شهد الفصل الأول من العام الجاري تجاذباً على الصعيد المالي والنقدي في لبنان، اذ ارتفع الطلب على الدولار الاميركي في سوق القطع في بيروت، مما اضطر مصرف لبنان الى التدخل بائعاً من احتياطه نحو 360 مليون دولار اميركي بهدف تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية ومنعها من التدهور مجدداً، بعد ان تحسن سعرها منذ تشرين الأول اكتوبر 1992، من نحو 2240 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد الى 1735 ليرة لبنانية. وظهر اثر هذا التجاذب في هيكلية الموازنة الموحدة للمصارف التجارية اللبنانية، التي ارتفعت من 2،14634 مليار ليرة لبنانية في نهاية 1992 الى 14923 مليار ليرة في نهاية آذار مارس 1993، اي انها حققت زيادة بلغ حجمها 8،288 مليار ليرة لبنانية ونسبتها 9،1 في المئة. ويلاحظ ان هذه النسبة لا تتجاوز جزءاً بسيطاً من الفائدة على المبلغ الذي تتكون منه هذه الموازنة. وبقيت نسبة "الدولرة" مرتفعة خلال الفصل الاول من السنة. و"الدولرة" هنا تعني نسبة اعتماد اللبنانيين المقيمين على العملة الاميركية، في التداول اليومي واستعمالها في مدخراتهم وودائعهم. وهي بلغت 2،70 في المئة، بعدما كانت تدنت من 86 الى 69 في المئة في الفصل الاخير من 1992. التغييرات التي ميزت الموازنة الموحدة تتجلى من خلال بنودها، كالآتي: اولاً، على صعيد الموجودات: تراجعت الموفورات بالليرة اللبنانية الى 619 مليار ليرة لبنانية، فنقصت نحو 50 ملياراً عما كانت عليه في نهاية 1992، والسبب في ذلك اقبال المودعين على شراء العملة الاجنبية مرة اخرى، بعد ان تبين لهم ضآلة حظ التوظيف الاستثماري ذي المردود المالي العالي. اما الديون على القطاع الخاص، وهي التي تعبر عن مدى حجم الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الوطنية فقد ارتفع حجمها من 9،4367 مليار ليرة الى 1،4858 مليار ليرة اي بزيادة 1،54 مليار ليرة، نسبتها 1،1 في المئة. وهذه الزيادة في نطاق التسليفات للقطاعات الاقتصادية تشكل زيادة هشة، وتؤكد حال الجمود الاقتصادي في البلاد بسبب عدم اتاحة المجال لتنفيذ الخطة الاقتصادية، وبسبب بعض الخلافات السياسية التي ظهرت بين اركان الحكم، مما ابقى الحذر مسيطراً على جبهة الاستثمارات والتوظيفات. فاذا كانت الفائدة الدائنة تتراوح بين 8 و10 في المئة فصلياً، وحجم التسليفات زاد بنسبة 1،1 في المئة، فهذا يشير الى الانكماش الاقتصادي، او الى حال الترقب وعدم الاقبال على تنشيط القطاعات. ويبرر حجم التسليفات بالعملات الاجنبية جزءاً من عدم التطور فيها، ذلك ان التسليفات بالعملات الاجنبية توازي 90 الى 92 في المئة من حجم التسليفات العام. ولما كان سعر الدولار الاميركي تراجع من 1838 ليرة الى 1735 ليرة، فان هذا التراجع يعتبر مؤشراً سلبياً اذا قومنا التسليفات بالليرة اللبنانية، لكن عندما نقومها بالعملة الاميركية، نجد انها ارتفعت بنسبة مئوية مقدارها 3،5 في المئة، وهي نسبة لا تشير الى نشاط في القطاعات الاقتصادية، بل الى جمود، لأن هذه النسبة توازي في الواقع معدل الفائدة على الدين او على التسليفات. وتمتص التجارة الخارجية والداخلية نسبة 52 في المئة من هذه التسليفات، في حين ان قطاع الزراعة يحصل على نحو 4 في المئة، والصناعة على نحو 9 في المئة والبناء على نحو 9 في المئة. ويلاحظ ان الجهاز المصرفي اللبناني زاد توظيفاته في الخارج نحو 344 مليون دولار اميركي، في حين انه لم يرفع حجم التزاماته اكثر من 67 مليون دولار اميركي. مما يجعل موجوداته الخارجية تسجل فائضاً مقداره 277 مليون دولار اميركي. وبذلك يكون وضعه الداخلي سليماً وقادراً على مجابهة الصعوبات المالية. اما على صعيد الودائع والمدخرات في باب المطلوبات، فيلاحظ ان ودائع اللبنانيين ارتفعت من 4،10968 مليار ليرة الى 1،11142 مليار ليرة اي انها زادت 6،173 مليار ليرة، نسبتها 5،1 في المئة. وتفصيلياً تراجعت الودائع بالليرة اللبنانية نحو 6،70 مليار ليرة نسبتها 2 في المئة. وهذا التراجع مرده اقبال المودعين على شراء العملات الاجنبية، وقد زادت الودائع بالعملات الاجنبية، فارتفعت الى 3،7649 مليار ليرة اي بزيادة 2،244 مليار ليرة على رغم تراجع سعر صرف الدولار الاميركي. وبلغت بالدولار 4 مليارات و391 مليوناً، اي بزيادة مقدارها 362 مليون دولار اميركي. ويلاحظ ان هذه الزيادة توازي المبلغ الذي باعه مصرف لبنان، بحيث ينتفي عامل تحقيق الارباح والتحويلات من الخارج. اما على صعيد القطاع العام، فيبدو ان ديون الدولة تراجعت نحو 6،86 مليار ليرة نسبتها 8،2 في المئة بسبب تراجع العجز بين الواردات والنفقات في الموازنة العامة. كما ارتفعت ودائعها نحو 4 مليارات ليرة لبنانية نسبتها 9،3 في المئة. ان التوقف عند الموازنة المجمعة للمصارف التجارية اللبنانية الموحدة، خلال الفصل الأول من سنة 1993 يشير الى استمرار فترة الجمود على الصعيد الاقتصادي. وربما تحول خلال الفصل الثاني الى بداية للنشاط والى مزيد من الثقة في الواقع، على ضوء التوقعات بضخ اموال غير لبنانية للاستثمار في لبنان.