الابتكار يُواكب مستهدفات رؤية الوطن    تبوك تتوشح ب 8000 علم وتعد 47 فعالية للاحتفاءً بيوم الوطن    الاتحاد والهلال أولى رياح تحديد هوية البطل    القبض على 4 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (35) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    قيصرية الكتاب والتنفس الثقافي    بيولي: لا يجب التركيز على الماضي بل النظر للمستقبل    الدوري السعودي الأول آسيوياً ب200 مليون مشاهدة    باهبري يواجه الشباب بقميص «السكري»    فريق طبي بتجمع جازان الصحي ينجح في إعادة السمع لطفل    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    سناب تكشف عن أدوات جديدة لتعزيز تجربة المستخدم والمجتمعات الإبداعية في قمة 2024    مزاد "تمور العلا" يواصل فعالياته    خبير دولي ل«عكاظ»: قرار الجمعية العامة يعزز الموقف القانوني الفلسطيني عالمياً    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    بلدية محافظة الاسياح تنفذ فرضية استباقية لمواجهة خطر السيول والأمطار    المياه الوطنية تنتهي من تنفيذ شبكات مياه في 4 أحياء شرق أبها بنحو 35 مليون ريال    استشهاد ثلاثة فلسطينيين في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على جنين    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    من هي الوحدة الإسرائيلية المتورطة في انفجارات لبنان؟    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت كيتس ونيفيس بذكرى استقلال بلادها    مجمع إرادة بالرياض: سلامة المرضى أولوية لدينا نظراً لطبيعة المرضى النفسيين ومرضى الإدمان    الغذاء والدواء: لا صحة للادعاءات المنتشرة حول فوائد مشروب جذور الهندباء    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    البروفيسور فارس العنزي يحصد لقب الشخصية الأكثر تأثيراً في النشر العلمي بالولايات المتحدة الأمريكية    الرياض تحتضن القمة والمعرض السعودي للبنية التحتية الثلاثاء المقبل    افتتاح المعرض السعودي للفنادق والضيافة ومعرض إندكس السعودية ومعرض تصميم وتكنولوجيا الإضاءة بدعم حكومي استراتيجي يتوج بأكبر تجربة مشتركة للفعاليات على الإطلاق    أمير الشرقية: الخطاب الملكي أكد على مضي بلادنا لتحقيق المزيد من التطور والازدهار والنماء    ارتفاع أسعار الذهب    ولي العهد السعودي: لن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    النائب العام : الخطاب الملكي يعكس رؤية القيادة الرشيدة وحرصها على التطوير في شتى المجالات    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    نائب أمير جازان يتسلم شعلة دورة الألعاب السعودية 2024    اختتام دورة حراس المرمى التمهيدية في الرياض وجدة    داعية مصري يثير الجدل.. فتاة تتهمه بالتحرش.. و«قضايا المرأة»: تلقينا شكاوى أخرى !    نجمة برنامج America's Got Talent تنتحر    «التعليم»: تخصيص بائع في مقاصف المدارس لكل 200 طالب    95 ألف معمر .. اليابان تحطم الرقم القياسي في طول العمر!    المواطن عماد رؤية 2030    نائب أمير مكة يشهد انطلاق اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق بإمارات المناطق    حضن الليل    أحياناً للهذر فوائد    اكتشاف توقف تكوين نجوم جديدة بالمجرات القديمة    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    سموه رفع الشكر للقيادة.. وزير الثقافة يُثمّن تسمية مجلس الوزراء ل "عام الحِرف اليدوية"    د. حياة سندي تحصد جائزة المرأة الاستثنائية للسلام    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    العواد إلى الثانية عشرة    في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة في ضيافة موناكو.. وأتالانتا يواجه آرسنال    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    ملاحقة "الشهرة" كادت تقضي على حياة "يوتيوبر"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهرجان القاهرة الرابع للمسرح التجريبي . الهواة حضروا بحيوية ... وغاب المحترفون
نشر في الحياة يوم 28 - 09 - 1992

مهرجان القاهرة الرابع للمسرح التجريبي اعطى جائزته لأول مرة الى عملين مسرحيين عربيين من لبنان وسورية من بين 50 عرضاً مسرحياً تمثل 30 دولة عربية واجنبية.
"الوسط" شاهدت عروض المهرجان في مستوياتها المختلفة، وفي ما يلي اطلالة نقدية على أبرز هذه العروض.
… وفي الدورة الرابعة من مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، حاز، اخيراً، نتاج من المسرح العربي جائزة افضل عرض، بعدما حصدت العروض الاجنبية، وعلى امتداد الدورات الثلاث السابقة، جوائز المهرجان. نقطة تُسجل لمن؟ للعرضين الفائزين مناصفة؟ للمهرجان؟ للجنة التحكيم؟ لواقع الفرق الوافدة والمقيمة؟ التحديد صعب!
النقطة الثانية الجديرة بالتسجيل ان العرضين اللذين تقاسما جائزة افضل عمل وهما "الجيب السري" من كتابة واخراج سهام ناصر لبنان، و"النّو" من اخراج فايز قزق سورية، لا ينتسبان حتى الى مسرح الهواة، وانما الى مسرح "الطلبة"، او فلنقل، تقريبياً الى مسرح يتجه الى ان يكون هاوياً. والمفارقة: ان مهرجان القاهرة مهرجان تجريبي، لا للهواة، ولا للطلبة، وانما للمحترفين. مهرجان محترفين، هو، وسائر المهرجانات العربية الاخرى: دمشق، بغداد، قرطاج، دول مجلس التعاون الخليجي… وكان من الافضل ان نقول: من المفترض انه وسائر المهرجانات المسرحية العربية للمحترفين لا للهواة، باعتبار ان في بعض البلدان العربية تقام مهرجانات مخصصة بالهواة كالمغرب مثلاً.
ولكن هذه المفارقة لا يبدو انها تقتصر على العرضين الفائزين فحسب وانما على معظم العروض التي قدمت في المهرجان. فاذا راجعنا نحو خمسين عرضاً تمثل نحو 30 دولة عربية واجنبية، نجد ان معظم ما قدم ينتسب الى الهواة والطلبة اكثر مما ينتسب الى المحترفين: مصر، المغرب، الفيليبين، اليابان، فنزويلا، انكلترا، الاردن، ارمينيا، …الخ.
عربياً يعني ذلك، ان المحترفين يكادون يخلون الساحة لطلابهم، او لهواة من فئة الطلاب، ويعني ذلك ايضاً ان المسرح التجريبي يكاد يقتصر على هذه الفئة الاخيرة، التي لا تزال، على رغم انجازاتها، وعلى رغم كل الظروف المحيطة بها، غير قادرة عملياً، وتكوينياً، وتجريبياً، وخبرة، وثقافة ان تتحمل وحدها عبء المسرح العربي الثقيل. على ان هذا كله يبشر، وان بحذر وبتخوف، باستمرارية ما للمسرح العربي الجدي او ذي الارهافية المتجددة، والتجريبية، بعدما بدأ اليأس يدب في الاوصال وفي العقول…
المهرجان الذي استمر من 1 - الى 12 ايلول سبتمبر حافظ هذه الدورة على حيويته السابقة، وعلى نسب مقبولة من اقبال الجمهور النسبي على كل حال خصوصاً على بعض العروض الاجنبية رومانيا، بولونيا، فنزويلا، انكلترا… وعلى بعض العروض العربية "جيب سري" …لبنان، "أحدب نوتردام" مصر، "قمره طاح" تونس… لكنه سجل تراجعاً في مستويات العروض كافة الاجنبية والعربية معا، وفي مستويات الفرق القادمة، حيث بدا ان كثيراً منها يحبو في محاولات مدرسية "شبابية"، ويمكن ان تصلح لمهرجان قروي او جهوي وليس لمهرجان دولي كمهرجان القاهرة.
اذا كانت هذه الطغيانية الهاوية تأكدت في المهرجان، فهل حملت في ثناياها، وفي تعابيرها، اتجاهات جديدة متعددة؟ وهل حملت القلة المحترفة همومها، و"تجاريبها" وتجاربها؟
نظن ان مهرجان القاهرة التجريبي الرابع، قدّم عبر عروضه المسرحية، ثلاثة اتجاهات مسرحية: اتجاهان منها، باتا معروفين، وراسخين، سواء في المسرح العربي او الاجنبي، وثالث جديد شكل صدمة "تجريبية" لدى المشاهدين.
مسرح الممثل
1- مسرح الممثل: وهو الاتجاه الذي ساد تقريباً التجارب "الشبابية"، والذي يتخلى عن "النص" وعن الكلام، ليكون جسد الممثل راقصاً، او متحركاً، او صامتاً، او ساكناً، هو اللغة الوحيدة، وهو العنصر الاساسي في العملية المسرحية. من هذه العروض:
- "جيب سري" لسهام ناصر لبنان تنتمي الى هذا المسرح مع انها مقتبسة من رواية "الحلزون" الثرثارة كلامياً لرشيد بو جدرة، والمقتبسة بدورها عن رواية البر كامو المشهورة "الطاعون". على ان سهام ناصر التي اعادت كتابة الرواية كتابة "لبنانية"، مرتبطة بمناخات الحروب والقلق والمآسي والسخرية السوداء والموت اليومي، و"القدرية" المظلمة، تمكنت من شحن المسرح عبر وسائل مقتصرة ومكثفة في تأثيرها، واختزلت الكلام الى جمل معبأة والى اشارات من هاملت شكسبير، ومن بيكيت وموليير ويونسكو… حتى بدا الجو وكأنه خليط حيّ موحد من ايقاعات متناقضة ومختلفة. فمن التمثيل الصامت، الى "البربرة"، الى "الهمدرة"، الى الصرخة، الى "التصويت"، الى التنغيم، بنت سهام ناصر مناخها "الطاعوني" الكابوسي الخاص، حيث اثبتت الممثلين على كراس في شبه شكل حلزوني، او هرمي متدرج، وهذا جديد في المسرح العربي: نحو 20 ممثلاً يتحركون ان تحركوا في مقاعدهم، او يجمدون ان جمدوا في مقاعدهم ايضاً: الحركة في الصمت احياناً. مسافات الصمت المشحونة. واحياناً في السكون. واحياناً في الحركة.
- "العهد"، رؤية فنية واخراج احمد اسماعيل، تعبير حركي سمير جابر مصر.
تقوم هذه التجربة على استلهام المأثور الشعبي المصري، في اطار التعبير عن لحظات من الحياة اليومية، من خلال عناصر العرض المسرحي المختلفة عدا الكلمات. فالعرض يحاول اخضاع الحركة والاشارة واوضاع جسد الممثل لنوع من الاداء الراقص، والموقع، للوصول الى نوع من "الباليه"، في سياق التألق مع النغمة الموسيقية والاستجابة للمؤثرات الايقاعية.
العرض، وان متواضعاً في اشاراته وادواته، وان تأرجح احياناً بين البساطة والتبسيط، وان بدا في عمومه من شغل الهواة، الا انه ادرك شفافية تمثلت في اداء الممثلين الوحيدين فيه. شفافية الطقوس اليومية التي تشكل، كما اراد ان يقول العرض، عناصر الحياة ذاتها. لكن نظن انه يقع الاداء احياناً في التنفيذ المدرسي غير الناضج، لكن من دون ان يؤدي ذلك الى سقوطه في الاساليب الجاهزة.
- "سفر المطرودين" اعداد واخراج انتصار عبدالفتاح، التصميم الحركي من وليد عوني، مصر. انه عرض الافتتاح، لانه قدم لغة تجريبية جديدة، كان من الطبيعي ان يصدم الذائقة العامة، والمعممة التي تتوقع دائماً العادي والاليف، لهذا اثار العرض ضجة وقام بعض المسرحيين والنقاد بتنظيم هجوم عليه في الصحف، وصل الى كلام غير نقدي. ولا نعرف لماذا كلما قدم عرض مهم في افتتاح مهرجان القاهرة، عرض يشرف المهرجان، والمسرح الطليعي تقوم الدنيا عليه. غريب! المهم ان المخرج انتصار عبدالفتاح انضج في هذا العمل تجربته الممتدة من "الدربكة"، و"ترنيمة"، الى هذا العرض، والقائمة على ايجاد حوار عميق بين الصوت كمادة تعبيرية، او موسيقية، وبين الجسد كمادة حركية. انها الحماقة التي حاول فيها المخرج، ايجاد نوع من الحركة السمفونية بين الجسد والصوت والموسيقى، بحيث ان الحركة صارت كأنها نوطة موسيقية، والنوطة الموسيقية صارت حركة جسدية. اختبارية طازجة، وحية، جسدها ممثلون تطورت طواعيتهم البدنية، واسلست حركاتهم، وتكثفت تعبيريتهم، في ايقاعات قلما وقعت في مجانية، او في استرسال غير درامي. وهنا يبرز الكوريغرافي اللبناني وليد عوني في ربط التشاكيل الايقاعية بالحركات الجسدية ربطاً درامياً وجمالياً معا. لكن، كان يمكن شد الايقاع اكثر إذ يشكو احياناً من فجوات، خصوصاً مع النص الشعري التعيس الذي كان يمكن الاستغناء عنه تماماً، كما كان يمكن اختزال كثير من العناصر السينوغرافية الضخمة، التي افترست الممثلين، والتي بدت ثرثارة ومكدسة، وفي احيان عديدة، بلا وظيفة.
- "تناقضات" اعداد واخراج وليد عوني مصر. يصور العرض كاتباً يحاول عبثاً العودة الى تسلسل افكاره المفككة لقصته غير المكتملة، بينما تطارده افكاره وتتجسد امامه في صورة شخصيات، الموت، الحب، فيصبح فريسة لهذا التشتت، فيندفع في العذاب، والضياع، والتمزق. هذه التمزقات لم يعبر عنها بالحوار، ولا بالكلام، وانما اتبع وليد عوني خطوطها المتعرجة والمتناقضة، ومحطاتها القريبة والبعيدة، بالايقاع الجسدي الراقص، وبالتمثيل الصامت، وبالباليه، وبالرقص الشرقي بما في ذلك الروسي، والياباني، والعربي... الخ، وبالوصلات الموسيقية، الموضوعة والمختارة، كجزء من تلك التناقضات الدرامية، كما لجأ الى الشاشة السينمائية، او بالاحرى صار "البطل" شاشة، تاريخاً، تماهى مع صوت فاتن حمامة وقصة طه حسين "دعاء الكروان".
وهنا لا تنسى ان وليد عوني، الذي كان من علامات المهرجان البارزة، هو تلميذ موريس بيجار.
- "باتهالا" اسطورة سوانا ومينوكاوا. للفرقة الفلبينية، وهي تصور الصراع الابدي بين الخير والشر، ومن خلال ذلك تدخل الى عمق الاسطورة بما تتضمن من حكايات وطقوس وعادات.
- "الدنيا المحرمة وثلاث قصائد" لفرقة بي ما البريطانية للرقص. يستلهم العرض الاول احلام كيرو ساوا التي تواجه واقع الحياة اليومية بالاسطورة والخيال. العرض الثاني يتكون من ثلاث لوحات ترتكز على قصائد الشاعر الماليزي،-الصيني تان تشاي بان. والفرقة من خلال العرضين تحاول ان تقيم جسراً بين اساليب الرقص في شرق آسيا وغرب اوروبا على نحو متداخل ومتناغم.
- "المسرح امرأة" لفرقة مسرح بربارا دزيكان البولندية. كأنه نسخة معاصرة من قصة الخليقة التي تثبتها بطريقتها الانتقائية.
- "منبوذ مثل طفل حالم ميت" تأليف واخراج تاتسو هيكو نيهاي لفرقة نيهاي يا كاتا اليابانية. العرض يتناول موضوع مرض الايدز... ومرضاه في حالاتهم المرضية، وفي علاقاتهم الاجتماعية والانسانية. وقد ركز العرض على العزلة "العدائية" التي يعاني منها هؤلاء المرضى، وعلى الحصار الذي يفرض عليهم، وهي عزلة اقسى من المرض نفسه.
مسرح النص
2 - مسرح النص، ومن العروض التي تمثل هذا الاتجاه:
- "النو" مشروع مسرحي من منهاج المعهد العالي للفنون المسرحية، ضمن برنامجه لطلبة السنة الثالثة، اشراف فايز قزق - سورية.
من حادثة بسيطة تقع في قرية بحرية صغيرة تمكنت مجموعة العمل، عبر تكنيك الارتجال المنظم من تركيب مواقف، وشخصيات، واحداث عكست من ناحية واقع القرية بتكوينه الاجتماعي، ومن ناحية اخرى التحول الذي طرأ على القرية بعد وصول فريق انتاج سينمائي لتصوير فيلم فيها، وبصوره الاقتصادية والاجتماعية والانسانية.
وعمل ممنهج، ونظيف، وحي، نفذته المجموعة الطالبية، وعلاقات حية اقامتها، وشخصيات من لحم ودم ابرزتها على الخشبة. على ان البنية التي تتشكل من مجمل هذه العناصر بقيت الى حد ما مشوشة، خصوصاً من خلال تلك المونولوجات الطويلة التي كانت بعض الشخصيات تبوح بها، او تحكي بها عن تاريخها وهويتها. المونولوج الطويل يقتل العمل، وان كان له دور مهم سابقاً. على ان ما يشوب البنية من وهن، لم يحل دون تجلي المناخ المؤثر الذي كان ينفذ احياناً، وان جاء المنحى الميلودرامي ليضعف تأثير "درامية" العمل. فايز قزق الذي اخرج "رجل برجل" لبرشت في العام الماضي وقدمها في مهرجان قرطاج المسرحي، وشارك كممثل في مسرحية "الاغتصاب" لجواد الاسدي، عرف كيف يحرك الكوكبة الطالبية لتتقدم بصدقها وبشغفها وبجهدها، مقنعة في معظم الاحيان، وقريبة وجدية.
- "الاقنعة" تأليف محمد عبدالجليل قنيدي، اعداد واخراج حسن ابراهيم حسن - قطر، يدور العرض حول تيمة الحكم، حيث يتهم احد المواطنين بمحاولة اغتيال الوالي، وفي اطار دفع الاتهام عنه يفضح المتهم ما يدور وراء كواليس القصر، مما يؤدي الى اتهام الوالي نفسه باغتيال مصالح الشعب، الذي يبادر بسحب الثقة من الوالي ومنحها المواطن. عرض جريء وهو يحاول استغلال الفضاء المكاني الممتد من خارج المسرح في وكالة الغوري، الى بهو الوكالة الداخلي، بديكورات واكسسوارات وافية، وكذلك في التوزيع السينو غرافي الذي اراد ان يعبئ المكان كله. جرأة. نعم! ونيات حسنة. نعم! ومجهود. نعم! لكن كان يمكن ان تتجسد هذه الجرأة، والنيات الحسنة، والجهود، لو ان النص كان اعمق، واقل سهولة. اي لو ان الكاتب ركز كتابته على لغة اكثر دراجة، وعلى شخصيات اكثر مسرحية فلا تقع في التنميط التلفزيوني، او في الايقاعات المعهودة. مع هذا تبدو المحاولة اشارة الى ما قد يؤدي الى تجربة اخرى اكثر جدية.
- "عرس الذيب" اقتباس واخراج عمار لحسن، مسرح قسنطينة الجهوي، الجزائر، يتناول العرض احد ابطال ثورة التحرير، الذي يصاب بجرح وينقل للعلاج، وعند نيل الاستقلال، لا يعود الى قريته، فيسجل في قائمة المفقودين وذات يوم يعود الى اهله فيكتشف شائعة موته، وأنه شخص غير مرغوب فيه من قبل السلطة، وينتهى الامر الى اتهامه بالجنون وادخاله مستشفى الامراض العقلية.
هذا الموضوع وإن لم يكن جديداً، لا على المسرح ولا على السينما، ولا حتى عن الشعر، الا انه يمكن ان يحمل دلالات وإشارات عميقة. لكن هذا ما لم يفعله المخرج، والمعد، حيث قدم شخصيات نمطية مسطحة، واداء بدائياً ومبتدئاً ذكرنا بفترة ما قبل الخمسينات.
- "مكان مع الحيوانات" تأليف اشول فوجارد، تصميم واخراج عبدالستار الخضري - مصر. يتناول العرض حياة جندي هارب يختبئ في بيته بينما تحتفل المؤسسة العسكرية باستشهاده في ساحة القتال، وببطولته وبتقليده اوسمة.
من التجارب الجدية في المسرح المصري الجديد، حيث تمكن عبدالستار الخضري، ومن خلال ممثلين اثنين: رجل وامرأة، من تجسيد كل التمزقات التي يعيشها هذا الجندي، ومن خلال رسم تلك المناخات عبر سينوغرافيا تعبيرية وفجة تطلع من عمق النص نفسه.
- "تراجيع"، تأليف محمد العثيم، اخراج جمال قاسم لفرقة جمعية الثقافة والفنون - السعودية. يتناول العرض مسألة الثأر. والقصة ان اماً تقوم بتزويج ابنها صغيراً كي ترى ذريته قبل ان يجتاحه الثأر. ولكن عمه يأخذه الى بلد آخر كي يتحول اعتقاده بالثأر… بينما يظل الاهل على معتقداتهم. ضمن هذا الاطار تم العمل في مستويي ربط العناصر الفنية بالمفردات البيئية، وكذلك بالشغل على الممثلين. وقد تمكن المخرج، انطلاقاً من نص العثيم، المحمل بايقاعات الحياة اليومية، وبلغة درامية، لولا بعض التبسيط هنا، والمباشرة هناك، لتقدمت بكل زخمها وقوتها. المخرج جمال قاسم قدم عملاً نظيفاً، وحاول ايجاد الحلول الاخراجية من ضمن مناخات الموضوع والحاحاته… مستفيداً من الموروثات الشعبية السعودية.
- "الحريق" - تأليف حمدي عباس واخراج احمد سلمان - فرقة المسرح الكويتي. هذا العرض حمل القضية الكويتية التي نشأت بعد الاحتلال العراقي. النص لا يزال واقعاً في سخونة الحدث، لهذا بدا معبأ بالتقريرية، والخطابية، والمباشرة، والهتافية.
- "قمره طاح" - تأليف واخرج عزالدين قنون، فرقة المسرح العضوي - تونس. يدور العرض حول صراع "الغينو"، الفنان متعدد المواهب مع منصور، الذي تحول الى "مقاول" والى رجل سلطة، والصراع حول سعدية الراقصة الجميلة التي شاركت الغينو في صنع مجده الفني، بينما حاول منصور ان يستغلها في تحقيق صفقاته المالية وسواها. ولكن منصور اخفق في تحقيق مآربه مع سعدية فقرر تدميرها مع الغينو.
هذه الحكاية العادية، ذات الشخصيات المعهودة، عرف عزالدين قنون كيف يدرك جوهرها، وامثلوتها، ادراكاً حياً، تجلى في رسم دقيق لملامح الشخصيات ولتحولاتهم، ولهوياتهم. وكما عهدنا في اعمال قنون السابقة وخصوصاً في مسرحية "الدالية" التي قدمها في مهرجان القاهرة الثالث، انه يعتمد على الحكاية، وعلى وضوح الشخصيات، وعلى الحوار، ليشتغل على الممثل من ناحية، وعلى الفضاءات المسرحية من ناحية أخرى. فالممثل جزء من الفضاء. والفضاء عنصر من عناصر العرض. لكن اذا كان قنون قدم تجربة فريدة في "الداية" بما يخص علاقة الممثل بالمكان، ومن ثم علاقة الجمهور بالمكان، من خلال استخدامه تلك الفضاءات استخداماً درامياً، فان عمله على المكان في "قمر طاح" كان دون عمله السابق. بالكاد استخدم كل الحيز المكاني المتسع في وكالة الغوري، وبالكاد استخدم كل الديكور، الموضوع. لكنه عوض عن ذلك بشغل كثيف، وداخلي على الممثلين.
- "جميلة" - تأليف واخراج جمال يوسف مطر، مسرح دبي الاهلي، الامارات. تتناول المسرحية موضوع "العنوسة" وارتفاع مهور الزواج كظاهرة من الظواهر الاجتماعية الشائعة في دولة الامارات، وما يداخل ذلك من خرافات وانانيات… العرض استخدم ديكوراً طبيعياً. كل شيء طبيعي. بنى جدراناً. وملأ الارض بالرمال. وفتح الخشبة على مسافات بعيدة تصل الى 150 متراً… حيث تم تحريك الشخصيات. في هذا الفضاء "الطبيعي" دارت حكايات واقعية. وقد عرف المؤلف - المخرج، كيف يوازي بين هذه المناخات الطبيعية وبين الاداء الطبيعي للمثلين، فعزز الانسجام في البنية العامة للعرض وفي عناصره.
ومن المسرحيات التي قدمت في هذا الاطار "حكايات" ارمينيا، و"كاريكاتير" اعداد واخراج يوسف حمدان البحرين، و"يا هذا لقد مات الموت" تأليف واخراج ميهاي ماليمارا، الذي استخدم الطقوس والرقص والاغاني الشعبية والايماء، التمثيل الصامت رومانيا و"مسافر ليل" لصلاح عبدالصبور واخراج جمال ابراهيم فلسطين، و"الطقطوقة" اخراج رشيد امحجور المغرب، و"كاتب لم يكتب شيئاً" تأليف وإخراج فرج بو فاخرة ليبيا، و"حلم ليلة صيف" لشكسبير واخراج حديث لاشتفان سوموجي المجر، و"في انتظار غودو" لبيكيت، واخراج فريق العرض مولدافيا، و"احدب نوتردام" لفكتور هيغو، اعداد واخراج شريف صبحي مصر، و"المسرح امرأة" بولندا، "المتمردة والاراجوز" الاردن.
مسرح الاشياء
3 - مسرح الاشياء. وهو المسرح الذي غاب عنه النص والكلام والممثل. لا ممثل ولا من يمثلون. ولا نص ولا من ينصون. وقد مثل هذا الاتجاه الفريد، والجديد في الدورة السابقة لمهرجان القاهرة قدمت بولندا عرضاً من دون ممثلين ولا نص، مسرحية "ملف سعادة بلا تاريخ" لدومنيك سوريا وبيار فورنييه. انه عرض بصري استخدم الصورة الفوتوغرافية بآخر تقنياتها، والشاشة، وأشعة الليزر، اضافة الى عناصر بسيطة جداً: ساعة حائط، باب ينفتح، خيال رجل يعدو، فساتين تتطاير في الهواء، عصفور على ارجوحة… الخ. انه مسرح التقنية، مسرح يغيب عنه الانسان. مسرح بلا انسان.
الى هذه العروض، وضمن فاعليات المهرجان، عقدت ندوات فكرية تنوعت محاورها حول مسألة التجريب وشارك فيه العديد من النقاد والمسرحيين العرب والاجانب وتم تكريم بعض المسرحيين العرب والاجانب وهم: احمد زكي مصر، احمد عبدالحليم مصر، بيتر اوسكسلي تشيكوسلوفاكيا، توني هاريسون بريطانيا، ثريا جبران المغرب، جان بيير فانسان فرنسا، عبدالقادر علوله الجزائر، فاضل الجعيبي تونس، فؤاد الشطي الكويت، وليد اخلاصي سورية…
لقطات
حضر الوزير فاروق حسني والدكتور اسامة الباز العرض الانكليزي الذي تبين ان معظم فنانيه من اصل ماليزي، واكتسبوا الجنسية الانكليزية.
لوحظ غياب مدير مهرجان قرطاج المسرحي المخرج منصف السويسي عن المهرجان، وتبين في ما بعد انه لم توجه اليه دعوة… والاسباب وان غير واضحة الا غير سياسية.
بينما كانت الفرقة اليمنية تقدم عرضها ورد في النشرة اليومية ان هذه الفرقة اعتذرت عن المجيء.
لوحظ شبه غياب للمسرحيين المحترفين عن العروض المسرحية، وخصوصاً الجدية منها. وعلق احدهم على ذلك: من الطبيعي جداً الا يذهب اهل المسرح الى المسرح عندنا!
الكاتب السوري سعدالله ونوس الذي تلقى العلاج مؤخراً في باريس وعاد الى دمشق، كان حاضراً في المهرجان. فالدكتور فوزي فهمي نوه به في كلمة الافتتاح، ومجلة "تياترو" المسرحية خصصت به عددها الثالث.
العروض الفائزة
- جائزة افضل عرض مسرحي مناصفة بين كل من "الجيب السري" لبنان و"النو" سورية.
- جائزة الاخراج لمخرج عرض "في انتظار غودو" مولدافيا.
- جائزة الدور النسائي مناصفة بين كل من باربارا وزيكان عن دورها في العرض البولندي "المسرح امرأة" وكفاح سلامه عن دورها في العرض الاردني "المتمردة والاراجوز".
- جائزة الدور الرجالي مناصفة بين ميهاي مالايماري عن دوره في العرض الروماني "يا هذا قد مات الموت"، وممثل دور استراجون في عرض مولدافيا "في انتظار غودو".
- جائزة التقنية لفرنسا عن عرض "كتالوج سعادة بدون تاريخ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.