سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بطل "ايران غيت" يتكلم للمرة الأولى ويفتح ملفاته السرية . روبرت مكفرلين يروي ذكرياته ل "الوسط": اقترح السادات على أميركا التعاون معاً لاسقاط القذافي فوضعنا خططاً مشتركة ... ثم أجلنا الهجوم على ليبيا 2
* مشروع أميركي لتوقيع معاهدة أمنية مع الاسرائيليين * مقابل التخلي عن "اسرائيل الكبرى" ووقف التوسع والاستيطان هذه الحلقة الثانية من مذكرات روبرت مكفرلين مستشار الرئيس الاميركي السابق لشؤون الامن القومي تركز خصوصاً على قضيتين اساسيتين. الاولى تتناول قيام تعاون مصري - اميركي بهدف الضغط على ليبيا والعمل على الاطاحة بنظام العقيد معمر القذافي. والثانية تتعلق بمشروع أعده مكفرلين ويرمي الى اقناع الحكومة الاسرائيلية بوقف عمليات التوسع والاستيطان في الاراضي العربية والتخلي عن حلم "اسرائيل الكبرى" والتفاوض مع العرب، في مقابل توقيع معاهدة امنية بين الولاياتالمتحدة والدولة اليهودية. وقد وافق مكفرلين، بطل قضية "ايران غيرت" على ان يخرج عن صمته ويتكلم للمرة الاولى منذ انكشاف امر الاتصالات السرية الاميركية - الايرانية وزيارته السرية الى طهران عام 1986، واتفقت "الوسط" مع مكفرلين على ان يروي لها ذكرياته ويفتح ملفاته السرية ويقول ما لم يقله من قبل، سواء حين كان في الادارة الاميركية او بعد استقالته منها. وتم الاتفاق على عدم نشر اية كلمة من ذكريات مكفرلين هذه في اية مطبوعة اخرى في العالم، عربية كانت او اجنبية، غير "الوسط"، لكن مكفرلين يحتفظ لنفسه بحق نشر مذكراته هذه لاحقاً بعد صدورها في مجلتنا. ولا بد من القول ان مكفرلين لم يكن، فقط بطل قضية "ايران غيت" بل كان اكثر من ذلك، فقد لعب دوراً، الى جانب الدكتور هنري كيسنجر، خلال حرب تشرين الاول اكتوبر 1973. وتجول في الشرق الاوسط كمبعوث خاص للرئيس ريغان، وقام بمهمات "خاصة وسرية" في عدد من دول المنطقة، وتولى معالجة الكثير من الملفات الحساسة والخطرة، كالملف اللبناني وملف الارهاب في الشق الاوسط والملف الليبي، وقابل مجموعة كبيرة من الزعماء والمسؤولين في المنطقة العربية واسرائيل، وشارك في صياغة السياسة الاميركية في الشرق الاوسط فترة من الزمان. وقد عمل مكفرلين في البيت الابيض في عهد الرئيسين السابقين نيكسون وفورد بين 1973 و1977، ثم عمل في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاميركي قبل ان ينتقل في بداية عهد ريغان عام 1981 الى وزارة الخارجية بصفة مستشار للوزير الكسندر هيغ. وانتقل مطلع 1982 الى البيت الابيض مجدداً حيث شغل منصب مساعد مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي. وفي تموز يوليو 1983 اختاره ريغان ليكون ممثله الشخصي في الشرق الاوسط ثم اصبح في تشرين الاول اكتوبر 1983 مستشار ريغان لشؤون الامن القومي، وبقي في منصبه هذا حتى كانون الثاني يناير 1986. وبعد ذلك تولى منصب المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ثم انشأ وترأس عام 1989 "مؤسسة مكفرلين"، وهو لا يزال على رأسها حتى اليوم. ومهمة هذه المؤسسة تقديم استشارات الى مسؤولين ورجال اعمال من دول عدة. وفي ما يأتي الحلقة الثانية من ذكريات مكفرلين: في ربيع 1981، بعد بضعة اسابيع من دخول الرئيس رونالد ريغان الى البيت الابيض، قمت بزيارة القاهرة، المحطة الاولى في جولة ستشمل لاحقاً دولاً اخرى في منطقة الشرق الاوسط وفي المناطق المحيطة بها. وكنت يومها مستشاراً لوزير الخارجية الاميركي الكسندر هيغ برتبة مساعد وزير. في القاهرة قابلت الرئيس انور السادات في منزله شمال العاصمة المصرية، واستمر اللقاء معه ساعات عدة. ولاحظت ان موضوعين رئيسيين يسيطران على تفكير السادات: انتشار النفوذ السوفياتي في المنطقة ومشكلة العقيد معمر القذافي. وحرص السادات على ان يقدم لي توقعاته للسنوات العشر المقبلة في الشرق الاوسط - لأنقلها بدوري الى المسؤولين في الادارة الاميركية الجديدة - فقال لي انه يرى ان السوفيات سيواصلون ضغوطهم على الشرق الاوسط عن طريق احتلالهم لأفغانستان، وحذرني من ان السوفيات ينوون توسيع نطاق نفوذهم الى ايران نفسها لجعل هذا البلد الذي كان آنذاك تحت زعامة آية الله الخميني، يقع ضمن دائرة سيطرتهم. وأضاف السادات خلال هذا اللقاء ان النفوذ السوفياتي سيمتد بعد ذلك ليشمل منطقة الخليج العربي. وبعد ذلك سيركز السوفيات جهودهم على مصر ويعملون للضغط عليها عن طريق ليبيا وبعض دول البحر الاحمر. كان السادات يؤمن - وفقاً لما شرحه لي - بأن من الضروري ان تتحرك الولاياتالمتحدة لمواجهة "الطموحات الامبريالية السوفياتية" في المنطقة العربية وأن ذلك يتم عن طريق تجديد التعهدات والالتزامات الاميركية بدعم مصر والدول العربية المعتدلة الاخرى ازاء الزحف المتنامي لنفوذ موسكو. خطط مشتركة لمواجهة القذافي وانتقل الحديث بعد ذلك الى الرئيس الليبي معمر القذافي فقال لي السادات ان القذافي يعمل لمصلحة الاتحاد السوفياتي وانه يقوم، بالنيابة عن موسكو، بالعمل على زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط، وبالتالي فلا بد من مجابهته. وهنا اقترح السادات قيام تعاون بين مصر والولاياتالمتحدة لقلب نظام الحكم في ليبيا والاطاحة بمعمر القذافي. وقد قدم السادات اقتراحه هذا اليّ على الشكل الآتي: قال لي انه سبق ان اقترح على الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر قيام تعاون مصري - اميركي للضغط على القذافي والعمل على الاطاحة به، لكن كارتر رفض هذا الاقتراح. وأضاف السادات موجهاً كلامه اليّ انه يكرر العرض نفسه الذي قدمه لكارتر ويقترح على ادارة الرئيس ريغان العمل مع مصر للاطاحة بالقذافي. وعدت الى واشنطن وقدمت تقريراً الى وزير الخارجية الاميركي هيغ حول ما سمعته من الرئيس المصري بالنسبة الى النفوذ السوفياتي المتزايد والتصرفات الليبية، فأشار اليّ بالعمل مع وزارة الدفاع والمسؤولين العسكريين للبدء بتطوير علاقات عمل وثيقة مع الحكومة المصرية. وبدأنا بدرس افكار عدة حول كيفية تركيز سياستنا على مصر في العالم العربي، من اجل الوصول الى طريقة افضل لنجابه معاً التهديدات السوفياتية المباشرة او تلك الآتية من دول تتعاون مع موسكو مثل ليبيا. وبحلول صيف 1981 كنا انتهينا من اعداد مجموعة اقتراحات اميركية سرية تتعلق بكيفية مواجهة السوفيات والقذافي. وسافرت الى القاهرة حاملاً معي هذه الاقتراحات برفقة السيد ويست من وزارة الدفاع، وقابلنا الرئيس السادات ونائبه السيد حسني مبارك، وحصلنا على موافقتهما للبدء بالتعاون العسكري بين الولاياتالمتحدة ومصر عن طريق اجراء مناورات عسكرية مشتركة. كان الهدف الاول من هذا التعاون المتطور الذي يتطلب انتقال طائرات قواتنا الجوية المسلحة الى مصر للعمل مع طيرانها الحربي، ردع القذافي عن تهديده وتدخله في تشاد والسودان. لكننا لم نكتف بالمناورات المشتركة. فقد اعددنا خططاً عسكرية طارئة مع المسؤولين المصريين تقضي بتعاون مصر والولاياتالمتحدة لمواجهة اي هجوم تشنه ليبيا ضد السودان، او اية اخطار وتهديدات ليبية موجهة ضد السودان وتشاد. وتطور هذا التعاون المصري - الاميركي خطوة خطوة وتحول الى علاقة عمل وثيقة على الصعيد الاستراتيجي بين البلدين، لكنه ما لبث ان اصيب بضربة قاسية عندما اغتيل السادات في خريف 1981. إلا ان الرئيس حسني مبارك عاد وتابع المسيرة ذاتها حتى يومنا هذا، حيث هناك تعهد قوي من قبل الجانبين بتنسيق تعاونهما بالنسبة الى سياسات المنطقة. والواقع ان الولاياتالمتحدة كانت تنظر دائماً الى مصر على انها مركز الثقل الثقافي والسياسي للعالم العربي، وقد عملت على تقوية علاقاتها معها بشكل وثيق وجيد منذ عهد السادات. في باكستان والسعودية والتقيت ايضاً، في ما بعد، بالرئيس الباكستاني ضياء الحق، والقضية هناك كانت تتلخص بدعم دولة صديقة لأميركا تواجه ضغطاً وتهديداً من جهتين. الاولى من جانب مئة الف جندي سوفياتي في افغانستان كانوا يتحركون جنوباً ومن الممكن ان يهددوا باكستان، والثانية من التهديد المرحلي الذي تشكله الهند بلد ال800 مليون نسمة التي تملك قوة عسكرية تساوي ثلاثة اضعاف الجيش الباكستاني في مختلف اسلحته. وقد رأت الولاياتالمتحدة ان الوجود السوفياتي في افغانستان يشكل تهديداً استراتيجياً، ولمجابهته ودحره اعتمدنا كثيراً على باكستان كمركز لانطلاق نشاطنا لوقف التقدم الشيوعي. وعملت عن قرب مع وليم كايسي، مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية "سي. آي. إي"، في العام 1981 على توسيع برنامج كان بداه الرئيس جيمي كارتر، ويقوم على دعم الثوار الافغان من خلال باكستان، معتمدين كلياً بذلك على ادارة الباكستانيين وتدريبهم. وكان كلامي مع الرئيس ضياء الحق هدفه التوضيح بأن التعهد الاميركي، لمجابهة السوفيات ووقف تقدمهم، هو ايضاً جزء من الهم الامني الباكستاني. لم يكن التعاون مع الرئيس ضياء الحق صعباً اذ انه كان رجلاً براغماتياً. وفي الديبلوماسية عندما تريد ان تتعرف الى احدهم، يجب السير بخطوات حذرة على الاشياء التي قد تكون حساسة ودقيقة. لذا سألته: نظراً الى موقعكم في دول عدم الانحياز هل انتم متضايقون من تعاونكم العلني مع الاميركيين لمجابهة التهديد السوفياتي؟ فأجابني: "اسمع يا صديقي، ان حركة عدم الانحياز هي خرافة ووهم. هناك فقط دولتان غير منحازتين في العالم هما الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة. ومن هذا المنطلق يمكنكم الاعتماد على باكستان، وآمل ان استطيع الاعتماد عليكم". ومع اني لم انس شخصياً هذا الكلام، فان خيبتي جاءت بعدما نسيت الولاياتالمتحدة سريعاً التضحيات الكبرى التي قدمتها باكستان بعد الانتصار على السوفيات في افغانستان حيث خفضت مساعداتها الحالية لاسلام اباد. قمت بعد ذلك بزيارة المملكة العربية السعودية فاستقبلني الامير فهد بن عبدالعزيز الذي كان آنذاك ولياً للعهد. وعرضت خلال محادثاتي في المملكة وجهة النظر الاميركية في ما يتعلق بالاتحاد السوفياتي، وركزت على ان السوفيات يحاولون توسيع نطاق نفوذهم في منطقة الشرق الاوسط وانهم يمارسون ضغوطاً في هذا الاتجاه. وأكدت في هذه المحادثات ان الولاياتالمتحدة ملتزمة بمواجهة السوفيات وأطماعهم وحماية أمن الشرق الاوسط ووضع حد لأية اخطار او تهديدات توجه اليه. مشروع اميركي لاسرائيل في الاشهر الاولى من ولاية ريغان بدأنا صياغة الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط. وارتكزت هذه الاستراتيجية على امرين اساسيين: ضمان استمرار انتاج النفط وتدفقه بحرية من دون ضغوط او عقبات، والحيلولة دون نشوب حرب بين الدول العربية واسرائيل. ومن خلال تلك المناقشات التي جرت بين المسؤولين في ادارة ريغان برز اتجاهان للسياسة الاميركية: الاول يهدف الى ضمان حماية المنطقة من اي هجوم او تخريب من الخارج، والثاني تخفيف حدة التوتر بين اسرائيل وجيرانها. وكان المفروض ان نتابع تحقيق الهدف الاول من خلال اجراءات عدة، في مقدمتها تعزيز القوات العسكرية للدول المعتدلة وتأكيد التزامات الولاياتالمتحدة بحماية المنطقة من اية اخطار خارجية، وتحقيق الهدف الثاني من خلال تشجيع الحوار بين العرب والاسرائيليين وايجاد "الاجواء الملائمة" لتمهيد الطريق امام مفاوضات سلام بينهم. وفي موازاة هذه الحوارات الخاصة مع الزعماء العرب اردنا ان نرسي علاقة جديدة مع اسرائيل. وكان هذا اصعب. والسبب الاساسي في ذلك هو ان قلة من الاميركيين، بمن فيهم الدارسون الخبراء في وزارة الخارجية، استوعبت الكثير من التاريخ اليهودي - وهو شرط اساسي لفهم العواطف التي تستند اليها السياسة الاسرائيلية. فقد نسب الى هنري كيسنجر قوله ذات مرة: "لأنني مصاب بجنون العظمة، هذا لا يعني انه ليس لي اعداء حقيقيون". وفي تلك الفترة كنت مقتنعاً بالمعادلة الآتية: لا بد من تشجيع اسرائيل على تقديم "تنازلات اقليمية" للعرب في مفاوضات السلام، ولا بد في الوقت نفسه من وضع حد للتوسع الاسرائيلي في المنطقة العربية ولحلم اقامة "اسرائيل الكبرى". لكن في مقابل ذلك، ولكي تحصل الولاياتالمتحدة على هذه المطالب، لا بد من اقامة علاقة عسكرية وأمنية جديدة مع اسرائيل. كنت اؤمن عام 1981 بأن في وسعنا ان نبدأ في بناء ثقة اكبر بنا في اسرائيل، واساس تلك الثقة لا بد ان يكون بوجود ضمانات دائمة لأمن اسرائيل، اي التزامات تتضمنها معاهدات ويجسدها القانون، مما يعني انها ستدوم اكثر من مجرد اربع او ثماني سنوات من الادارات الاميركية المتغيرة، وكان هذا الاعتقاد في عام 1981 بضرورة وجود تعهدات دائمة اميركية لاسرائيل هو الذي دفعني الى ان اقترح رفع مكانة اسرائيل الى "وضعية حليفة". والمقصود بذلك ليس تشجيع اسرائيل على التوسع او احتلال اراض عربية. بل شيء آخر. كنت ارى ان اسرائيل تحتاج الى معاهدة رسمية كتلك التي ظلت قائمة بين الولاياتالمتحدة وحلفائها في اوروبا طوال السنوات الثلاث والاربعين الماضية، لكي تكون واثقة من التزامنا بأمنها. يضاف الى ذلك ان يكون لدينا استعداد لطمأنة اسرائيل بالحصول على الوسائل العسكرية للدفاع عن نفسها وتقديم المساعدات الاقتصادية اللازمة لها لكي تبقي اقتصادها الذي يعاني من المطالب العسكرية، على قدميه. وأخيراً كان علينا ان نرسي عادة التعاون في مجال التخطيط العسكري لكي نترجم المفهوم الى الواقع العسكري. وكنت مقتنعاً بأن مثل هذه الشراكة الاستراتيجية أمر اساسي اذا كنا نريد تشجيع اسرائيل على تقديم تنازلات اقليمية او غيرها في مفاوضات السلام مع العرب. ولا بد من الاعتراف هنا بأنه لم يكن هناك احد في واشنطن يؤمن بأن مصالحنا ومصالح اسرائيل متطابقة. وبدخولنا في علاقة من التعاون الأوثق لم نكن نتوقع ان اسرائيل ستطلب موافقتنا او حتى تنسق معنا كل اجراءاتها. لقد كان واضحاً تماماً لنا ماذا نتوقع، وهو ان تأخذ "الحكومة الاسرائيلية المصالح الاميركية في حسابها عندما تتخذ قرارات تؤثر في هذه المصالح". ولكن حتى في هذا الاطار الفضفاض لا بد لي من ان اقول انني شعرت بالدهشة وخيبة الأمل من التصرفات والممارسات الاسرائيلية. والواقع ان استمرار إسرائيل في بيع الأسلحة الأميركية الى إيران، وتطبيق القوانين الاسرائيلية على مرتفعات الجولان والقدس الشرقية، والاستمرار في الاستيطان في الضفة الغربية، وأخيراً غزو لبنان، أمور لا تعكس اطلاقاً أي تفكير أو اعتبار للمصالح الأميركية. وهذه التصرفات جعلتني أدرك بجلاء ان مفهوم إسرائيل للشراكة الاستراتيجية ومفهومي أنا لها مختلفان جداً. ومن الواضح الآن انني بمناداتي بالشراكة الاستراتيجية مع اسرائيل لم آخذ في الاعتبار قوة ذلك التيار الدائم الوجود في الفكر الاسرائيلي، الذي ينادي باسرائيل الكبرى وتعزيزها اقليمياً وسياسياً. فمن اجل نجاح الشراكة الاستراتيجية يجب ان يكون البلدان متفقين في الاهداف الاساسية وان يعترفا بوجود قيود معينة مثل عدم جواز التوسع الاقليمي. ومن الواضح ان "الشراكة الاستراتيجية" بين اميركا واسرائيل لم تكن تتفق مع متابعة فكرة "اسرائيل الكبرى" مثلما حددها مناحيم بيغن والجنرال ارييل شارون. فضمان الاميركيين أمن اسرائيل شيء، ولكن كفالة التوسع امر مختلف جداً. اذ لا يمكن للحكومة الاميركية او الشعب الاميركي ان يوافقا على مفهوم توسع اسرائيل في لبنان وسورية والاردن او مصر. لقد كان القرار الذي اتخذته اسرائيل بغزو لبنان في حزيران يونيو عام 1982 قراراً مذهلاً. فبعد ان تلقى بيغن ضمانات لم يسبق لها مثيل بالدعم والتأييد من الولاياتالمتحدة، وبعد الترحيب به في شراكة استراتيجية جديدة قامر بكل ذلك جرياً وراء مفهوم بال عفا عليه الزمن. وأخشى ان هذا الانتهاك سيكوّن درساً دائماً. لكن لا بد من التوقف عند هذه القضية والتطرق الى المحادثات التي جرت بيني وبين المسؤولين الاسرائيليين. سافرت الى اسرائيل في ربيع 1981، وبدأت محادثات مفتوحة مع حكومتها مؤكداً خلالها بوضوح رغبة الولاياتالمتحدة في اتخاذ تعهدات حازمة خلال وقت محدد وفي تسليم الاسلحة والعتاد اللازمة لاثبات مدى جدية تعهدنا. وجرى استقبالي بترحاب ودعم من قبل العسكريين والجنرال تامير، الذي كان يشغل منصب مستشار الامن القومي، وحتى من رئيس الحكومة مناحيم بيغن. ولسوء الحظ فان هذا الاخير رأى يومها انه، من جهة يستطيع الحصول على هذه التعهدات كأمر مسلم به من دون مقابل محتمل لتسوية ما مع العرب، واستغلال من جهة اخرى للاقدام على توسع خارج الحدود الاسرائيلية منع ووقف الهجمات الفلسطينية عبر الحدود الجنوبية اللبنانية، وما لبث ان اتضح في ما بعد ان الهدف هو اكثر طموحاً حين وصلت القوات الاسرائيلية الى بيروت. تأجيل الهجوم على ليبيا عودة الى العقيد معمر القذافي. فبالنسبة الى التعاون الاميركي مع مصر لمواجهة النظام الليبي فقد كان وثيقاً لكننا في اواسط 1981 وصلنا الى قناعة بأنه على المدى القصير ليس بالامكان الاقدام على هجوم مشترك مصري - اميركي ضد ليبيا ولكن يجب علينا البدء بالتخطيط لتشكيل القوات المسلحة المشتركة الضرورية التي تستطيع القيام بذلك في ما بعد. وبدأنا العمل على تحقيق هذا الهدف في العام نفسه، وتطور هذا التخطيط بشكل جيد حتى بعد اغتيال السادات. ومع ذلك، بدأ يتضح في نهاية 1981، ان الادارة الاميركية لا تملك نظام تخطيط سياسياً منسقاً. فكان علينا خلال ذلك العام البحث في موضوع وحيد في وقت واحد في مجلس الامن القومي ثم عرضه على اجتماع للادارة، ولكن من دون التعمق في دراسته وتحليله مسبقاً. فالعملية التحليلية الدقيقة والحذرة التي وجدت ايام كيسنجر لم يكن لها وجود في ادارة ريغان العام 1981. فمعظم التخطيط كان يتم في وزارة الخارجية وبشكل غير رسمي باشراف وزارة الدفاع، ولم يكن البيت الابيض يشارك في اية طريقة تنسيقية. وبرز جلياً مع نهاية 1981 ان البيت الابيض لا يملك نظاماً او برنامجاً لأخذ القرار او التخطيط، لهذا نوى الرئيس ريغان تعيين مستشار جديد لشؤون الامن القومي، فاختار صديقه القديم من كاليفورنيا القاضي وليم كلارك الذي كان يتمتع بسمعة طيبة وثقة ريغان وأشار عليه بجلب خبير معه في التخطيط ووضع نظام لأخذ القرار. ولما كنت اتمتع بالمواصفات المطلوبة بعدما عملت سابقاً لخمس سنوات في البيت الابيض، طلب مني القاضي كلارك ان اكون نائبه على ان ابدأ مباشرة بالاعداد لنظام يستطيع تحقيق اهداف الرئيس في الشرق الاوسط، والاتحاد السوفياتي وآسيا واميركا اللاتينية بحيث تُجمع وزارات الخارجية والدفاع والمالية ووكالات المخابرات المركزية في عملية تخطيط للحصول على افضل النصائح والتوصيات التي تُقدم للرئيس البدائل المطلوبة فتسمح له باتخاذ القرار المناسب على ضوء تحاليل معمقة حول ماهية سياسته، وبعدها ينشرها كتابياً للحكومة ليعلم على اساسها كل مسؤول ان "هذه هي سياسة الولاياتالمتحدة" في الشرق الاوسط وآسيا واميركا اللاتينية و... هكذا. عندما انتقلت الى البيت الابيض في العام 1982 كانت هذه هي مهمتي، ايجاد نظام للأمن القومي تعمل على اساسه الادارة الاميركية. وكنت مع الجنرال الكسندر هيغ قبل عام عرضنا مشروعاً على ريغان لاقامة مثل هذا النظام. الا ان رجال الرئيس يومها كانوا قلقين من ان يكون هذا مفتاحاً لتقوية نفوذ هيغ، فرفض الامر. ولكن من دون اية موافقة على مشروع لم يكن هناك اي نظام على الاطلاق. فأول مستشار لشؤون الامن القومي ريتشارد ألن كان يتمتع بفهم مصطنع وضعيف لمعنى وكيفية تسيير عملية شؤون الامن القومي، ومن دون هذه المعرفة لم يكن في استطاعته اقامة اي نظام من اي نوع لاتخاذ القرار. في كانون الثاني يناير 1982، تم وضع اسس نظام سمح للرئيس ريغان ببدء عملية تحديد اهدافه. وكنت اجمع الخبراء في وزارات الخارجية والدفاع والمالية ووكالة "سي. آي. إي" وأقول لهم: "هذه هي الاهداف، اذهبوا وادرسوها وجدوا كيف يمكن استعمال قوانا السياسية والعسكرية والاقتصادية لتحقيقها. بعد ذلك عودوا وقدموا للرئيس ما هي افضل خياراته لذلك". وهذا كان يستغرق شهراً لأميركا اللاتينية وشهراً لآسيا. وبعدما يعودون بنتائج دراساتهم يستطيع الرئيس القول: "هذه هي السياسة التي اريد ان اتبناها اقتصادياً وعسكرياً في آسيا والشرق الاوسط الخ..." ويكتب الامر خطياً وبعدها يكون في علم كل واحد في ادارات الدولة ماهية السياسة المتبعة. في منتصف العام 1982 كان في حوزتنا بين 30 و40 قراراً اختار الرئيس واحداً من بينها ليقول: "هذه هي سياستي بالنسبة للحد من التسلح مع الاتحاد السوفياتي، هذه سياستي بالنسبة الى العملية السلمية في الشرق الاوسط وهكذا..." لقد اصبحت الادارة منسقة اكثر ومتجانسة. وبينما كنا نقوم بعملية التخطيط كانت احداث اخرى تقع في كل الاوقات كحرب الفولكلاند بين بريطانيا والارجنتين والغزو الاسرائيلي للبنان، حيث كان علينا معالجتها اذ ان ادارة الازمات كانت احدى مهامنا. وفي كل وقت كانت تبرز أزمة، تؤثر بشكل ما على مصالح الولاياتالمتحدة المهمة والتي تقود الى التدخل العسكري وخسارة الارواح، او الى تهديد حليف اميركي. كنت اقضي وقتاً طويلاً لأدير تلك الازمة وحلها سلمياً، لقد عملت سابقاً في عدد من الازمات خلال عهدي ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وشاركت في تأليف كتاب عن ادارتها كما وضعت نظاماً لادارة الازمات التي كانت من احدى مهماتي في ربيع 1982. الاسبوع المقبل: الحلقة الثالثة