ترصد الأوساط السياسية والرأي العام المغربي بقلق تطور الوضع في سبتة ومليلة اللتين تحتلهما اسبانيا، حيث يتجه موقف كل من حكومة مدريد الاشتراكية والمعارضة اليمينية الى "أسبنة" المدينتين المغربيتين، بمنحهما الحكم الذاتي، على غرار المناطق التي تسيّرها حكومات اقليمية في نطاق السيادة الاسبانية. وتدرك هذه الأوساط ان قضية المدينتين المحتلتين لم تعد مجرد مزايدات داخلية، بعد تخلي حزب العمال الاشتراكي الحاكم عن مواقف سابقة من المدينتين ومجاراته اليمينيين، في وضع الترتيبات الخاصة بالحكم الذاتي في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. فمن المؤكد ان هذه القضية التي تعود بجذورها الى القرن الخامس عشر سبتة 1415 ومليلة 1496 تجتاز منعطفاً خطيراً، وربما أكثر مراحلها خطورة، لا سيما ان الترتيبات المزمع تطبيقها ستقطع الطريق على أي حوار مغربي - اسباني أو الدخول معاً في مفاوضات حول مستقبل المدينتين. وكان المغرب اتخذ منذ استقلاله الكثير من المبادرات، وسعى بالوسائل الديبلوماسية الى اقناع اسبانيا بضرورة فتح حوار حقيقي لحل المشاكل العالقة بينهما، خصوصاً قضية المدينتين المحتلتين، غير أن الحكومة الاسبانية، سواء في عهد الجنرال فرانكو أو في عهد الزعيم الاشتراكي فيليبي غونزاليس، ظلت تماطل في اجراء الحوار، كما رفضت التجاوب مع اقتراح تقدم به الملك الحسن الثاني في العام 1987 بتشكيل ما أسماه "خلية تفكير" من الجانبين للبحث في مستقبل المدينتين. ولم يغير من هذا الموقف المتشدد دعم المغرب للمطالب الاسبانية بجبل طارق، فعارضت اسبانيا أي وجود مغربي رسمي في المدينتين، حتى في اطار بعثة تعليمية. والجدير بالذكر ان مندوب الحكومة الاسبانية في سبتة بدرو غونزاليس أعلن عن قرب عرض مشروع قانون على مجلسي النواب والشيوخ خاص باجراءات تطبيق الحكم الذاتي في سبتة ومليلة، وتوقع ان يحظى المشروع بالموافقة خلال الشهور الأولى من السنة المقبلة. كما ان الصحافة الاسبانية أشارت الى ان كلاً من الحزب الاشتراكي الحاكم والشعبي المعارض على وشك التوقيع على اتفاق حول الحكم الذاتي للمدينتين، سيضع حداً للنزاعات التي سادت بين أهم تشكيلين سياسيين اسبانيين منذ تبني الدستور الجديد في العام 1978. والمعروف ان الدستور الاسباني يعتبر سبتة ومليلة جزءاً لا يتجزأ من المملكة الاسبانية، لكن المغرب حرص دائماً على استمرار علاقاته مع اسبانيا، بل وقَّع معها في تموز يوليو 1991 معاهدة صداقة وتعاون هي الأولى بين اسبانيا وبلد عربي، الأمر الذي يثير الآن كثيراً من التساؤلات في البرلمان المغربي عن جدواها. والواضح ان الرهان المغربي، عقب وفاة فرانكو، على حدوث تغير في الموقف الاسباني لم يعد قائماً، ذلك أن حزب غونزاليس لم يقدم على اتخاذ بادرة ولو خجولة لتسوية قضية المدينتين المحتلتين، وامتنع عن طرحها على مائدة حوار، ويبدو أنه مصمم على تبني هذا الموقف بعد فوزه في الانتخابات النيابية الأخيرة، اذ يكاد الخلاف بينه وبين الحزب الشعبي المعارض على ترتيبات الحكم الذاتي ينحصر الآن بالحق التنظيمي للمدينتين مستقبلاً، ففي حين يبدي حزب غونزاليس استعداده لتأسيس جمعية تشريعية بالامكان فصلها عن السلطة التنفيذية، يفضل الحزب المعارض بزعامة خوسي ماريا اثنار توسيع الصلاحيات التي ستنقل الى المجموعتين المستقلتين لسبتة ومليلة، مثل انشاء محكمة عليا ووضع نظام اقتصادي وضريبي خاص بالمدينتين. وعلى رغم ان مشروع الحكم الذاتي ظل يتأرجح في ادراج البرلمان والأحزاب في اسبانيا، وبالتالي فهو لا يشكل مفاجأة سياسية، إلا أن الأوساط السياسية المغربية تعتقد ان الحوار بين ممثلي المدينتين والبرلمانيين نضج في اتجاه اتفاق مع مدريد على إقرار الحكم الذاتي بما يغذي التعبئة الشاملة التي يخوضها السكان الاسبان المقيمون في المدينتين لاضفاء الشرعية على الاحتلال الاسباني، وفي كل الأحوال ترى هذه الأوساط ان بلوغ المفاوضات بين الحزبين الاشتراكي الحاكم والشعبي المعارض على الخطوط العريضة لنظام الحكم المقترح للمدينتين مرحلة متقدمة ينذر بمواجهة بين البلدين، قد تتعدى الحملات الاحتجاجية التي انطلقت خلال 1986، عند تطبيق ما سمي بالقانون المنظم لاقامة الأجانب فيهما.