تعتبر النجمة السينمائية جاكلين بيسيه احدى اكثر النساء اناقة في العالم طبقاً للاحصاء السنوي الذي جرى في فرنسا في العام الماضي. كما تعتبر احدى نجمات هوليوود البارزات حيث شاركت في افلام مهمة فيها، أبرزها "المطار" و"امبراطورية اليوناني" و"الليل الاميركي" و"ثرية ومشهورة"… وكلها مثلتها امام سينمائيين مرموقين امثال انطوني كوين، وستيف ماكوين، وبيرت لانكاستر ومارشيللو ماستروياني وجان بول بلمندو… جاءت جاكلين اخيراً الى باريس للمشاركة في حفلة التكريم المخصصة للقائد كوستو، فكانت مناسبة ل "الوسط" للقائها واجراء الحوار الآتي معها: يتمتع اسمك برنّة فرنسية. - انا فرنسية الام وبريطانية الاب، لكن اسمي الحقيقي جاكلين فريزر. وبيسيه هو اسمي الفني وتعجبني رنّته الفرنسية. تتكلمين الفرنسية بطلاقة وهذا ما جعلك تجرين الحوار بهذه اللغة. هذا الى جانب اشتراكك في افلام فرنسية عديدة. - تعلمت في مدرسة فرنسية في لندن، وبالتالي كبرت مع اللغتين الفرنسية والانكليزية سواء في المدرسة او البيت. لكن لكنتي تشير عن بعد الى جذوري البريطانية. هل تنتمين الى عائلة تشتغل بالفن؟ - لا، كان ابي يمارس الطب وكانت امي في شبابها محامية باريسية قبل ان تغادر فرنسا لتعيش مع زوجها في انكلترا. كيف اصبحت انت ممثلة اذاً؟ - حلمت في طفولتي بأني سأصبح راقصة باليه، لاني كنت اتبع دروساً في هذه المادة. وعقب انهائي تعليمي المدرسي عملت في متجر يبيع البن، حتى اكسب بعض المال في فترة الصيف. ثم تعرفت الى اشخاص فتحوا امامي باب عرض الازياء، فجربت حظي في هذا المجال ونجحت. كنت اعمل لحساب اكبر دور الازياء في لندن، وحدث اني جئت الى باريس لتقديم بعض العروض مما اسعدني وجعلني اعتبر نفسي عارضة على مستوى كبير. نسيت حكاية رقص الباليه ولم افكر الا في الوقوف امام المصورين مرتدية اجمل ثياب المبتكرين الكبار. تروين الحكاية بسطحية وبساطة. - لأني كنت مراهقة في ذلك الوقت وكنت سطحية والا لتعلمت رقص الباليه حتى المرحلة الاخيرة لاصبح فعلاً راقصة تقليدية. كنت ابحث عن البريق الخارجي اولاً واخيراً، ولم ارغب في ممارسة مهنة شاقة او متعبة بأي شكل من الاشكال. أتذكر اني كنت واثقة جداً بجمالي، خصوصاً بعدما نجحت في مهنة عرض الازياء التي تعتمد اولاً على المظهر الخارجي. النجاح الدائم هل تغيّرت الآن؟ - الحياة علمتني ان النجاح لا يدوم اذا كان مبنياً على الشكل فقط، ثم انه يتطلب من صاحبه بعض الجهد. تعلمت ايضاً دفع ثمن نجاحي، اذ ان الحياة تقدم للمرء قائمة كاملة بكل ما يتمتع به من مزايا وتطلب تسديد القيمة فوراً وبلا تقسيط. فهمت كذلك ان الجمال يذوب مع الايام وان ابراز الجاذبية في سن الاربعين يحتاج الى جهد مختلف عما هو عليه في سن العشرين. هذا الكلام لا يفسّر لنا كيف اصبحت ممثلة. - انت الذي قطعت حبل افكاري بسؤالك عن السطحية في طريقة سردي الحكاية. حصلت على فرصة العمل في السينما بعدما تقدمت الى اختبار امام الكاميرا كان يجريه السينمائي ريشارد لستر لاختيار الادوار الثانية في فيلمه "ذي كناك". سمعت عن الاختبار بواسطة صديقة في مجال عرض الازياء، فوجدت الفكرة جذابة وترددت الى مكان تجمع الممثلات الناشئات الراغبات في الحصول على دور في هذا الفيلم. التقيت بالمخرج واديت الاختبار وفزت بدور لا بأس به الى جوار جين بيركين. لم اعتبر نفسي ممثلة حقيقية لأني لم اتبع اي دراسة في مدارس الدراما. واعتقدت مرة جديدة ان جمالي قد فتح امامي الابواب. فالنجوم في رأيي كانوا بحكم الضرورة بين اكثر الناس وسامة وجاذبية، ولم افكر ابداً في اهمية موهبتهم الفنية. كيف واجهت دورك اذاً امام الكاميرا؟ - بصعوبة بعدما اكتشفت ضرروة قيامي بالتعبير عن مشاعر معينة. ولم تسمح لي كبريائي بالفشل او بالاعتذار عن العمل. ولأول مرة نسيت مظهري وركّزت جهودي على اتقان ادائي التمثيلي، مستعينة بذكريات شخصية من اجل العثور في ذاتي على امكانية الضحك والبكاء وغير ذلك من الانفعالات الطبيعية. وفي نهاية ايام العمل تلقيت تهنئة المخرج ريشارد لستر فشعرت بالفخر لأني عرفت كيف اخرج من المأزق دون ان يلاحظ اي شخص أني كنت وقعت في مأزق ما. بعد هذه التجربة تعلمت ان التمثيل مهنة تحتاج الى اكثر من وجه جميل، وشعرت برغبة في الاستمرار وفي تحدي نفسي، لكني لم اعرف كيف اعثر على فرصة الاستمرار. هل عدت الى عرض الازياء من بعد تجربتك السينمائية الاولى؟ - نعم، ولكن نظرتي الى الامور تغيرت بطريقة ملموسة. كيف نجحت في مواصلة التمثيل في ما بعد؟ - لم يحدث اي شيء قبل ظهور فيلمي الاول في صالات السينما، وحدث الكثير بعد ظهوره. فقد شهده رومان بولانسكي وابدى اعجابه بي كممثلة ومنحني احد الادوار الكبيرة في فيلمه "كودساك". لأول مرة في حياتي احسست بالفرحة بسبب اعجاب رجل بي على صعيد لا علاقة له بجاذبيتي الخارجية. لم اعرف هذا الاحساس من قبل ربما لأني لم ابحث عنه في الواقع. كيف كان العمل مع بولانسكي الكبير؟ - اشكر السماء على هذه التجربة التي كانت مدرسة بالنسبة اليّ. كان بولانسكي في غاية القسوة معي بهدف استخراج طاقتي بشكل كلّي. وهو فسّر لي في ما بعد مدى اقتناعه الاساسي بموهبتي، ولولا ذلك لما راح يضيع وقته معي ابداً، حسب قوله. قسوته جعلتني ابكي، لكني خرجت من التجربة ممثلة حقيقية وامرأة مسؤولة. كنت تخلصت نهائياً من الطفلة المدللة التي طالما لازمتني في الماضي. عانيت من النفاق تكلمت عن دفع ثمن النجاح. فماذا حدث لك حتى تعتبرين انك قد دفعت ثمن نجاحك؟ - انا كنت مثل العدد الاكبر من الناس، اعتقد ان النجوم لا يعرفون مشاكل الحياة وان الشهرة تحمي اصحابها من الضرر. تعلمت على حساب نفسي ان كل هذا الكلام غير صحيح. فالنجومية لا تتفق مع البساطة، وان حاول النجم التصرف مثل اي شخص عادي لا يلاقي معاملة عادية من الغير. انا عانيت من النفاق في الوسط السينمائي وفي وسط الصحافة. كنت ساذجة فصدقت كلام الناس ووقعت في اكثر من فخ. تأثرت في حياتي الخاصة بأشياء صرّحت بها ودياً ووجدتها منشورة فوق اغلفة المجلات. تعلمت عدم منح ثقتي لأحد بعدما رويت لصديقاتي مشاريعي السينمائية، اذ اني التقيت مرة بإحدى هذه الصديقات في اختبار التمثيل للدور الذي كان جذبني والذي كافحت للوصول الى الاختبار الخاص به. كل هذه الاشياء تقتل البراءة والسذاجة في المرء، وهذه خسارة كبيرة، وانا اعتبر ذلك هو الثمن الواجب دفعه في لقاء الشهرة. وهو ثمن مرتفع في رأيي. هل تخليت مباشرة عن عرض الازياء عقب عملك مع رومان بولانسكي؟ - نعم وتفرغت للتمثيل. عملت مع اكبر المخرجين في هوليوود وفرنسا وايطاليا وانكلترا. فمن منهم اثار اعجابك بشكل مميز غير بولانسكي؟ - هناك تجربة اعتزّ بها بشكل خاص هي قيامي بإنتاج فيلم "ثرية ومشهورة" للراحل جورج كيوكور. عندما قرأت الرواية شعرت برغبة قوية في تمثيل دور الشخصية الرئيسية فيها، وهي امرأة تكتب الروايات وتعرف الشهرة والثروة. لكنها تكرّس وقتها لإنقاذ أعزّ صديقة لها من اليأس الناتج عن فشل حياتها الزوجية والمهنية، الى ان تنجح الصديقة كمؤلفة روائية ايضاً فتنشأ منافسة بين المرأتين تهدد صداقتهما القديمة. لم تكن اي شركة منتجة اهتمت بتحويل الرواية الى فيلم، وحتى لو حدث الامر لما كنت سأحصل بالضرورة على الدور. فكان الحل المثالي، هو تحولي الى منتجة، لكن المسألة ليست سهلة لأنها تتطلب قدرة على جمع الملايين اللازمة للتصوير. وانا لم اكتف بالرغبة في انتاج الفيلم واداء بطولته، بل طمحت في تحقيق حلم قديم هو العمل تحت اشراف احد اكبر مخرجي هوليوود القدامى، جورج كيوكور. الرجل الذي عزز المرأة ومنح نجمات هوليوود اجمل ادوارهن. يكفي ذكر "ماي فيرليدي" سيدتي الجميلة مع اودري هيبورن و"دعنا نحب" مع مارلين مونرو، و"غاسلايت" ضوء الشعلة مع انغريد برغمان وعشرات الافلام التي اخرجها كيوكور. كان كيوكور بلغ سن الثمانين ولم يعمل منذ عشر سنوات، كما ان شركات التأمين لم تتحمس لفكرة تأمين اي رجل متقدم في العمر الى هذا الحد. فماذا لو وقع حادث ما خلال فترة التصوير؟ لم تكن مهمتي بسىطة، لكني عنيدة وبالتالي لا استسلم بسرعة. قضيت اكثر من عامين في التفرغ لانجاز مشروعي، وفي النهاية عثرت على الموازنة واقنعت كيوكور بالعمل واتيت بالادلة اللازمة على حالته الصحية الجيدة لحثّ شركات التأمين على الموافقة، وتمّ تنفيذ الفيلم. فحققت حلمي بالعمل مع هذا الرجل وكانت التجربة مشوقة، وانا لن انساها مدى الحياة. لكني غير متأكدة من رغبتي في خوض تجربة الانتاج مرة ثانية. وهذا آخر فيلم اخرجه جورج كيوكور أليس كذلك؟ - نعم وانا فخورة بكوني انتجت الفيلم الذي اختتم قائمة اعمال احد عمالقة السينما، خصوصاً لأن الفيلم قد نجح في الاسواق والآن رحل كيوكور ولن يعوض. عشت بعض التجارب المثيرة عن طريق العمل مع اشخاص مثل جون هيوستون وسيدني لوميت وفرانسوا تروفو ولويجي كومنشيني، وكلهم من كبار العاملين في الاخراج السينمائي، ولكل منهم اسلوبه الفريد في ادارة الممثلين، لكن تجربتي الفريدة تظل مع كيوكور. الفيتو انت تزورين فرنسا بشكل دوري أليس كذلك؟ - نعم لأني مولعة بهذا البلد وانتهز اي مناسبة للقدوم اليها. حضرت مهرجان سينما المرأة في مارسيليا مثلاً، والآن قدمت لتكريم القائد كوستو في اطار الحفل الذي خصص له بحضور شخصيات مرموقة في مجالات متعددة. انه رجل كبير يدافع عن الطبيعة ويستحق التقدير. انا اشاركه افكاره. من الممثل الذي اثار اهتمامك اكثر من غيره بين النجوم الذين تقاسموا معك بطولة افلامك؟ - تضحك اطلب حق الفيتو بشأن هذا السؤال، فلا اود جرح شعور اي ممثل. ولو تكلمت لجرحت العدد الاكبر من النجوم الذين عملوا معي، فمشاركة بعض هؤلاء بطولة الافلام يدخل في اطار الثمن الذي تكلمت عنه والواجب دفعه كمقابل للشهرة.