تتفق مصادر الحزبين الحاكمين في اليمن، المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي، على القول ان التظاهرات التي اجتاحت المدن الكبرى، وخصوصاً صنعاء وتعز، سببها "الضائقة الاقتصادية" التي تعاني منها البلاد. والجدير بالذكر ان سعر الريال اليمني تدهور خلال الايام القليلة الماضية حتى وصل الى 54 ريالاً مقابل الدولار الاميركي في مدينة تعز. ولوحظ ان اندلاع اعمال العنف في تعز، في 9 الشهر الحالي، سبقها انعقاد مؤتمر جماهيري حاشد ناقش على مدى يومين، كما علمت "الوسط"، وثيقة الاهداف العامة الخاصة به ثم اقرها. وانتخب المؤتمر مجلس عمل جماهيرياً للمحافظة مكوناً من 75 عضواً، وامانة عامة من 15 عضواً. وأصدر المؤتمر في ختام اعماله، في 3 كانون الاول ديسمبر الجاري، بياناً تضمن مطالب عدة ابرزها: المطالبة بتحسين اوضاع المدينة وحمايتها من السيول وتحقيق التنمية التي تحتاجها المحافظة. تنفيذ جميع القوانين الصادرة عن مجلس النواب وتعديل قانون الادارة المحلية واخضاعه لمبدأ الانتخابات الديموقراطية. اطلاق سراح المعتقلين السياسيين من ابناء محافظة تعز. حصر مخصصات شؤون القبائل، واعطاء محافظة تعز نصيبها من هذه الموازنة. نقل المواقع العسكرية من المدن والعاصمة، والاسراع في توحيد القوات المسلحة. وابعاد الاحياء السكنية عن هيمنة الضباط واحترام حقوق جميع المواطنين. واتاحة الفرص امام جميع ابناء اليمن في العمل والتوظيف ودخول الكليات العسكرية. وطالب المؤتمر بمكافحة ظاهرة التهريب واعادة الامن والاستقرار الى مدينة تعز. على مستوى المعالجة السياسية لظاهرة الشغب الاهلي والمسيرات الشعبية الغاضبة، تزامنت احداث العنف في مدينة تعز في 9 كانون الاول ديسمبر الجاري مع مواصلة حكومة حيدر ابو بكر العطاس اجتماعاتها المفتوحة لليوم الرابع في صنعاء لاستكمال معالجة الاوضاع الاقتصادية. وقررت الحكومة اليمنية في ختام اجتماعاتها التي صادفت انتقال ظاهرة العنف والاحتجاج الشعبي الى صنعاء رفع توصياتها بهذا الشأن الى مجلس الرئاسة. وطلبت الحكومة عقد اجتماع مشترك مع مجلس الرئاسة لاتخاذ قرار نهائي بصددها. وكانت حكومة العطاس وضعت في 15 كانون الاول ديسمبر العام 1991 برنامجاً سياسياً واقتصادياً طموحاً تحت عنوان "برنامج البناء الوطني والاصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والاداري" اقره مجلس النواب اليمني في 15 كانون الاول ديسمبر 1991. غير ان البرنامج يتطلب تنفيذه شرطين: تطبيق الخطة الامنية اي جمع الاسلحة وبسط سلطة الدولة في كل انحاء الجمهورية اليمنية، بما فيها مناطق وجود القبائل بكل اعرافها وقوانينها وقواتها الامنية الخاصة. وانهاء ظاهرة العنف في الشارع الشعبي اليمني. والشرطان الضروريان لتطبيق الخطة الحكومية الانقاذية، التي بلغت العام الاول من عمرها، مرتبطان ايضاً بقدرة الحزبين الشريكين، الاشتراكي والمؤتمر، على التشاور والتنسيق، وهذا الطموح السياسي غير متوفر حتى الآن في صنعاء. الازمة الاقتصادية التي يواجهها اليمن بعد اكثر من عامين من اعلان الوحدة بلغت درجة من الخطورة حتمت على الدولة البدء بتطبيق سياسة التقشف وعصر النفقات على كل المستويات. وفاقم الازمة الاقتصادية تدني كمية النفط المصدرة الى الخارج، بسبب ازدياد الاستهلاك المحلي الذي وصل الى 65 الف برميل يومياً، اي ما يعادل حوالي نصف كمية الانتاج. ثم تدني اسعار النفط الخام في السوق العالمية. وقال مصدر مسؤول في صنعاء لپ"الوسط" ان الحكومة اليمنية مدينة للبنك المركزي بپ75 مليار ريال يمني. وكانت مصادر اقتصادية اكدت لپ"الوسط" ان اليمن خسر 17 في المئة من اجمالي الناتج القومي، و70 في المئة من دخله من العملات الصعبة بعد حرب الخليج، حيث اعتمد الاقتصاد اليمني بشكل اساسي على عائدات العمالة اليمنية، من دول الخليج، والتي كانت تحول سنوياً قرابة 2.1 مليار دولار. وتفيد مصادر مطلعة داخل وزارة العمل اليمنية ان نسبة البطالة بلغت 27 في المئة من مجموع الايدي العاملة، وان نسبة المديونية الخارجية بلغت 5.7 مليار دولار، ما ادى الى تدهور قيمة العملة المحلية الريال تجاه الدولار. وتعتقد مصادر اقتصادية عليمة في صنعاء ان كل هذه المعطيات مجتمعة تسببت في حدوث ظاهرة الارتفاع الجنوني في اسعار السلع الغذائية وقد دفع هذا الوضع الحكومة اليمنية الى السماح للتجار والمستوردين بشراء العملات الصعبة من السوق لتغطية عمليات استيراد السلع التموينية. وتعترف مصادر يمنية مسؤولة بأن احد الاسباب الرئيسية للازمة الخانقة هو التضخم الاداري في الجهاز السياسي للدولة اليمنية الموحدة. فالعجز العام في الموازنة بلغ 15 مليار ريال. ويأكل بند "الاجور والمرتبات" وحده قرابة 53 في المئة من الموازنة. وهذا العجز ادى الى تأخر رواتب قطاعات واسعة من القوات المسلحة اليمنية، التي يتردد ان موازنتها السنوية نفدت منذ فترة، ما ادى الى حدوث تمرد في مأرب وعدن اواخر الشهر الماضي ومطلع الشهر الجاري. ويعترف قادة سياسيون من الحزبين الحاكمين، المؤتمر والاشتراكي، بأن عملية الوحدة التي تمت بقرار سياسي لم تصحبها دراسات واحصاءات دقيقة تمكن سلطات دولة الوحدة من اعادة بناء مؤسسات القوات المسلحة والجهاز التعليمي ووزارة الخارجية بما يؤمن للجمهورية اليمنية ما تحتاجه من هذه المؤسسات الاستراتيجية ويوفر عليها الاسراف الكبير من المال العام، لأن عملية الدمج بصورة عشوائية ارهقت كاهل السلطة واخرجت المواطنين الغاضبين الى الشوارع وعرضتهم لنيران قوات الامن التي عادت الى الاخذ بنظرية "المؤامرات الخارجية". في مقابل ذلك حذر حزب التجمع اليمني للاصلاح الحكومة اليمنية من استغلال حوادث العنف الاهلي "كي يحاصر العملية الديموقراطية ويسعى الى وأد الديموقراطية" كما قال الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، رئيس حزب التجمع اليمني للاصلاح، لپ"الوسط" في اتصال هاتفي.