كشف جان دومينيكو بيكو مفاوض الاممالمتحدة في قضية الرهائن، في مقابلة خاصة مع "الوسط" جوانب جديدة غير معروفة عن جهوده للافراج عن الرهائن المحتجزين في لبنان واسرائيل، وأكد ان ملف الرهائن "طويل جداً"، وان الامين العام الجديد لحزب الله السيد حسن نصرالله اتصل به سراً وطلب عقد اجتماع معه لبحث قضية الافراج عن مزيد من الرهائن. ويشغل بيكو وهو ايطالي حالياً منصب مساعد الامين العام للامم المتحدة، ومكتبه مجاور لمكتب بطرس غالي الامين العام. وقد لعب بيكو دوراً اساسياً في تأمين الافراج عن عدد من الرهائن الاميركيين والبريطانيين الذين كانوا محتجزين في لبنان - وابرزهم تيري وايت وتيري اندرسون - وهو قام في وقت سابق هذا الشهر بجولة استغرقت اسبوعاً شملت المانيا "واماكن اخرى" - يعتقد انها في الشرق الاوسط - لمناقشة مسألة الافراج عن الرهينتين الالمانيين المحتجزين في لبنان. وقد عبّر بيكو عن ارتياحه لاقدام الحكومة اللبنانية على تأليف لجنة لانهاء محنة الالمانيين بعدما اتفقت المجموعة الاوروبية على تعليق مساعداتها للبنان بقيمة 120 مليون دولار حتى يتم الافراج عنهما. وفي ما يأتي المقابلة الخاصة مع بيكو التي اجريت في مكتبه في الاممالمتحدة: هل أثرت مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية في عملك كوسيط في قضية الرهائن بأي شكل من الأشكال؟ - لا. الواقع اننا حاولنا فصل الموضوعين. بعد اغتيال السيد عباس الموسوي الامين العام لحزب الله، ألا تزال تواصل العمل في قضية الرهائن؟ - بكل تأكيد. وقد وردت اشارات عدة خلال الاسبوعين الماضيين تدل على ان المسألة لم تنته بعد اغتيال عباس الموسوي، وهو حادث يؤسف له ولا يساعد الامور. الآن وقد أطلق سراح جميع الاميركيين، لا يملك المرء الا ان يشعر وكأن مسألة الرهائن برمتها انتهت. فكم بقي من الرهائن؟ - الملف طويل جداً. فهناك في لبنانالمانيان وايطالي وامرأة كندية، والاسرائيلي رون أراد، وأربعة ايرانيين مفقودين والشيخ عبدالكريم عبيد المعتقل في اسرائيل ومائتان وخمسون لبنانيا يحتجزهم الاسرائيليون، وبقايا جثة الباحث الفرنسي ميشال سورا التي لم تسترد. اما أليك كوليت فهو بالطبع حالة خاصة - لأنه موظف في الاممالمتحدة وسوف نواصل العمل من اجل اطلاق سراحه حتى ولو لم تطلب منا اي حكومة ذلك. تحدثت بعض الصحف عن تعرض حياتك للتهديد. فهل في هذا ما يثير قلقك؟ - الاشاعات التي تتحدث عن المخاطر على حياتي ليست جديدة. وهي تأتي من لبنان حيث التآمر هواية مفضلة. ولكن حين تشرع في شيء من هذا القبيل، فانك تأخذ في حسابك المجازفات التي ينطوي عليها، وتحاول الحد منها من خلال العمل بيقظة واتقان وأمانة. ان جماعات الجهاد الاسلامي غضبت كثيراً عندما وصلتها الانباء الصحافية التي قالت انني صدقت هذه الاشاعات. ولهذا طمأنتني بأنني سأنال الحماية. هل بينك وبين الامين العام الجديد لحزب الله السيد حسن نصرالله علاقة؟ - نعم. طلب الي خلال اتصال سري الالتقاء به. وقد سبق لي ان قابلته في الماضي. لقد ركزت وسائل الاعلام الغربية على محنة قلة من الرهائن الغربيين واستثنت معاناة الآخرين جميعاً. فكيف يؤثر هذا في المفاوضات؟ - ليس لدي شيء ضد الصحافة الغربية عندما تركز على محنة الرهائن الغربيين، فهي مأساة. ولكن هناك مآسى اخرى في الشرق الاوسط. ودعني اقول بشكل جازم ان الهدف من كل هذه المهمة ما كان ولم يكن ابدا مجرد حرية حفنة من الرهائن الغربيين. اذ ان هذا سيكون خطأ سياسياً. فقد كان الهدف تعديل الكثير من الامور التي قامت بها اطراف عدة في لبنان، وفعل شيء بسيط لتخفيف المأساة اللبنانية. الا انه من المحزن ان تنال معاناة الطفل الاسرائيلي الذي اصيب بصاروخ تغطية عالمية بينما تغاضى العالم عن معاناة ابن عباس الموسوي الذي احرق حيا اثناء الاغتيال. وأنا اعترف، لا اعتقد اننا مختلفون، ولكنني اعتقد اننا في قرارة لاوعينا نريد ان نثبت لأنفسنا اننا مختلفون. فكل ذرة من الرمل مختلفة عن الاخرى، ولكنك حين تضعها جميعاً معاً تبدو واحدة حين يمشي المرء على الشاطىء. ولكن في الوقت الذي اهملت فيه الصحافة محنة ابن عباس الموسوي، فانها بذلت جهدها لكي تصور حزب الله بأبشع الصور. فكيف اثر ذلك في تعاملك؟ - ليس لدي شك اطلاقاً في ان اخذ الرهائن هو عمل خاطىء. وحتى مع انهم عانوا من الظلم، فان التاريخ يعلمنا ان الخطأ لا يعالج بخطأ آخر. اما كيف اتعامل معهم، فانني اذكر فيلماً من الصور المتحركة قبل عشرين عاماً خلال حرب فيتنام، يسأل فيه ضابط اميركي آخر: "هل تعرف انه حتى الفيات كونغ لهم امهات"؟ وطبعاً فنحن نعرف ان كل شخص له ام وعائلة يهتمون به ويهتم بهم. هل سبق ان تعرضت للانتقاد "لتعاملك مع ارهابيين"؟ - لا أذكر. فآلية الامين العام للامم المتحدة اكثر مرونة من الحكومة بدرجة كبيرة. وأنا اعتقد انه من المهم جداً استقامة المثل الشخصية وإلا فانك لن تستطيع العمل في هذا المكان. وعليك ان تعرف ما فيه الكفاية. فقد كنت على استعداد للاستماع الى قصص الخاطفين وقبول وجود وجهة نظر عندهم. وانت اذ تفعل ذلك فيجب ان تكون مقتنعاً كلياً بسلامة ما تفعل. وثانيا يجب ان تكون مقتنعا كليا بأنك لا تعرف كل شيء. فاذا كنت تتحلى بالصفة الاولى فانت راهب. وإذا تحليت بالصفة الثانية فانت استاذ. ولكن الصفتين مهمتان للعمل مع الأممالمتحدة. هل أثر تغيير الامين العام للامم المتحدة في عملك؟ - حتى الآن، لا. فقضية الرهائن قائمة منذ مدة طويلة. وقد اقمنا شبكة من الاتصالات الشخصية. وإرساء المصداقية مع البعض يستغرق وقتاً. ولهذا لم يحدث اي تغيير مباشر. تشير المصادر الاميركية الى ان ازمة الرهائن تتعلق بالمال لايران وحزب الله. اذ تدعي صحيفة "واشنطن بوست" ان ايران دفعت لحزب الله بين مليون ومليوني دولار مقابل اطلاق سراح الرهائن، فما هو رأيكم؟ - القضية ليست المال. وأنا لا اقبل القول ان دفع المال لايران يساعد على إطلاق سراح الرهائن في لبنان. فربما تدفع ايران لحزب الله. ولكن الاميركيين مثلا يمولون الديموقراطيين المسيحيين في ايطاليا منذ اربعين عاماً. والقصة التي تقول ان اموال ايران البالغة 280 مليون دولار التي حصلت عليها من الاميركيين هي التي غيرت الامر قصة حمقاء. وعلينا ان نتذكر ان تلك الاموال هي اموال ايرانية اصلاً. ان مسألة الرهائن وخاطفي الرهائن ليست مسألة مال. انها قصة اناس دون امل. ولهذا فان الجواب يتمثل في اعطائهم الأمل. سمعنا انك تلقيت عرضاً لوضع كتاب عن عملك، وتحويله الى فيلم تقوم انت ببطولته. فهل هذا صحيح؟ - نعم، لقد طلب الي الظهور في افلام. ومع انني لا استطيع فعل ذلك، فانه ربما كان على الاممالمتحدة ان تقوم ببعض الدعاية، وتعرّف الناس ببعض مهامها الشاقة، مع اننا نؤمن ان الاشياء الطيبة ليست بحاجة الى دعاية. الم يكن عرض المليونين ونصف المليون دولار عليك مقابل الكتاب، جذاباً؟ - نعم، بالطبع. ولكن لو انني اردت العمل من اجل المال لما عملت مع الاممالمتحدة. وأنا لم اندم اطلاقاً لعملي معها. فعرض الكتاب مسألة اخلاقية. والأزمة لم تحل حتى الآن. لذلك اذا تأجل العرض حتى تنتهي الازمة فلن يكون هناك هذا القدر من الاهتمام. وربما كان من الخطأ من ناحية تجارية ان ارفض، ولكن هذا الموقف سليم من الناحية الاخلاقية. فقد جاءت هذه الخبرة بالكثير من الناس الى حياتي. وهم اناس ساعدوني وأنا احترمهم كثيراً. ولذا فانني لن اخونهم من اجل مبلغ 5،2 مليون دولار. والقبول سيعني تعريض الذين ساعدوني للخطر. كم مضى على عملك مع الاممالمتحدة؟ - 19 عاماً. هل تأسف زوجتك على ترحالك وغيابك عنها؟ - أصبح سفري جزءاً من الحياة. حياتنا منذ امد طويل. وزوجتي إلينا امرأة استثنائية تستطيع التعامل مع الامور التي يعجز الآخرون عنها. وقد كان افضل قرار اتخذته في حياتي هو ان اتزوجها. اما ثاني افضل قرار فهو العمل مع الاممالمتحدة.