بين باريسوالكويت مسافة من آلاف الكيلومترات وإختلاف في المناخ بين حرّ وبرد وضباب، وانشغال في الهموم اليومية قد لا يمت الواحد منها بصلة الى الآخر. غير ان الكويت جاءت الى باريس بكنوزها الفنية والاسلامية تعرضها أمام عيون الجمهور المندهش من فرنسي وعربي، في معهد العالم العربي. كنوز هائلة في الجمال والندرة قاومت الغزو والاحتلال والحرب واحتفظت بقيمتها وقيمها. جاءت كنوز هذا المعرض من دار الآثار الاسلامية ومن المتحف الوطني في الكويت، وبعد أن أمضت وقتاً في بلاد بعيدة وكبرى، منها الولاياتالمتحدة وكندا وروسيا. ويشاهدها الجمهور الفرنسي لأول مرة، لتملأ عيونه بالدهشة والاعجاب. حصيلة هذه الكنوز والقطع الفنية النادرة حوالى المئة قطعة، وقد اختيرت من المجموعة التي انتقاها الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح وزوجته الشيخة حصة السالم الصباح، على مرّ السنين. والشيخة حصة هي مديرة المتحف الوطني وروح هذه المجموعة النادرة المختارة. ويعتبر عمل الشيخ ناصر وزوجته الشيخة حصة في جمع هذه الكنوز الفنية، عملاً مثالياً لا نظير لمثله في ظروف معينة. أثريات نادرة في قطع تعكس الفن العربي الاسلامي في مجالات الخط والمنمنمات والسيراميك والزجاجيات الشفافة والعاج والمعدنيات والفتائل المعدنية خيوط من ذهب او فضة مفتولة ومجدولة وملحومة تستعمل للزخرفة ولقبضات السيوف والسجاد وسوى ذلك. بالاضافة الى مخطوطات علمية من بينها مخطط للبندقية يعود الى القرن السابع عشر. ويذكّر هذا بشيء بديهي وهو ان حضارة الكتاب هي حضارة الكتب والمعارف. كذلك من فن السيراميك النادر والمختلف جداً الى الفنون الحديثة بكليتها، شهادة كبيرة على التنوع وعلى الغنى الوفير للابتكار الشرقي. زجاجيات صخرية منحوتة في مصر خلال العصر الفاطمي. عاجيات ومعدنيات وتيجان أعمدة رخامية مزخرفة وكثير من القطع، تحكي جميعها عن الصلة الكبيرة بين الحضارات التي ازدهرت وتفتحت عملاقة في بلاد حوض المتوسط. بداية الحكاية تبدأ حكاية هذه الكنوز قبل ثلاثين عاماً تقريباً. في نهاية الخمسينات، حين نظمت الحكومة الكويتية مسابقة لبناء مجمّع متحفي حمل هندسته الفرنسي ميشال إيكوشار. والبناء الحالي للمجمّع الذي يطل على الخليج كان تحقق في نهاية السبعينات. وبوشر في اثناء بناء المتحف هذا بتنظيم جمع التحف المتبعثرة في انحاء متعددة من العالم. سارت ولادة دار الآثار وتجميع التحف الصباحية جنباً الى جنب، من شهر كانون الأول ديسمبر 1981 الى شباط فبراير 1983. كان الشيخ ناصر الصباح والشيخة حصة السالم الصباح، المديرة الحالية لدار الآثار الاسلامية، في قلب الكنوز الفنية المتجمعة. كانا يحبان الفنون الاثرية النادرة، وكانا يسعيان وراءها. وخلال عشرة اعوام، امتلأت الصروح المتفرقة بين بلد وآخر والعائدة لهما، بأجمل القطع الاثرية والفنية من كل نوع ومن كل قرن. وتحولت هذه القطع الى مجموعة اثرية متناسقة وشكلت متحفاً على مستوى عالمي. وسمح الشيخ ناصر وزوجته بدراسة مجموعتهما الفنية الاثرية الهامة للتاريخ الفني والثقافي الاسلامي والتمتع برؤيتها. كتاب مفهرس للتحف في نطاق التطلع الى جمع القطع الفنية في الكويت، قام كل من الشيخ ناصر والشيخة حصة بفهرسة كتب عنها. وفي الوقت ذاته درست امكانات حفظها ومدى حاجة بعضها الى عناية خاصة ومعالجة على حدة. فما كان منها يحتاج الى ذلك، أرسل الى محافظي المتاحف الاوروبية والاميركية برفقة تعليمات خاصة. وفي الوقت ذاته، ذهب مصور خاص الى الكويت لتحقيق مصنف تصويري كامل عن كل قطعة. حين تمّ اعداد الكتاب المفهرس عن التحف، جرى تصنيف لحوالى سبعة آلاف وخمسمائة قطعة فنية. وصار في الامكان بعدها القيام بعملية اختيار القطع الصالحة للعرض والكتابة عنها، والبدء في التخطيط للمباشرة في تحقيق المعرض. وسمح هذا الاجراء بتسهيل تقسيم القطع على أربع مراحل تاريخية: الاسلام في قرونه الأولى، الاسلام في بداية العصر الوسيط، الاسلام في القرون الوسطى، والاسلام في ما بعد، وأطلق اسم متحف الكويت الوطني على المجمّع المؤلف من خمس أبنية، واسم دار الآثار الاسلامية على البناء الذي احتفظ به الشيخ ناصر من أجل مجموعته التي سميت "بمجموعة الصباح". جرى تدشين "مجموعة الصباح" الاثرية في يوم العيد الوطني الكويتي، 25 شباط فبراير 1983. وقد دعي الى حفلة التدشين حينها، ثلاثمائة عالم وصاحب مجموعات وبائع تحف، ولم يكن هؤلاء يملكون الا فكرة غامضة عما سيشاهدونه في دار الآثار الاسلامية الجديدة في الكويت. وكانت دهشتهم كبيرة حين وقعت عيونهم على متحف الفنون الاسلامية الذي يضم في قاعاته المجموعة الأكمل في العالم عن آثار الحضارة الاسلامية. وبعد الاحتفال بولادة دار الآثار الاسلامية، وبمجموعة الصباح، اعتبرت هذه الاخيرة كمجموعة آثار وطنية قائمة بذاتها. فنون إسلامية منوعة تابع الشيخ ناصر الصباح العمل على زيادة مجموعته الفنية وحاول سد الثغرات الضعيفة فيها. اعتنى بالقسم المتعلق بالاسلام في بداياته وبصورة خاصة بالحقبتين الأموية والعباسية، وسدّ النقص الواقع في مجموعة السيراميك، ومنها العثمانية، ووجهت عناية خاصة الى فنون الكتاب الهندي والتركي والى الزجاجيات الاسلامية. كانت المقتنيات التي حصلت في سنة 1983 وسنة 1984 هامة وعديدة، ولدرجة التفكير بتوسيع مساحة المتحف من اجل التمكن من عرضها. وقد تحقق ذلك بعد سنة ويوم من تدشين "مجموعة الصباح". استطاعت المئة وعشر قطع تقريباً التي توجد اليوم في باريس، ان تفلت من النهب الذي تعرضت له الكويت خلال حرب الخليج. وهي تمثل اعمالاً حققت بين القرن الثامن والقرن الثامن عشر في المراكز الأساسية للعالم الاسلامي من الهند حتى اسبانيا.