في الحادي عشر من حزيران يونيو المقبل ستجري في ايران سادس انتخابات رئاسية منذ سقوط الشاه وقيام "الجمهورية الاسلامية". ويخوض معركة الانتخابات هذه عدد كبير من المرشحين ابرزهم الرئيس الحالي علي اكبر هاشمي رفسنجاني 58 سنة. وقال آية الله احمد جنتي عضو مجلس الوصاية ان 128 شخصاً سجلوا اسماءهم للترشيح في الانتخابات الا ان بعضهم دون السن اللازمة او يفتقرون الى الخبرة الضرورية للترشيح. ومنذ أول انتخابات رئاسية أظهر مجلس الوصاية على الدستور يتألف من12فقيهاً وقانونياً، قدراً كبيراً من النفوذ داخل المؤسستين الدينية والسياسية واستطاع المجلس أن يشد الانظار الى قدرته على إزاحة جميع المرشحين الذين لا ينسجمون مع الدستور أو مع تفسير أعضاء مجلس الوصاية لمواد الدستور. ففي الانتخابات الرئاسية الاولى تبنت المؤسسة الدينية المدعومة من آية الله الخميني الدعوة الى ترشيح جلال الدين فارسي لكن مجلس الوصاية احبط تلك الدعوة بحجة ان اصول فارسي ليست ايرانية وان جده - أو احد أجداده - من اصول افغانية. وبذلك كان منع جلال الدين فارسي من الترشيح بداية المواجهة بين مجلس الوصاية وتيارات اخرى صارت هي الاخرى ضحية امتناع بعض اعضاء المجلس عن الموافقة على تأييد مرشحيها للانتخابات الرئاسية وغيرها. ولولا معارضة مجلس الوصاية لعدد من المرشحين الحاليين لكان الرئيس الحالي هاشمي رفسنجاني واجه منافسة جدية من عدد لا بأس به من المرشحين ومن ذوي الاتجاهات المختلفة، بعضهم مارس السلطة في الجمهورية الاسلامية واكتسب شعبية توفر له منافسة شخص كرفسنجاني. وتشير بعض المعلومات الى اسمين على وجه التحديد يختلفان مع رفسنجاني في آرائه وتوجهاته لكن يقتربان من شروط الترشيح بمواصفات كبيرة مع وجود بعض العلامات الفارقة في كل منهما. الاول هو مهدي بازركان والثاني مير حسين موسوي. فمهدي بازركان اول رئيس لاول حكومة ثورية شكلها الخميني في ايران. وبازركان الذي يرأس حركة تحرير ايران والذي سقطت حكومته بعد احتلال الطلبة للسفارة الاميركية في تشرين الثاني نوفمبر 1979، بدأ يحظى باهتمام واسع من قطاعات ايرانية مختلفة، وساهمت سياسة رفسنجاني خلال السنوات التي اعقبت توقف الحرب العراقية - الايرانية في ترويج افكار بازركان وجماعته التي نشطت مستفيدة من الحرية النسبية في البلاد. وقامت بنشر مبادئها واستقطبت اوساطاً من المثقفين والاكاديميين، بل واصدرت - بصورة غير مباشرة - عدداً غير قليل من المجلات، منها على سبيل المثال مجلة "ايران فردا" اي "ايران الغد"، وهي مجلة عنت منذ صدورها قبل نصف عام تقريباً بتهيئة اذهان الرأي العام في ايران واتجاهاته للتحولات التي تريدها وتتوقعها لايران الغد. وفي انتخابات سابقة قبل وفاة الخميني رفض مجلس الوصاية السماح لبازركان بالترشيح للرئاسة، كما لم يسمح المجلس لجماعته بالترشيح للانتخابات البرلمانية في الدورتين الثانية والثالثة، كما قاطع جماعة بازركان الانتخابات البرلمانية الماضية التي اسفرت عن ازاحة تيار جماعة علماء الدين المناضلين كروبي وجماعته بعد ان تدخل مجلس الوصاية على الدستور واستخدم "حقه" في حذف وشطب اسماء غير المرغوب بهم. وعلمت "الوسط" ان بعض الجهات الايرانية حاول التوسط للسماح لمهدي بازركان بترشيح نفسه هذه المرة والموافقة على ترشيحه، الا ان المجلس رفض ذلك. وتعتقد بعض اوساط المراقبين ان بإمكان بازركان -اذا رشح نفسه - ان يمنح الانتخابات المقبلة الحرارة المطلوبة ويجعلها تتخطى الرتابة والروتينية المتوقعة لها. لكن من الواضح ان بازركان يواجه معارضة داخلية جديدة اذ هاجمت مجموعة من المتطرفين يوم 14 ايار مايو الجاري مكاتب مجلة نشرت مقابلة مع بازركان قال فيها هذا الاخير "ان الشعب الايراني محبط ويعاني مشكلات خطيرة". المرشح الثاني مير حسين موسوي هو رئيس الوزراء السابق وقد ازيح من السلطة بعد تعديلات ادخلت على الدستور ودمجت رئاسة الوزراء برئاسة الجمهورية واعطتها قدرة تنفيذية كبيرة. وموسوي يذكره الجميع - عدا الجماعة المعروفة بروحانيت - بأنه تمكن من قيادة سفينة ايران اثناء فترة الحرب مع العراق. ويثني رجل الشارع الايراني على مير حسين موسوي ويتحسر على ايام حكومته لان السلع كانت متوافرة والغلاء لم يكن كما هو عليه الآن و"كنا نستطيع ان نعيش" كما يقول لنا رجل الشارع الايراني، وكما يقول - ولو مع الفارق - "الثوريون" ومجاميع الحرس والبسيج التعبئة، اذ ان غالبيتهم لا تفضل التصويت لصالح رفسنجاني، وان كانوا يقولون انه الاصلح بين المرشحين الحاليين. ولكن لماذا لا يصوت "الثوريون" لصالح رفسنجاني ولماذا اذاً هذا الاصرار من رفسنجاني وجماعته وانصار نهج الاصلاح على التعبئة الشاملة للانتخابات المقبلة؟! بعد ان توقفت الحرب العراقية - الايرانية ارتفع في ايران صوتان: واحد نادى بانفتاح وتحرير اقتصاد ايران وتحويله الى اقتصاد السوق، وكان رفسنجاني اول من تبنى هذا التوجه. وآخر دعا الى استمرار سيطرة الحكومة على عجلته وعدم سماحها لاصحاب المصالح الاقتصادية الضيقة وتجار البازار - واكثرهم من الجناح الاول - بالسيطرة على خبز الناس وقوتهم اليومي تحت ذريعة الانتقال الى اقتصاد السوق ودمج الاقتصاد الايراني بحركة الاقتصاد العالمي. هكذا يقول المتشددون القدامى من جماعة رئيس البرلمان السابق مهدي كروبي. عدد أصوات الناخبين من هنا لا يجد المراقب اية صعوبة في التكهن بنتائج انتخابات الرئاسة المقبلة لان رفسنجاني لن يواجه منافسين جادين، بفضل مجلس الوصاية. والثوريون لن يمنحوا اصواتهم لرفسنجاني، واسبابهم في ذلك مختلفة باختلاف اجنحتهم، لكنهم متفقون على القول بأن عهد رفسنجاني شهد تراجعات كبيرة عن خط الثورة ونهج الخميني. وتنشر صحيفة "سلام" اعتراضات تنسبها الى "قراء"، وقال احدهم ان الاداء السيىء للاقتصاد الايراني وما اسماه بپ"سوء حظ الاقتصاد الايراني" انما هو لقبول رفسنجاني بنظرية ذلك الجناح الذي نادى بالصوت الاول. ولكن رفسنجاني الواثق من انتصاره مهتم جداً بأعداد اصوات الناخبين لانه يريد تحقيق هدفين رئيسىين يثبت من خلالهما انه الاقوى على تصريف الامور في اىران وهما: اولاً: يريد رفسنجاني من الاصوات الكثيرة الانتخابية التأكيد للثوريين والمتشددين القدامى ان برامجه الاصلاحية تحظى بتأييد الجماهير ولذلك يسعى في كل خطاب يلقيه في المناسبات، خصوصاً الثورية والجماهيرية، الى تأكيد انه يحظى بتأييد جماهير الشعب. وقد وصف معارضي برامجه الاصلاحية بپ"اللامباليين" وحاول المزايدة عليهم في الشعارات، وقال في مطلع السنة الايرانية الحالية - في نيسان ابريل الماضي - انه لن يسمح لبرامج الاصلاح الاقتصادي ان تمر على حساب تجاهل رسالة الثورة. ثانياً: سيستفيد رفسنجاني من عدد الاصوات الكثيرة التي ستمنح له في تعزيز مواقعه والصمود امام ضغوط انصار نهجه الاصلاحي الذين يشددون الضغوط عليه ويريدون منه تنفيذ برامجه نقطة نقطة وحرفاً حرفاً. لقد افشل الرئيس الايراني عدداً من محاولات البرلمان لزعزعة قدرته ونفوذه ولم يتمكن البرلمان من حجب الثقة عن عدد من الوزراء غير المرغوب بهم من قبل المتشددين الجدد المسيطرين عليه، ولم يسمح رفسنجاني للبرلمان الا بمساءلة واحد من وزرائه هو وزير النقل والمواصلات بسبب المزاج الشعبي العام الذي كان مسيطراً على الاجواء في ايران بعد حوادث اصطدام طائرات وقطارات راح ضحيتها مئات المواطنين. ومع ذلك استخدم رفسنجاني نفوذه المعنوي واستقبل وزيره سعيدي كيا قبل يوم واحد من اجتماع البرلمان لحجب الثقة عنه، وكانت خطوة رفسنجاني اكثر من مدروسة لان نصف البرلمان فقط صوت لصالح حجب الثقة واحيل الامر الى مجلس الوصاية الذي انحاز الى رفسنجاني لارضائه وافتى بأنه ما دام نصف اعضاء الحاضرين في البرلمان لم يحجبوا الثقة عن الوزير فله ان يبقى في الوزارة. "ثورية" رفسنجاني والبرلمان الذي سيطر عليه المتشددون الجدد تحت واجهة حماية الرئيس وبرامجه الاصلاحية يثير الكثير من المشاكل امام رفسنجاني لكنه لا يستطيع ان يرفض الدعوة الى انتخابه ثانية لانه "الاصلح" في هذه المرحلة بالذات. ويطالب البرلمان رفسنجاني بإدخال عناصر "رسالت" الى الحكومة وان يقاسم البرلمان الرئيس سلطة رسم سياسة البلاد الخارجية. ويرفض رفسنجاني الاستجابة لضغوط البرلمان وهو لا يؤمن كثيراً بقدرة عناصر صحيفة "رسالت" اليمينية على ادارة الوزارات بعد ان جربها من قبل رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي. ويقول رفسنجاني ان الكفاءة العملية والتخصص هما اللذان يحددان طريقته في اختيار وزرائه. ولهذا رفض رفسنجاني الاستجابة لضغوط مكررة مارسها البرلمان بطرق مختلفة لاجباره على القيام بتعديل وزاري يطيح بخمسة على الاقل من وزرائه الحاليين. وآخر تلك الضغوط ما قاله رئيس البرلمان ناطق نوري وهو يدلي بتصريحات محسوبة ومدروسة عشية البدء بتسجيل اسماء المرشحين للانتخابات المقبلة، وهي تصريحات تعكس طبيعة المواجهة المقبلة بين الرئيس والبرلمان وستعتمد بشكل اساسي على نتائج الانتخابات المقبلة والاصوات الممنوحة للرئيس. فقد قال ناطق نوري في مقابلة صحفية انه واثق من انتصار رفسنجاني لكنه واثق ايضاً من ان الرئيس سيقدم للبرلمان اسماء حكومته الجديدة وقد اختفى منها بعض الوزراء. قالها ناطق نوري ثم ذهب الى اقليم هرمزكان وهناك ادلى بتصريحات مشابهة الامر الذي اثار انتباه المراقبين وهم يرصدون حركة رفسنجاني الداخلية. في هذه الفترة بالذات سربت اوساط البرلمان خبراً عن نية نائب الرئيس ومساعده الاول الدكتور حسن حبيبي الاستقالة، كي توهم الرأي العام الايراني ان رفسنجاني استجاب لضغوط البرلمان وهو لا يملك غير ذلك. لكن رفسنجاني قال بصراحة مكشوفة انه لن يجري تعديلاً وزارياً في حكومته الحالية كما يريد البرلمان وانه سيختار اسماء وزارته المقبلة من دون مؤثرات "ووفق مصالح البلاد". ويلجأ البرلمان عادة الى ضغوط كثيرة يرتدي بعضها لباساً قانونياً. أما العلاقة بين رفسنجاني ومرشد الثورة علي خامنئي فهي المهمة، لان خامنئي بدا هذه الايام منحازاً الى البرلمان عندما شجع على تطبيق البند 90 المتعلق بمحاسبة المسؤولين، وذلك بعد الاثارة التي رافقت موضوع المخالفات القانونية في جزيرة قشم الايرانية. وترى بعض الاوساط ان خامنئي انحاز الى لجنة برلمانية خاصة رصدت المخالفات القانونية في جزيرة قشم، وهي الجزيرة التي اعلنها البرلمان السابق مع كيش وجابهار مراكز للتجارة الدولية الحرة. وتعني محاكمة المسؤول عن جزيرة قشم اساساً اضعاف رفسنجاني والحد من سيطرته بعد ان انضم خامنئي الى تيار منتقديه ولو بصورة غير مباشرة. وهناك ايضاً مسألة "قوات التعبئة" ودورها الجديد بعد توقف الحرب العراقية - الايرانية. فقد حاول خامنئي اعادتها ثانية الى الواجهة الا ان رفسنجاني رفض ذلك ووصف "قوات التعبئة" اي البسيج بالسذاجة "وان البسيجي لا يصلح لشيء غير الزراعة، في اشارة منه الى اصولهم القروية وبالتالي من الصعب اشراكهم في ادارة البلاد. ولهذا الموضوع علاقة مباشرة بتحول ايران من خط الثورة الى نهج الدولة ومن التطرف الى الواقعية، وهو ايضاً موضوع ادلى البرلمان بدلوه فيه اذ سارع الى دراسة قوانين تسمح لقوات "البسيج" بالتواجد في المؤسسات الحكومية والاشراف عليها، وهذه احدى الصعوبات التي يواجهها رفسنجاني. يبقى ان نشير ايضاً الى ان ما تسميه ايران بالضغوط الاميركية والغربية عليها واتهامها بالارهاب ومساندة التطرف والتدخل في المعارك القائمة بين الاسلاميين والحكوميين في مصر والجزائر، وغيرها من مواضيع العلاقة بين ايران والغرب والولايات المتحدة، وهي عوامل يحاول رفسنجاني توظيفها لتأكيد صورته "الثورية" لدى الحرس الثوري والبسيج وباقي قطاعات المؤسسة الدينية "الثورية" لانه يريد اصوات هؤلاء الثوريين وغيرهم لخوض معركته المقبلة مع البرلمان. ويعترف المقربون من الرئيس الايراني الحالي بأن "رفسنجاني هو المرشح الجدي الوحيد، اما المرشحون الاخرون فموجودون لاعطاء انتخابات الرئاسة مظهراً اكثر ديموقراطية". والمشكلة الاساسية التي يواجهها رفسنجاني هي الاقتصاد وذلك بعد إحداث تخفيض كبير في قيمة العملة الايرانية في اذار مارس الماضي قد يتسبب في زيادة معدل التضخم. وقال ديبلوماسي غربي "على رغم ان الاصلاحات الاقتصادية ضرورية لاعادة بناء الاقتصاد ويؤيدها عدد كبير من رجال الاعمال فإنها تلقى استياء شعبياً واسع النطاق". واضاف قوله ان الاصلاحات تسببت في زيادة الاسعار في وقت بدأت ترفع فيه الدولة الدعم تدريجياً. وذكر مراسل وكالة "رويتر" ان الناخب الايراني لا يعطي اهمية كبيرة لقضايا السياسة الخارجية على رغم ما قد يكون لها من تأثير كبير على الاقتصاد. وقال ديبلوماسي غربي ان محاولة رفسنجاني اجتذاب المستثمرين الاجانب واتصالاته التجارية اخفقت في جانب كبير منها نظراً الى استمرار عدم ثقة الغرب في الحكام الايرانيين. ولم يستطع رفسنجاني ايضاً اقصاء حكومته عن مظاهر الاصولية المتشددة ومساندة المتشددين الاسلاميين في مختلف انحاء العالم. وقال احدهم "لم يتمكن من نفض غبار تركة 14 عاماً من الثورة.. ولكن اقبال عدد كبير من الناخبين قد يساعده على تقليل نفوذ الراديكاليين في البلاد". التصويت والفرز بواسطة الكمبيوتر كان منصب رئاسة الجمهورية غير مهم في ايران قبل التعديل الدستوري الذي ألغى رئاسة الوزراء وأعطى الرئيس صلاحيات تنفيذية واسعة. وأول رئيس للجمهورية الاسلامية كان ابو الحسن بني صدر الذي فرّ من ايران صيف 1981 ولجأ الى فرنسا حيث لا يزال حتى اليوم. وبعده تم انتخاب محمد علي رجائي رئيساً للجمهورية ثم انتخب علي خامنئي رئيساً مرتين قبل ان يصبح هاشمي رفسنجاني رئيساً بعد وفاة آية الله الخميني. وسيجري التصويت والفرز في هذه الانتخابات بواسطة اجهزة الكمبيوتر لضمان سلامة الاقتراع. الا ان اوساط المعارضين لرفسنجاني يشككون في ذلك ويقولون ان قصر المدة لتعلم المواطنين اصول التصويت بالكمبيوتر سيجعل فرص التلاعب بالانتخابات كثيرة اضافة الى انتقادات حادة ظهرت في الصحف تتهم الدولة بالاسراف لانها ستعتمد الكمبيوتر بدلاً من صناديق الاقتراع. وبعد عام كامل على غياب المتحدث الرسمي باسم الحكومة عاد حسن حبيبي الى ممارسة دوره من جديد وذلك في ما يبدو تراجعاً من رفسنجاني امام المتشددين الذين انتقدوه - قبل ايام من عودة المتحدث - على خلو الحكومة من متحدث باسمها. وقام رفسنجاني بجولات في المدن والقرى وافتتح مشاريع اقتصادية وعمرانية وتحدث عن منجزات حكومته ووعد الشعب بقطف ثمار برامجه في الدورة الرئاسية الثانية.