أثار توقيع رادوفان كراجيتش، زعيم صرب البوسنة، على خطة فانس - أوين للسلام، خلال انعقاد "قمة الحظ الاخير" في اليونان، موجة عارمة من التفاؤل ببدء العد العكسي لنهاية الحرب في البوسنة والهرسك. غير ان موجة التفاؤل التي دفعت مجلس الامن الى البدء بوضع الخطط العملية لتنفيذ خطة فانس - أوين على الارض، تراجعت بسرعة اذ ان "برلمان" الصرب الذي عقد جلسة حامية له في بالي، قريباً من ساراييفو، رفض بأكثرية ساحقة التصديق على خطة فانس - أوين وذلك رغم الضغوط الكبرى التي مارسها رئيسا صربيا ويوغوسلافيا ميلوزيفيتش وكوزيتش وعلى رغم الدعوات للاعتدال والتعقل الواردة من موسكو. وقد لجأ "برلمان" الصرب الى "مخرج" لكسب الوقت وامتحان تصميم مجلس الامن الدولي، بأن قرر طرح خطة السلام على "الشعب" الصربي خلال استفتاء عام يجري يومي 15 و16 مايو الجاري. هذا "المخرج" اثار ارتباكاً في موقف الاجماع الدولي الظاهري ازاء الصرب في البوسنة: فالاوروبيون والاميركيون رفضوا الاستفتاء والاعتراف بقيمته القانونية، في حين ان الرئيس الروسي يلتسين سارع الى اعتباره فرصة يجب اقتناصها لاحلال السلام في البوسنة والهرسك، الامر الذي اعتبره كثيرون دعوة للانتظار قبل المبادرة بأي عمل ضد الصرب. وبموازاة ذلك، اكد الرئيس الصربي ميلوزيفيتش انه سيفرض حظراً على الصرب في البوسنة بحيث لن يسمح بامدادهم الا بالاغذية والحاجات الانسانية. ولم ينتظر مجلس الامن طويلاً للرد على رفض "برلمان" الصرب في البوسنة والهرسك التصديق على خطة السلام الدولية. وتمثل الرد باصدار القرار الرقم 824 يوم 6 ايار مايو الجاري الذي يقيم خمس "مناطق آمنة" موضوعة تحت حماية الاممالمتحدة وهي: ساراييفو، توزلا، زيبا، غوراجده وبيهاش. والمنطقة الاخيرة هي آخر جيب مسلم في البوسنة الغربية، وهي محاصرة تماماً وتتعرض لهجوم صربي متواصل منذ اسابيع عدة. ويطلب القرار الدولي الجديد بالانسحاب الفوري لكل الوحدات العسكرية الصربية من جوار هذه المناطق ويهدد باللجوء "الى وسائل اخرى" في حالة عدم احترام نص هذا القرار بما يعني اللجوء الى القوة العسكرية ضد صرب البوسنة. والواقع ان هذا القرار خيب آمال الكثيرين الذين كانوا ينتظرون من مجلس الامن الدولي رداً حاسماً على التحدي الصربي. ويقول خبراء عسكريون ان هناك حاجة الى 50 الف جندي على الاقل لوقف الهجوم الصربي. لكن من هي الدول المستعدة لأن ترسل الى البوسنة والهرسك 50 الف رجل؟ حتى الآن، لا يبدو ان الدول المستعدة لوضع وحدات جديدة او اضافية بتصرف الأممالمتحدة تتدافع على مدخل مجلس الامن. فالموقف الاميركي من ارسال وحدات أرضية الى البوسنة والهرسك معروف. واشنطن تستمر في رفض ارسال جنودها الا لتطبيق خطة السلام التي تكون جميع الاطراف قبلتها. وهذا الموقف ترفضه فرنسا ودول اوروبية اخرى. واشنطن ترد على الاوروبيين بأنها تؤيد القيام بأعمال عسكرية ضد الصرب على شكل غارات جوية على مواقعهم الحيوية وتطالب برفع حظر ارسال السلاح الى المسلمين في البوسنة والهرسك. ولهذا الغرض، جال وزير الخارجية وارن كريستوفر على العواصم الاوروبية من غير ان ينجح في حملها على التخلي عن تحفظها ازاء القيام بأعمال عسكرية في البوسنة والهرسك. وقد واجه كريستوفر الرفض نفسه ازاء رفع حظر السلاح عن المسلمين. والجديد ان بريطانيا ذهبت الى حد التهديد بالتصويت ضد قرار بهذا المعنى في مجلس الامن. وبما ان الادارة الاميركية التزمت الامتناع عن القيام بأي عمل فردي في البوسنة، من غير مشاركة الاوروبيين، فهذا يعني ان الاوروبيين يعطونها الذريعة للبقاء مكتوفة اليدين، بما في ذلك الامتناع عن المشاركة بقوات ارضية لتنفيذ القرار 824. وفي غياب مساهمة اميركية مهمة، يقدرها الخبراء العسكريون بعشرين الف رجل، فان ثمة تخوفاً من ان يكون مصير القرار الاخير كمصير القرارات الدولية كلها بشأن البوسنة والهرسك، اي تأجيل تنفيذها اسابيع وأشهراً بما يفقدها من فعاليتها او يؤدي الى دفنها.