سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوسط" حصلت على تقرير ضخم أصدره الكونغرس بعد تحقيقات واسعة . للمرة الأولى: وثائق ومعلومات أميركية سرية تفضح خفايا العلاقات السرية بين اسرائيل وايران وحقيقة شحنات الاسلحة الاسرائيلية الى طهران - قسم ثاني
"اسرائيل حرة بعد اطلاق الرهائن" وقد واصلت اسرائيل، طبقاً لتقريرها الرسمي، تلقي طلبات لشراء الاسلحة من ايران، ولكنها على ضوء التزام بيغن "لم تستجب لها". لكن الضغط على واشنطن لانهاء الحظر لم يتوقف. ففي المحادثات التي جرت بين بيغن ولويس في 12 كانون الاول ديسمبر قال بيغن ان هناك "طلبات ايرانية متزايدة تتكدس" وكلها تطلب الذخيرة وقطع الغيار. وابلغ لويس واشنطن في برقية: "يريد بيغن مني ان اكون على علم بالضغوط التي يتعرض لها من مؤسسته الدفاعية، ولو حتى ببيع بند واحد من اجل وضع قدم لاسرائيل في الباب وخدمة مصالحها السياسية والديبلوماسية البعيدة المدى. وعلى رغم ذلك اكد لي تصميمه على عدم فعل اي شيء، الى ان يتم اطلاق سراح رهائننا على ضوء طلب الرئيس منه ذلك". وفي العشرين من كانون الثاني يناير 1981 اطلقت ايران سراح الرهائن بعد ساعات فقط من تنصيب ريغان رئيساً. ويذكر لويس انه بعد ذلك مباشرة "قال لي احد كبار مسؤولي وزارة الخارجية الاسرائيلية انه يجب علينا ان نتوقع بحث هذه المسألة مبيعات الاسلحة قريباً". وكانت لدى اسرائيل اسباب وجيهة للافتراض بأنه بمجرد مغادرة الرهائن طهران بسلام فإن ريغان سيحترم التزام كارتر بالسماح لاسرائيل بفتح باب مبيعات الاسلحة لايران. لكن ريغان لم يكن على استعداد لفعل ذلك، او على الاقل في السجل الديبلوماسي المكتوب. ففي البرقية الرقم 284671 من وزير الخارجية الاميركي الجديد الكسندر هيغ الى لويس في الرابع من شباط فبراير 1981 حدد هيغ سياسة الادارة الجديدة من مبيعات الاسلحة الى ايران، واكد استمرار الحظر الذي كان كارتر فرضه. اذ انه على رغم انتهاء بواعث القلق التي نجمت عن ازمة الرهائن، فإن بواعث القلق الاستراتيجية التي رافقت الحرب العراقية - الايرانية كانت تحول دون اي انحياز اميركي او اسرائيلي الى جانب ايران. وابلغ هيغ لويس: "ان المعدات الاميركية التي اشترتها ايران وتشكل جزءاً من الارصدة الايرانية ستباع في مكان آخر وسنوفر العائدات المالية الناجمة عن ذلك لايران. لكننا لا نرى امكانية لشحن المعدات العسكرية الاميركية الى ايران، كما اننا لسنا على استعداد للسكوت على نقل اية معدات اميركية الاصل الى ايران او الموافقة على هذا النقل. واي نقل من هذا القبيل من دون موافقة الولاياتالمتحدة، سيكون انتهاكاً خطيراً للاتفاقات الاميركية - الاسرائيلية. اننا نقدر امتناع اسرائيل عن شحن المعدات العسكرية الى ايران اثناء احتجاز رعايانا. لكن موقفنا من مخاطر اتساع نطاق الحرب العراقية - الايرانية لم يتغير. فنحن لا نزال نعارض تقديم اية مساعدة عسكرية لاي من الطرفين، مهما كان مصدرها، ولا نزال نرفض الموافقة على مثل هذه المساعدة. لقد اوضحنا موقفنا بجلاء على الصعيدين الرسمي والخاص لجميع اصدقائنا. ونحن نأسف لان فرنسا بدأت بتزويد العراق بطائرات ف - 1. ولهذا فنحن نحث اسرائيل بقوة، وجميع الدول الاخرى على الاستمرار في الامتناع عن ارسال اية معدات او مواد عسكرية الى ايران. واذا ما ظهرت اعتبارات جديدة تؤثر في موقفنا من مسألة تزويد ايران بالاسلحة فإننا سنتشاور مع اسرائيل على الفور. ولكننا في هذه الاثناء نحث اسرائيل على الكف عن تزويد اية معدات عسكرية من اي نوع". وعندما ابلغ لويس رئيس الوزراء بيغن بسياسة ريغان استاء بيغن. ففي برقية بعث بها لويس الى واشنطن في الرابع من شباط فبراير 1981 قال ان بيغن "استمع بإصغاء شديد لما قلته له. ومن الواضح انه لم يتوقع ذلك، وقال انه فهم بوضوح انه بمجرد اطلاق سراح الرهائن فإن اسرائيل ستكون حرة في متابعة مصالحها الخاصة واقامة نوع من العلاقة مع ايران عن طرق مبيعات الاسلحة". وابلغ لويس واشنطن ان اسرائيل على علم بأن ايران تتلقى اسلحة من مصادر فرنسية وبريطانية وان "اسرائيل لديها خبرة وافية في التعامل سراً، من خلال اطراف ثالثة، في مجال مبيعات الاسلحة، وفي وسعها ان تفعل الشيء نفسه". والواقع انه اتضح فيما بعد ان هذا هو بالضبط ما كانت تفعله اسرائيل. كذلك أبلغ لويس لجنة الكونغرس ان بيغن "عاد بعد ان استمع اليّ ليعرض حججه المعتادة، ولكنني شرحت الرسالة له مرة اخرى وهي بوضوح: "يجب على اسرائيل الا تشحن اية مواد من اصل اميركي او فيها عناصر من اصل اميركي مهما كانت الاحوال". الا ان بيغن اعتقد انه وجد ثغرة في الموقف الاميركي من تزويد اسلحة غير اميركية الى ايران. وقد كان في رد لويس على ذلك ما اكد اعتقاده. اذ قال بيغن، طبقاً لرواية لويس: "انني لا اعتقد انني سأوافق على اننا لن نبيع اي شيء من انتاجنا نحن". ولكنني لويس كنت تلقيت تعليمات تقضي بأن أبلغه اعتقادنا انه يجب عدم بيع اي شيء، وقلت له: "اننا لا نستطيع ان نمنعك من ذلك، ولكن هذا مخالف لسياستنا". وترك بيغن هذا الاجتماع الحاسم بانطباع مفاده ان واشنطن لن تطالب بوقف مبيعات الاسلحة الاسرائيلية الى ايران مع انها ليست متحمسة للفكرة. وتؤكد الرواية الاسرائيلية عن الاجتماع هذا التقييم. اذ ان وقائع الاجتماع كما اوردتها اسرائيل، تؤكد ان "لويس اعلن انه يجب عدم تزويد اسلحة بعناصر اميركية وانه يجب تحديد مبيعات الاسلحة الاسرائيلية من اجل عدم توسيع نطاق الحرب". ورد بيغن بقوله: "ان شحنات الاسلحة في المستقبل لايران لن تشتمل على اسلحة اميركية او اسلحة فيها قطع اميركية، وان الاسلحة الاسرائيلية فقط هي التي ستشحن. كما ان اسرائيل ستبلغ الولاياتالمتحدة مسبقاً بعزمها على ارسال اسلحة الى ايران". اما هيغ فقد ابلغ لجنة الكونغرس، انه كرر لوزير الخارجية الاسرائيلي اسحق شامير، عندما وصل الى واشنطن في وقت لاحق من شباط فبراير، تأكيد الحظر المفروض على شحن اية اسلحة اميركية الى ايران. واشار الى ان واشنطن، على رغم معارضتها بيع اي معدات اسرائيلية، انها لا تستطيع منع ذلك. واعتبر شامير ذلك ضوءاً اخضر لبيع ايران معدات اسرائيلية. فطبقاً للرواية الاسرائيلية: "لم تكن استجابة هيغ سلبية نحو الاتصالات الاسرائيلية مع الايرانيين، وتجاه إمكان تزويد ايران بالمعدات العسكرية. لكنه أعرب عن قلقه لان دخول الاسلحة الاميركية الى ايران سيؤدي الى محاولة سوفياتية مماثلة. واوضح وزير الخارجية الاسرائيلي ان الشحنات لن تشتمل على معدات اميركية". في الخامس والعشرين من شباط فبراير 1981تحدث نائب وزير الدفاع الاسرائيلي زيبوري في اجتماع عقده مع وليام براون نائب لويس عن قرب عقد صفقة. وابلغ براون الذي فوجئ بما سمعه، ان "المعارضة الاميركية لشحنات الاسلحة الغيت على ما يبدو". كما ان بيع مدافع من عيار 106 ملم وقذائف اسرائيلية الصنع عن طريق دولة ثالثة اصبح وشيكاً. وعندما علم هيغ بالصفقة الوشيكة كرر الموقف الاميركي المعلن وهو ان السياسة الاميركية تحظر بيع المواد الاميركية، كما انه اعلن معارضته شحن الاسلحة الاسرائيلية الصنع. هكذا اصبحت اسرائيل بحلول هذا الوقت معتادة على تلك الاحتجاجات الاميركية التي لا فاعلية لها. ففي العشرين من آذار مارس 1981 غادرت شحنة تتألف من ستين مدفعاً غير مرتد من عيار 106 ملم قيمتها تبعاً لاسرائيل 1.2 مليون دولار، اسرائيل الى ايران عن طريق البرتغال. وفي 13 نيسان ابريل 1981 تلتها شحنة ثانية تتألف من اربعين مدفعاً. واورد تقرير لجنة التحقيق الخاصة اسم احمد حيدري بصفته احد الوسطاء الايرانيين في هاتين الصفقتين. اذ كان حيدري يعمل مع وزارة الدفاع الايرانية التي كلفته بمهمة الاشراف على مشتريات السلاح. وحيدري هو الذي رتب مبيعات اطارات الطائرات ف - 4 في تشرين الاول اكتوبر 1980 وشحن المدافع غير المرتدة. وقد تمت شحنة تشرين الاول اكتوبر 1980 عن طريق شركة النقل الفرنسية "سيتي انترناشينال" التي يرأسها إيف ديلوريه. وكان حيدر يعمل من خلال الاتصال بشخص اسرائيلي اسمه "العين" في البعثة الاسرائيلية في باريس. اذ كان حيدري يرتب صفقات الاسلحة معه عن طريق ترك رسالة له على رقم هاتفي في فرنسا. وبعدئذ يتصل "العين" بحيدري للاتفاق على تفاصيل الصفقة. وفي 21 تشرين الاول اكتوبر تم تسليم 250 الف دولار الى بعثة المشتريات الاسرائيلية. ومقابل ذلك وافقت اسرائيل على ارسال اطارات ف - 4 ومدافع هاون تامييلا. ورافق بيتر غودينات، وهو فرنسي كان شريكه يعمل مع ديلوريه في بيع الاسلحة الى ايران، تلك الشحنة المؤلفة من 250 اطاراً من دون اية مدافع هاون في 23 تشرين الاول اكتوبر من تل ابيب الى طهران. اذ ابلغ غودينات اللجنة ان طائرة كارافيل تملكها شركة ايرتور الفرنسية عبأت الشحنة في تل ابيب ونقلتها الى فرنسا. وبعد فترة قصيرة نقلت الاطارات على متن طائرة د سي 8 توجهت الى طهران وعلى متنها مواد حربية اخرى. مرة اخرى اثير موضوع شحنات الاسلحة خلال زيارة هيغ لاسرائيل في نيسان ابريل 1981. ففي اجتماع مع وزير الزراعة ارييل شارون في فندق الملك داوود اكد هيغ مجدداً، تبعاً لما قاله هو نفسه للجنة التحقيق، السياسة الاميركية مثلما وضعتها ادارة كارتر مما سمح لاسرائيل ببيع اسلحة اسرائيلية محدودة الى ايران في الفترة بين نيسان ابريل 1980 ونيسان ابريل 1981. وفسرت اللجنة غياب اي تغيير في السياسة الاميركية تجاه ايران في عهد ادارة ريغان على اساس انه دليل على عدم وجود صفقة قبل الانتخابات بين ريغان وطهران نتيجة مبيعات الاسلحة الاسرائيلية. اذ ان واشنطن قبلت حقيقة بيع اسرائيل اسلحة لايران، لكنها لم تكن البادئة بعملية البيع، اذ ان تلك المبيعات كانت تنطلق من مفهوم اسرائيل لمصلحتها الوطنية. إسقاط طائرة أسلحة ودفعت الخسارة التي منيت بها ايران في السنة الاولى من الحرب ادارة ريغان الى تشكيل "لجنة عليا من الوزارات والدوائر المختلفة" للنظر في السياسة الاميركية تجاه ايران. وتألفت هذه اللجنة من مسؤولين على مستوى عال في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية ومجلس الامن القومي. وفي المذكرة رقم 2 من اللجنة بتاريخ 13 تموز يوليو 1981، اي بعد فترة وجيزة من تدمير اسرائيل المفاعل النووي العراقي، موافقة على تخفيف القيود المفروضة على تزويد اسرائيل طهران بالاسلحة، مثلما يوصي اقتراح من وزارة الخارجية، وذلك من اجل تقليل الفرص امام مبيعات الاسلحة السوفياتية. وعلى الفور استغلت اسرائيل هذا التغيير في الموقف، اذ يعترف تقرير الحكومة الاسرائيلية الى لجنة الكونغرس بشحن اربع شحنات اسلحة الى ايران خلال تموز يوليو 1981. وكانت احدى تلك الشحنات لنقل مطبخ ميداني، بينما نقل الباقي تاجر الاسلحة البرتغالي جورج بانيول الذي رتب تسليم تلك الشحنات باستخدام طائرة "بريتانيا" التي تملكها شركة "تار" الارجنتينية. وقد استأجرت شركة "ويست أفريكا للخطوط الجوية" المسجلة في غانا وسويسرا تلك الطائرة. اما المدير العام للشركة فهو أندريا غيني. وشرح التقرير الاسرائيلي الى لجنة الكونغرس انه "في 19 تموز يوليو غادرت الطائرة ايران وظلت في المجال الجوي السوفياتي ثم تحطمت. ومن المحتمل ان تكون المقاتلات السوفياتية هي التي اسقطتها. وأدى تحطمها الى سلسلة من التقارير الصحافية عن شحنات الاسلحة من اسرائيل الى ايران وموجة من الاشاعات عن الموضوع" ونتيجة لهذه الخبرة فإن الشحنات اللاحقة تمت عن طريق البحر، ففي 19 ايلول سبتمبر 1981 شحنت اسرائيل دفعة جديدة من المدافع غير المرتدة والذخيرة، ثم تلتها بشحنة ثانية مشابهة في الثاني من تشرين الاول اكتوبر. في هذا الوقت بالذات تشرين الاول اكتوبر حاولت اسرائيل تحقيق قفزة نوعية في الاسلحة التي يمكنها توفيرها لايران. ولهذا طلبت من لويس الحصول على إذن اميركي لتزويد ايران بأسلحة ومعدات اميركية الاصل، لا سيما قطع غيار طائرات فانتوم - 4. اذ ان اسرائيل كانت حتى ذلك الوقت تشحن اسلحة غير اميركية فقط. ففي مذكرة معدة لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ريتشارد مورفي بعيد انفضاح امر فضيحة ايران غيت - كونترا في تشرين الثاني نوفمبر 1986 ورد الطلب الاسرائيلي للحصول على اذن اميركي في تشرين الاول اكتوبر 1981، في اطار السماح لاسرائيل باستخدام الاسلحة الاميركية التي لديها من اجل تحسين فرصة وصول اسرائيل الى "العناصر المعتدلة" في الجيش الايراني والتأثير فيها. اذ قال واضع المذكرة، ديفيد ساترفيلد، للجنة الكونغرس ان اسرائيل كانت تحاجج بأن بيع مثل هذه الاسلحة سيعزز ايضاً من مكانة العناصر المعتدلة في ايران. ونظراً الى ان الولاياتالمتحدة كانت مستعدة منذ تموز يوليو الماضي، عقب اقتراح وزارة الخارجية الاميركية، الموافقة على زيادة مبيعات الاسلحة الى طهران، فإن هيغ كان على استعداد لكي يرد بصورة ايجابية على طلب بيغن حين اجتمع هيغ وبيغن في القاهرة في 10 تشرين الاول - اكتوبر ارسال قطع غيار للطائرات الايرانية الاميركية الصنع. فتبعاً للتقرير الاسرائيلي الى لجنة الكونغرس: "طلب هيغ توضيحات عما اذا كانت اسرائيل ستصبح قناة للمواد الاميركية التي ستشحن عبر اسرائيل، ام اذا كانت المواد الاميركية ستشحن من اسرائيل ثم تعوضها الولاياتالمتحدة". كان هذا التمييز مهماً بالنسبة الى واشنطن. اذ ان هيغ اراد ان يستوضح ما اذا كانت الولاياتالمتحدة ستزود ايران بالاسلحة عبر اسرائيل او ان اسرائيل ستزود ايران بأسلحة اميركية على ان تقدم واشنطن تعويضات او بديلاً عنها. وقبل ان تسوى هذه المسألة علم لويس في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر بشحنة اخرى من الذخيرة الاسرائيلية الصنع قيمتها 60 مليون دولار. وبعث لويس برقية الى واشنطن يقول فيها ان اسرائيل طمأنته بأنها لا تتعامل مع الملالي وانما تتعامل مع "اشخاص مسؤولين في القوات المسلحة". وقال ان اسرائيل طلبت، مرة اخرى، إذناً لارسال اسلحة اميركية الاصل بحجة تمكينها بهذه الاسلحة من المحافظة على اتصالها مع العسكريين الايرانيين "وهم العائق الوحيد ضد استيلاء الشيوعيين على السلطة في ايران. كما ان هذا سيساعد على جمع المعلومات الاستخبارية التي ستشترك اسرائيل فيها مع الولاياتالمتحدة". هذان الهدفان كانا يتلاءمان بصورة ممتازة مع اهتمامات ادارة ريغان في الشرق الاوسط كأرضية للمعركة الاميركية - السوفياتية، ومع رغبة وليام كيسي مدير السي. آي. إيه. في تنشيط جمع المعلومات الاستخبارية من المنطقة. أسلحة اميركية الى العراق خلال تلك الفترة علم هيغ ان الاسلحة التي كان السوفيات يزودون العراق بها تشتمل على نوع معين تتوق الولاياتالمتحدة الى الحصول عليه، وان العراقيين كانوا على استعداد لتبادل السلاح السوفياتي الذي ترغب فيه واشنطن بمدفعية من عيار 175 ملم. وفي برقية من السفير الاسرائيلي في واشنطن إفرايم إيفرون في 15 تشرين الاول اكتوبر ان هيغ يريد ربط موافقة اسرائيل على تجارة الاسلحة الاميركية المقترحة مع العراق بموافقة اميركا على بيع اسرائيل اسلحة اميركية الى ايران. وطلب هيغ من اسرائيل "ألا تعارض تزويد العراق بالاسلحة" مقابل موافقة واشنطن على مبيعات المعدات العسكرية الاميركية من اسرائيل لايران. بعد ثلاثة ايام بعث إيفرون برقية الى بيغن يق ول فيها ان هيغ يواجه مشاكل في الموافقة على طلب اسرائيل السابق لشحن قطع غيار ف - 4 لان وزير الدفاع كاسبار واينبرغر يعارض معارضة مطلقة اية مبيعات اسلحة الى ايران. وعلى رغم المصاعب الداخلية التي واجهها هيغ فأنه كان ابلغ اسرائيل رسالة تفتقر الى الحصافة، هي ان موافقة واشنطن على المبيعات الاسرائيلية تعتمد الى حد ما على موافقة اسرائيل على ان تبيع الولاياتالمتحدة الاسلحة الى العراق. وسارع بيغن الى اغتنام فرصة الربط هذه، اذ يقول التقرير الاسرائيلي: اكد رئيس الوزراء ان اسرائيل لا تستطيع الموافقة على مبيعات بطاريات المدفعية الى الجيش العراقي". وشرح ساترفيلد امام لجنة الكونغرس انه تم التخلي عن خيار تجارة الاسلحة مع العراق بحلول كانون الاول ديسمبر 1981 بسبب تأكيد تقارير المخابرات ان "اية صفقة مع العراق ليست لمصلحة الولاياتالمتحدة". وفي هذا السبب المبهم ما يثير اسئلة اكثر مما يعطي اجوبة عن سبب تخلي واشنطن عن الصفقة. لكن الولاياتالمتحدة كانت مستعدة للموافقة على طلب اسرائيل شحن المعدات الاميركية الى ايران. ففي 17 تشرين الثاني نوفمبر حدد هيغ شروط تلك المبيعات في برقية الى لويس: "نخوّلك ان تنقل استعدادنا للموافقة على طلب بيغن شحن قطع معينة من المعدات العسكرية الاميركية الاصل شريطة ما يلي: لا يجوز نقل المعدات التي ستشحن الا من المخزون الاسرائيلي الراهن الذي اشترته اسرائيل مباشرة من الصانعين الاميركيين وتم تصديره خلال قنوات تجارية او من المشتريات الجديدة على اساس تجاري، اذ يجب استثناء مبيعات الاسلحة الاجنبية التي تم شراؤها بمساعدة اميركية والمواد التي تم تصديرها بواسطة قنوات وزارة الدفاع الاميركية". كذلك طالب هيغ بعدم زيادة قيمة اي شحنة مفردة على 25 مليون دولار، وبتزويد الولاياتالمتحدة بقائمة عن الاسلحة التي تقترح اسرائيل بيعها. اذ كان هيغ يرغب في الاحتفاظ بحق "النفي" في حال انفضاح امر تلك المبيعات علانية. اما منع بيع المعدات الاميركية التي اشترتها اسرائيل بمساعدة عسكرية اميركية فالهدف منه تنصل الحكومة الاميركية من العملية الاسرائيلية. بعدئذ بحث هيغ مع شارون الذي اصبح وزيراً للدفاع السياسة الاميركية الجديدة في الاول من كانون الاول ديسمبر وجدد هيغ التأكيد على الشروط الواردة في برقيته في 17 تشرين الثاني نوفمبر مع تعديلين اثنين: 1 - تستطيع اسرائيل ان تشحن قطع غيار ف - 4 فقط وليس اية معدات اخرى من اصل اميركي على اساس صفقة واحدة فقط. 2 - يجب ان تحصل الولاياتالمتحدة على معلومات استخبارية مقابل ذلك. وجدد التأكيد انه يجب عدم بيع اي مواد الا تلك التي اشترتها اسرائيل على اساس تجاري، وان كلفة حصول اسرائيل على بديل لتلك المواد يجب ان تتحملها اسرائيل لا الولاياتالمتحدة. لكن التقرير الاسرائيلي عن هذا الاجتماع، اضاف، خلافاً لتعليمات هيغ، ان المدفعية يمكن ان تؤلف ما لا تزيد قيمته على سبعة ملايين من الخمسة وعشرين مليون دولار. وواصلت اسرائيل الضغط لتوسيع نظطاق تجارة الاسلحة مع ايران. ففي اجتماع عقد في 14 كانون الثاني يناير طلب شارون من هيغ السماح لاسرائيل شحنة اخرى تضم، اضافة الى قطع غيار ف - 4، المدفعية والذخيرة. كذلك اشتملت القائمة التي قدمها الى هيغ على قطع غيار لطائرات ف - 14 وطائرات ف - 5. لكن هيغ اصر على ان ف - 14 هي المسموحة فقط، وابلغ شارون ان واشنطن لن توافق على اية مبيعات اخرى الى ان تقدم قائمة مناسبة. وطبقاً لافادة من ساترفيلد: "في 27 كانون الثاني يناير 1982 زودنا بقائمة جديدة كانت تشتمل على مواد وبنود نعتقد انها خارج الاطار. وخلال شهري شباط فبراير وكانون الثاني يناير وبداية آذار مارس حدثت سلسلة من التبادلات بشأن مسألة القوائم. اذ لم يقدموا لنا في اي وقت اطلاقاً اية قائمة تقع ضمن اطار تعليمات الاول من كانون الاول ديسمبر. فقد كان هناك مشاعر احباط وانزعاج قوية لدى الجانب الاميركي بسبب عدم الفهم الذي اظهره الاسرائيليون في الالتزام بشروطنا. وكان هناك قلق مضطرد لاننا كنا نعتقد اننا امر واقع استناداً الى احدى تلك القوائم. وكان هناك قلق وشك في ما اذا كان الامر كله لا يستحق الجهد. ومع انهيار الصفقة العراقية، انتهى احد الاسباب الملموسة التي كانت ستقنع بعض المترددين بالموافقة على مضض على مواصلة بيع اسرائيل الاسلحة الى ايران. فمع حلول آذار مارس تحولت كل الحجج الى معارضة اية مبيعات. ذلك ان الاسرائيليين اظهروا انهم كانوا اما غير راغبين في تزويدنا بقائمة تتفق مع الشروط الموضوعة او غير قادرين على ذلك، اذ كانت قوائمهم طموحة جداً في الموارد التي تشملها ومبهمة في تحديد اصول تلك المعدات او مصدر شرائها". لكن على رغم رفض الولاياتالمتحدة المصادقة على تلك الشحنات، فقد اشتملت مبيعات الاسلحة الاسرائيلية الى ايران في تلك الفترة على الكثير من الاسلحة الاميركية الاصل. اذ ان اسرائيل كانت واثقة من ان اي موقف اميركي لا يبدي معارضة شديدة وعنيدة بوضوح يعني ايماءة بالموافقة في الواقع. وفي السجلات ما يثبت ان الاسرائيليين لم يعانوا من اي شيء نتيجة هذا التفسير للموقف الاميركي. الى متى استمرت العلاقة؟ وطبقاً لما ذكره ساترفيلد فقد زادت التقارير الصحافية وتعليقات ديفيد كيمحي المدير العام لوزارة الخارجية الاسرائيلية عن علاقة الاسلحة الايرانية - الاسرائيلية، من الشكوك الاميركية في قيمة التجارة بالنسبة الى اميركا. كذلك زاد من هذه الشكوك اعتراف اسرائيل بأنها تتعامل مع وسطاء ايرانيين لا مع "المسؤولين العسكريين" الذين كانت وعدت بالتعامل معهم. خلال آذار مارس 1982 بدأ هيغ يتراجع عن صفقته مع شارون. اذ ان هيغ بدأ يرفض الافتراض الذي تروجه اسرائيل وهو ان تجارة الاسلحة ستعزز مكانة "القوى المعتدلة" وتسهل الحصول على المعلومات الاستخبارية. وفي العاشر من آذار مارس ابلغ هيغ الاسرائيليين ان الولاياتالمتحدة لن توافق على الارجح على بيع قطع غيار ف - 4 بأكثر من قيمة نصف مليون دولار - وهو مبلغ تافه بالمقارنة مع توقعات اسرائيل الطموحة. وفي 30 آذار مارس أصدر تعليماته الى لويس للاعراب عن "شكوك الولاياتالمتحدة" في قيمة العملية برمتها وفي قيمة الفائدة التي يمكن ان تترتب عليها. لكن لويس لم يسلم هذه الرسالة الى بيغن. ويعتقد ساترفيلد ان لويس ربما كان مشغولاً بالانسحاب الاسرائيلي المزمع من سيناء. ثم جاءت تعليمات الى لويس في الاول من ايار مايو 1982 لكي يبلغ الاسرائيليين ان الولاياتالمتحدة لن توافق على بيع اية معدات من اصل اميركي الى ايران مهما كانت تلك المعدات، بما في ذلك قطع الغيار السابقة التي وافق عليها هيغ. لكن رد اسرائيل على هذا التغير في السياسة الاميركية كان إبلاغ لويس في السابع من ايار مايو 1982 ان جميع الاسلحة التي شحنتها اسرائيل الى ايران اعتباراً من آذار مارس 1981 حتى آذار مارس 1982 كانت بموافقة الولاياتالمتحدة. وعندها بعث لويس برقية الى واشنطن يقول فيها ان اسرائيل "لن ترسل سوى مواد محدودة وانه لن تكون هناك اية بنود اميركية فيها اطلاقاً". ثم خرج شارون على الملأ ليتحدث عن النزاع حين قال لصحيفة "واشنطن بوست" في 27 ايار مايو 1982 ان الولاياتالمتحدة وافقت، بل وكانت على علم مسبق، بمحتويات جميع شحنات الاسلحة من اسرائيل الى ايران عبر طرف ثالث. أما وراء الكواليس فإن اسرائيل كانت تؤكد اصرار الولاياتالمتحدة على ان معدات اشتملت عليها تلك الشحنات كانت من دون موافقة الولاياتالمتحدة. وحتى حين أثار شارون حرج واشنطن حاول لويس ايجاد ذريعة لاسرائيل عندما اقترح ان موافقة هيغ من حيث المبدأ على بيع المواد الاميركية ربما كان "الضوء الاخضر"، تبعاً لفهم الاسرائيليين. وقد حسب التقرير الاسرائيلي الرسمي ان قيمة الاسلحة والمواد المتصلة بها التي شحنتها اسرائيل خلال الفترة ما بين 1980 و1982 تبلغ 103 ملايين دولار. لكن وكالة المخابرات الاميركية تقدر المبيعات الاسرائيلية لايران بين 1980 و1983 بمبلغ 180 مليون دولار. وتشير تقارير المخابرات الاميركية ايضاً الى ان مشتريات ايران من الاسلحة على نطاق عالمي، خلال تلك الفترة بلغت حوالي ستة بليارات مليارات دولار معظمها من الكتلة الشيوعية. * * * المعلومات الدقيقة التي يكشفها تقرير لجنة الكونغرس هذا ليست "قصة من الماضي". فالكثيرون من الذين لعبوا ادواراً مختلفة في هذه العلاقة الثلاثية الايرانية - الاميركية - الاسرائيلية لا يزالون احياء، بل في مواقع مهمة في السلطة، سواء في ايران او في الولاياتالمتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد الاطلاع على معلومات هذا التقرير هو: - الى متى استمرت عمليات تزويد ايران سراً بالاسلحة والمعدات الحربية الاسرائيلية؟ هل استمرت الى نهاية الحرب العراقية - الايرانية ام الى ما بعد ذلك؟ والسؤال المطروح خصوصاً ان وارن كريستوفر نفسه، وهو اليوم وزير خارجية الولاياتالمتحدة، ابلغ الاسرائيليين رسمياً، وفقاً لما جاء في تقرير لجنة الكونغرس، ان الولاياتالمتحدة تؤيد قيام الاسرائيليين بإرسال اسلحة الى ايران، لكن بعد الافراج عن الرهائن الاميركيين. لكن الجواب عن هذا السؤال ينتظر، ربما، كشف وثائق ومعلومات سرية اميركية جديدة عن تلك المرحلة المهمة من تاريخ الشرق الاوسط. * خبير أميركي بارز في الشؤون الاسرائيلية.