في تقرير أعدته السفارة الاميركية في دمشق، فان سورية حققت اكبر معدل للنمو الزراعي في الشرق الاوسط، اذ ارتفعت قيمة انتاجها الزراعي الى 5،2 بليار دولار، الى جانب 2،2 بليار دولار قيمة الثروة الحيوانية. وطبقاً للتقرير الاميركي، وهو تقرير يبنى عادة على ارقام حكومية وخاصة، وعلى تقديرات تحصل عليها السفارة من مصادر مختلفة، فان الصادرات الزراعية السورية تجاوزت 650 مليون دولار في العام الماضي، وقد تتجاوز هذا الرقم في نهاية العام الجاري مع تحسن وتيرة التصدير الى دول الخليج العربي، اضافة الى زيادة مستوى الاكتفاء الذاتي، واتجاه السوق الى الاتكال على المزيد من الانتاج المحلي، سواء من الخضار والفواكه، او من الحبوب، كالقمح والشعير والذرة. وبحسب تقديرات اولية، فان سورية مقبلة على تحقيق رقم قياسي جديد في الانتاج الزراعي لهذا العام. وتقول توقعات حكومية، ان انتاج الحبوب قد يزيد على 5،6 بليون طن من القمح والشعير، فيما من المتوقع ان يرتفع انتاج القطن الى 680 الف طن. وتحافظ سورية على مرتبتها الثانية عالمياً، بعد اوستراليا في معدل الانتاجية. ولم يقتصر التحسن على اصناف زراعية محددة، فعلى صعيد زراعة الشمندر السكري، قد يصل الانتاج للعام الجاري الى 338،1 مليون طن، اضافة الى 445 الف طن من البندورة و444 الف طن من البطاطا. ويتجه انتاج الفواكه الى تحقيق ارقام قياسية جديدة، اذ من المتوقع ان يرتفع انتاج العنب الى 642 الف طن، والى 270 الف طن من التفاح، و5،41 الف طن من الكرز، اضافة الى 98 الفاً من المشمش، والى 600 الف طن من البرتقال والحامض، اضافة الى 519 الف طن من الزيتون. والى الاسباب الموضوعية لاستمرار النمو الزراعي في سورية، وهي اسباب تتصل بالدعم الحكومي للقطاع الزراعي، وتوسع المساحات المروية، والخبرات التقنية التي يحصل عليها المزارعون، والاسعار التشجيعية لمعظم الزراعات الرئيسية، مثل الحبوب والشمندر السكري والقطن، فان سورية استفادت هذا العام من ظروف مناخية مواتية، اذ شهدت البلاد هطول الامطار في شهري ايار مايو وحزيران يونيو الماضي، ما ساعد على تجاوز ازمة الجفاف التي كادت تحصل نتيجة تراجع معدلات سقوط الامطار في فصل الشتاء، قياساً بالمعدلات التي تحققت العام الماضي، كما سمحت للمزارعين بتوفير جزء مهم من احتياجاتهم الى مياه الري، خصوصاً في المنطقة المصنفة بعلية، او تلك التي تضررت من تأخر تنفيذ بعض المشاريع المائية. ومع ذلك، فان الارقام القياسية في الانتاج الزراعي في سورية، لم تنعكس بشكل كافٍ على المزارعين السوريين الذين استمروا يعانون من مشكلة انهيار الاسعار، وعدم قدرة السوق المحلية على استيعاب كامل الانتاج، في ظل فشل واضح لسياسات التصدير الى الخارج. وباستثناء اصناف رئيسية مثل القمح والشعير والشمندر والقطن والتبغ، وهي اصناف تشتريها الحكومة بأسعار تشجيعية في غالبية الاحيان، فان منتجات زراعية اخرى لا زالت تعاني من عدم قدرة السوق على استيعابها، اضافة الى فقدان اسواق خارجية كافية. وتصل أزمة الاسعار الى ذروتها في مواسم قطاف الفواكه والخضار، اذ يعمد العديد من المزارعين الى ترك انتاجهم في الحقول بسبب عدم قدرة الاسعار في السوق، حتى على تغطية اكلاف القطاف، على سبيل المثال، من دون احتساب اكلاف الانتاج والاسمدة والري، وهي اكلاف يدفعها المزارع في بحر السنة. وباستثناء كميات محدودة من الفواكه والخضار يتم تصديرها الى الاسواق المجاورة مثل لبنان والاردن، وبصورة اقل، الى السعودية ودول خليجية اخرى، فان معظم الانتاج السوري من العنب والتفاح والبرتقال يطرح في الاسواق المحلية، الامر الذي يؤدي الى انهيار شبه كلي للاسعار. وحتى انتاج الحبوب والقطن والتبغ، لا يخلو من المشاكل والازمات، اذ في ظل غياب عقود التصدير، ثم في فقدان امكانات التخزين الكافية، تضطر الحكومة الى استخدام وسيلة التخزين في الهواء الطلق. ويقدر حجم الحبوب المخزنة في الهواء الطلق بحوالي 5،3 مليون طن. وقد ترتفع هذه الكمية في نهاية العام الجاري الى اكثر من 5،4 مليون طن، كنتيجة مباشرة لزيادة الانتاج، من دون زيادة امكانات التخزين. ويقدر التلف في السلع المخزنة في الهواء الطلق بحوالي 20 - 30 في المئة سنوياً، نتيجة العوامل الجوية المتقلبة وتسرّب الرطوبة. وينظر الى مشكلة الكساد في الانتاج والهدر في التخزين على انها احد وجوه التقصير في السياسة الزراعية التي اعتمدتها الحكومات السورية المتعاقبة منذ الثمانينات. اذ في حين كان المطلوب وضع سياسة متكاملة، تأخذ في الاعتبار زيادة الانتاج في موازاة زيادة التسويق والتصدير، فان التركيز قام بصورة رئيسية على زيادة الانتاج التي اصبحت على ما يبدو هدفاً قائماً بذاته. ويجمع خبراء اقتصاديون في دمشق على ان الافراط في توفير الدعم للمزارعين، وهو دعم شمل تقديم القروض الميسرة والاسمدة والادوية الزراعية بأسعار مدعومة تقل بنسبة 30 في المئة عن مستوياتها في دول اخرى، لم يقابله تطوير آليات التسويق والتصدير، الامر الذي ادى الى بروز أزمة ساعد في تفاقمها وقف التصدير الى دول الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية سابقاً.