يشرف موسم قطاف القطن في سورية على نهايته. وبحسب التقديرات غير النهائية لوزارة الزراعة السورية، فان الانتاج للموسم الحالي مرشح لملامسة مستوى ال 650 ألف طن، بعدما كان بلغ العام الماضي حوالي 537 ألفاً. في اشارة واضحة الى التحسن الذي حققته زراعة القطن السوري، والى النجاح الذي بلغته السياسة التي اتبعتها وزارة الزراعة لزيادة انتاج هذا الصنف الذي يطلق عليه في سورية اسم الذهب الابيض، خصوصاً لجهة تحسين نوعية الاصناف المزروعة، وزيادة مستوى الحماية من الامراض التي كانت ضربت المواسم الماضية في خلال السنوات الست الاخيرة، وكان اكثرها خطورة مرض الذبابة البيضاء الذي هدد بالقضاء على معظم المحاصيل الزراعية. لكن مع قرب نهاية الموسم، تعود مشكلات قديمة - جديدة الى الظهور، وان بشكل أكثر خطورة عما كانت عليه في السنوات السابقة. ويجمع عاملون في القطاع الزراعي السوري على طرح سؤال مهم هو: ماذا ستفعل سورية بهذا الانتاج المتنامي والضخم، في ظل عدم قدرة الصناعة المحلية على الاستيعاب من جهة وتراجع الاسعار في الاسواق العالمية من جهة ثانية؟ وطبقاً لتقديرات شبه رسمية، فان الانتاج الحالي سيعطي 220 ألف طن من القطن المحلوج و390 ألف طن من بذور القطن، في حين ان الطاقة التخزينية النظامية لا تزيد عن ثلث هذه الكميات، أي أن ثلثي الانتاج سيبقيان خارج التخزين النظامي، مع كل احتمالات الخطر التي قد يواجهانها. وبحسب التقديرات نفسها، فان طاقة المحالج في سورية لا تزيد عن 493 ألف طن حتى نهاية نيسان ابريل المقبل، وهي لن تزيد ايضاً عن 560 ألف طن في نهاية شهر ايار مايو، الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى بقاء ما يقارب مئة ألف طن من دون حلج. كذلك، فان الطاقة الانتاجية لمعامل الزيوت الستة لا تزيد عن 222 ألف طن سنوياً، في حين ان كمية البذار الموجودة تصل الى 390 ألف طن، أي ان هناك حوالى 170 ألف طن من البذار تحتاج الى معامل لتصنيعها. وكانت سورية تلجأ الى مصانع قريبة في تركيا وغيرها، أو الى تصدير البذار الى الخارج لعصره. بالمقابل، فان طاقة معامل النسيج والغزل لا تتجاوز في أفضل الحالات 160 ألف طن ستحتاج الى معامل لتصنيعها، والا اضطرت الحكومة السورية الى تصديرها الى الخارج من دون تصنيع. فهل الاسواق الخارجية جاهزة لاستقبال هذه الكميات في ظل المنافسة القوية التي تشهدها؟ تقول دراسة سورية غير رسمية، ان المخزون العالمي من القطن قفز من 97.6 مليون طن في العام 1991 الى 2،9 مليون طن في العام الفائت. ومن المتوقع ان يرتفع العرض في خلال الاشهر الخمسة المقبلة الى 5،29 مليون طن، في مقابل استهلاك عالمي لا يزيد عن 3،19 مليون طن. وتتوقع الدراسة أن تشهد الصادرات السورية من القطن غير المصنع مزيداً من الصعوبات بسبب حدة المنافسة من جهة، وتدني نوعية القطن المحلي قياساً بنوعية الاقطان الاخرى من جهة ثانية. وتعتبر الدراسة أن أفضل ما يمكن للحكومة ان تحققه لهذا الموسم هو المحافظة على العقود التي كانت توصلت اليها سابقاً، ويصل حجمها الى 142 ألف طن لتصديرها الى الخارج. ويجمع خبراء اقتصاديون في سورية، على ان المشكلة التي يواجهها موسم القطن هي جزء من المشكلة العامة التي يواجهها القطاع الزراعي ككل، اذ غالباً ما تفتقر خطط التنمية الزراعية الى خطط مكملة لها على صعيد التصنيع والتسويق، سواء في الداخل ام في الخارج، والفائض الذي أمكن تحقيقه في خلال السنتين الماضيتين على صعيد الانتاج، لم يتوافر له التصنيع الكافي، وتحول من مؤشر ايجابي الى عبء جديد على الاقتصاد. وفي رأي هؤلاء الخبراء ان المشكلة التي يواجهها موسم القطن، واجهتها في خلال الاشهر الماضية مواسم زراعية اخرى، ويقدر حجم الحبوب المخزنة في العراء بمليوني طن لهذا العام، لأن طاقة الصوامع والمخازن لا تزيد عن 21،1 مليون طن، فتضطر الدولة التي تشتري المحصول من المزارعين الى تخزينه في العراء، بعد تغطيته بالشوادر التي قد تنجح في منع تسرب المطر، لكنها لا تستطيع منع تسلل الرطوبة. ومن غير المتوقع ان تستطيع الحكومة السورية، توفير مخازن اضافية لاستيعاب الزيادة المتوقعة في الانتاج في خلال السنوات الاربع المقبلة، على رغم ان الخطط الزراعية تركز على ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض السلع والمحاصيل التي تعتبر محاصيل استراتيجية. كما هي حال القمح والذرة والشعير. وما حصل لموسمي القمح والقطن، تعرضت له بصورة أوسع مواسم زراعات أخرى، مثل الزيتون والتبغ والتفاح والعنب. فقد بلغ انتاج سورية من الزيت للعام 1992 حوالى 470 ألف طن، في حين ان الاستهلاك المحلي لا يزيد على 300 ألف طن، ويعاني مزارعو الزيتون من عدم وجود مصانع كافية لعصره، الامر الذي يضطرهم الى نقله، اما الى لبنان أو الى تركيا، في ظل منافسة تدفع الاسعار هبوطاً الى مستوى دون الكلفة الاساسية. ويقدر انتاج سورية من التبغ بحوالى 21 ألف طن، إلا أن قدرة المصانع المحلية للسجائر لا تزيد عن 8 آلاف، في حين ان حاجة السوق المحلية الى هذه السلعة تتجاوز مستوى ال 18 ألف طن وتضطر الحكومة الى تصدير الفائض لديها من اوراق التبغ الى دول اخرى، مثل مصر وبعض دول اوروبا الشرقية لاعادة تصنيعه. واضطر مزارعو العنب والتفاح وبعض انواع الخضار في خلال الموسم الماضي الى ترك محاصيلهم من دون قطاف بسبب انهيار الاسعار، وتعذر "العثور" على وسائل نقل كافية، الى جانب غياب الاتفاقيات الكافية للتصدير الى الاسواق المجاورة. ويجمع مراقبون اقتصاديون في سورية على ان الخلل الاساسي في القطاع الزراعي يتمثل في غياب الخطط المتكاملة. فالسياسة الزراعية السورية ركزت بالدرجة الاولى حتى الآن على زيادة المحاصيل والانتاج، من خلال حوافز حصل عليها المزارعون، من بينها القروض الميسرة والاسعار التشجيعية للأسمدة، والمشروعات العملاقة للري، وحملات مكافحة الآفات الزراعية إلا ان هذه السياسة لم تقترن بالخطط الكافية، سواء في مجال التصنيع، أم في مجال التصدير، وعندما حققت خطط زيادة الانتاج اهدافها اصطدم المزارع بمشكلة فقدان الصناعات المحلية القادرة على استيعاب الزيادة التي امكن تحقيقها، الى جانب غياب الاسواق للتصدير اليها. ويقول تقرير رسمي إن سورية تنفق سنوياً مبالغ طائلة لتغطية قيمة فاتورة السجائر الاجنبية المهربة الى اسواقها الداخلية بسبب النقص في التصنيع المحلي، اذ لا تتجاوز طاقة المصانع القائمة حالياً مستوى ال 8 آلاف طن، في حين ان حجم السوق يصل الى 18 ألف طن سنوياً، والانتاج المحلي الى 21 ألف طن. ويلاحظ التقرير انه في الوقت الذي لا تزيد قيمة الصادرات من أوراق التبغ عن ال 26 مليون دولار، فان حجم فاتورة الاستيراد ولو من باب التهريب تتجاوز بسهولة مبلغ ال 231 مليون دولار. لكن الحكومة السورية وعدت أخيراً بتطوير سياسة التصنيع والتصدير لاستيعاب الفائض الذي حققه الانتاج الزراعي، الا أن المشكلة قد تكون في قدرة الحكومة على تنفيذ هذا الوعد.