على رغم مناشدة مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي وقف اعتماد «خيار الشارع»، فإن السؤال المطروح حالياً هو هل سيلتزم المرشحون الخاسرون، وتحديداً مير حسين موسوي ومهدي كروبي، بتصريحات المرشد، أم ان التطورات حبلى بالمفاجآت؟ الجواب على هذا السؤال يعيدنا الى ظاهرتين سياسيتين في تاريخ الجمهورية الإسلامية، الأولى في بداية الثورة مع منظمة «مجاهدين خلق»، والثانية مع المرجع الديني حسين علي منتظري النائب السابق لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني. في الظاهرة الأولى، حاولت منظمة «مجاهدين خلق» التي شاركت في الثورة، ان تكون منظمة معارضة، وقبلت «الثورة» ان تكون كذلك، لكن عاملين مهمين جعلا هذه المنظمة خارج «الثورة»: الأول وجود تيار سياسي داخل النظام حاول الضغط على المنظمة من اجل اخراجها من صفوف الثورة، لاعتبارات فكرية وسياسية أهمها التحول الفكري والعقائدي الذي حدث داخل المنظمة بعد رحيل جيلها الأول، لتتخذ خياراً فكرياً وُصف ب«المنحرف والمنافق» والذي لا ينسجم مع الشعارات الإسلامية التي تبنتها المنظمة لدى تأسيسها. وحاول كثيرون أمثال مهدي بازركان رئيس الوزراء في اول حكومة شُكلت في ايران بعد الثورة، وحتى الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، اعادة الأمور الى طبيعتها مع المنظمة، لكن هذه الجهود فشلت في التوصل الى حلّ مع المتشددين الثوريين، لقبول المنظمة في صفوف الثورة. العامل الثاني يتعلق بنشاط المنظمة، اذ اختارت مواجهة الثورة وانتهاج خيار «الكفاح المسلح» لمواجهة النظام السياسي، الأمر الذي اعطى مبرراً للمتشددين بالقضاء على هذا التحرك، بحيث دفعت «الثورة» وإيران الكثير من شخصياتها نتيجة تلك المواجهة، امثال رئيس مجلس القضاء محمد حسين بهشتي ورئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس الوزراء باهنر وكثير من العناصر القيادية والسياسية في النظام. لكن المنظمة خرجت من اطار الثورة، لتقع في ما بعد في احضان اعدى اعدائها الرئيس العراقي صدام حسين، واتخذت من العراق قاعدة لها واستطاعت الاستفادة من الإمكانات الكثيرة التي وضعها النظام العراقي آنذاك تحت تصرفها. اما في الظاهرة الثانية، فقد نُحي منتظري من منصبه كنائب لولي الفقيه الإمام الخميني، في تراجيديا حدثت في الأيام الأخيرة لحياة مؤسس الجمهورية الإسلامية. وسعى رفسنجاني الذي كان يرتبط بعلاقات جيدة مع منتظري، كثيراً من اجل رأب الصدع، لكن المقربين من منتظري فضلوا ان يكونوا خارج اطار الثورة والنظام، ما ادى الى اعدام اهم المقربين لمنتظري وهو مهدي هاشمي، وفرض الإقامة الجبرية على منتظري حتى اليوم. وأحدث هذا الإجراء انقساماً في الساحة السياسية وحتى الثورية، لكن وجود الإمام الخميني آنذاك ساهم في تخطي ايران الأزمة، لأن الكل كان يلتزم بمرجعية الإمام الخميني من دون منازع. وتمر ايران اليوم في ظاهرة جديدة، ابطالها رفسنجاني ومير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتمي وناطق نوري، ومن ورائهم اسماء صغيرة وكبيرة. وعلى رغم دعم خامنئي لرفسنجاني وناطق نوري خلال خطبة صلاة يوم الجمعة، في ظاهرة تعتبر سابقة، لكن ما وصفه رفسنجاني في رسالته للمرشد قبل الانتخابات حول «البراكين المتأججة في الصدور الملتهبة»، تنبئ بمؤشرات تبدو مقلقة في بعض الأحيان. وبما ان هذه الأسماء ليست مسعود رجوي زعيم «مجاهدين خلق» او حسين علي منتظري، فإن الاعتقاد السائد انها لن تسمح لنفسها بأن تكون خارج اطار النظام ولن تقف امام القانون، وهذا ما انعكس تنصلاً لجماعة العلماء المناضلين (روحانيون) الإصلاحية وكروبي وموسوي، من تظاهرات امس، لأنها لم تكن مرخصة. ويرجح مراقبون حصول «معارضة سلبية» لمؤسسات قانونية، كمجلس صيانة الدستور الذي يحتضن «الكرة الانتخابية» وينظر في الطعون التي قدمها المرشحون الخاسرون. وفي خطوة اولى في هذا الاتجاه، يأتي عدم مشاركة موسوي وكروبي في اجتماع مجلس صيانة الدستور امس، من دون ذكر الأسباب. وقد يؤدي المرشح الثالث محسن رضائي الذي حضر الاجتماع، دور الوسيط بين موسوي وكروبي والمجلس، لما يملك من امكانات وعلاقات مع المؤسسات الحكومية والثورية والقيادية. وبناءً على ذلك، من المستبعد ان تشهد المناطق الإيرانية في المرحلة المقبلة تحريكاً ل «خيار الشارع» على حساب «خيار القانون»، لأن ذلك سيضع النظام السياسي في ازمة جديدة، وهذا ما يدركه الكل ولا يريدون حدوثه. لكن الأكيد ان المرحلة المقبلة ستكون حافلة بالتطورات، اقله التشكيك بالحكومة التي يشكلها الرئيس محمود احمدي نجاد.