الأخضر يغادر إلى أستراليا السبت استعدادا لتصفيات مونديال 2026    القبض على مواطن في جازان لترويجه (11) كجم "حشيش"    نونو سانتو يفوز بجائزة مدرب شهر أكتوبر بالدوري الإنجليزي    أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    مبارة كرة قدم تفجر أزمة بين هولندا وإسرائيل    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    حديقة ثلجية    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    جودة خدمات ورفاهية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الانقلابي" الذي انقذ دار "شانيل" كارل لاغرفيلد : أغلى مصمم ازياء في العالم
نشر في الحياة يوم 25 - 01 - 1993

اذا كانت الموضة الحديثة ارتبطت باسم بول يواريه في أوائل القرن العشرين، فان التفنن في ابتكارها على اسس تصويرية وثقافية موسيقية سيكون مرتبطاً باسم مصمم "خيالي" هو كارل لاغرفيلد، على عتبة العام 2000.
معتدل القامة ومتوسط الضخامة لا تفارق نظارته العريضة المفذلكة عينيه، ولا تغادر عقصة شعره الطويل مؤخرة عنقه. ويكفي ان يأتي موعد عرض من عروضه حتى يكون الزحام مدهشاً امام باب المكان الذي يجري فيه. احياناً ينقلب الأمر الى فوضى حين يكتشف المشرفون على تنظيم دخول المدعوين الى القاعة بعض بطاقات الدعوة المزورة او التي تكون عائدة الى عرض مضى تاريخه. فكارل لاغرفيلد يستهوي الجمهور بفذلكة أزيائه الخاصة باسمه اولاً، وبتلك التي يصممها لدار شانيل ودار كلويه في وقت واحد ثانيا. وهذا ما أثار اللغط حول هذا القادم من المانيا الذي انغمس في أهوال الموضة الباريسية وروعتها حتى صار من أربابها، واستطاع ان يستوعب اساليب دور الازياء التي طلبت منه ان يبتكر موضتها السنوية لها ولا يجعل موضة تشابه اخرى.
كانت ثيابه سوداء، من البذلة حتى القميص وربطة العنق، حين ظهر على خشبة العرض يحيي العارضات والجمهور بعد انتهاء عرض ازياء كلويه الربيعية والصيفية للعام 1993، وبعد غياب دام تسع سنوات عن التصميم لتلك الدار. كان يضحك كثيراً، بعد ان أصبح كليّ الحضور تقريباً. واختلفت الآراء حول شخص لاغرفيلد الفنان اثر تقديم عروض ازيائه لثلاث دور ازياء كبيرة في وقت واحد. قيل ان شخصيته مصابة بالفصام. اي انه يعيش في عالم الخيال والوهم وعدم الاتساق بين المزاج والفكر. وردّ لاغرفيلد على حيرة المعلقين على شخصه بالقول:
"ليس من شك حول قدرتي على التصميم لثلاثة اسماء شهيرة في عالم الموضة مثل شانيل وكارل لاغرفيلد وكلويه. فشانيل ليست أنا وليست شخصيتي، انما استطيع ان العب لعبة الدكتور جيكل والمستر هايد دون أية مشكلة. على كل حال، الأمر هنا هو غير ما يكون عند اكتشاف ماركة جديدة. انا اعرف كلويه وأعرف شانيل". وتسعى شركة "دانهيل" اليوم الى جلب لاغرفيلد الى احضانها الاستثمارية الجديدة والى اقناعه بالعمل لها، وكان رأي الرئيس الشاب لدانهيل البريطانية اللورد دورو، انه بشراء لاغرفيلد يمكن للفريق البريطاني صاحب الاصناف الكمالية الباذخة للتدخين ان يدعو المصمم الشهير الى الارتباط بكلويه من جديد. وأكثر من ذلك، فان "دانهيل" التي تحمل اسم صاحبها المؤسس ألفريد دانهيل، تعد نفسها باطلاق ماركة أزياء جاهزة فخمة مع كارل لاغرفيلد. والتقارب بينه وبين كلويه يسمح باصابة "عصفورين بحجر واحد"، في الموضة وملحقاتها العطرية. خصوصاً ان لاغرفيلد الذي بلغ رقم مبيعات ماركته اكثر من ملياري فرنك فرنسي، لم يتوقف على توسيع نشاطاته منذ سنوات عدة.
كان تحدي لاغرفيلد كبيراً حين دخل دار شانيل سنة 1983. فلم يكن من السهل خلافة "الآنسة الكبيرة كوكو". وكان وصوله الى الدار انطلاقة جديدة لما بعد "كوكو شانيل" التي رفضت الذهاب الى برودواي كي تحضر العرض الاول لمسرحية موسيقية بعنوان "كوكو" قامت بتأديتها كاترين هيبورن. وكانت المسرحية تروي تاريخ اسطورة حيّة، هي "الآنسة شانيل". ليس من وقت لديها لحضور العرض الاول. وهي تعمل ليل نهار في التصميم والقص والخياطة. مع ذلك، فان الموت استضافها يوم احد من العام 1971، وكانت تقيم وحدها في فندق ريتز الشهير، كأن الامر حينذاك وقع سهواً. في ذلك اليوم، أغلقت دار شانيل ابوابها.
لم يخف لاغرفيلد من التحدي. كان يعمل في الموضة منذ عشرين سنة واكتسب صيتاً في عالمها اكثر مما بقي اسماً مجهولاً في دهاليزها. دخل الى صرح شانيل الذي حافظ على خط "كوكو" في التقاليد بكل حذافيره. كان اول ما فعله هو رفضه لتقليد مضاد كثيراً لموحياته المتغيرة الشكل، وقيامه بتطوير موضة شانيل. وكل ذلك في حرص على استخدام افضل انواع الاقمشة والاكسسوارات والاتجاهات الثقافية المتجددة. تماماً كما فعلت كوكو شانيل ذاتها حين عرفت كيف ترفض العادات المتعارف عليها وقت اصبحت روتينية.
كان الشاعر الالماني "غوته" يقول: "يجب صنع مستقبل افضل بعناصر الماضي الموسعة". وراح كارل لاغرفيلد يردد هذه العبارة كثيراً ووجدها تطابق ما فكر به حين دخل دار شانيل. رأى ان يقود دار الازياء الشهيرة التي تأسست في بداية القرن العشرين نحو ضفاف "الالفية الثالثة" بهدوء. ولم يكن هذا ممكناً الا بمعرفة كاملة لتاريخ وثروة شانيل. قرأ لاغرفيلد هذا التاريخ وقدم عروض ازياء شانيل الواحد بعد الآخر ولقي نجاحاً متتالياً عبر كل عرض. سعى الى الامساك بتيارات الموضة الكبيرة بطرف ريشته التي رسمت موضة حملت اجوبة سهلة لأسئلة معقدة، في الازياء الراقية كما في الملابس الجاهزة. وأثبت بذلك انه ليس خلفاً لكوكو شانيل فقط، بل هو وريث اصيل لها. مرة كتب على ورقة تحمل نماذج لموضة وأكسسوارات شانيل، هذه العبارة: "هذه ثروة شانيل الروحية".
انكب لاغرفيلد على التصميم لشانيل في حقل الموضة كما في حقل الاكسسوار. ووضع فيها الكثير من موهبته الرومانسية. اضافت شانيل شهرة على لاغرفيلد الذي صار معروفاً بالضفيرة المسدولة على رقبته والمربوطة بشريط، وبالمراوح التي كان يحملها وهو يمر بين العارضات اثر انتهاء كل عرض. ذاع صيته في انحاء العالم، لا في حقل الموضة فقط، بل بشخصيته المدهشة وهو يتنقل بين اصدقائه ومعارفه في منازله العديدة وقصوره الفخمة. ولد لاغرفيلد في مدينة هامبورغ سنة 1938. تعلم لغات عدة باكراً وصار يهتم بكل اشكال الفنون. كان يملك ولعاً دائماً بالزي وتاريخه، فبذل كل جهده ولدرجة الارهاق، في الرسم والدراسة. اراد ان يكون خياطاً شهيراً، وتسنى له ذلك. ففي سنة 1954، اشترك في مسابقة عالمية لتصميم معطف. فاز ونال الجائزة وانفتحت امامه ابواب الخياطة ودور الازياء. كان في الخامسة عشرة من عمره.
عمل لاغرفيلد كمساعد لبيار بالمان سنة 1955. وفي السنة ذاتها صار مديراً فنياً في دار جان باتو للازياء، واستمر حتى 1963 حين اختار ان يكون مصمماً مستقلاً. عمل في فرنسا وايطاليا والمانيا واليابان. في هذا الوقت بالذات، اقترب من دار ازياء "فندي" بايطاليا، ولايزال حتى اليوم يرسم لهذه الدار تصاميم ازيائها الفرائية والالبسة الجاهزة والاكسسوار. صمم لاغرفيلد بين سنة 1963 و1983 ازياء دار كلويه الجاهزة واكسسواراتها. في سنة 1974، قام بتأسيس شركة عطور تحمل اسمه. بعد دخوله دار شانيل بسنة واحدة، اي في 1984، انشأ دار ازياء "كارل لاغرفيلد" الخاصة به للازياء النسائية الراقية والازياء الرجالية وكل ما يلزم من ملحقات انيقة لها.
في دار شانيل برزت بصمات لاغرفيلد في تايورات التويد وفي اثواب السهرات البسيطة السوداء اللون، وفي السلاسل الذهبية والحقائب المدرزة. وكانت جميعها تأتي في غاية الاناقة وبشيء من الاثارة. وكان هذا الاسلوب الجديد في الاناقة المحافظة على روح شانيل، والمجددة في تطلعها الى العام 2000، قادراً على نيل اعجاب "كوكو" لو قدر لها العودة الى الحياة وزيارة امبراطورية موضتها التي بقيت وفية لذهنيتها الابتكارية الفنية.
كان لاغرفيلد يحب اثارة الدهشة ويتمتع بالجرأة ويعرف كيف يفرض افكاره ويحترم في الوقت ذاته الخط الذي سارت عليه شانيل. وربما لهذا السبب بالذات جاء كل عرض من عروض ازيائه لشانيل حدثاً قائماً بذاته. ولم يكتف بهذا الحد من الابتكار بل توجه الى السينما والمسرح وصمم ازياء بعض المسرحيات. الممثلة الجميلة كارول بوكيه ارتدت ازياءه. تعاون مع اوبرا فلورنسا في ايطاليا واوبرا فيينا في النمسا وزوريخ في سويسرا ومونتي كارلو. وانتهى اخيراً من رسم خمسين لوحة لكتاب للاطفال مأخوذ من حكاية اندرسون، وعنوانه: "ثياب الامبراطور الجديدة".
في سنة 1987، صرّح لاغرفيلد للمقربين بانه لم يعد يهتم بما يقوم به في الوقت الحاضر، وانه يتوجه نحو مهنة "موازية" هي التصوير. ودفعه هوسه الجديد بالتصوير هذا الى ان يصبح بين المصورين الكبار، سريعاً. وقال بهذا الصدد "ان التقاط الصورة هو تحديد شخصية الانسان ذاته. فالصورة هي طريقة للرؤيا، وتتميز بأننا لا نستطيع اعادة صنعها، وهذا ما يعطيها صفة الخيال والسحر". التفت لاغرفيلد الى ما حوله والقى نظرة حادة عليه، وصوّره. حقق العديد من الصور في مجال الاعلانات والصحافة. ولمجلات من امثال: معرفة الفنون، وفوغ الاميركية، وفوغ الاسبانية، وسواها. انصب على تصوير الوجوه الشهيرة في ميدان السياسة والثقافة والمجتمع. جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسية وكارولين دي موناكو من بينها. وقد عرضت مجموعة اعماله التصويرية اخيراً في كاليري بولاكيا في الدائرة السادسة من باريس من بين العامين 1989 و1992، بلغ عدد معارض صوره ثلاثة عشر تنقلت بين هامبورغ وميونيخ ودوسلدورف ولندن وميلانو وبرلين ونيويورك وكولونيا وباريس ومدريد وروما.
تقمص لذهنية شانيل
تشاء الظروف ان يصادف دخول لاغرفيلد الى دار شانيل سنة 1983 مرور مئة عام تماماً على ولادة "كوكو" 1883. كانت كوكو شانيل في الثلاثينات من عمرها حين صممت "الثوب الجرسيه" من فضلات أقمشه "روديه" الكاسدة في زمن الحرب العالمية الاولى، في مشغلها في مدينة بياريتز. وقد نشرت مجلة "هاربرز بازار" الاميركية اول موديل لها من الجرسيه، سنة 1916، تحت الصورة، كُتبت عبارة كوكو الشهيرة: "الباقي يعود الى تاريخ الموضة والى ذلك التاريخ... وبحرف تاء كبيرة". صار معروفاً ان كوكو شانيل لم تكن مجرد خياطة عادية تتمتع بموهبة فنية خارقة وجريئة. كانت "مخترعة" مفهوم جديد للموضة لا يزال يفرض ذاته حتى اليوم. وكانت تقول: "خضت غمار هذه المهنة لا لكي أصمم أزياء تعجبني بل للقضاء على زي لا يعجبني".
قرأ لاغرفيلد منذ دخوله دار شانيل عناوين موضة طبقتها كوكو على شخصها، فتبعتها بقية الانيقات. ابتكرت "التايور التويد" والحقيبة المناسبة والمجوهرات الاصطناعية. جاءت موضتها انيقة ومتحررة. كان يكفي ان تراها النساء ترتدي ثوباً بسيطاً يزينه عقد من اللؤلؤ يحيط بالعنق ويتدلى على الصدر طويلاً، حتى يبدأن بتقليده في اليوم التالي. فهم لاغرفيلد ماذا يعني ان يكون وريثاً لشانيل. وقد أثبت في عروض ازيائه لها، منذ تسع سنوات حتى اليوم، انه الامين الوفي لشخصها. وكما فعلت، انزل موضة شانيل الى الشارع. أحيا عصرها بمهارة ولباقة.
ساعد انفتاح لاغرفيلد على التيارات الثقافية، على التقلب في تصاميم الازياء عبر نظرة مستقبلية. تماماً كما كان الامر في السنوات العشرين، حيث تطلع الفنانون الى الستينات ومهدوا لأجواء الفرح والتغيير فيها. وكما يحدث اليوم في التطلع الى ما بعد العام 2000. فقبل لاغرفيلد لم يستطع أي مصمم آخر اعادة عهد شانيل بعد وفاتها في 1971. كان يجب الانتظار اثني عشر عاماً حتى يأتي لاغرفيلد ويقول ان "كوكو شانيل، لم تمت، على عكس بول بواريه الذي توقفت موضته منذ أغمض عينيه ورحل عن الدنيا".
هذا الحفاظ على ذهنية شانيل من لاغرفيلد، كان يوازيه نفور من كل ما هو عادي ورتيب في عالم الموضة. قال مرة في مجلة "معرفة الفن" عن هذا الموضوع "كل العالم حر في النهاية. انا لن اعيش في عالم لا ينتج الا الثياب. هناك الكثير من الناس وحياتهم مختلفة. ان دوري هو العرض وليس الفرض. ما تفعله النساء بعد ذلك، فهذا شأنهن. انا اعمل مع النساء وفق ازياء مثالية او بالاحرى خيالية، وهذه تستطيع تحويلها وتخريبها وفق المزاج الفني. ان المبالغة في التحليل هي بداية شلل. يجب معرفة كل شيء والنظر فيه دون تكوين رأي ما تقريباً. يجب ايضا نسيان كل ما قمنا به واعادة العمل بالحدس وبالشكل المناسب. طبعاً يأتي العمل افضل في حال ملكية التقنية. اتساءل احيانا عن مستقبل الشباب في مهنة الموضة، ولا استطيع ان اعطي جواباً. مع ذلك فهؤلاء يفكرون انهم ضحية اساليب أو طرق عمل معينة، وحتى قبل السيطرة على امكانات العصر. من السهل ان يكون المرء ضحية قبل ان يكون قابلاً للاستغلال. لقد اعطيت دروساً في الموضة وتاريخ الازياء في جامعة فيينا لمدة سنتين، لكنني اضطررت الى ترك ذلك بسبب ذهنية الطلاب والاساتذة. مع الاسف هناك الكثير من المثقفين لا يملكون ثقافة مطلقاً، ويجب القبول بهم. في حين ان نوعاً من الثقافة الشاملة يبقى الشيء الاكبر قيمة. الموضة مهنة كل شيء فيها يبتعد بسرعة، في اللحظة التي نعتقد فيها اننا قبضنا على زمامها. لم يقبض احد على الزمام في عالم الموضة، ويجب الا يحدث هذا. احياناً اشعر برغبة في القول: "علي ان أبدأ من الصفر من جديد وأضع كلّ ما قمت به موضع التساؤل".
يبدو كارل لاغرفيلد في عروض الازياء الخاصة به، أي بالموضة التي تحمل اسمه، مختلفاً تماماً. وكأنه شخص آخر في تصاميمه المفذلكة، والمثيرة للإعجاب والضحك احياناً. قبعاته هائلة، وأثوابه مغناجة على قامات العارضات النحيلات جداً. انها موضته الخاصة التي يمزج فيها رؤياه بالتصوير على الأرض مع المقص الخيالي الذي ينساب في حفيف الموسلين. لا علاقة له هنا بشانيل، وأيضاً بكلويه. التصوير والموضة جنباً الى جنب في عمله الحالي. وعن التصوير هذا، كتب "ان الصورة هي جزء من حياتي اليوم. وهي تخلق حلقة انشغالاتي الفنية والمهنية. لم أعد استطيع رؤية الحياة مطلقاً إلا من خلال رؤياها. انظر الى العالم وإلى الموضة بعين آلة التصوير. هذا ما يعطيني في عملي الأساسي تجرداً نقدياً يساعدني كثيرا. ان الماضي الخاص بي لا يزعجني مطلقاً. لكن لدي شعورغريب بأن نجاحي في الموضة تضاعف منذ ان انصرفت الى التصوير. انا اجد علاقة ايجابية جدا وخلاقة جدا بين المهنتين".
اينيس دي لا فريسانج كانت اشهر عارضة ازياء عملت معه. وارتبط اسمه باسمها في كل عرض ازياء كبير، حتى قيل انها كانت من اسباب نجاحه. لأن اينيس لم تكن عارضة ترضى باداء المهنة فقط. فهي تتمتع بجمال ارستقراطي وبكياسة اجتماعية تلفت النظر، وبثقافة فنية واسعة، مثل لاغرفيلد وأكثر. حين حدثت القطيعة لم تعد إينيس الى خشبة العرض. قامت بفتح دار انيقة لبيع الأزياء، لا لتصميمها وخياطتها. رفضت ان تنافس لاغرفيلد في المهنة. نافسته في تطبيق آراء في اختيار الموضة اكثر واقعية وعصرية من آرائه. ولعل هذا ما يغيظ المصمم المتحدي ضمنياً. في احد عروض ازيائه ظهر لاغرفيلد في نهاية العرض الى جانب عارضة نحيلة وطويلة كمنحوتة فضائية. كانت تسريحة شعرها قصيرة وهندسية وملتصقة بعنقها وحوافي وجهها. كان لاغرفيلد زاهي الخطوات ومرحاً وهو يسير الى جانبها ويلوح للجمهور. وسرى الهمس بين الحضور عن العارضة النحيلة. قال البعض ان لاغرفيلد وجد بديلاً من إينيس. وعلّق البعض الآخر بما معناه انه من الصعب العثور على من تملك ارستقراطية العارضة القديمة إينيس دولافريسانج التي كانت تضفي الكثير من المهابة على عروضه.
لا شك في ان لاغرفيلد قرأ الموضوع الذي نشرته مجلة "المرأة" الشهيرة عن إينيس، وخصصت غلافها لها. وتوقف على ما قالت بشأن المرأة والموضة: "أولاً، ان النساء لسن غبيات. إنهن يعرفن تماما ما يردن وهن يملكن اذواقاً رفيعة. وإذا شاء سوء الحظ نسيان ذلك، فيجب القول لهن وداعاً. ثم، هناك عدالة في عالم الموضة، فإذا كان بعض المصممين نالوا الكثير من النجاح، فهناك سبب لذلك. حتى الذي نحتقره اليوم، كان قام بشيء ما قبل ثلاثين عاماً".
كارل لاغرفيلد تنقل بين بالمان وباتو وكلويه وشانيل وبين داره الخاصة، وقريباً دانهيل. شخصية غريبة وباهرة في عالم الموضة وثقافتها. ويعرف كارل لاغرفيلد ذلك وهو يصمم حالياً لثلاث دور ازياء في آن واحد. يعرف ايضاً ان "اينيس دي لافريسانج" كانت رمز التسعينات كعارضة ازياء شهيرة الى جانبه. استقل عنها، لكنه "بقي يشتري الاقمشة ويرسم الازياء. استقلت عنه وراحت تختار من أزياء المصممين ما يعجبها لدارها. يبلغ لاغرفيلد اليوم الرابعة والخمسين من عمره وصار معروفاً انه المبتكر الأغلى أجراً في العالم. ولا علاقة لهذا بخلفياته العائلية الالمانية العريقة. عائلة لاغرفيلد من الطبقة البورجوازية الصناعية الكبيرة، وهي زبدة الصناعيين الاوروبيين، الا انه ينتمي اليها بهوسه في العمل. وغير ذلك فهو فرنسي بثقافته ولياقته وايطالي بكرمه وفنه في العيش اليومي. ومنذ ان دخل عالم الموضة في 1955 لم يرتكب خطأ واحداً في سيره الهادئ نحو القمة. قال مرة "انا متعدد المهن واقوم بتحقيق ما اريد وحين أريد وكما أريد". وربما لأنه ربح الكثير من المال استطاع بناء امبراطورية فنية حوله. لقد ولد وفي فمه ملعقة من الفضة. انه وحيد، ذكي وناضج قبل الاوان، نشأ في جو رفيع مادياً وثقافياً. باركت والدته رحيله عن هامبورغ الى باريس حين احست انه تعب من الضباب الكثيف وهو على عتبة الخامسة عشرة من عمره. كان موهوباً بالرسم، وبرسم الموضة بصورة خاصة، فاتجه نحو ذلك ونجح.
بدأ المال يتدفق على لاغرفيلد حين اصبح المصمم الاول "النجم" في دار كلويه في 1963. رسم لها اكثر من عشرين مجموعة ازياء في السنة الواحدة واستأثر بأقلام نقاد وناقدات الموضة. صار ربحه كبيراً مقابل جهده الذي لا يتوقف امام عمل ابتكاري. اسس داره الخاصة وصار مصمم شانيل بعد ان ترك كلويه لفترة، ثم عاد لاحضانها من جديد. وقد ساعدت ثروته على ان تكون له منازل شخصية في عواصم عالمية. في باريس وروما وهامبورغ وبرلين وموناكو، وحتى في بريطانيا حيث يملك قصراً. رجل سريع او مسرع. وضع نصب عينيه هذه العبارة "ليست هناك حقيقة نهائية، ما أحبه في الموضة هو التغيير". هذا ما ساعده على ان يكون مصمماً لدور عدة. لكن في تصاميم داره الخاصة تبقى عبقرية كارل لاغرفيلد تحتاج الى لمسات اينيس". وفي دار شانيل فهو مضطر للمحافظة على ذهنية "كوكو". وفي زواج "دانهيل" من "كلويه"، سيكون اللهاث الفني كبيراً حتى تستقيم امبراطوريته الكمالية أكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.