فشلت الفصائل الصومالية كلها في التوصل الى اتفاق أثناء اجتماعها التشاوري الذي عقد في أديس أبابا من الخميس الأول من كانون الأول ديسمبر الجاري والى السبت العاشر من الشهر نفسه. وانقض الاجتماع بعدما حمّلت كل مجموعة من المجموعتين الرئيسيتين الأخرى مسؤولية الفشل. تزامنت الدعوة الى عقد مؤتمر للفصائل الصومالية في أديس أبابا مع دعوة سابقة الى مؤتمر مماثل في القاهرة، اثر دعوة الرئيس حسني مبارك الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الافريقية رؤساء المنظمات الدولية والاقليمية الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة والدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية والدكتور حامد الغابد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي والدكتور سالم أحمد سالم الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية. وانتهى الاجتماع بالمطالبة بصندوق لدعم استقرار الصومال والبحث في الجهود السياسية للمصالحة. وترى مجموعة دول القرن الافريقي - من دون اتفاق وتنسيق بينها - انها أحق بالدعوة الى أي لقاء من أجل المصالحة الصومالية، ولهذا أدلى الرئيس الاريتري اسياس أفورقي بتصريحات هاجم فيها لقاء القاهرة، ودعا الى تنشيط اللجنة التي اختارتها دول القرن الافريقي لعقد مؤتمر مصالحة في أديس أبابا برئاسة الرئيس الاثيوبي ملس زيناوي. ووجه الأخير دعوة الى المؤتمر عقب انتهاء مؤتمر المساعدات الانسانية للصومال الذي تشرف عليه الأممالمتحدة. وتولى وزير التعاون الاثيوبي عبدالمجيد حسين - وهو من أصل صومالي - مهمة الاعداد للمؤتمر الذي تحمست له مجموعة الاثني عشر فصيلاً بزعامة علي مهدي محمد، بحجة انه يأتي اثر مؤتمر خاص بالصومال وترعاه الأممالمتحدة، مما يشير الى عدم مشاركة مجموعة التحالف الوطني بقيادة الجنرال محمد فارح عيديد، لكن الجهود الديبلوماسية الاثيوبية نجحت في إقناع عيديد بالحضور بالتنسيق مع "يونوصوم" وقيادة القوات الأميركية في مقديشو التي أعطت ضمانات لسلامته، بل تولت طائرة عسكرية أميركية مهمة احضاره مع مرافقيه السفير لسان يوهانس مبعوث الرئيس زيناوي لدى الصومال والعقيد عبدالله يوسف أحد أبرز قادة الفصائل وهو عضو في مجموعة علي مهدي، لكنه يتمتع بتقدير خاص لدى مجموعة عيديد، وكان زميلاً له في القوات المسلحة. وكذلك أعلنت الحكومة الاثيوبية في بيان رسمي صدر مساء الأربعاء 30 تشرين الثاني نوفمبر ان تجمع الفصائل الصومالية في أديس أبابا هو "اجتماع تشاوري" وليس مؤتمر مصالحة. وقد فسر الديبلوماسيون الأجانب البيان بأنه محاولة أثيوبية لعدم تحمل الحكومة نتائج المؤتمر في حال فشلها أو تعارضها لتوجيهات رؤساء دول القرن الافريقي. عيديد وعلي مهدي ولم تنجح الديبلوماسية الاثيوبية في عقد لقاء مباشر بين الزعيمين علي مهدي محمد قائد مجموعة الاثني عشر فصيلا والجنرال عيديد قائد مجموعة التحالف الوطني الصومالي. واتخذ علي مهدي مقراً له في الفيلات التي تقع في الجزء الشرقي لفندق "قيون" فيما أقام عيديد في الفيلات التي تقع في الجزء الغربي، وهي أكثر فخامة. وكان هذا مصدر تعليق لأعضاء مجموعة علي مهدي الذين اتهموا الحكومة الاثيوبية علناً بالانحياز الى عيديد واستقباله كرئيس دولة، وهو أمر يعكس الحساسيات العميقة بين الصوماليين. واستقبل الرئيس زيناوي قائدي الفصيلين كلاً على حدة قبل سفره الى القاهرة للمشاركة في مؤتمر القمة الافريقي المصغر الخاص بإيجاد آلية افريقية لفض النزاعات، وترك الصوماليين وحدهم للتوصل الى اتفاق. وتردد انه عبر عن رغبته في عدم الاجتماع مستقبلاً بالصوماليين الا اذا توصلوا الى اتفاق. ويكنّ مؤيدو عيديد تقديراً خاصاً للدور الاثيوبي في جمع المتفاوضين الصوماليين، فيما أعلن الناطق الرسمي باسم مجموعة الاثني عشر، عوض عشرة صومالي يحمل الجنسية الكندية ويقود شركة خاصة تهتم بهجرة الأفارقة الى كندا في حديث الى "الوسط" انه يشك في النيات الاثيوبية والاريترية تجاه الصومال، معللاً شكوكه بوجود أزمة عدم ثقة تاريخية بين الصوماليين من جهة والاثيوبيين والاريتريين من جهة أخرى. ولهذا الموقف مدلولاته كونه صادراً عن ناطق رسمي باسم احدى المجموعتين، ويعتبر من أسباب فشل اجتماع أديس أبابا، مع الأخذ في الاعتبار ان بعض قادة فصائل تجمع الاثني عشر مجموعة علي مهدي كان يشيد بالدور المصري وبدور الرئيس مبارك والدكتور غالي من أجل الصومال. علماً أن القاهرةوأديس أبابا تتنافسان في تنظيم مؤتمر مصالحة صومالي. الخلاف والاتفاق اتفق قادة الفصائل الصومالية على ان تكون قرارات مؤتمر أديس ابابا السابق الذي عقد في آذار مارس من هذا العام هي الأساس للتشاور. وكان كل القادة والفصائل وزعماء القبائل والفعاليات السياسية شاركوا في ذلك المؤتمر ووقعوا على قراراته، ما اعتبر خطوة متقدمة نحو الاتفاق... ولكن وقع خلاف على تفسير القرارات، فمجموعة علي مهدي ترى انها تتوج بقيام مجلس وطني انتقالي كان يفترض ان يعقد جلسته الأولى في 15 كانون الثاني يناير المقبل بعد ان تكون كل الاقاليم والمحافظات شكّلت مجالسها الاقليمية. وهذا لم يتم بسبب الأزمة التي عصفت بالبلاد اثر الاعتداء على الجنود الباكستانيين في حزيران يونيو، ثم مطاردة عيديد دولياً. وترى المجموعة ايضاً ضرورة تنفيذ قرارات مؤتمر اديس ابابا كما هي تحت اشراف الأممالمتحدة وتكوين المجلس الوطني الانتقالي بالعدد المذكور 74 عضواً، مع تكوين محاكم قضائية باشراف "يونوصوم" واستمرار بقاء القوات الدولية حتى اكتمال بناء كل المؤسسات الدستورية. اما مجموعة عيديد فتقترح زيادة عضوية المجلس الوطني الانتقالي بما يضمن تمثيل كل الفعاليات القبلية والسياسية والعسكرية. ويبدو ان هذه المجموعة لم تكن متفرغة للعمل السياسي وحده في الشهور الماضية بما يضمن وصول مؤيديها الى المجالس المحلية والمجلس الوطني بالثقل الشعبي الذي تتمتع به. وكذلك تصر المجموعة على عدم تدخل الاممالمتحدة في الجدل السياسي والدستوري وترك هذا الامر للصوماليين والاكتفاء بالجانب الانساني من المهمة الدولية، مع المطالبة برحيل كل القوات الدولية. واعتبرت مجموعة علي مهدي ان الخلاف كبير بين الفئتين، وتولي قرارات مؤتمر اديس ابابا في آذار مارس اهمية خاصة وترفض تعديل بنودها... ولهذا اعلنت المجموعة ان لا فائدة من مواصلة التفاوض مع مجموعة عيديد، وطلب وفد منها لقاء مع الرئيس الاثيوبي لوداعه وشكره على الضيافة واعلان مواصلة الحوار في مقديشو. كان هذا الاعلان مفاجأة لمجموعة عيديد، بل اعتبره كذلك بعض ممثلي مجموعة علي مهدي الذين كانوا في اللجنة الثمانية المشتركة. وترى مجموعة التحالف الوطني الصومالي عدم وجود خلاف واضح في وجهات النظر يؤدي الى رفع المؤتمر او الاجتماع، ويتهمون ايدي خارجية بالعمل على تقويض اللقاء. وذهب احدهم الى الاعلان صراحة عن تدخل مباشر وتوجيهات تلقاها احد قادة مجموعة علي مهدي وهو الجنرال محمد ابشر. وتؤكد مجموعة عيديد ان فشل لقاء اديس أبابا خطوة الى مزيد من إحكام قبضة يونوصوم على خيوط اللعبة ومحاولة استعداء القوات الدولية في اسابيعها القليلة الباقية على التحالف الوطني. ... لقد غادر الصوماليوناديس ابابا بعضهم الى مقديشو ومعظمهم الى نيروبي وروما، فيما تظل الغالبية الصامتة الجائعة في الصومال في انتظار العام الجديد لعله يحمل املاً... وفيما تعزز الميليشيات مواقعها في مقديشو استعداداً لجولة عسكرية جديدة ربما، حاورت "الوسط" الزعماء الثلاثة الابرز للصراع السياسي في الصومال.