ميلاني غريفيث نجمة اميركية لمعت في منتصف الثمانينات بفيلم "بادي دابل" للسينمائي برايان دي بالما، مخرج الافلام الهيتشكوكية المثيرة مثل "كاري" و"متنكر للقتل" وغيرهما. والطريف ان ام ميلاني ليست الا تيبي هدرن نجمة "الطيور" و"مارني" لألفريد هيتشكوك والمعتزلة الآن. بلغت شهرة ميلاني غريفيث قمتها حينما اسند اليها السينمائي مايك نيكولز بطولة فيلمه "الفتاة العاملة" في العام 1989 الى جوار سيغورني ويفر. ثم تتابعت ادوارها الناجحة حيث بلغت ذروتها في فيلم "غريبة بيننا" الذي اخرجه سيدني لوميت. تتميز ميلاني غريفيث، وهي في الخامسة والثلاثين من عمرها، بملامح طفولية حلوة تصنع جاذبيتها، وبصوت شبه طفولي ايضاً يعجب المخرجين والجمهور ويزعجها هي شخصياً الى ابعد حد. وأثبتت قدرتها على الانتقال من الدراما الى الكوميديا ببراعة عبر ادوارها المختلفة في افلام لاقت كلها تقريباً تقدير الجمهور. قدمت ميلاني الى باريس في زيارة قصيرة اخيراً فالتقتها "الوسط"، وكنت قابلتها في بداية العام 1986 بمناسبة قدومها الى مهرجان سينما الخيال بمحطة افورياز الفرنسية للتزلج. في ذلك الوقت كانت تنتظر مولوداً، فسألتها اولاً عن حياتها العائلية بعدما ذكّرتها بذلك اللقاء الذي مرت عليه سبعة اعوام: أعرف أنك ام لطفل اسمه الكسندر كنت تنتظرين قدومه عندما التقينا في مهرجان افورياز. هل كبرت العائلة منذ ذلك الحين؟ - انفصلت عن زوجي وإبني عمره الآن ست سنوات ونصف السنة. وبدأت حياة جديدة مع رجل عرفته اساساً في سن العشرين قبل ان اتزوج. اننا لم نصلح لبعضنا ذلك الحين، لكن الوقت وتجارب الحياة المختلفة والنضوج المكتسب كلها عناصر غيّرتنا وجعلتنا نتفق تماماً ونقرر قطع مشوار الحياة سوياً. وأنا سعيدة من هذه الناحية الآن. هل انت سعيدة مهنياً ايضاً؟ - نعم، وإن كانت امنيتي هي الفوز بجائزة "اوسكار" في يوم ما، فأنا سعيدة بالأدوار التي اعثر عليها لأنها تناسبني وهي متنوعة وتلاقي حماس الجمهور، وراضية فعلاً عن كل الافلام التي مثلت فيها حتى الآن، وإن كانت درجة نجاح كل منها تختلف عن غيرها. فلا شك في ان انجح افلامي هو "الفتاة العاملة" مع هاريسون فورد وسيغورني ويفر، اذ انه ضرب الارقام القياسية. ويأتي من بعده مباشرة "شيء متوحش" وقد نجح جداً. وهذا لا يمنعني من الاعتزاز الى حد بعيد بفيلم "يوم الاثنين العاصف" الذي لم يتمتع بامكانات الفيلمين المذكورين نفسها، وبالتالي لم يحقق تلك النسبة الهائلة من الايرادات. وعلى الرغم من ذلك فقد اثار اعجاب من شاهدوه، وأنا احمل عن تصويره احلى الذكريات. حلم أوسكار أنت حزينة اذاً لعدم حصولك بعد على جائزة "اوسكار" كأحسن ممثلة؟ - لست حزينة لكني احلم بهذا التقدير. اعرف ان الجمهور يصفق لأفلامي وأعتز بذلك، ولا استطيع ان امنع نفسي من التفكير في حكاية الجائزة هذه. فأنا مثل تلميذة المدرسة التي ترغب في اجتياز امتحانات نهاية العام بتفوق والحصول على شهادة تقدير تثبت انها الاولى بين رفاقها. انها مسألة كبرياء وفخر وربما لم اكبر بعد ولا ازال طفلة تبحث عن ابهار من حولها. هل كنت متفوقة في المدرسة ايام طفولتك؟ - في بعض المواد فقط، لكني لم اتفوق بشكل اجمالي على زميلاتي. وأحاول التعويض عن ذلك النقص الآن بواسطة المهنة التي اخترتها. وعلى العموم فكل الممثلين اطفال، والدليل القاطع على كلامي هو ان مهنتنا هي اللعب. اذاً، لماذا تغضبين اذا سمعت صوتك الأشبه بصوت طفلة؟ - انا اكره صوتي. وحينما اتكلم عن الممثلين وأقارنهم بأطفال صغار اقصد من الناحية النفسية ومن حيث الخيال والحلم بتقمص شخصيات غريبة عليهم، ولا اعني المظهر او الصوت. فأنا امرأة بالغة وكلما فتحت فمي لأتكلم خرج صوتي بشكل رفيع طفولي غير متناسب مع كياني. اعرف ان البعض يعتبر هذه النقطة ايجابية تصنع جاذبيتي الى حد ما، لكني لا اوافق على ذلك، لأنني اعاني من عقدة نفسية لا اعرف كيف اتخلص منها بسبب صوتي. هناك ايضاً ملامحك التي توحي بالطفلة الصغيرة وخاصة عندما تبتسمين، فهل يضايقك هذا ايضاً؟ - لا، لأن وجهي طبيعي بالنسبة الى امرأة في عمري، فاذا كنت اتميز بابتسامة طفولية نوعاً ما فيعني هذا ان التقدم في العمر يريحني من مساوئ الشيخوخة على الاقل في ما يخص ابتسامتي. ولا اعرف امرأة لا تتمنى ان يكون عندها عيب كهذا. ان ملامح الفنان في السينما والمسرح تحبسه في اطار ادوار معينة. وأنا لا اخرج عن القاعدة، فملامحي ابعدت عني ادوار الشر مثلاً حتى الآن، على الرغم من اني قادرة تماماً على تقمص شخصية شريرة، وسيحدث ذلك بلا صعوبة اذا فكر احد المخرجين في كسر صورتي التقليدية والمجاذفة بمنحي دور المجرمة، وربما افوز بجائزة "اوسكار" عن هذا الدور. يلاحظ انك محبوسة في ادوار المرأة الطيبة القلب سواء اكانت عاقلة ام طائشة، اليس كذلك؟ - هذا هو الوضع بالتحديد. وأعتقد ان ادواري على الشاشة ناسبت حتى الآن شخصيتي في الحياة. فأنا طيبة القلب وكنت طائشة وشقية في سن المراهقة وحتى بعد ذلك، وتحولت مع التقدم في العمر الى امرأة عاقلة. وحدث الشيء نفسه بالنسبة الى ادواري التي تبدو كأنها تتبع حياتي الحقيقية، مما يفتح شهيتي اكثر وأكثر على التغيير والاتجاه نحو الشر في السينما. انها مسألة وقت وأنا امرأة صبورة جداً تضحك. من الطريف ان تكون شهرتك بنيت على فيلم للسينمائي برايان دي بالما، علماً ان والدتك اشتهرت على يد الفريد هيتشكوك، فما تعليقك؟ - انها حكاية طريفة حقاً، فمن المعروف عن دي بالما انه خليفة هيتشكوك، والبنات، بشكل عام، يشبهن امهاتهن، وأنا ورثت عن امي العمل في الافلام المخيفة. لكن امي لم تصمد في المهنة من بعد تجربتها مع هيتشكوك، بينما نجحت انا في تعدي مرحلة العمل تحت اشراف دي بالما وحققت ذاتي دون صعوبة مع سينمائيين آخرين. وهذا لا يعني اني اكثر قوة من امي، بل ان دي بالما اقل قسوة من هيتشكوك، ثم ان زمن استبداد المخرج بالممثلة قد ولّى نهائياً الآن. رغبة في الانتقام ما الذي حدث بين امك تيبي هدرن وألفريد هيتشكوك؟ - كان هيتشكوك فقد ممثلته المفضلة غريس كيلي بعد زواجها من امير موناكو واعتزالها السينما، وراح يبحث عن بديلة منها فعثر على امي، الممثلة الناشئة، الشقراء الناعمة والمجردة من اي خبرة. ويبدو ان شعور هيتشكوك في ذلك الوقت كان عبارة عن مزيج من الفرح، لعثوره على ممثلة تناسبه، ومن الرغبة في تحويلها بأي ثمن الى غريس كيلي ثانية. لذا اتبع هيتشكوك نظاماً استبدادياً مطلقاً مع امي، خصوصاً خلال تصوير فيلم "الطيور"، الى درجة تعريضها الى مخاطر حقيقية من اجل واقعية المشهد السينمائي، وراح احد الطيور يعض امي ويسبب لها نزيفاً في يدها دون ان يبالي هيتشكوك بأي شيء غير جودة اللقطة المصورة. تسببت هذه الحادثة وغيرها، سواء خلال تصوير "الطيور" او "مارني"، في انهيار امي عصبياً ودخولها الى المستشفى ثم الى اعتزالها الفن نهائياً ومحاولة محو تجربتها الاليمة فيه من ذاكرتها. بسبب ذلك اصبحت عندي رغبة دائمة بالانتقام لأمي، لكن هيتشكوك قد رحل ولن اجد فائدة من وراء سوء معاملة مخرج آخر، فكل ما افعله هو حماية نفسي ضد ما قد يحدث لي اذا خضعت اكثر من اللازم الى رغبة المخرجين، وبالتالي ابقى قوية في تعاملي مع اهل المهنة، لكن الاوضاع تغيرت الآن، فأنا ادعي القوة علماً ان المخرجين الآن لا يسيئون معاملة الممثلات ابداً. وربما كنت وقعت في الفخ مثل امي لو اتبع دي بالما اسلوب هيتشكوك نفسه. فأنا ساذجة وسهلة المنال عقلياً وعصبياً مثل امي تماماً وأمثل دور القوة امام الغير حتى لا اظهر على حقيقتي. كيف بدأت في المهنة قبل عملك مع دي بالما؟ - عشت طفولتي في لوس انجليس وقررت منذ بلوغي المراهقة ان احترف التمثيل. ألم تعترض امك على ذلك، وهي التي عاشت تجربة سلبية في حقل العمل السينمائي؟ - نعم انها اعترضت خوفاً عليّ، ولكني كما ذكرت لك، كنت طائشة وشقية في شبابي تضحك، فلم اسمع الكلام ورحت اتبع دروس الدراما في مدرسة مسائية وحصلت على دور بسيط في فيلم "الهروب" للسينمائي الكبير ارثر بن. توالت عليّ العروض في ما بعد، وكبرت الادوار لكن الشهرة الحقيقية لم تأتِ الا مع "بادي دابل" لبرايان دي بالما، وذلك بفضل نجاح الفيلم جماهيرياً. امي لا تزال تنصحني كيف عاشت امك هذا التطور في وضعك؟ - انها تقبلت نجاحي بصدر رحب مع مرور الأيام وبعد تأكدها من صمودي النفسي امام تقلبات المهنة الفنية. لكنها لا تزال حتى الآن تنصحني بالاحتراس من النجومية وما قد يترتب عنها من سلبيات في حياتي العائلية. عملت مرة ثانية مع برايان دي بالما في فيلم "محرقة الكبرياء" ومع روبرت ريدفورد كمخرج في فيلمه "ميلاغرو" ومع سيدني لوميت وجون شليسنغر ومايك نيكولز وكلهم من اكبر الاسماء في حقل الاخراج السينمائي. فما هي احلى تجربة لك امام الكاميرا؟ - حاولت تفادي الكلام عن "محرقة الكبرياء" الذي اخرجه دي بالما. لكني سأضطر الى الدخول في تفاصيل حكايتي مع هذا الفيلم لأنك ذكرته. كان الكتاب الحامل للعنوان ذاته نجح عالمياً، وبالتالي فاني توقعت حصول الفيلم على النجاح نفسه، ووافقت على التمثيل فيه فور قيام دي بالما بعرض الدور النسائي الرئيسي عليّ. وهناك نقطة اساسية في المسألة هي تميّز هذا الدور بالشر. وأنا كما ذكرت سابقاً اترقب دوراً شريراً منذ سنوات، فتوقعت ان افوز بجائزة احلامي بفضل "محرقة الكبرياء". فشل الفيلم تماماً لأن دي بالما غيّر الكثير من تفاصيل القصة الاصلية، ولم نفز لا بتقدير النقاد ولا باقبال الجمهور. انها كانت كارثة عشناها انا وبروس ويليس وتوم هانكس اللذان شاركاني البطولة، ومعنا طبعاً برايان دي بالما. لذا فأنا انسى ذكر دوري الشرير الوحيد هذا حتى لا يمنعني تذكره من الحصول على غيره، واعتبر تجربة هذا الفيلم اسوأ ما عشته مهنياً حتى الآن. ان سؤالك يخص احلى تجربة لي امام الكاميرا، لكن جوابي كان بشكل عكسي تضحك، فربما يحتفظ المرء في ذاكرته اساساً بتجاربه السلبية. وأنا فعلاً غير قادرة على الكلام عن تجربة اعتبرها احلى تجاربي التي كانت كلها مختلفة وجذابة على نحو معين. وما احبه عند المخرجين هو الفارق في اسلوب العمل بين الواحد والآخر، وقد حالفني الحظ بالعمل مع افضل مخرجي هوليوود في الوقت الحالي.