ترمب: إسرائيل ستسلم غزة لأمريكا بعد انتهاء القتال    بعد اجتماع ثلاثي مفاجئ في بعبدا.. التعثر يلاحق حكومة العهد الأولى    البديوي: قادة دول المجلس تؤمن أن صحة المواطن والمقيم في مقدمة الأولويات    إنجاز عالمي لمصور سعودي على لائحة الجوائز العالمية    ولي العهد يطلق تسمية "مجمع الملك سلمان" على منطقة صناعة السيارات بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية    انتخاب المملكة عضوًا في اللجنة التنفيذية للرابطة الدولية لسلطات مكافحة الفساد (IAACA).    وزارة الرياضة تعلن فوز مصرف الإنماء بعقد استثمار حقوق تسمية ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة    تسارع وتيرة نمو مبيعات التجزئة في اليورو خلال ديسمبر    القتل تعزيراً لمهرب الإمفيتامين في مكة    «الأمن البيئي» يضبط مخالفين للنظام    مجموعة تداول السعودية تنظّم النسخة الخامسة لملتقى الأسواق المالية في الرياض    هواوي تدعم تحوّل الذكاء الرقمي خلال مشاركتها في مؤتمر "ليب 2025"    مصرف الراجحي يعلن عن شراكة مع منصة محايد للتوثيق والحوكمة القانونية    ثبات محمد بن سلمان    «العفو الدولية»: خطة ترامب بشأن غزة «مخزية وغير قانونية»    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    توقيت نومك.. يتحكم في مزاجك    الاتحاد في اختبار التعاون    انطلاق منافسات "LIV Golf الرياض" بمشاركة نخبة لاعبي الجولف عالميًا    نائب أمير مكة يطلق 179 مشروعاً تعليمياً في جدة ومكة    مستشفى سعودي يحصد المرتبة ال 15 عالمياً ويتصدر منشآت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    رونالدو: حلمي امتلاك عدة أندية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عن سمو ولي العهد.. أمير منطقة الرياض يتوج الفائزين في مهرجان خادم الحرمين الشريفين للهجن    القيادة تهنئ رئيس بوروندي بذكرى يوم الوحدة    خلال لقاء وزير خارجيتها ورئيس الوزراء محمد مصطفى.. مصر تطالب بتمكين السلطة الفلسطينية وإدارتها لغزة    2.6 مليار ريال لإنشاء محطة «رأس محيسن»    الرديني يحتفل بعقد قران نجله ساهر    آدم ينير منزل شريف    أسرة العلواني و آل المبارك وآل دعيسان يَتلقَون التَعازي في فقيدتهم "خيرية"    إزعاج من الصف المجاور    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    الموت يغيب الفنان صالح العويل    تراث الأحساء كنز أصيل يبهر العالم    إطلاق معرض «آرت نهيل» لدعم الحرفيين    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    رعي الحفل الختامي لمسابقة التحفيظ .. أمير الرياض: القيادة تهتم بالقرآن الكريم وحفظته والقائمين عليه    النزاهة مفهوم عصري    مفتي عام المملكة يستقبل المشرف على وحدة التوعية الفكرية بجامعة الملك فيصل    تحالف مجري للاستثمار التقني في المملكة    أخضر تحت 20 يواجه إيران ودياً    «الصحة»: إحالة مدعي الطب البديل لجهات الاختصاص لمحاسبته    رفقاً بمحاربي السرطان    التأسيس عز وفخر    قاعدة: الأصل براءة الذمة    منصات التوصيل النسائية تنافس تطبيقات المشاوير    مركز القرار.. السياسة الإنسانية الحصيفة تنشر السلام    الترجمة تلاقح ثقافي بين الحضارات    حسام بن سعود يعتمد نتائج جائزة الباحة للإبداع والتميز    هيئة فنون الطهي تنظّم مهرجان ثقافة الطعام    معادلة السعودية «الذهبية»    صفحة بيت    الهلال بلا إعلام !    إقامة ورشة عمل حول " توسيع أفق بحوث العلاج في أمراض الروماتيزم " الملتقى العلمي الدولي ٢٠٢٥    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    بيئة حيوية    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متاعب المؤلف
نشر في الحياة يوم 11 - 10 - 1993

لا يواجه مؤلف السينما ما سأرويه من المتاعب، ولا مؤلف الكتب، ولا مؤلف التلفزيون في ما أعتقد. مؤلف المسرح وحده، هو الذي تلاحقه مثل هذه المتاعب - الا اذا كان مثل توفيق الحكيم لا يهتم بحضور مسرحيته على الاطلاق، سواء في التدريبات أو في العروض.
أما اذا كان المؤلف مثلي، مصاباً بمرض الاهتمام بما سيؤول اليه نصه مجسداً على المسرح، فإنه يجلس في الصالة على بعد أمتار من المخرج أثناء التدريبات... ينظر اليه النجم الذي يؤدي دور البطولة في المسرحية، ثم يتوجه بسرعة الى المخرج ويسر بشيء في أذنه، فيقول المخرج بصوت رنان:
- موافق. أحسن. تفضل...
ويلعب الفأر في عباءة المؤلف فيسأل مستفسراً عما يجري همساً وجهراً، فيجيبه المخرج بالصوت الرنان عينه:
- حذفنا الجملتين دول: ما فيش!
لا شك أن القارئ لاحظ استخدام الفعل الماضي في الجملة الاخيرة. أي أنه تقرر الحذف، وجرى تنفيذه، و"خلاص"... واذا عبر المؤلف عن عدم رضاه، فسرعان ما يصله الصوت الرنان:
- بوفيه! قهوة للاستاذ وشاي لي!
تم التعويض إذاً عن الجملتين المحذوفتين، ولتشرب القهوة سيّدي المؤلف، فذلك يبقى أفضل من أن تشرب البحر.
وإذا كنتَ من المؤلفين المصابين بقلق مزمن، فستسأل نفسك: لماذا أنت جالس هنا إذاً، طالما أن أحداً لا يأخذ رأيك في شيء؟ هل أنت هنا لتشرب القهوة كي تواسي نفسك كلما ضاعت جمل، أو لتشرب الشاي فيسهل تقبلك تبديل الكلمات في نصك؟!
أذكر أني أبديت ذات مرة ملاحظة لممثل كبير، متخرج من "المعهد العالي للفنون المسرحية"، وكان ذلك الوقت ينتظر اذناً من الجامعة لتقديم رسالة ماجستير. قلت له ملاحظاً:
- أنت لم تحفظ دورك بعد...
- وهل تظنني سأحفظ وأردد كلماتك بالحرف كما كتبتها؟! إنني تعمقت في فهم الموقف بكل حيثياته، وسأعبر عنه بما يرضيك. فلا تقلق!
يريدني ألا أقلق؟! سبحان الله...
وكان لا بد للحديث أن يتوقف هنا، خشية اغضاب جناب النجم الذي لا بد أن يواجه الجمهور ببال "رائق"، ومزاج معتدل، ونفس راضية... فحذار من تعكير دمه!
لحسن الحظ لم تقبل أكاديمية الفنون طلب دخول هذا الفنان الى قسم الدراسات العليا، لإعداد الماجستير.
وأذكر أيضاً أن مخرجاً معروفاً بدأ التدريبات على احدى مسرحياتي القصيرة، ضمن برنامج يضم مسرحية قصيرة أخرى لتوفيق الحكيم، وثالثة لنعمان عاشور... لم يعلمني أحد بذلك، وانما علمت بالخبر من الصحف. فدرت أسأل عن هاتف المخرج الصنديد، حتى حصلت عليه وكلمته:
- أستاذ فلان؟
قال: نعم. قلت: أنا أعرف أن هناك في الوسط الفني بعض المؤلفين "الارزال" الذين يتمسّكون بضرورة حصول المخرج على اذن مسبق منهم، قبل بدء التدريبات على عمل من أعمالهم، كما يصرون على حضور التدريبات وما الى ذلك...
قال مقاطعاً:
- يوه! وأكثر من ذلك... فأنت عارف طبعاً أن "أرزل" أطراف العملية المسرحية هم المؤلفون! ولكن من سيادتك؟
- أنا مؤلف احدى المسرحيات التي تخرجها... أنا فلان.
فضحك ضحكة مغتصبة، واستغاث ببداهته فقال:
- أنا عارف طبعاً. كنت فقط "أهزر" معك يا استاذ!
قررت أن أبلعها، واتفق معه على حضور التدريبات. لكن العجيب أنك اذا صبرت حتى تشاهد التدريبات النهائية، فسينتابك شعوران متناقضان:
السعادة أوّلاً. سعادة أن ترى بعينيك ما كتبته مجرد حبر على ورق، يتجسد بطريقة سحرية ويكتسب حياة وحضوراً مادياً جميلاً، وذلك في اطار الديكور والاضاءة والملابس والاشياء الأخرى على المسرح من أكسسوار ومعلقات ومنقولات. وهذا الحضور الملموس تجسده نخبة من النجوم والممثلين الظرفاء القادرين على التعبير، وأيضاً على التأثير، الذين يتركون شخصياتهم الحقيقية في الكواليس ليدخلوا في دنيا المؤلف، يقولون ويفعلون... يضحكون ويعبسون، وكأنهم خرجوا لتوّهم من كتابك الى منصة المسرح.
هذا بالنسبة الى شعور السعادة. ولكنك تجد نفسك، في الوقت ذاته، فريسة شعور غريب كالذي ينتاب المرء حين يدوس قشرة موز... شعور بفقدان السيطرة... أو بالأحرى شعور بخروج شيء عزيز منك، كأنك أب يزوّج ابنته التي يحب ويسلمها، ربما الى الابد، الى عريسها.
واذا عودت نفسك على نسيان العلاقة السحرية بين المؤلف ومسرحيته، فانك ستستمع بعد ذلك بمجرد سماع خبر عن قيام المسرح الفلاني في سورية، أو المسرح العلاني في تونس، بانتاج مسرحيتك. لكن ماذا تفعل بالقلَق، إن كنت من ذلك النوع القلِق من المؤلفين؟ إنسَ تماماً أنها مسرحيتك، ولا تعر أي اهتمام لامور من نوع نجاحها أو عدمه. ولا تتساءل عما اذا كانت عبّرت عن رؤيتك أم لم تعبر.
ولكن اذا حدث أنك كنت موجوداً ليلة الافتتاح، سهواً أو قصداً وعمداً... واذا بحث عنك النجوم والممثلون في ظلمة القاعة، وهم يتلقون تحية الجمهور في نهاية المسرحية، وجذبوك من ثيابك لتقف معهم تحت الاضواء حاصلاً على نصيبك من التصفيق... فأذكر فضل هؤلاء عليك ولا تنسَ تفضل الجمهور في استقبالك وتحيتك، ولا تجعل التصفيق يدير رأسك أو تأخذك الظنون. فما يبقى لك، في حقيقة الامر، من مسرحيتك هو في النهاية أقل مما تتصور. أما النصيب الاكبر منها، فهو للممثلين وللنجوم.
ولعل أفضل ما بوسع المؤلف أن يفعله بعد ذلك الامتحان العسير، هو أن ينسى متاعبه، وينسى سعادته، وينسى أسفه، ويتجاهل مرارة فقدانه السيطرة على نص هو جزء من كيانه، فيعود بعد ذلك الى مكتبه، ليفكر في حكاية أخرى... وأشخاص آخرين... ودنيا مختلفة، ليفكر في مسرحية جديدة.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.