دخلت الحرب الاهلية الجيبوتية عامها الثالث، وليس هناك اي مؤشر لجلوس طرفي النزاع الرئيسيين "التجمع الشعبي للتقدم" الحزب الحاكم بقيادة الرئيس حسن غوليد ابتيدون و"جبهة اعادة الوحدة والديموقراطية" معارضة مسلحة بزعامة السيد احمد ديني احمد الى طاولة المفاوضات. وكانت كل من فرنساواثيوبيا واريتريا والسودان واليمن ومصر بذلت مساعي ديبلوماسية مكثفة، خصوصاً العام الماضي، لانهاء الحرب في هذا البلد، وباءت جميعها بالفشل. والملفت ان اسلحة متطورة تتدفق على جيبوتي من اطراف اقليمية ودولية، في شكل يساعد على اطالة عمر الحرب ويخلق حال عدم استقرار في جيبوتي. والقى قائد المعارضة الجيبوتية المسلحة احمد ديني باللوم على رئيس البلاد في استمرار الحرب، وقال في تصريح لپ"الوسط": "لم يستوعب الرئيس الجيبوتي دروس التجربة الصومالية بدليل انه يقلد الديكتاتور الصومالي السابق محمد سياد بري في كل شاردة وواردة. ولا اقول ذلك من باب التجني، ولكن على ضوء قراءة عملية لسياسة الحزب الحاكم الذي انفرد بالسلطة طيلة عقد ونصف عقد 1977 وحتى اليوم وبسط سىطرة ابناء قبيلته الماماسان فرع من قبيلة العيسى على كل مرافق الدولة الحساسة وعلى حساب الوحدة الوطنية، واضحى يوظف كل خيرات البلاد ومساعدات الاشقاء والاصدقاء لاغراض عسكرية، ادى هذا الامر الى بروز معارضة عسكرية، واستفحال ظاهرة البطالة بين الشباب، وانعدام الامن … وعوضاً عن البحث عن حلول موضوعية ناجعة لمشاكل البلاد العديدة والمعقدة، لجأ الى اسلوب القمع العشوائي، وتقوية جهاز الامن، والاستخبارات، فزاد من عمق الهوة الفاصلة بين الحكومة والشعب. ولذلك اخشى ان يكرر السيناريو الصومالي الرهيب نفسه في جيبوتي". يعتبر الرئيس غوليد انه قاد البلاد الى الاستقلال، وحقق طيلة سنوات حكمه انجازات كثيرة في ميادين مختلفة. وانه صار اليوم بمثابة صمام امان للوحدة الوطنية في البلاد. وغياب غوليد سيترك فراغاً سياسياً كبيراً في الساحة الجيبوتية خصوصا في اوساط قبيلة العيسى التي تشهد منذ فترة صراعاً سرياً بين كل من اسماعيل عمرغيلي ابن عم الرئيس رئيس جهاز الامن والاستخبارات مسؤول مكتب الرئاسة، واسماعيل غيدي حارد مدير ديوان الرئاسة، ومؤمن بهدون فارح وزير العدل الحالي وزير الخارجية السابق علماً ان نفوذ غوليد لا يقتصر على ابناء قبيلة الماماسان التي ينتمي اليها، بل يمتد الى كل القبائل العيساوية والصومالية وبعض الشرائح من قبيلة العفر، في حين ان الشخصيات العيساوية الثلاثة غيلي وحارد وفارح لا تتمتع بالنفوذ نفسه خارج دائرة محيطها القبلي، وهذا يعني ان معركة خلافة الرئيس غوليد ستمزق اكثر الوسط العيساوي. واياً كان الامر، فان الرئيس حسن غوليد، عندما اجرى تعديلات دستورية رئيسية في البلاد العام الماضي تمثلت في استفتاء شعبي اقر بموجبه تخلي البلاد نهائياً عن الحزب الواحد، واعتماد التعددية الحزبية، ضرب عصفورين بحجر واحد، أي انه استطاع من ناحية تلبية طلب باريس التي ترهن حسن مستوى دعمها للدول الافريقية الناطقة بالفرنسية بدرجة الانجازات الديموقراطية التي تتحقق على ارض الواقع، وعلى اختراق صفوف المعارضة السياسية من ناحية اخرى. وعلى كل حال، وبنتيجة للتعديلات الدستورية اعترفت الحكومة بحزبين معارضين هما الحزب الوطني الديموقراطي بقيادة عدن روبليه عواليه، وحزب التجديد الديموقراطي بزعامة محمد جامع علابي، وذلك قبل اجراء انتخابات اشتراعية، ورئاسية تعددية الاولى من نوعها في تاريخ البلاد، بين نهاية العام الفائت، ومطلع السنة الجارية، تحت اشراف مراقبين دوليين. ودعما للخطوات الديموقراطية التي اقدمت عليها حكومة غوليد، حصلت جيبوتي على مساعدات مالية عربية وغربية وظفتها لشراء معدات حربية من روسيا وايطاليا والصين، ثم شنت حملات عسكرية واسعة ضد مواقع "جبهة اعادة الوحدة والديموقراطية"، واستعادت منها بين حزيران يونيو وتموز يوليو الماضيين كل المناطق الاستراتيجية في شمال البلاد مثل رندا وعساغيلا، وفي شمال شرقي البلاد مثل مدينة غاغادي ومولولية المطلتين على مضيق باب المندب. وذكر مصدر جيبوتي معارض لپ"الوسط" بأن القوات الفرنسية المرابطة في جيبوتي زودت الجيش الحكومي معلومات عسكرية مفصلة عن عدد قوات المعارضة ونوع الاسلحة التي تستخدمها والمواقع التي تتمركز فيها وهكذا استطاعت القوات الحكومية ان تحقق انتصارات كبيرة في معركتها ضد المعارضة. وكان احمد ديني وجه نقداً حاداً الى قادة القوات الفرنسية في جيبوتي، واتهمهم بالتواطؤ مع الحكومة في الحرب الاهلية. الدور الفرنسي الغامض عشية استقلال البلاد عام 1977، وقعت جيبوتيوفرنسا معاهدة انشأت باريس بموجبها قاعدة عسكرية تضم بين 3500 الى 4000 جندي مزودين اسلحة جوية وبحرية وبرية تمكنهم من التدخل السريع في اي جزء من القارة السوداء، والمحيط الهندي. ويقول خبراء عسكريون ان القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي تعتبر اهم وجود عسكري فرنسي خارج الاراضي الفرنسية، اضافة الى انها تشكل همزة وصل بين فرنسا وسائر مواقع نفوذها وراء البحار. يذكر ان القاعدة الفرنسية في القرن الافريقي لعبت غير دور ابان الحرب الباردة في مقارعة الوجود السوفياتي، والزحف الشيوعي في افريقيا، وذلك في اطار خطة غريبة عامة اعدتها دوائر عسكرية اميركية واوروبية. وبعد نهاية الحرب الباردة، وانهيار جدار برلين، وتفسخ الاتحاد السوفياتي، وارسال باريس لعدد من الاقمار الصناعية الجاسوسية، تساءل عدد من المسؤولين العسكريين الفرنسيين، وبعض السياسيين منهم ميشال روكار رئيس وزراء فرنسا السابق، عن جدوى احتفاظ فرنسا بقاعدتها العسكرية في جيبوتي التي امست بمثابة عبء مالي ثقيل على موازنة الدولة. وبعد نهاية الحرب الباردة، سعت باريس وما زالت تسعى لأن يكون لها دور وكلمة في احداث المنطقة التي تعتبر انها تدخل في دائرة نفوذها، ومصالحها المباشرة. وكل المؤشرات تدل على ان باريس لم تستطع ان تؤثر في مجريات الاحداث سواء كان ذلك في السودان او الصومال، او اريتريا، او اثيوبيا، ولم يبق لها موقع قدم او نفوذ خارج جيبوتي. والمدهش في الامر ان باريس تتعاطف تارة مع الحكومة، وطوراً مع المعارضة الجيبوتية، ومرة تبدو وكأنها غير عابئة بما يدور على الساحة الجيبوتية، هذا مما يجعل دورها محفوفاً بالغموض. الوجود الاميركي الوجود العسكري الاجنبي في جيبوتي لم يعد قاصراً على فرنسا كما كان الحال سابقاً، فالولايات المتحدة اقامت مركزاً عسكرياً هناك يعتبر بمثابة جسر عبور لوحداتها المقاتلة في الصومال سواء كان ذلك ابان عملية "اعادة الامل" او الآن تحت مظلة الاممالمتحدة. بقيت الاشارة الى ان الرجل القوي في جيبوتي اسماعيل عمرغيلي المرشح الاول لخلافة رئيس الجمهورية، كان وما زال لغاية هذه الساعة يراهن على حلول واشنطن محل باريس في جيبوتي وان المسؤولين الفرنسيين الذين لا يكنون له ادنى محبة حاولوا عبثاً ان يقنعوا الرئيس غوليد باقالة ابن عمه الذي يمسك بخيوط السياسة الجيبوتية منذ سنوات عدة. ويعود ذلك الى فهم الرئيس غوليد بأن ابن عمه يقدم له خدمات جليلة لا يمكن لأي كان ان يؤديها بسهولة، اضافة الى ثقته التامة فيه، لوقوفه الى جانبه في السراء والضراء. جيبوتي المساحة: 21.783 كيلومتراً مربعاً. عدد السكان: 427 ألف نسمة. العاصمة: جيبوتي. الحدود: تحيط بها اريتريا وأثيوبيا والصومال وتطل على خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر. تاريخ الاستقلال: 27 حزيران يونيو 1977. الحكم: جمهوري اعتمد التعددية الحزبية عام 1992. ويرأس الدولة حسن غوليد ابتيدون الذي يتزعم أيضاً حزب "التجمع الشعبي للتقدم" الحاكم. اللغة: العربية لغة رسمية، والفرنسية مستخدمة بكثرة بين السكان. الدين: 99 في المئة من السكان مسلمون. التركيبة السكانية: القبائل الرئيسية هي العيسى والعفر.