمية والشرق اوسطية. ان سورية، حسب مصادر دمشق، متمسكة بالانسحاب التام وبحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبالتسوية الشاملة، ومن دون ذلك لا يمكن الحديث عن سلام او علاقات او تطبيع. وهي وان تعرف مسبقاً ماذا يريد رابين فانها ستنتظر الجولة الاولى من المفاوضات الثنائية مع ممثلي الحكومة الجديدة وتصرفات هذه الحكومة في مجال الاستيطان وحقوق المواطنين الفلسطينيين كي تعلن موقفاً واضحاً منها. وترى دمشق ان اعلان رابين تجميد الاستيطان السياسي ما هو الا خدعة للحصول على ضمانات القروض الاميركية ولالغاء المقاطعة العربية لاسرائيل. فرابين سيتابع الاستيطان في المناطق الاستراتيجية وسيقوم "بأعمال التوسع الطبيعي في المستوطنات" التي وافقت عليها الادارة الاميركية ضمن شروطها لمنح ضمانات بعشرة مليارات بلايين دولار.