شهدت دمشق خلال الاسبوعين الماضيين تحركات سياسية مكثفة تستهدف اساساً تعزيز الموقف العربي ازاء عدد من القضايا الحساسة في المنطقة، بدءاً بعملية السلام وصولاً الى العراق مروراً بأمن الخليج والعلاقات العربية - الايرانية. فقد استقبلت دمشق وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الاحمد الصباح الذي بحث مع المسؤولين السوريين الوضع على الحدود العراقية - الكويتية بعد التصعيد العسكري الذي سبق تولي الرئيس بيل كلينتون سدة الرئاسة اضافة الى قضية امن الخليج بشكل عام. واظهرت المحادثات ان موقف سورية بالنسبة الى سيادة الكويت والوقوف معها ضد أية استفزازات عراقية هو موقف ثابت، لكن في الوقت نفسه فان احد اهم نتائج الزيارة كانت اعلان الشيخ الصباح في دمشق تمسك بلاده بوحدة وسيادة الأراضي العراقية التي تعتبرها دمشق "مسألة مقدسة لا يمكن المس بها أو التفريط فيها بأي حال من الاحوال ومسؤولية عربية واقليمية". كما ان الاعلام السوري انتقد بشدة "بعض الاصوات الكويتية التي تدعو الى الانسلاخ عن العرب واعتبار بعض العرب هم الاعداء الحقيقيون للكويت بينما اسرائيل صديقة لها"، وذلك في اشارة الى مقالات نشرتها الصحافة الكويتية تعتبر ان العراق والفلسطينيين هم الاعداء الحقيقيون للكويت و"ليس دولة اسرائيل". وتأكد الالتزام السوري بوحدة وسيادة العراق خلال المحادثات التي اجراها وزراء خارجية سورية وتركيا وإيران في دمشق والتي اكدوا اثرها ضرورة تخفيف اعباء العقوبات عن الشعب العراقي ودعوا في الوقت نفسه حكومة بغداد الى الالتزام بقرارات مجلس الامن. وتحتل العلاقات العربية الاسلامية، خصوصاً مع كل من ايران وتركيا، مكانة خاصة في السياسة السورية حالياً وهو ما عبر عنه وزير الخارجية السوري فاروق الشرع بتأكيده ان الدول الثلاث متجهة نحو علاقات تعاون اقليمية واسعة لا تنحصر فقط بالعراق بل بمجمل الملفات الاقليمية لابراز اهمية العامل الاقليمي في هذه الملفات، بدلاً من العامل الخارجي والغربي تحديداً. وحسب مصادر لقاء دمشق فان الدول الثلاث تريد احلال دورها وموقفها السياسي بدلاً من الدور العسكري للقوى الغربية في شمال العراق، لكنها لا تفكر في استخدام وسائل عسكرية لترجمة هذه المواقف. وكان الموضوع العراقي احد محاور محادثات الرئيس المصري حسني مبارك مع الرئيس حافظ الاسد اثناء قمتهما المفاجئة في العاصمة السورية والتي نقل فيها مبارك الى الرئيس السوري فحوى رسالة بعثها اليه الرئيس صدام حسين عن طريق الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يطالب فيها مصر بمساعدة العراق بفتح ابواب عربية جديدة. الرئيس الاسد اكد ان العلاقات العربية "يجب ان تبنى على رؤية استراتيجية وليس تكتيكية". هذه المواضيع كانت في اطار محادثات ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبدالعزيز مع الرئيس الاسد وكبار المسؤولين السوريين في دمشق التي زارها قبل وصول الرئيس المصري اليها. ووفقاً لما قاله لپ"الوسط" مصدر سوري بارز فان سورية لا تريد لأي طرف ان يستغل "الضعف العربي واختلال التوازن في المنطقة الذي سببته عملية غزو الكويت". ومن هنا الدعوة المستمرة الى التضامن العربي الذي يكفل حق المبعدين الفلسطينيين في العودة حسب القرار 799. مصادر دمشق التي دعت ادارة كلينتون الى فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية - الاميركية تتجاوب مع المتغيرات الدولية أشارت الى ان الاطراف العربية حذرت واشنطن في الوقت نفسه من اعتبار قضية المبعدين الفلسطينيين محلولة من خلال الاتفاق الاميركي - الاسرائيلي. وشددت على رفض انصاف الحلول، سواء بالنسبة الى قضية المبعدين او بالنسبة الى العملية السلمية برمتها، لأن انصاف الحلول في تنفيذ القرار 799 تثير شكوكاً كبيرة في تنفيذ القرارات الرئيسية وهي 242 و338 و425. وقد احتلت هذه القضية مكانة رئيسية في القمة المصرية - السورية وكذلك في اللقاء المطول بين الرئيس الاسد ورئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري الذي بحث ايضاً مستقبل عملية السلام. وإضافة الى ذلك كله فان دمشق تقوم بجهود لتحقيق المصالحة المصرية - الايرانية والمصرية - السودانية وازالة التوتر التركي - الايراني الذي اكد الرئيس الاسد انه قضية تهم دولاً غير عربية. وشدد الوزير فاروق الشرع على ان التوتر التركي-الايراني لم يؤثر على اجواء محادثات دمشق الثلاثية في شأن العراق. واستطاعت دمشق تخفيف حدة التوتر بين القاهرة وطهران بعد أن نقلت لكل جانب التزام الجانب الآخر ورغبته في علاقات تعاون وصداقة على اساس احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. لكن من الواضح ايضاً ان هذه الجهود تتطلب لقاءات مباشرة بين الجانبين المصري والايراني لازالة الكثير من سوء التفاهم. وقد تم بحث هذا الموضوع اثناء استقبال الرئيس الاسد ونائبه السيد عبدالحليم خدام لوزير الخارجية الايراني علي اكبر ولايتي الذي اكد "ان ايران تسعى الى التعاون الاقليمي مع جميع الدول في المنطقة". نافياً وجود تنافس تركي - ايراني في جمهوريات آسيا الوسطى بل على العكس اكد وجود تعاون من خلال منظمة الدول الآسيوية التي اجتمعت اخيراً في باكستان. كما ان الاجواء بين القاهرةوالخرطوم لم تتحسن كثيراً مع تأكيد كل جانب سيادته على منطقة حلايب المتنازع عليها، ومع ذلك فان الجهود السورية مستمرة نظراً الى المصلحة القومية والى العلاقة الوطيدة التي تربط دمشق بكل من الخرطوموالقاهرة.